الموريسكيون،
هل ستتكرّر مِحنتهم في أوروبا ... بالمستقبل ؟
دِراسة، مُطوّلة.
مما لا شك فيه، إن ما يحدث اليوم في أوروبا وخاصة فرنسا، وما نشهده من قوافل، وجحافل التهجير، والهجرة العربية، الاسلامية الى أرجاء الكون، يُذكِّرنا بالمحنة التي حدثت للمسلمين، عشية سقوط الأندلس.
بالماضي، كان الفتح الاسلامي.
اليوم، هو التهجير، والهجرة الاسلامية.
سابقا ً، وكما قال احد فلاسفة إسبانيا :
أينما حل ّ الاسلام، والمسلمون كان الرخاء، والعلم، والفلسفة، والحضارة، ضيوفا ً ...
أمّا اليوم، إنقلبّت المعادلة السحرية، فالصرخات من كل حدْب وصوب، الإرهاب، الإرهاب ...
وما أدراك بالارهاب الذي يضرب، ويعصف بالعالم، وأصابع الإتهام لا تترك مجالا ً، او شكوكا ً بأن المُتّهم هو واحد ... الاسلام.
في إسبانيا، بعد الفتح العربي الذي دام قرونا، كان العربي ( المسلم، والمسيحي ) يؤسّس لإمبراطورية عسكرية، سياسية، علمية، ثقافية، وفلسفية، لم يشهد التاريخ في ذلك الوقت مثيلا ً لها ...
كانت إسبانيا، الأندلس منارة تشّع نورا ً على ظلام أوروبا الدامس في ذاك الزمن.
كانت إسبانيا، الأندلس منبعا ً للعلم، تروي شرايين أوروبا العطشى في ذاك الوقت.
ولكن ...
عندما يتآكل البنيان المرصوص من، حِكّام على طِراز ملوك وأُمراء الطوائف في اواخر الحقبة الأندلسية، فإن الهوان، والذّل، والسقوط لا بد انه آت، وهذا ما حلّ بالموريسكيين في إسبانيا، بعد سقوط الأندلس.
-/ تعريف :
الموريسكيون، أو الموريسكوس بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوّا في إسبانيا تحت الحكم المسيحي، بعد سقوط المملكة الإسلامية ( الأندلس ) وخُيِّروا بين اعتناق المسيحية، أو ترك أسبانيا.
-/ توطئة تاريخية :
في عهد، الملك فرديناند، وإيزابيلا في 14 شباط 1502.
وفي الفترة الواقعة ما بين 1609 و 1614، أجبرت الحكومة الإسبانية الموريسكيين، على مغادرة المملكة إلى شمال أفريقيا بطريقة مُنٓظّمة، وكانت أعدادهم كبيرة :
-في أراغون السفلى.
- وفي جنوب مملكة بالينسيا.
- وفي غرناطة.
- بينما كانت، أعدادهم أقل في مملكة قشتالة.
وقد تم تهجيرهم نحو دول شمال أفريقيا، والى الشام، وتركيا.
ويتواجدون حالياً في الجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا.
في عام 1609، كان هناك ما يقرب من 325,000 من الموريسكيين في إسبانيا من أصل مجموع السكان 8,5 مليون بنسبة 3,5 بالمائة.
وكان تواجدهم :
- في تاج أراغون، حيث شكلوا 20% من السكان.
- وفي مملكة بالينسيا حيث وصلت نسبة المورسكيين إلى 33% من سكانها.
ويضاف إلى ذلك، كان النمو السكاني، للموريسكيين أعلى، مقارنة مع نمو السكان من المسيحيين، الإسبان.
في بالنسيا، كان النمو السكاني للمورسكيين بنسبة 69,7% مقارنة مع 44,7% للمسيحيين.
كان معظم سكان المدينة، من الأغنياء المسيحيين، بينما كان إنتشار المسلمين في الريف، والضواحي الفقيرة من المدن.
جرى تقدير أعداد المسلمين الموريسكيين الذين تحوّلوا للمسيحية، بحوالي مليون شخص.
وتشير دراسات متعددّة المصادر :
أنّ ما بين 7%-10.6% من الإسبان حاليا ً، هم من سلالة أُسر شمال أفريقية، مسلمة تحولّت للمسيحية.
-/ سقوط الأندلس.
وفي عام 1491، إستسلم أبو عبد الله محمد الثاني عشر آخر ملوك بني نصر، للملكين، فيرديناند، وإيزابيلا الكاثوليكيين وتفاوض معهما حول تسليم غرناطة في 25 تشرين الثاني، من نفس العام.
-/ معاهدة تسليم غرناطة .
أبو عبد الله الصغير ( آخر ملوك بني الأحمر) هو الذي سلّم مفاتيح غرناطة، للملكة إيزابيلا الأولى، وزوجها فيرديناند.
كان حصار مدينة غرناطة، طويلا ً، ومهينا ً، ومُذِّلا ً، حيث إجتمع العلماء والفقهاء، والقادة، في قصر الحمراء، وإتفقوا على تسليم المدينة، واختاروا الوزير، أبا القاسم عبد الملك، لمفاوضة فيرديناند ملك أسبانيا، على شروط التسليم.
وفي يوم، الجمعة الأسود :
23 من محرم سنة 897
هـ الموافق لـ 25 من تشرين الثاني، سنة 1491
قام أبو عبد الله الصغير آخر ملوك بني الأحمر، بإمضاء إتفاقية يتنازل فيها عن عرش مملكة غرناطة، وعن جميع حقوقه فيها، غير أنّه حاول توفير بعض الامتيازات، لرعاياه من مسلمي الأندلس.
وقد تضمنّت المعاهدة، سبعة وستون شرطا ً .. مما ورد فيها :
-/ الموريسكيون.
نصّت المعاهدة على ان :
- يحتفظ الموريسكيون، بدينهم، وممتلكاتهم.
أن يخضع الموريسكيون، لمحاكم قضاتهم، حسب أحكام قانون احوالهم الشخصية.
ليس عليهم، ارتداء علامات تشير لكونهم موريسكيين، كما هو الحال مع عباءة اليهود.
- ليس عليهم، دفع ضرائب للملكين المسيحيين فرديناند، وإيزابيلا تزيد على ما كانوا يدفعونه سابقا ً.
لهم الحق بأن يحتفظوا بجميع أسلحتهم ماعدا، ذخائر البارود.
يُحتَّرَم كل مسيحي، يصبح موريسكي، ولا يعامل كمرتد.
أن الملكين ( فرديناند وإيزابيلا ) لن يعيِّنا عاملا ً إلا من كان يُقَدِّر الموريسكيين ويعاملهم، باحترام ومودة، وإن أخلّ في شيء، فإنه يتم تبديله، على الفور، ويعاقب.
للموريسكيين حق التصرّف ، والتمتّع في عاداتهم، وتربية أبنائهم.
تعهد الملكان الكاثوليكيان في المعاهدة وبنفس تاريخ توقيعها،
- بـ " أن ملكي قشتالة، يؤكدان ويضمنان بدينهما وشرفهما الملكي، القيام بكل ما يحتويه هذا العهد من النصوص، ويوقعانه باسميهما ويمهرانه بخاتميهما ".
جرى تكريس هذا التعهد، بعد ذلك بسنة في 30 ديسمبر سنة 1492م الموافق لـ ربيع الأول 898هـ بتأكيد جديد يأمر فيه الملكان ولدهما الأمير، وسائر سادة، ووجهاء المملكة بالمحافظة على محتويات هذا العهد، وألا يعمل احد ضده في شيء.
أو ينقض منه شيء، الآن وإلى الأبد.
وأنهما يؤكدان، ويقسمان، بدينهما وشرفهما الملكي بأن يحافظا، ويأمران بالمحافظة على كل ما يحتويه بندا بندا، إلى الأبد.
وقد ذيل هذا التاكيد، والعهد، بتوقيع الملكين، وتوقيع ولدهما، وجمع كبير من الأمراء، وألاحبار، والأشراف، والعظماء، في إسبانيا.
-/الغدر، وبداية التنصير.
تعميد المسلمين، في الأندلس بعد 1502 م
بدا في بداية الامر، أن الملك، والملكة سيلتزمان بالمعاهدة.
لكن لم يطُّل الوقت حتى بدأت نيتهما في الظهور، خلاف ما تعهّدا به.
وقد ساعد في ذلك التغيير، أن الكنيسة الكاثوليكية حاربت بقوة سياسة الاعتدال الأولى، وبدأت تُساعد، وتحُث ْ، وتُحرّض في نقض الشروط التي تم الإتفاق عليها.
ولم تنفع، التأكيدات البابوية، والملكية القشتالية، وسلطاتها المدنية، والكنيسة الإسبانية الوفاء بشروط "معاهدة تسليم غرناطة ".
وبعد ان استتبّت الأمور للملكية، القشتالية.
وبعد دخول الملكين الكاثوليكيين، غرناطة.
وبعد زوال ما كانوا يخشونه من انتقام المسلمين، أو انتفاضتهم عليها.
بدأت، الإستعدادات والعدِّة، لحرب المسلمين.
كان أول الغدر، والنقض للمعاهدة :
- تحويل، مسجد الطيبين، إلى كنيسة.
- وكذلك، مسجد الحمراء.
- ثم تحويل مسجد غرناطة الأكبر، إلى كاتدرائية.
نظمّت الكنيسة في السنين الأولى لسقوط الأندلس :
- فرقًا تبشيرية من رهبان، وراهبات للقيام بنشر النصرانية.
كان الاعتقاد السائد، أول الأمر أن المسلمين سيعتنقون النصرانية بسهولة، خاصة عندما هاجر زعماؤهم، وارتّد الكثير من كبارهم.
ولما، لم تأت هذه المجموعات التبشيرية باي نتائج تُذكر، أخذت الكنيسة والدولة، تفكران في تغيير سياستهما، من اللين، إلى العنف.
تمّ، إلغاء كل بنود معاهدة التسليم، الواحدة تلو الأخرى.
كانت الدولة، والكنيسة الإسبانية، تختلقان الاعذار، والاسباب، والقرارات في المضايقات، والإهانات، اهمها :
تطبيق سياسة، الارتداد على المسلمين من أصل نصراني، إذ قررت الحكومة معاملتهم، ووأبناؤهم، وأحفادهم، وسلالتهم، معاملة المرتدين، وبدأوا في ملاحقة الأُسر المسلمة، من أصل نصراني، والزج بهم في السجون إن رفضوا التنصّر، وترك الدين الإسلامي.
وكان الفتيل الذي أشعل الثورة، في حي البيازين في :
18/ 12 / 1499 م حيث جرى إنتهاك أحد أفراد الشرطة لحرمة إحدى المسلمات، التي اعتنق والدها الإسلام، فسيقت الى السجن هي وأولادها.
تجمّع المسلمون لحمايتها، وقتلوا الشرطي وحرروا المرأة.
ثم انطلق المسلمون ينادون بالثورة للحفاظ على عقيدتهم، فاحتلوا أبراج البيازين، وأقاموا المتاريس.
وفي الليل، هاجم الثوار قصر الحاكم، فلم يكن فيه، إذ فرّ قبل ذلك إلى الحمراء.
ثم نظم الثوار أنفسهم وانتخبوا حكومة من أربعين ممثلاً.
في هذه الأثناء تابعت الكنيسة، والدولة سياستهما في التنصير القسري.
-/ التنصير القسري وحرق الكتُّب.
أُعطيت الأوامر، لإحراق المصاحف، والكتّب الإسلامية من قبل أعضاء محاكم التفتيش، في إسبانيا.
في أواخر يوليو من عام 1500 م ذهبت الملكة إيزابيلا إلى غرناطة لمتابعة عمليات التنصير، والإشراف عليها.
أقرّت الدولة، وطلبت من جميع قرى، ومدن مملكة غرناطة، تطبيق مراسيم تجبر الأهالي، على التنصير مقابل معاملتهم ماليا ً مثل معاملة النصارى القدامى.
نصّت المواثيق الجديدة، على منع النصارى الجُدّد من ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية، ومن أن يلبس رجالهم، أو نساؤهم اللباس الإسلامي.
أُجْبرّوا، على تغيير أسمائهم الإسلامية، وحتى تقاليدهم، وعاداتهم بعادات، وتقاليد مسيحية.
سُمح لهم مؤقتا ً باستعمال الحمام، والاغتسال (ولم يكن النصارى يغتسلون).
وفي نهاية سنة 1500 م عم ّ التنصير جميع أنحاء مملكة غرناطة القديمة.
- تم إصدر قرار بتحويل جميع المساجد، إلى كنائس، ومصادرة جميع الأوقاف الإسلامية.
- وفي
12/ 10 / 1501 م صدر مرسوم بحرق جميع الكتب الإسلامية، والعربية، فحُرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة، أكبر ساحات غرناطة.
- ثم تتابع حرق الكتب، إلى أن وصل عدد ما حرق منها، حوالي مليون كتاب.
كان هذا التصرف، من الكنيسة الاسبانية، والدولة من اكبر الكبائر في حق الحضارة البشرية، في ذاك الوقت، حتى ان بعض المؤرخين إعتبر هذا التصرف، من أكبر جرائم الكنيسة، والدولة الإسبانية، في الأندلس وفي حق الحضارة الإنسانية.
وتابعت الدولة والكنيسة، في أصدار المراسيم التعسفّية، بمنع استعمال اللغة العربية.
وصدر قرار في ايلول يمنع "المتنصرين الجدد " من حمل السلاح وامتلاكه، وينص على معاقبة المخالفين لأول مرة بالحبس والمصادرة، وفي حال التكرار، يعاقب بالإعدام.
-/ أعلان، إنقراض الإسلام في الأندلس،
أعلنت الدولة، والكنيسة إنقراض الاسلام في جميع إسبانيا، ولم يعودوا يذكرون اسم المسلمين إلا بـ "النصارى الجُدّد " أو المورسكيين، وهي كلمة تصغير " مورو " للتحقير، و "مورو " عندهم المسلم. ويسمي الأندلسيون أنفسهم، في هذه الحقبة بالغرباء، إشارة إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
"بدأ الإسلام غريبا ً وسيعود، غريبا ً كما بدأ، فطوبى للغرباء "، رواه مسلم.
ولكن مصائب هؤلاء الغرباء لم تكن إلا في بدايتها، إذ بقي الإسلام في قلوبهم، وهم صامدون عليه. فنظمت الدولة والكنيسة جهازا ً للقضاء على الإسلام، حتى في قلوبهم، يسمى بـ " محاكم التفتيش ".
-/ محاكم التفتيش.
من الطُّرق التي إعتمدتها محاكم التفتيش :
- إحراق المسلمين، في الأندلس على يد محاكم التفتيش.
بعد كل المحاولات التي بذلها الملك، وأتباعه لتنصير المسلمين في الأندلس جاءت التقارير بأنه حتى أولئك الذين استجابوا لمحاولاتهم، كانوا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرا ً، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم الخاصة، ويقومون بنسخه، وتداوله فيما بينهم، بل إنهم في منطقة بلنسية أدخلوا عددا ً من الكاثوليك الإسبان، في الإسلام وعلموهم، اللغة العربية والشعائر الإسلامية.
بناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع الموريسكيون في إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به، بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية.
وبدأت أكثر الفصول وحشية، ودموية، في التاريخ الكنسي الغربي، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم، لتحاكمه، ليسجّل التاريخ فصلا ً من أسوأ، فصول الإضطهاد الديني للمسلمين، ولكل من يشكّون في إنتماءه للإسلام.
كان يتجوّل مندوبو بابا روما، في أنحاء البلاد لتقصّي أخبار الناس واتهام، كل مخالف بالكفر، ثم القبض عليه ومعاقبته. وكانت تعقد لذلك مجالس كنسية مؤقتة، كانت بمثابة محاكم التفتيش المبدئية. ثم تُحَّل المحكمة بعد مطاردة المتهمين والقضاء عليهم.
وهكذا عذبّت الكنيسة الكاثوليكية أجيالا ً كاملة من المفكرين، والعلماء بكل قسوة، وبطرق إجرامية، لا تمت للإنسانية بصلة.
في 1568 م ثار الموريسكيون مجددا في منطقة ألبوخارا بإقليم غرناطة وهي من أشهر الثورات وامتدت الثورة حتى 1571 وتزعمها فرناندو القرطبي، الذي استعاد اسمه العربي وهو ابن أمية من سلالة خلفاء قرطبة في الماضي، ولكن الملك فيليبي الثاني قضى على هذه الثورة بالحديد، والنار.
بعد ثورة غرناطة ....
واستمرار المسلمين في التشبّث بدينهم رغم ادعائهم اعتناق المسيحية، - والخطر الذي كان يُهَدِّد إسبانيا من المغرب، وتركيا، والتخوّف من تعاون الموريسكيين معهم.
كان القرار الآثم، الذي أصدره فيليب الثالث في التاسع من نيسان 1609م بنفي الموريسكيين بعد معاناتهم الطويلة مع محاكم التفتيش، لتبدأ رحلة العذاب التي قلما يشهد التاريخ، مثيلا لها.
-/ طرد الموريسكيين، من إسبانيا.
بتحريض :
- من دوق مدينة ليرما.
- ونائب ملك فالنسيا، رئيس الأساقفة خوان دى ريبيرا.
قام فيليب الثالث، ملك إسبانيا بطرد الموريسكيين من إسبانيا في عملية استغرقت الفترة بين 1609 في بالنسية. و 1614 م في قشتالة.
فقد أُمر الموريسكيون :
- أن يغادروا تحت ألم الموت، والحرمان، بدون محاكمات أو أحكام.
وألا يأخذوا معهم نقودا ً، أو سبائك ذهبية، أو مجوهرات.
فقط يغادروا بما يستطيعون حمله.
تختلف التقديرات حول أرقام المهجرين ، بالرغم من أن الأرقام الحديثة تُقدرهم بحوالي :
300.000 ( أي حوالي 4% من السكان الإسبان ).
وقد ذكر المؤرخ الإسباني، مكيل دي أبلاسا فيرير في كتابه :
"الموريسكيون، قبل، وبعد الطرد "
أن التهجير تم باتجاه الشام، وتركيا، وليبيا، وأساسا ً نحو دول شمال أفريقيا وبالأخص نحو المغرب، بسبب القرب الجغرافي.
كان العداء المسيحي حاداً، وخاصة لأسباب اقتصادية. وحمل بعض المؤرخين، مسؤولية الانهيارات الاقتصادية اللاحقة للساحل الشرقي للمتوسط الإسباني، لعدم القدرة على إحلال عمال مسيحيين جدّد محل العمال الموريسكيين، حيث تم التخلي عن العديد من القرى تماما كنتيجة لذلك، فالعمال الجُدّد :
كانوا، أقل عددا ً
و كانوا غير متقنين للتقنيات الزراعية المحلية.
بعد التهجير، والطرد القسري، سكنت الأغلبية العظمى، من الموريسكيون في أراض ٍ ذات سيادة إسلامية، معظمها كان، في الإمبراطورية العثمانية (الجزائر و تونس) أو المغرب، ولكنهم كانوا غير متكيفين بسبب لغتهم الإسبانية، وزيهم الأوروبي.
ويقول المؤرخ المغربي، محمد بن عزوز :
إن المغرب استقبل أكبر عدد من الموريسكيين المهجرين قسرا ً، فهو البلد العربي، والإسلامي الذي توجد به أكبر نسبة من العائلات الموريسكيية، وهناك مدن أندلسية حقيقية، مثل تطوان وشفشاون ».
لكن لايزال هناك خلاف حول البلد الذي هاجر إليه أكبر عدد من الموريسكين، فهناك من يقول تونس، وهناك من يقول الجزائر، وهناك من يقول المغرب.
- أسس الموريسكيون مدن في الجزائر مثل مدينة القليعة، وأثر الموريسكيون في اللهجة الجزائرية، في مدينة وهران حيث تحتوي اللهجة الوهرانية على أكثر من 800 كلمة إسبانية.
لاحظ الباحثون أن العديد من المورسكيين الذين كانت لديهم شبكة قواعد من المغرب، إلى ليبيا، أنضموا للجهاد البحري، وعاشوا على التجارة والقرصنة. وجندهم سلاطين الدول لخدمتهم.
عمل أحد المورسكيين، كمستشار حربي للسلطان الأشرف طومان باي الثاني سلطان مصر (و هو أخر السلاطين المماليك المصريين) أثناء صراعه ضد الغزو العثماني عام 1517 بقيادة السلطان سليم الأول. - وتسجّل المصادر التاريخية، ألتحاق مورسكيين من تونس، وليبيا، ومصر، بالجيوش العثمانية.
كما التحق العديد من مورسكيي مصر، بالجيش في عهد محمد علي، والي مصر.
قالت المؤرخة الأرجنتينية، ماريا إلفيرا سارغاسو في بحث لها، عن وصول الموريسكيين إلى الأرجنتين، عبر دراستها لبعض تجمعات السكان المنعزلين :
كانوا، يمارسون طقوسا ً مسيحية، أشبه بما كان يمارسه الموريسكيون في إسبانيا.
كانوا، يؤمنون بالمسيح، ولا يشربون الخمر، ولا يأكلون الخنزير، ويصومون بعض الأسابيع، ولا يحتفلون بأعياد السنة الميلادية.
ولكن عدد المورسكيين الماكثين، بعد أمر الطرد يظل محل جدل تاريخي ، على الرغم من اعتقاد المؤرخين، أن عدد المورسكيين الأصليين و عدد من تجنب الطرد منهم، هو أعلى مما كان يعتقد من قبل.
وفقا للأستاذ دوايت رينولدز :
"لعل أخطر شيء في عملية الطرد، أنهم حقاً لم يطردوا العرب أو البربر، فحسب، بل الأغلبية العظمى من الناس الذين كان يتم إخراجهم كانوا أيبيريين، مثل أخوانهم المسيحيين في الشمال، إما بالدم أو بالحمض النووى ".
قد يُعيد التاريخ نفسه.
وهذه سِنّة، من سِنن التاريخ.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١١ ايلول ٢٠١٦