عرب اليوم ما بين :
كماشة الإمبراطوريَّة المجوسيَّة الفارسيَّة الحالمة.
ومطرقة الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة الهزيلة والبائدة.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
يطيب لي في أول العام الميلادي ٢٠٢٠ أن أترحَّم على رجالات العرب قبل الإسلام، وأُنادي إمرؤُ القيس :
ذلك الملك العربي الفارس الذي نصب له الروم أي البيزنطيين تمثالاً بعد مماته وبقي قائماً حتى سنة ١٢٦٢ حيث قال إبن النديم أنَّ الخليفة المأمون قد مر بتمثال إمرؤ القيس بالقرب من أنقره أثناء غزوه للصابئة.
هو قائل ذلك البيت من الشعر الذي يُردِّده عرب اليوم.
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل ِ … بسقط اللوى بين الدخول فحومل ِ .
وأترحَّم أيضاً على المُثنَّى بن حارثة الشيباني الذي دكَّ حصون الفرس المجوس قبل الإسلام.
هو … من قال ( إنَّ الأعاجم تخافنا وتتْقينا )
هو … مؤَمَّر نفسه.
هو … الفارس العربي الذي انقرض.
هو … قبل خالد بن الوليد الذي هدَّم بسيفه على البقية الباقية من حصونهم ومواقد عباداتهم بعد الإسلام مباشرة.
عرب الأمس يبكون على ما آلت إليه أحوال وأوضاع عرب اليوم.
لأنهم :
كانوا … لا يقبلون ذلاً ولا هواناً ولا يقيمون على الضيم ندباً وبكاءً وخنوعاً.
أشاد هيرودوتس بحب العرب للحرية وحفاظهم عليها ومقاومتهم لأيَّة قوة تحاول استرقاقهم أو إذلالهم أو استزلامهم.
كانوا … إذا تعرَّضوا لأي إهانة استلُّوا سيوفهم وأشعلوها حرباً ضروساً.
قال عنهم إبن خلدون في مقدَّمته :
( أهل البدو أقرب الى الشجاعة من أهل الحضر ).
كانوا … أصحاب الشجاعة والأنفة وعزَّة النفس والمروءة.
كانوا … أصحاب الصدق والصبر والتحمُّل.
كانوا …
وبعض حُكَّام العرب اليوم ليسوا.
يلومني البعض لا بل يستغرب الكثرة :
لماذا أعتبر في العديد من مُدوِّناتي وأبحاثي أنَّ مصيبة الإسلام العربي، تكمن في مسلمي الأمصار والأقطار المُتاخمة والبعيدة غير العربيَّة.
ولماذا تعصُّبِّي لقوميَّتي العربيَّة، وأنا بعيد هناك في الغربة الغاربة.
ولماذا لا زلت أعتقد أنَّ تدجين أو تهجين الشعوب غير العربية بالدِّين الإسلامي سبَّب أذيَّة للمسلمين العرب، وللعرب والعروبة أجمعين.
أقول لهؤلاء :
لم يتجرأ مؤرخو العرب قديماً وحديثاً على القول إنَّ مسلمي الأمصار انضووا في الإسلام لأسباب لا تمُتُّ للعقيدة أو الإيمان الصحيح، بل المستشرقون الأجانب صرَّحوا علانية أنَّ مسلمي الأمصار كالفرس اعتنقوا الإسلام، وبني عثمان دخلوا هذا الدين لسبب واحد وهو أن يُمسكوا في بلاد العرب ويحكموا السيطرة على شعوبهم، وما مجريات التاريخ في كل من بلاد فارس وبني عثمان إلَّا خير دليل على الأذى الذي طاول، وما يزال يطاول الكيان العربي.
هذا في العالم العربي اليوم.
ماذا عن بلدي لبنان الأن :
أقول في العلن بعد أن كان الكلام في هذا من المحرمات الإلهية :
ويسألونك عن الجيش.
أين هو ؟
ويسألونك عن القضاء.
أين هو ؟
ويسألونك عن المزرعة.
قُلْ …
هي لبنان بفخامته وعطوفته ودولته وسعادته.
في المُدونَّة :
تميَّز تاريخ العرب بعد الإسلام بأنَّه كان مسرحاً للصراع وأرضاً للحروب وأنهاراً من الدماء ...
حيث تقابل وجهاً لوجه الخائن والوفي، الكاذب والصادق، السارق والأمين.
وكانت الغلبة دائماً وأبداً للخائن والكاذب والسارق.
وإذا قمنا بتعداد الصراعات والحروب والفتن والمؤامرات والدسائس التي كانت تعيش وتترعرع في سهول وجبال وبطاح وصحارى الأمة العربية والإسلامية، يطول الشرح ويكثر السهو والخطأ.
ولكن لا بُدَّ من أن نتذكَّر لعلَّ في الذكرى بعض العِبَرْ.
- الصراع ما بين الإمام علي وانصاره وبين ومعاوية وورثته.
والذي تحوَّل إلى صراع تاريخي ما زالت تداعياته في التاريخ الإسلامي والعربي حاضرة حتى اليوم ...
لأن جراحه ثخينة ..
وصيحاته مدويِّة ..
وآلامه قاسية ..
ودماؤه سيَّالة الى يوم الدين.
وكما يقول الغرب والشرق وسكان باقي المجرَّات عن هذا الصراع الذي إستمر لقرون وما يزال :
Endless wars.
- القضاء بعد ٩٠ سنة على السلالة الأمويَّة على يد أبناء العمومة من بني العبَّاس.
- الخلافة العباسية التي نخرها الفساد بعد ٢٠٠ سنة من الحكم، حيث بقيت ٣٠٠ سنة أُخرى هزيلة، ضعيفة لا يتجاوز نفوذها العراق، بدليل أن سطوتها، وهيبتها وبأسها، أنهكه :
- البويهيون
- المقاتلون الأتراك الذين كانوا يمسكون بزمام الجيش.
- الطولونيون.
- الإخشيديرن.
- آل زنكي.
- الأيوبيون.
- الأمويون في الأندلس.
- المرابطون.
- الموحِّدون.
- الأدارسة.
- الأغالبة.
- الحفصيون.
- الوطاسيون في شمال إفريقيا.
- المماليك.
وقد أجمع من دوَّن التاريخ العربي الصحيح والصادق غير التاريخ المنافق والكاذب أنَّ الخلافة العباسيَّة أبقت على الخلافة الإسلامية الدينية الإسميَّة فقط. أمَّا ما كان يجري في الأمصار والأقطار التابعة لهذه الخلافة، كان المناداة بالجوامع بإسم خليفة المسلمين القابع في بغداد، وخلاف ذلك كان بيد القادة المذكورين في أعلاه.
- الخلافة العثمانية.
حدِّث ْ هنا ولا حرج عليك ..
فلا عيب عندهم في الخساسة ..
ولا ضير عندهم في النذالة ..
بسطت هذه الخلافة العثمانية، ظلامها وظلمها على العالم العربي لقرون منذ أوائل القرن السادس عشر.
كسابقتها وعلى شاكلة الخلافة العباسية ضَعُفتْ، وهٓزُلتْ ..
أمام :
-مملكة محمد علي في مصر.
-مملكة البايات في الجزائر.
-مملكة الدايات في تونس.
-والأئمة الزيديين في اليمن.
الغرائب والعجائب في التاريخ العثماني الذي إدعى زوراً وبهتاناً أنَّ هذه الخلافة هي خلافة إسلامية، وإمتداداً لها بعد سقوط الخلافة الإسلامية العربية في بغداد.
لم يشهد التاريخ العالمي طرائق وأساليب في تداول الحكم كما كان يحصل في في السلطنة العثمانية.
حيث كان هناك قانوناً مُتَّبعاً ومُطبَّقاً ومتعارفاً عليه هو ...
عادة قتل الإخوة أو حبسهم أو سجنهم في أقفاص حتى الموت.
ومن الأمثلة :
قيام السلطان محمد الثالث بالعام ١٥٩٥ بقتل ١٩ أخاً له وإثنين من أبنائه.
إعدام الأعمام وأولاد الإخوة، كان سِمة وطقس من طقوس الحكم عند بني عثمان، إذ أصبحت الأُسرة الحاكمة مهدَّدة بالفناء، حيث ضعُفت البنية الجسديَّة والنفسيَّة، حتى أنَّ العديد من السلاطين كان مصاباً بالجنون والعلل، إلى أن أُطلق على الإمبراطورية العثمانية في أواخر أيامها بالرجل المريض.
أخيراً …
يسألونك عن عرب اليوم.
قُل لهم، البعض منهم يتراكضون لاهثين وراء الحُثالة.
قُل لهم، البعض الأخر منهم يتسابقون ندباً ولطماً وبكاءً ونحيباً وراء من يحلم ليلاً ونهاراً بأخذ الثأر، مِن مَنْ دَّك حصونهم ومواقد نارهم.
قُل لهم أنَّ الأكثرية الساحقة قصتهم مثل ذلك المثل العربي الشهير :
لا ناقة لي فيها ولا جمل.
لعمري، قالوا عنهما عرب
لعمري، العرب منهما براء.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
الفاتح من العام ٢٠٢٠م.
المرجع :
المُدونَّات الفيصليَّة.
أعلام وحوادث وشخصيَّات تاريخية.
الطبعة الأولي حزيران ٢٠١٨
بيروت / لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق