الثورات في لبنان عبر التاريخ الحديث.
وثورة ( لبنان ينتفض )
بعد تكليف الدكتور حسان دياب رئيساً للحكومة.
هل من فوارق ؟.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
لَمَّا كانت البروفيسورة الدكتورة كريستل ( اللبنانية الأصل ) في جامعة السوربون الفرنسية،
(من قِصَّة كراون دايسي وكريستل لصاحب المُدونَّات الفيصليَّة طبعة حزيران ٢٠١٨م. بيروت ).
تخوض نقاشات مع زملائها الأساتذة وتغمز من قناة دور فرنسا في إنهاء انتدابها لوطنها لبنان، وتقارنه مع دور الولايات المتحدة الاميركية بعد إنزال النورماندي، كانت تقول جهاراً وعلناً أنَّ فرنسا تركت لبنان بعد انتهاء انتدابها يتخبط بالمشاكل ( عمداً وعن سوء نيَّة ) بينما أميركا بعد إنزال النورماندي جعل من فرنسا دولة عظمى.
صدقَّت الدكتورة كريستل.
فرنسا بعد الانتداب خلقت مولوداً جديداً وجعلته كياناً طائفياً يرتع فيه ملوك وأمراء الطوائف بدل أن يكون دولة ووطناً لجميع أهله.
منذ إستقلال هذا الكيان الطائفي عن فرنسا، وقبل ذلك بعد حكم حثالة قبائل بني عُثمان الذي دام لقرون من العهر والفساد والظلم، لم يتركوا لنا إلا ألقاب الفخامة والعطوفة والدولة والسعادة في عصر يقول الغرب لرئيس البلاد ( السيد الرئيس )، وفِي الشرق يناديه ( بالرفيق ).
في المُدونَّة :
تاريخ لبنان قديم، وبفضل موقعه على ساحل البحر المتوسط وتوسطه للطرق التجارية بين أوروبا وآسيا وأفريقيا جعله موئلاً لثقافات عديدة أعطته أهمية تاريخية.
لبنان الحالي حتى الآونة الأخيرة كان له طابع ثقافي عربي مطعم بتأثير غربي وفرنسي على الخصوص.
ولفترة من الزمن كان لبنان الدولة الوحيدة ذات الأكثرية المسيحية في الوطن العربي، إلا أن هذه الأكثرية أخذت بالتقلص أمام تزايد عدد المسلمين.
هذا التحوُّل الديموغرافي جعل لبنان يمر بالعديد من الخضَّات السياسية من أجل السيطرة علي مقاليد الحكم.
إذا نظرنا إلى تاريخ ( الكيان الطائفي اللبناني، وليس الدولة بالمفهوم الدستوري ) نرى أنَّ الطائفية متجذرة في النفوس ومكرسة في النصوص وهذا ما يُعيق ويؤخر نجاح أي ثورة أو إنتفاضة أو تحرُّك شعبي، والتاريخ يشهد بذلك عندما يتلاعب فراعنة السياسَّة في هذا الكيان الطائفي هم وكهنتهم في تغذية وتحويل المطالب المعيشية الى سموم من الطائفية المقيتة.
والحق يقال، والتاريخ يذكر أنَّ الطبقة التي حكمت لبنان منذ بني عُثمان ( بعد سقوط هذه الإمبراطورية البائدة ) حتى عشيَّة ( لبنان ينتفض ) نجحوا وأحكموا السيطرة وجعلوا من التحركات الشعبية لا تتعدى تململ في الشوارع للتنفيس عن ما في الصدور لأنَّهم توافقوا واتفقوا وتآمروا وتعودوا على زرع أحقر أزلامهم في الاحتجاجات الشعبية لنفخ السموم الطائفية من أجل تحويل مجرى المطالب الى غرائز مذهبية لم ولن تنتهي.
وإن ننسى لا ننسى كيف وافقت السلطة المنتدبة الفرنسية على إرتباط كل طائفة في هذا الكيان إلى جهة خارجية تحميها ليصبح هذا الكيان عدة محميات من دول خارجية ( بدءً ب الأم الحنون، وإنتهاءً ورجوعاً الى جذور دينية، أو مذهبية كولاية الفقيه ).
قرأنا في كُتُّب التاريخ أنَّ لهذا الكيان الطائفي عِدَّة ثورات، سأحاول ذكر بعضها والألم يعصرني، والقهر يُنهكني لأنِّي سأصل إلى نتيجة واحدة وهي أنَّ المزرعة بقيت مزرعةً بعد أي ثورة مع تعديلات طفيفة في البنيان.
والكيان بقي كياناً بعد أي ثورة مع علو شأنه في الفساد والإفساد.
وحتى لا يقول قائل أنَّ التشاؤم ما زال مسيطراً …
فإنِّي سأغرب وجهي عن قرون من حكم حثالة بني عُثمان، بالرغم من الوشوم البادية والظاهرة على جسد الأمة العربية حتى تاريخه.
وإنِّي سأتجاهل الحروب الإسلامية المذهبية التي لم ولن تنتهي منذ أكثر من الف عام، بالرغم من إحيائها أمس واليوم وغداً.
وأقول، في كل هذه الثورات والانتفاضات والتحركات الشعبية كان العلاج من قبل السلطات التي تعاقبت في الحكم، هو الكي في وخز الإبر المليئة بسموم الطائفية البغيضة.
وما نشهده اليوم وغداً في ثورة ( لبنان ينتفض ) هو خير دليل من وخز الإبر الطائفية.
ولكن أقول :
أنَّ هذه الثورة ( لبنان ينتفض ) قد تكون مغايرة للثورات التي سبقتها وتمَّ إجهاضها في المهد، لأنَّ العوامل المالية التي تعود إلى الدول الأجنبية التي سبق وقدمت مساعدات الى الحكومات اللبنانية المتعاقبة على مرِّ السنوات الماضية تبَّين لهذه الدول أنَّ هذه المساعدات قد نهبها وسرقها من كان يمسك بزمام الأمور.
يضاف الى ذلك أنَّ اقتصاد معظم الدول المانحة الأوروبية وخاصة فرنسا ما زال يترنح تحت ضربات السياسات المالية للولايات المتحدة الاميركية حتى مع حلفائها في أوروبا.
والأهم من كل ذلك أنَّ الولايات المتحدة الاميركية وروسيا وبعض الدول الإقليمية المجاورة والملاصقة قد أوكلوا الملف اللبناني الى فرنسا.
( يراجع مدونتي تاريخ ٢٨ تشرين أول ٢٠١٩م. بعنوان لبنان ينتفض. والدول صاحبة القرار. والدول الإقليمية. قالت كلمتها ).
فيما يلي ذكر لهذه الثورات للتذكير فقط.
الحرب الأهلية بالعام ١٨٤٠م بين الدروز والموارنة.
الحرب الأهلية بالعام ١٨٦٠م. بين الدروز والموارنة.
هذه الحروب لم تُطح بالنظام الطائفي، لا بل أدت إلى تكريس الطائفية.
ثورة طانيوس شاهين بالعام ١٨٥٨ - ١٨٦٠م.
هذه الثورة خاضها طانيوس شاهين ذلك المزارع في بلاد كسروان من لبنان ضد الإقطاعيين الموارنة من آل الخازن بين عامي ١٨٥٨ و١٨٦٠ واستطاع طردهم إلى بيروت ومصادرة ممتلكاتهم وأعلن تأسيس الجمهورية.
لن أتوسع كثيراً في هذه الثورة لأنَّها أُجهضت بعد أن بدأ طانيوس شاهين بتجهيز جيشه لمقاتلة الإقطاعيين الدروز. وكانت النتيجة هي الحرب الأهلية في الجبل ما بين الدروز والموارنة.
ثورة طانيوس شاهين اصطدمت بجدار الطائفية وكان مصيرها الفشل.
الحرب الأهلية عام ١٩٥٨م.
كان التدخل الأجنبي الخارجي واضحاً إذ أن الثورة على الرئيس كميل شمعون جلب تدخلاً أميركياً.
هذه الحرب لم تُطح بالنظام الطائفي، لا بل أدت إلى تكريس الطائفية.
الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥ - ١٩٩٠م.
نتائجها، أتفاق الطائف ومن ثم سيطرة الجيش السوري على معظم لبنان.
هذه الحرب أيضاً لم تُطح بالنظام الطائفي، لا بل أدت إلى تكريس الطائفية.
ثورة الجياع 1997 التي قام بها الشيخ صبحي الطفيلي (الأمين العام السابق لحزب الله عام 1989). وذلك عندما أعلن العصيان المدني عام 1997، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ( للشيعة اللبنانيين ).
لم يرض “حزب الله” عن إعلان العصيان المدني، فاتخذ قراراً يوم 24 كانون الثاني/ يناير عام 1998 بفصل الشيخ الطفيلي من الحزب.
شارك الجيش اللبناني إلى جانب “حزب الله” في القضاء على هذه الثورة.
ثورة الأرز أو انتفاضة الاستقلال الثاني عام 2005
قامت ثورة الأرز بعد جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في 14 شباط/ فبراير 2005.
وعلى إثر ذلك جرى إجهاض هذه الثورة عن طريق تشكيل فريق جديد هو
الثامن من آذار 2005، وكان رأس حربة الثورة المضادة ميليشيا “حزب الله” التابع لإيران.
هذه الثورة لم تُطح بالنظام الطائفي، لا بل أدت إلى تكريس الطائفية.
ثورة القمامة “طلعت ريحتكن” عام 2015 :
ملأت القمامة شوارع بيروت وعدد من المدن اللبنانية، فتحرك الشباب اللبناني مجددًا ضد الطبقة الحاكمة الفاسدة.
وقد تمَّ وأد تلك الحركة الاحتجاجية دون تحقيق أي هدف.
ثورة ( لبنان ينتفض ) في ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩م. :
كانت الشرارة أو القشَّة التي قصمت ظهر البعير الضريبة على الواتساب التي فرضتها وزارة الاتصالات اللبنانية.
وها هو لبنان يعيش هذه الثورة وكأنَّ شيئاً لم يحصل لدى الماسكين في الرقاب والعباد، لأنَّ التجاهل والإنكار للمطالب الشعبية لم يحرِّك الضمائر المحلية.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا.
٢٠ كانون الأول ٢٠١٩م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق