يوميات ( لبناني ) مُهاجر، مُغترب، مُنتشر إضطر أنَّ يترك وطنه ( الجزء الثاني )
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
آليت على نفسي أثناء بدء ( لبنان ينتفض ) أن لا أكون مُتشائماً وقد أشرت في بعض يوميات مهاجرة ( الدكتورة كريستل مِنْ روايتي كراون دايسي ). أنَّ لبنان هو هو حتى قيام الساعة، أو الى حين إنبلاج فجر الكرامة.
يُراجع :
١ - في لبنان : ( فخامته ينتفض ودولته ينتفض والشعب ينتفض ولبنان ينتفض ).
٢ - ( يوميات مُهاجر ( الجزء الأول ) منذ بدء الانتفاضة ).
أمَّا وقد شارفت هذه الانتفاضة على وضع الجمر تحت الرماد ( ليس إلا ) سأنقل لكم بعض من ملاحظاتي :
يُلاحظ أنَّ الفضائح المالية والسرقات باتَّت للعلن مع ذِكْر أسماء أصحاب الفخامة والعطوفة والدولة والسعادة دون خوف أو وجَّل، كلٌ مع المبلغ المنهوب والمسروق من المال العام.، وهذا سلاح جديد بدأ يعصف ويفتك بالمنظومة السياسية في لبنان لإنهاكها ومن ثمَّ إنهائها.
كذلك بدا واضحاً أنَّ الجهة التي كان بمقدورها إنهاء هذه المحنة هي الجيش اللبناني عن طريق وضع اليد بالقوة على كافة مفاصل الدولة وتطهير ( القضاء الحالي من القضاة المُفسدين ) وفرض تطبيق القوانين المرعية الإجراء في الإثراء غير المشروع وفتح السجون.
سبق أن ذكرت لم يؤخذ بهذا الإجراء لعدة أسباب منها أنَّ الادارة الاميركية الحالية كغيرها فيما مضى وبظروف مشابهة أو مماثلة تؤثر تكليف جهة خارجية أو إقليمية عربية لأنَّها ما زالت تؤمن بأن اللبنانيين ليس بوسعهم حِكم أنفسهم والشعب اللبناني العنيد ما زال يذكر ( قوات الردع العربية بعد الحرب الأهلية اللبنانية ) أنَّها كانت باباً لفرض الهيمنة السورية على لبنان.
والشعب اللبناني ما زال يذكر كيف كان زعماء لبنان ينتظرون أزدراءً وتحقيراً لمقابلة الضابط السوري المكلف حكم لبنان، سواء كان في مجدل العنجر او مدينة شتورا أو فندق في بيروت، حتى أنَّ إسرائيل لم تُعارض آنذاك هذا التواجد السوري.
والشعب اللبناني المُنتفض اليوم ما زال يذكر كيف كان يجري تشكيل الحكومات بسرعة البرق والبريد والهاتف حتى تاريخ خروج وإنسحاب ذلك الضابط مع جحافل الجيش السوري بالتدريج بأمر من الادارة الاميركية الى سهل البقاع تحت وطأة الاحتجاجات بعد مقتل رئيس وزراء لبنان المرحوم رفيق الحريري.
والشعب اللبناني العتيد ما زال يذكر كيف أصبح تشكيل الحكومات بعد الخروج السوري، إمَّا عن طريق عملية ولادة قيصرية تطول وتطول، بعد مخاضٍ عسير ومقرف ومهين الى أن تكتمل تسويات السرقة والنهب والمحسوبيات الخَّ من عوارض أنهكت كرامة الشعب اللبناني وأذلَّت مواطنيه وفتحت أبواب الهجرة على مصراعيها.
حالياً وفي ظل هذه الانتفاضة وما بعدها، أميركا غير مستعدَّة للتدخل عسكرياً أو الطلب من الجيش اللبناني أن يحسم الأمر، بل رُسمَّت له خطوط حمراء هنا وهناك منذ حادثة البساتين / قبر شمون والآن كان دوره في هذه الانتفاضة حماية المتظاهرين من تدخل عناصر حزب الله.
سلاح أميركا الجديد هو الدولار وليس العتاد الحربي، ولهذا السبب نرى الأرقام الخيالية المسربَّة من حسابات زعماء لبنان تُباع وتُشرى في سوق النخاسة بتهريب مِن الخزانة الاميركية ورضى كامل منها.
روسيا مُهتمة بإغلاق الملف السوري ولا يزعجها الاهتراء اللبناني كذلك النظام السوري الذي هو أول من دقَّ باب مغارة علي بابا و … حرامي ( اللبنانيَّة ) ليزيد في الطين بلَّة عندما فتح ملف أحد رؤساء الحكومات اللبنانية نجيب ميقاتي.
إسرائيل مُنذ أن تواجد حزب الله على حدودها ( بموافقة ضمنية منها ) بصواريخه وعتاده الحربي لا يُزعجها أن يستعمل سلاحه في الداخل اللبناني في هذه الانتفاضة، لا بل قد تُشجِّع وتعمل على تأجيجه ( شرط ) التقيد بخطوط حمراء رسمتها في رمال لبنان المتحركة.
الشعب اللبناني يعرف أنَّ سلاح حزب الله في الربيع العربي لم يوجَّه ضد إسرائيل، بل إصطلى بناره الدوَّل العربية ( سورياً اليمن السعودية ولبنان )..
تحت مظلَّة :
Endless wars.
أخيراً وبكل حرقة حُزن أقول :
لم تتفق الدول الكبرى ( أميركا وروسيا ) والدول الإقليمية ( السعودية وإسرائيل ومصر وسوريا المنهكة ) على تضميد جراح الشعب اللبناني المُنتفض.
لم يتفق ملوك وأمراء وزعماء لبنان، إلاَّ على سرقة ونهب لبنان وإذلال شعبه المقيم والمنتشر مُنذ الإستقلال.
لم توقظ هذه الانتفاضة غفلَّة المنظومة الحاكمة الحالية في أن تجتمع وتُعيد بعضاً من الأموال المنهوبة قبل فوات الآوان كما ذكرت في إحدى مدوناتي، لأنَّ الحساب سيكون بعد حين على طريقة :
وفي الصيف ضيعت اللبن.
لذلك …
وبناء عليه …
أسترجع عينَّة من مُعاناة مُهاجر، مُغترب، مُنتشر في هذه المعمورة كابده الشوق لموطنه لبنان.
كتبَ يقول في مذكراته التي تفيض بالحنين والشوق والرغبة في العودَّة منذ مغادرته موطنه الأم لبنان.
في المُدونَّة :
عندما هبطَّت الطائرة التي أقلَّته في مطار نيويورك الدولي، كان في استقباله شقيقته التي فاجأته بأنَّه سيمضي ثلاثة أيَّام في هذه المدينة سائحاً، مموِّهَّا عن نفسه من عناء السفر الطويل وبعيداً عن الأحزان على فراق الأهل والوطن.
كانت نيويورك مربط خَيْل والده الذي هاجر اليها في بداية القرن العشرين، حيث كان حينها في الثامنة عشر من عمره، ومنها إلى جزيرة نائية في الكاريبي، فأشرقت شمس نجاحه التجاري بعد حين، وصارت نيويورك مقصده لترويج تجارته.
الوصول إلى الفندق كان محطَّة استعاد فيها ذكرياته مع والده حين كان يرافقه
طفلاً صغيراً، أثناء زياراته المتعدِّدة إلى هذه المدينة.
مدينة نيويورك في سبعينيات القرن الماضي كانت عاصمة المال والاقتصاد، والتجارة العالمية. ولا تزال حتى الآن.
هنا نيويورك … لا تستطيع وأنت القادم من الشرق مُكبَّلاً بتقاليده وعاداته، إلَّا أنْ ينتابك الاستغراب عندما ترى كيف تجانست، وتعانقت كل هذه الأديان والملل والشعوب وألوان البشر، وكيف امتزجت مع سُدرة منتهى العلم، حتى باتت هذه المدينة عاصمة العالم دون مُنازع.
ذهب به تفكيره كيف أنَّه وغيره، وقبله من سكان وطنه الجريح لبنان، هُجِّروا أو هجروا إلى أقاصي العالم خوفاً من انفلات الملق، وانبعاث روائح الجهل الديني والاستبداد في فرض هيبة ملوك وأمراء الشوارع في كل مدينة أو حارة أو زقاق من هذا الوطن الهزيل ببنيانه العلمي والديني والأخلاقي، والسياسي.
خلال إقامته قسراً في العالم الجديد، لفتته تعابير جديدة في مصطلحات التاريخ السياسي الأميركي إبَّان ثورة الاستقلال عن بريطانيا العظمى بالعام ١٧٧٦ وما بعدها.
كذلك تأثَّر بما أنتجته الحرب الأهلية الأميركية بالعام ١٨٦١ وما بعدها.
كان ...
إذا أراد التحدُّث عن العفَّة السياسية فلا يري بديلاً عن جورج واشنطن الذي رفض أن يبقى رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، لفترات طويلة، مستنداً إلى منطق الثورة، وهو نزع الذهنية المٓلٓكِّية والتوريث السياسي في إدارة العالم الجديد.
كان ...
إذا أراد أن يعطي مثلا عن الحنكة القانونية، لا يستبعد واضع وثيقة الاستقلال الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية توماس جفرسون.
كان ...
إذا أراد البحث في التفوُّق الدبلوماسي، تنتصب أمامه قامة بنجامين فرانكلين، صاحب الصولات والجولات فى أروقة بلاط الملكيَّات الأوروبية سفيراً للثورة المجيدة في ذاك الزمن.
أمَّا ....
فيما يخص شرعة وحقوق بني البشر، كان لا يرى، مثالاً إلَّا آبراهام لنكولن.
أمَّا ...
الصداقة النبيلة، المخلصة، فكان لا يجدها إلاَّ في ماردين شامخين في مخزون مفهوم الصداقة الذي لا ينضب عندهما آلا وهما الجنرال غرانت، والجنرال شيرمان.
في هذا الجو العابق بأزهى ألوان العلم وحضارة القرن العشرين بدأ ينهل من مِنْ تلك الحضارة الأجمل والأرقى، وبدأ يغرف من علوم الأوائل كل مفيد.
أدرك أنَّ مخزون الحضارات القديمة، يُمكن أن تتدفق وتجري إلى العالم الجديد، لكن بوسائل وطرائق تزيدها رونقاً وجمالاً عن طريق رجالات وأدمغة تؤمن بالتطوُّر، والاعتراف بالفكر الآخر.
في هذه الحقول الزاخرة بالعلم ومباهج الفنون والعلوم، كانت ذكريات وطنه الأم لا تُفارق مُخيَّلته وفكره وخياله ووجدانه.
كان يعتبر الولايات المتحدة الأميركية، دولة رائدة تقوم على تلاقي جنسيَّات المعمورة كلَّها، وعلى إبتلاع لغات الكون حيث تدرَّس جميعها في جامعاتها، ولها نظام مبرمج، مقونن عن الهجرة، ووسائل أو طرائق، لجذب عقول البشر من الجنسيات كافة للاستفادة منها وإنَّ عبارة :
God bless America
وُضعت للدلالة على أنَّه من نِعَم الله على أميركا، هو العلم والخير الذي يجلّبه المهاجر لهذا العالم الجديد.
وأخيراً …
ما زال مُقيماً في الغربة ينتظر …
كما إنتظر المرحوم والده قبله …
وينتظر قبل أن تحين ساعته …
ينتظر أن يتوقَّف توزيع المغانم ما بين الساسَّة وتوريثها الى ذريتهم.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا.
٩ تشرين الثاني ٢٠١٩م.
0 comments: