علاقة العرب بالفرس قبل وبعيد الإسلام
دراسة تاريخيَّة، في حضارة أُمَّة بدأت بشعار إقرأ وانتهت بشعار أُمَّة إقرأ … لا تقرأ.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
ولماذا هذه المدوَّنة الأن وغداً وبعد غد !
ولماذا تعصُّبي لقوميَّتي العربيَّة الدائم ويليه مباشرة حنيني لموطن الاباء والأجداد لبنان.
ولماذا أعتبر في العديد من مُدوَّناتي وأبحاثي أنَّ مصيبة الإسلام العربي تُكمِن في مسلمي الأمصار والأقطار المتاخمة والبعيدة غير العربيَّة.
ولماذا خوفي إن إستمر النهج العربي على حاله وخاصة في لبنان من خذلان وهوان ستأتي إلينا من بلاد فارس رايات ولاية الفقيه لتفرض أحكامها كما كتمت أنفاسنا عمائم حُثالة سلاطين بني عثمان لقرون عدَّة.
وأتساءل هل فقد القضاء اللبناني عقله كما قال إبن خلدون منذ قرون ( إنَّ القضاء هو عقل الشعب ومتى فقدوه فقدوا عقولهم ).
ويقلقني أيضاً هل أنَّ الإدارة الأميركية الحاليَّة طبقَّت نصيحة مستشار الأمن القومي لأحد الرؤساء السابقين لمَّا قال له ( دع الرئيس السوري حافظ الأسد يدخل بجيشه إلى لبنان حتى يحكم هذه الدويلة، لأنهم لا يعرفون أن يحكموا أنفسهم ).
وهل السفيرة الأميركيَّة في بيروت تُبلِّغ الطُغمَّة الفاسدة كلمة السِّر الأميركيَّة ( والاسرائيلية أيضاً ) حتى شرب بعض كبار القضاة والمسؤولين الامنِّيين وزوجاتهم حليب السباع ودبَّت الفوضى القضائية، حتى أنَّ جهابذة القانون في لبنان لم يفسروا ما يجري في شواطئ لبنان مِن تنقيب واستخراج للغاز والبترول هل هو ترسيم أو تحديد أو اعتراف بدولة إسرائيل، وغيرهم مِن رجال الدين المشاركين مع منظومة فساد مغارة علي بابا في دعم كلمة السِّر بتوثيقها بآيات سماويَّة من القرآن والانجيل وأصبحت
( إقرأ بإسم السفارات بدلاً مِن إقرأ بإسم ربّك ).
وبالرغم من أنَّه باتت كلمة السِّر الأميركيَّة الإسرائيلية معلومة وواضحة بشكلٍ سافر، أقول أنَّه من دواعي فخري واعتزازي أنْ أُذكركُّم بالقبائل العربيَّة قبل الإسلام وبعده مباشرة، التي داست حوافر خيلها وأفراس قاداتها إيوان كسرى الفارسي وحطَّم بعيرها وقطعان إبلها مواقد وبيوت عبدَّة النَّار المجوسيَّة الزرادشتيَّة، وزرعت الخوف والهلع في شعوب بلاد فارس ونفوس دهاقنتها.
وإلى متى نبقى أُمَّة إقرأ لا تقرأ.
دعكم من القول أنَّ عرب الأمس قبل الإسلام عاشوا بالجاهلية في شظفٍ مِن حياةٍ وقلِّةٍ من ترف وكفرٌ وعبادة أوثانٍ وأصنامٍ وجهالة من دين.
وحسبي الله أنَّهم كانوا بأفضل عِزِّ وأنبل شرفٍ وأوفرُ كرامةٍ من أن يقبلوا بحكمٍ وسيطرةٍ من قبائل غير عربية ك حُثالَّة القبائل العثمانية، لا بل كانوا أطهر كرامةٍ من أن ترفرف رايات الفرس الأنجاس المناكيد في صحرائهم أو في واحاتهم أو فِي مدائنهم، والتاريخ قد خلَّد ملاحم معاركهم الناصعة والمجيدة.
وإلى مَن لا يقرأ التاريخ، أقول لم تكُّن يوماً العلاقات العربيَّة / الفارسيَّة على ما يرام وهذا الكتاب من النبي العربي محمد إلى ملك الفرس كِسرى يوضح ما يكِّنه الفرس للعرب :
مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَآمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَشَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ وَأَدْعُوكَ بِدُعَاءِ اللَّهِ، فَإِنِّي أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لأُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. فَإِنْ تُسْلِمْ تَسْلَمْ، وَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ»
أثارت تلك الرسالة غضب كسرى فأمسكها ومزَّقها وقال: «عَبْدٌ مِنْ رَعِيَّتِي يَكْتُبُ اسْمُهُ قَبْلِي»،
وسبَّ النبيّ، فلمَّا بلغته هذه الكلمات دعا النبي العربي على شاه فارس وقال : « مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ »
وصدق الرسول العربي، وقد مزَّق الله إمبراطوريتهم بسيوف مسلولة ( أهمُّها سيف الله المسلول خالد بن الوليد ).
المُدوَّنة : نظرة الفرس للعرب دونيَّة وهم أسياد.
وبينما كان أفراد القبائل العربيَّة قبل الإسلام كلٌ على دين ملوكهم، كان الفرس قد نجحوا في تأسيس إمبراطوريتهم وقد ذكرها التاريخ ب الدولة الساسانيَّة، وبالرغم من جبروت الفرس اعتادت بعض القبائل العربيَّة الإغارة على بلادهم. ولا يخلو تاريخ العصر قبل الإسلام من حروب مع الفرس وأهم معركتين شهيرتين وقعتا هما :
يوم ذي قار، أو معركة ذي قار.
معركةٌ وقعت بالعام ٦٠٩م. وكانت في عهد القائد الفارسي كسرى بن هرمز والنعمان بن المنذر ملك الحيرة، بعدما طلب كسرى من الأخير أن يزوِّجه إحدى بناته، فأبى النعمان الاستجابة له، فأرسل إليه ملك الفرس طلباً للمثول بين يديه، فعلم النعمان أنَّه سيقتله، فخرج من إمارته يبحث عن قبيلةٍ عربيّةٍ تجيره، لبَّى الاستغاثة هانئ بن مسعود كبير بني شيبان.
لَمَّا وصل النعمان إلى كسرى بن هرمز محمَّلاً بالأموال والهدايا بعدما استودع نساءه وأهل بيته عند بني شيبان،
أبى كسرى العفو عنه وقتله ( غدراً )، وأرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه أن يردَّ كلّ ما بحوزته من أموال آل النعمان.
رفض أبى هانئ الشيباني طلب ذلك المجوسي الفارسي. وعندها أعلن الفرس الحرب عليه.
آزر بني شيبان أبناء عمومتهم قبائل بكر، كما لبَّت النداء قبائل أخرى بالخيل والسلاح، وتلاقى الطرفان في بقعة اسمها ذي قار.
حقَّق العرب انتصاراً ساحقاً وأُعتبر من أيامهم الخالدة.
يوم الصفقة :
معركةٌ أراد كسرى بن هرمز الانتقام من بني تميم لأنَّهم اعتادوا اعتراض قبائله والفتك بها، فاستعان بحاكم اليمامة هوذة الحنفي للانتقام منهم، وهو ما نجح في فِعله بعدما جذبهم إلى حصنه كضيوف، ثم أعمل فيهم التقتيل غدراً وهذه خصال وصفات الفرس ( الغدر والخيانة ).
أهم قادة العرب الذين دكُّوا حصون الفرس دكاً، المثنى بن حارثة الشيباني
كان يغِير هو ورجالٍ من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك الخليفة أبو بكرالصديق، فقال عمربن الخطاب :
مَنْ هذا الذي تأتينا وقائِعهُ قبل معرفة نسبه ؟
فقال له قيس بن عاصم التميمي : أمَّا إنَّه غَيْرُ خامل الذّكر، ولا مجهول النسب، ولا قليل العدد، ولا ذليل الغارة، ذلك المثنّى بن حارثة الشّيبانيّ.
ولمَّا قدم المثنى إلى المدينة المنورة، قال لأبا بكر الصديق :
يا خليفة رسول الله، ابعثني لمقاتلة الفرس إن أمدَدْتني وسمعَتْ بذلك العرب أسرعوا إليَّ، واكفيك من العدوّ شرَّه، مع أني أخبرك يا خليفة رسول الله أنَّ الأعاجمَ تخافنا وتتّقينا.
ففعل ذلك أبو بكر الصديق، فقدم المثنى العراق، فقاتل وأغار على أهل فارسٍ وهزمهم.
أمَّا الخليفة عمر بن الخطاب كان يسمِّي المثنى بن حارثة الشيباني مؤَمِّر نَفْسه. وقد سيَّر له مدداً في إحدى معاركه مع الفرس القائد العسكري أبا عبيد بن مسعود الثقفي، فاستقبله المثنى واجتمعوا ولقوا الفرس ب قس الناطف واقتتلوا فاستشهد أبو عبيد، وجُرِحَ المثنى ومات قبل معركة القادسيَّة.
كانت وصية المثنى بن حارثة الشيباني لسعد بن أبي وقّاص قبل معركة القادسية :
أن لا يقاتل العدو إذا استجمع أمرهم وجندهم في عقر دارهم، وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأدنى حدٍ من أرض العجم.
خالد بن الوليد بعد أن اعتنق الإسلام، كتب إلى أهل فارس يدعوهم إلى الإسلام، فصمّموا على الحرب، واشتعلت المعارك بين العرب والفرس على أرض العراق،
انتصر العرب في النمارق و السقاطية و باقسياثا إلا أنَّهم انهزموا في موقعة واحدة ( الجسر )، ثم عادوا لسيرة الانتصارات من جديد عبر البُوَيب عام ١٣ للهجرة.
يقول الطبري :
همَّ الخليفة عمر بن الخطاب بقتال الفرس، واختار سعد بن أبي وقاص والتقى الجيشان في القادسيَّة، وانتصر العرب.
وبعد ذلك فتح العرب المدائن عاصمة الفرس، وهزموهم مرَّة أخرى عند جَلُولاء، وكان من ضمن الغنائم الثمينة سوار كِسرى.
وبعدها شهَدَ عَهْد عُمر بن الخطاب تطوّراً وهو غزو العرب للفرس في قلب إمبراطوريتهم من خلال عدة معارك أهمُّها :
نهاوند سنة ٢١ للهجرة، وعُرفت
بـ فتح الفتوح لأنها الموقعة الفاصلة التي كفلت للعرب الاستيلاء على فارس.
ومن بعدها كرَّت سُبحة نجاحات العرب على أراضي كِسرى، والقبض على بعض الاسرى من الأمراء والأميرات.
والمفارقة التاريخيَّة الكبرى والتي ما زالت أثارها باقية حتى قيام الساعة عند الفرس، أنَّ من بين الأسيرات ثلاثة أميرات فارسيات أشهرهن بانو شاه (ملكة النساء) إبنة آخر أكاسرة فارس، والتي أُسِرَّت بصحبة أختيها، وتزوَّجها الحسين بن علي وأنجب منها إبنه زين العابدين، أمَّا أختيها فقد تزوَّجتا محمد بن أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر.
في العام ٣١ للهجرة تمَّ قتل يزدجرد الثالث وبموته انتهت دولة آل ساسان تماماً.
أخيراً …
ستبقى علاقة العرب بالفرس مثل علاقة :
الغدر والمكر والخيانة والخداع والفجور والكذب، لا يلتقيان مع الوفاء والاخلاص والصدق والكرم.
القطب الشمالي لا يقترب من القطب الجنوبي.
الغدر عند الفرس ليس معياراً أخلاقياً بل هو من طقوسهم.
والثأر عند الفرس هو مُبتغاهم دوماً.
العفو عند المقدرة مِن شيمة العرب الاوائل.
والنار عند الفرس عبادة.
والنار عند العرب الاوائل إكرام الضيف.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أب ٢٠٢٣م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق