إنَّها صليما،
مسقط رأس أبي وأُمي.
إنَّها قريتي.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
يستسيغ البعض وهو يعتمر قبعة الجهل ويلف جلباب الجهالة، القول إذا أنتَ لست مُقيماً في لبنان لا يجوز لك الكتابة عنه أو عن مؤسساته أو إداراته الخ.
ويعتقد البعض الأخر الذي يُنصِّب نفسه حارساً من حُرَّاس الهيكل بإمكانه رسم الحدود الحُمْر لي فيما أقول أو لا أقول.
ويظن البعض الأكثر من الأخرين تأتأةً أن ملكَّة الخطابة والكتابة إنعقدت لناصية لسانه ليس إلا.
ويظن البعض الأقل من الأخرين وزناً أنه بالنسبة لي في الكيل والميزان، لا يصلح في العير أن يكون له مقاماً ولا في رصِّ صفوف النفير أن يُحسب له قدراً ووزناً.
أقول لهؤلاء جمعاً ورهطاً ومُفرقاً وعلى قافية كلامهم سجعاً مُلوثاً ركيكاً مُفككاً ومُنمقاً ومُملاً.
مِن شرفة منزلي في قريتي صليما هذا هو جبل صنين.
فمن لا يراه من شرفة منزله لا يجوز له الكلام عن جبال لبنان.
هذا خطابٌ.
وهذا إملاءٌ.
وهذا جهلٌ.
وهذه خطوط الحُمْر التي رُسمَّت لي على رمالٍ مُتحركة.
وهذه ناصية الكلمة التي تبلكَم ناطقها والأرض تميد تحته.
وهذا جهلٌ فوق جهلِ الجاهلينا.
أقول :
مُدونَّاتي هي من قبيل قُل كلمتك وإمشي.
لا حسيباً ولا رقيباً أحسب له حساباً.
طالما …
الفكر والضمير نبراسي.
والكلمة الجريئة مقصدي.
والعقل مكمن أيماني.
شاء من شاء.
وأبى من أبى.
هذه مُقدِّمتي التي لا بُدَّ منها.
فليقرأ من يُحسن القراءة.
وليسمع من ليس في أُذنه طنين أو رنين.
في المُدونَّة :
ظ ويسألونك عن صليما.
إنَّها قرية هادئة، إتخذها الأمراء اللمعيون عاصمة لإمارتهم، إعتباراً من العام ١٦٣٠م.
تبعد صليما عن بيروت حوالي ٣٦ كلم.
وتقع في المتن الجنوبي، قضاء بعبدا، ترتفع حوالي ٩٠٠ متراً عن سطح البحر.
ويقول أنيس فريحة في كتابه :
مُعجم أسماء المدن والقرى اللبنانية.
إنَّ أسماء الأمكنة في لبنان قديمة جداً، وهي في معظمها أمورية أو كنعانية أو فينيقية أو آرامية، والراجح أنها أسماء سريانية.
أما الأسماء العربية فهي قليلة جداً.
يقول الدكتور فريحة عن إسم صليما :
إنَّه يعني الأصنام او الصنم المنقوش والمنحوت.
ونظراً لِثقلها السياسي في ذلك الوقت، سكنها وعاش فيها عائلات كثيرة
مسيحية ودرزية وهي :
المصري، سعيد، التيماني، طلب، الحلبي، البشعلاني، المشعلاني، الناكوزي، الأسمر، رزق الله، الزغلول، الخوري، زين، كساب، الحويك، وبشور، فريحة، ميدعي، شيبان، أسمر، كسّاب، غالب، ناصيف، أبو عسلي، صهيون، القاصوف، وغيرها من العائلات.
إشتهرت صليما، بأنَّ إبنها أنطونيوس يوسف البشعلاني هو أول مهاجر لبناني الى الغرب، تحديداً الولايات المتحدة الأميركية وذلك في العام ١٨٥٤.
كذلك ذاع صيتها كونها عاصمة الإمارة اللمعية التي حكمت منطقة جبل لبنان، ردحاً من الزمن.
فضلا ً عن ذلك كان يوجد فيها سبعة معامل حرير حتى أوائل القرن الماضي، الأمر الذي يستقطب يداً عاملة زراعية لإنماء شجرة التوت، وصناعية لتشغيل هذه المعامل.
في هذه الدراسة سأُركز على صليما إبَّان الحكمين العثماني والمصري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حتى أُبرز الوجه القبيح للإمبراطورية العثمانية البائدة، والتي تركت هي وفلول الحكم المصري جروحاً وقروحاً ونُدوباً في جبين لبنان والعالم العربي.
لم أتمكن من الاطلاع على أي صك مكتوب أو مخطوط، مؤرخ وموقَّع من أي فرد من هذه العائلات الكريمة.
أيضاً لم أعثر على أي قصاصة ورقية تحكي عن ( سفر برلك ) أو أعمال السخرة والتجنيد الإجباري السافر بالجيش العثماني الانكشاري.
ومرد ذلك يعود إلى أنَّ معظم العائلات الدرزية والمسيحية العامية، ( بخلاف العائلات الدرزية الإقطاعية ورجال الكنيسة المسيحيين ) لم تدِّون تاريخها. بل كان يتّم التدوين في كنيسة القرية على يد الخوري المسؤول وبنطاق ضيِّق.
بعض العائلات الدرزية الإقطاعية، كان الشيخ أو الأمير فيها يستكري كتبة من الدروز أو المسيحيين المتعلمين لكتابة تاريخ أو أحداث هو يمليها عليهم وفق مزاجه، الأمر الذي يجعل بعض أو معظم هذه المخطوطات قابلة للطعن.
أما فيما يتعلَّق بتاريخ صليما والأمارة اللمعيَّة في الفترة المنوَّه بها أعلاه، فإنَّ المصادر التي اعتمدت عليها، تعود الى تاريخ الأمراء اللمعيين ( كانت عائلة درزية إقطاعية في ذاك الزمن، تدوّن أحداثها ) بالاضافة إلى أنَّ النقص في تاريخ تلك الأحداث من قبل عائلات صليما، لا يمنعنا من استقصاء الحوادث من أمهات الْكُتُب وبطون المراجع لمؤرِّخين أصحاب مصداقية كتبوا عن السخرة والسفربرلك، والانكشارية، وعن طريق الإستدلال أيضاً .
أمَّا تاريخ صليما أثناء الحكمين البغيضين العثماني والمصري، فما وصل إلينا منه هو قصص مرويَّة عن الأجداد وفيها مِن أنَّ فلان إبن فلان، أخذه ألاتراك من بيته ليلتحق بالجيش إلانكشاري أو السخرة ( كانت لمد سكة حديد الحجاز أو لاستخراج الفحم الحجري لتسيير القاطرات ).
والمؤلم، أنَّ هذا الفلان إن ذهب فلا يَعُد، وإن عاد كان الراوي من عاش من أهله. وهذه الأخبار يمكن الاسئناس بها فقط.
وقد ذُكِر في بعض المجلات عن ثورة في صليما عام ١٨٤٠ وإنَّ الأهالي إعتقلوا قائد فرقة الجيش المصري مع بعض عناصره، وأنَّهم رفضوا تسليمهم إلا بعد أن تدخَّل الأمير بشير الشهابي وابراهيم باشا المصري، وتقول الرواية، انه على إثر هذه الحادثة تمَّ إلغاء السخرة عن أبناء صليما.
هذه الواقعة ( الثورة )، إن حصلت، فإنَّها تكون في ذاك الزمن حدثاً جللاً يسترعي إنتباه المؤرِّخين المستقلين، ويستدعي إصدار أمر من ديوان الأمير بشير الشهابي، ويتطلَّب فرماناً مُسجَّلاً في سجلات الجيش المصري، وبمطلق الأحوال الإشارة إليه في مخطوطات المكتبة الهمايونية بإسطمبول.
كل هذا لم نجده بعد البحث والتقصي.
إنَّ المؤرخين شدَّدوا على أنَّ حملات محمد علي باشا وإبنه إبراهيم باشا على لبنان كان الهدف منها تأديب الثوار وخمد الفتن وفرض الجزية واستيفائها بالقوة وزرع الفوضى وأعمال النهب والسرقة وتأليب الفتنه بين الأهالي. لا بل في إحدى حملات إبراهيم باشا قبل هزيمته المشينة في بحرصاف ( قرية قرب بعبدات ) عاث جيشه بإحدى القرى المجاورة حرقاً ودماراً واغتصبوا بعض النسوة.
كذلك لم يقع نظري على مخطوطة تفيد بأنَّ صليما قد تعرَّضت لأي هجوم من الجيش المصري الذي أُشتُهر بالهمجية في مواجهة أي ثورة قامت، أو تمرُّد حصل.
كل ما في الامر، قد يكون هناك تململ من أهالي صليما، أو إمتعاض لم يبلغ درجة الثورة، خاصةً وأنَّ أعمال السخرة لاستخراج الفحم من تلال البلدة قد أوقدت هذا التململ وعدم الارتياح.
فضلاً عن أنَّ الأمير بشير الشهابي، في سنوات حكمه لم يكن عادلاً أو منصفاً أو رؤوفاً لرعيته، حتى يقف هذا الموقف المُشرِّف، وهذا ما أستبعده على إلاطلاق. ولا داعي للشرح في خصال إبراهيم باشا، التي من جملتها العفو أو السماح لأهالي صليما إن ثاروا، لأنه ليست من شيمه الأخلاق بل البطش والتسلُّط.
من خلال اطلاعي لم أجد صلة تربط ما بين إبراهيم باشا وصليما، إلا عند انهزامه في بحرصاف، وقد إنسحب جيشه إلى قرنايل ووقف هو في صليما مع ثلة من حرسه طلباً للماء.
العائلة اللمّعية، من رتبة المقدمين إلى مقام سمو الامراء.
في السنة ١٦١٧م بعد عودة الأمير علي بن معن إلى صيدا، أعطى حكم بلاد المتن إلى مُقدِّمي كفرسلوان من بيت أبي اللمع.
وفي سنة ١٦٣٠م في زمن السلطان محمود الاول إبن السلطان الثاني العثماني، بنى المقدم حسين أبي اللمع داراً عظيمة في صليما، وقطن فيها. ( السراي ).
في سنة ١٧١٠م بعد معركة عين داره ما بين القيسية واليمنية، وقف اللمعيون إلى جانب الأمير حيدر الشهابي، حيث لمع في هذه المعركة الفاصلة، المُقدَّم مراد أبي اللمع، كفارس شجاع. إذ أبلى بلاءً منقطع النظير هو وإخوانه المقدِّمين، فكانت الجائزة الكبرى إن خلع الأمير حيدر على اللمعيين لقب ومقام وسمو الإمارة، وبات كل المُقدِّمين أمراء ، ينال كل منهم التعظيم والتشريف، وزيادة في التكريم والتبجيل، تزوَّج الامير حيدر منهم وزوَّج إخته للأمير عبدالله، وأعطاه قاطع بيت شباب ومنح الأمير مراد نصف حكم المتن.
وهناك رواية أُخرى موثَّقة في أحداثها، تفيد أنه بعد معركة عين داره، تقدَّم أحد تابعي الأمير مراد أبي اللمع، وناداه باسم المُقَدَّم، فغضب غضباً شديداً وهجم عليه وزجره وقال له، قد قتلت بهذا السيف خمسة أُمراء من آلِ علم الدين في عين دارة، وما زلت تناديني ( بالمقدَّم ) فضربه وقتله.
ومنذ ذلك الوقت لم يعد أحد يتجرَّأ بمناداة مقدَّم لأي أمير لمعي.
تنصّر العائلة اللمعية وأثرها على عائلتي المصري وسعيد الدرزيتين.
من الثابت والمؤكَّد تاريخياً أن تنصُّر بعض العائلات الدرزية الاقطاعية والعامية، قد شكَّل نكسة في الخاصرة الدرزية ( ليس مجال بحثنا ) ولكن يجب التوقُّف للتنويه بهذه العائلة اللمعية الكريمة التي تنصَّرت، ولم تأت ِ بأي ضرر او تقوم بإيذاء العائلات الدرزية التي كانت في كنفها أو تجاورها أو تحكمها كالعائلة الشهابية التي أجلت وهجَّرت آل نكد من دير القمر الى الشحار الغربي ( عبيه ).
الأمراء اللمعيون، بالرغم من تنصُّرهم، لم يمنعوا شقيقتهم الأميرة اللمعيَّة السِّت زهر أم سليمان، أن تبقى على دين التوحيد الذي وصل اليها من الآباء والاجداد، حيث بقيت على دينها إلى حين وفاتها، وقد أَوصت وأوقفت أملاكها المنقولة وغير المنقولة، مناصفة بين عائلتي المصري وسعيد حتى، أنَّ قصرها الرابض على تلة مشرفة على صليما، ما زال شاهداً وشامخاً يرفرف من على سطحه علم التوحيد المخمَّس الحدود، يستظل من فيئه خلوة ً ومجلساً للمؤمنين.
أما مدفنها الشريف أصبح مزاراً ومقاماً في بقعة مشرِّفة يطلق عليها ( القبِّة ).
مِن صليما :
فيصل المصري
٢ أيار ٢٠١٩
المراجع:
المُدونَّات الفيصليَّة.
كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ.
- الغرر الحسان في تواريخ حوادث ألازمان.
- نزهة الزمان في تاريخ جبل لبنان.
- الروض النضير.
( للأمير حيدر أحمد ألشهابي )
- تاريخ ألعرب
للدكتور فيليب حتي.
-معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية.
للدكتور انيس فريحة.
- المكتبة الهمايونية في إستامبول.
- من سجلات حملات محمد علي باشا.
0 comments: