Pages

الجمعة، 11 أغسطس 2023

وستبقى حضارة القبائل العربيَّة قبل الديانات السماويَّة التاج المُرصَّع على رؤوس شعوب عرب اليوم.


 

وستبقى حضارة القبائل العربيَّة قبل الديانات السماويَّة ( الإسلام والمسيحية واليهودية ) التاج المرصَّع بالكرامة والشرف على رؤوس شعوب عرب اليوم.  


المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :


وما زالت حضارة القبائل العربيَّة الثقافيه والدينيَّة قبل الديانات السماويَّة التاج المرصَّع بالشهامة والكرامة والإباء والشرف على رؤوس شعوب عرب اليوم ودولهم. السبب يعود إلى أنَّ عرب ما بعد الديانات السماويَّة قاموا بحرق مكتبة الاسكندرية، وازهقوا العقل فِي الأندلس، وخلقوا النعرات المذهبية، وأشعلوا الفتن الدينيَّة، وشنُّوا الحروب تحت شعار نجمة داوود اليهودية، ورايات الصليب  المسيحية، وأعلام  الهلال الإسلاميَّة، نافخين البُغض والغيرة والتكفير، واستبدلوا المعلقات المذهبَّة، بمنصات التيك توك واليوتيوب والانستغرام وغيرها مِن ما يصّح فيه القول شتَّان ما بين الثرى والثريَّا

في مُدوَّنة سابقة ذكرت الصابئة أو المندائيون، وهي ديانة مِن حضارة العرب الأقحاح كانت تؤمن بوحدانية الله، وهذه المُدوَّنة التي نحن في صددها ( الأحناف ) هي أيضاً مِن حضارة الأجداد آمنت بوحدانية الله، وهذا يدّل أنَّ لفظة الجاهليَّة التي أُطلقَّت على العرب قبل الإسلام تدُّلُ عن جهل هم وقعوا فيه


في المُدوَّنة :

سبق وأكثرت الكتابة في العرب بعد الإسلام، ودائما كان يحدوني حُب الإطلاع إلى معرفة أحوال العرب قبل الإسلام من ناحية معتقداتهم وعباداتهم وطقوسهم

بعد مُدوَّنتي عن الصابئة أو المندائيون إليكم هذه المُدوَّنة عن الأحناف، وأيهما أسبق هم أم الوثنيون

التعريف المعجّمي للفظة ( حَنَف )

يقول أبن منظور والجوهري أنَّ الرجل الحنيف، هو من اعتزل الأصنام، وتعبَّد الله، الواحد الأحدفالحنف أو  التحنُّف، يراد به لغوياً الميل أو التحوُّل من حالٍ إلى حال. ويراد به دينياً الانقطاع  كليةً إلى دين إبراهيم الخليل عليه السلام الذي دعَا إلى ترك عِبَادَة الأصنام وتعبُّد الله الواحد الأحد.

المستشرقون الذين درسوا العرب قبل الإسلام اعتبروا ( الحنيف ) أصلها آرامي، معروف لدى المسيحية قبل ظهور الإسلام وأطلقوها على من أعتنق دين التوحيد.

ومن المستشرقين أيضاً من اعتبر كلمة ( حَنَيف ) أصلها عبراني، وأطلقها اليهود المتزمِّتون على جماعة  منشّقة عنهم.

ومن المستشرقين أيضاً من اعتبر كلمة حنيف تعود إلى جماعة مِن الزهَّاد النصارى العرب، الذين اتَّسموا بتقواهم وترهُّبهم

ومن المستشرقين أيضاً من اعتبر كلمة حنيف من أصل عربي، بدليل أنَّ المسعودي ذكر أنَّ أهل مكَّة أطلقوا على كل من ترك عبادة الأصنام والأوثان ( صابئ أو حنيف ) أي خارج عن ملَّة  قومه وتاركاً لعبادتهم


وقد ورد في دائرة المعارف الإسلامية، النص الآتي :

إنَّ ظهور الإسلام، يؤرخ لسيادة الصنميَّة في الفترة السابقة التي كانت تتجلى بتعدُّد الآلهَّة

غير أنَّه متَّصل بالجانب التوحيدي، الذي دعا إليه الدين الحنيف ودعاته الأحناف، إذ كان يمثل معتقدهم بيت شعر لأُميَّة بن أبي الصلت أحد أبرز شعرائهم، وقد أتى على ذكره أبو الفرج الأصبهاني صاحب الأغاني :

( كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنَّفية .... زورٌ )


هذا يدلٌّ أنَّ لفظة الجاهليَّة التي أُطلّقت على العرب قبل الإسلام، بمعنى أنَّهم يجهلون وجود الله، إنَّها تدلُّ عن جهل هم وقعوا فيه، لأنَّ العرب لم يكونوا كذلك

مما لا شك فيه، أنَّ العرب قبل الإسلام كانوا في صراع عقائدي، فلا يمكن القول إنَّهم اهتموا فقط بالشعر وسوق عُكاظ التي غطَّت سماء العرب بالمُعلقات والمُذهبَّات وكان أنبل وأرقُّ الشعر قاطبة، ولا يخفى أنَّهم اهتموا أيضاً بالناقة والفرَّس ودكُّوا حصون ومواقد مجوس الفرس، وهم في ذلك سطَّروا للتاريخ أبياتاً مِن الشعر تُعدُّ في الميزان ذهباً ودروساً في الحكمة والشرف والمروؤة  ما زالت تصلح لواقع حياتنا كل يوم

أمَّا الصراع العقائدي الذي لم يلقَ اهتماماً لا بل طمساً للحقيقة من بعض المُؤرخين والبحاثَّة العرب، هو الجانب المتعّلق بالقبائل العربيَّة الذين وحدوّا الله، وهم فئة الأحناف والصابئة

أمَّا فئة العرب المشركين ( عبدة الأصنام والأوثان ) لم يُقَصِّر مؤرخو الدين الإسلامي في النيل منهم

أمَّا أهل الكتاب، فإنِّهم خارج بحثنا الآن، وهم في عداد معتنقي اليهودية والمسيحية في الفترة التي سبقت الإسلام ومما لا شك فيه أنَّ هذه الفئة كان لها شأنٌ كبير في الحياة اليوميَّة للعرب آنذاك


في انساكلوبيديا لاروز عن تطوُّر الأديان، ونقلاً عن فلاسفة الغرب حيث يقولون إنَّ ظاهرة عبادة  الأوثان كانت أسبق من معتقد التوحيد، وإنَّ التوحيد كان تالياً للعقيدة الوثنيَّة

أمَّا عند البحَّاثة العرب فإنَّنا نرى الدكتور شوقي ضيف في كتابه القيِّم ( العصر الجاهلي ) أنَّه يجاري الباحثين في الغرب من أنَّ الوثنيَّة سبقت مُعتقد التوحيد وأنَّ الكثرة الكاثرة من العرب قبل الإسلام، كانت على الوثنيَّة بحيث آمنت بآلهة متعدِّدة إنبثَّت وأتَت مِن الكواكب، وكانت مِن مظاهر الطبيعة، ودخلت في أسماء قبائلهم.  


أمَّا فيما يتعلق بالتوحيد، فإنَّ فريق من العلماء والباحثين قالو إنَّ هذه العقيدة، الاله الواحد الأوحد ظهرت عند الساميين قبل ظهور الإسلام ( نفس المرجع انسايكلوبيديا الأديان ... لاروز


والعرب مثل سائر الساميين، كما يوضِّح الدكتور جواد علي المفصَّل في كتابه ( تاريخ العرب قبل الاسلام ) أنَّ العرب هم موحِّدون بطبعهم وأنَّ ديانتهم هي من ديانات التوحيد، 

يُراجع في ذلك سورة الروم وفي سورة الإنعام من القرآن الكريم خير شاهد على ذلك :

( فأقم وجهك للدين حنيفاً، ( سورة الروم )

( إني وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، سورة الإنعام )

والمقصود هنا بالدين الحنيف، هو دين إبراهيم وإسماعيل وهم أجداد العرب القدماء.


في كتابه ( بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب للألوسي )  ( أنَّ العرب الأوائل، كانت على ملَّة إبراهيم، فآمنت  بإله واحد وأقامت لوجهه الشعائر ورفعت البيت، وحجَّت إليه فكان حرَمه عظيماً ). 

ويضيف الألوسي ( بقي العرب على عقيدة التوحيد إلى أن جاء عمرو بن لحّي الخزاعي، الذي شرَّع لهم من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وهكذا تشرذمت العرب وافترقت في عباداتها، فعبدت طائفة منهم الأصنام وأخرى الشمس والقمر .... الخ

وهكذا تحوَّل بعض العرب من الحنفيَّة أي توحيد الله إلى الوثنيَّة .  

وقد قال ابن الكلبي في كتابه الأصنام ( إنَّ جُنوح العرب إلى عبادة الأوثان والأصنام، كان بسبب التماس المعاش في مجتمع القحط والجفاف الصحراوي )

ويضيف إبن الكلبي ( أنَّه كان لا يظعن من مَكَّة ظاعن، إلَّا احتمل معه حجراً من حجارة الحرّم تعظيماً للحرّم، فحيث ما حلَّو وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، صبابةً بها وحباً، وهم على إرث إبراهيم وإسماعيل فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه باقي الامم ).

وكما سبق القول إنَّ أول عربي نصب الأوثان وعبدها، هو عمرو بن لحي الخزاعي، وتقول القصَّة كما وردت في كتاب الألوسي ( إنَّه لمَّا مرض عمروٌ هذا وُصف له ( حمَّة الشام ) وهي عين ماء حارَّة، فقصدها للاستحمام فبرأ من مرضه ) وقد وجد أهل المنطقة يعبدون الأصنام فقال :

ما هذا ؟ قالوا ( نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو ).  

فسألهم أن يعطوه مثلها، فأعطوه، فقدم بها مَكَّة ونصبها حول الكعبة ثم قام بتوزيعها على القبائل بحيث شاعت عبادتها بين الناس، وتحوَّل منهم عن عبادة رب السماء ( الله ) إلى عبادة الأوثان والأصنام.


يصف إبن إسحاق أنَّ عبادة الأصنام انتشرت بين قبائل العرب، بحيث كانت كل قبيلة تتخذ لنفسها صنماً تعبده، بحيث كان الرجل منهم إذا أراد سفراً  تمسَّح في الصنّم، وإن عاد تمسح فيه قبل الدخول إلى أهله.


وفي السيرة النبوية لإبن كثير : ( كانت بعض القبائل تتَّخذ بيوتاً تعظِّمها كتعظيم الكعبة، وأنشأت سدنةً  وحجَّاجاً وتطوف وتنحّر عندها ). وقد خرَّب معظم هذه البيوت خالد إبن الوليد ( يراجع في أسماء تلك البيوت السيرة النبوية لابن كثير

وأمر الرسول الكريم هدم كل البيوت، وأبقى على الكعبة رمزاً للوحدانية التي نادّت  بها الرسالة الإسلامية.

يتضح من أعلاه :

أنَّ عقيدة النبي إبراهيم عليه السلام، كانت متميِّزة وسائدة في المجتمع العربي قبل الإسلام.  

ويقال أنَّ ورقة بن نوفل كان حنفياً ومن ثم تنصَّر واستحكم بهذا الدين حتى عَلِمَ علماً عظيماً مثله أيضاً قس بن ساعده الأيادي.

وأخيراً لم يسجل التاريخ حروباً في الحضارة العربيَّة  قبل الديانات السماويَّة ما بين  ( الصابئة والأحناف وملة إبراهيم ) كما سجل التاريخ حروباً وتدميراً ما بين الديانات السماويَّة حتى وقتنا الحاضر.  

فيصل المصري 

اورلاندو فلوريدا

أب ٢٠٢٣م

  

المراجع :

 -/ المعارف، لابن قتيبة

 -/ جمهرة الأنساب، لابن حزم

 -/ السيرة النبوية، لإبن كثير.

-/ المسعودي

-/ ابو الفرج الأصبهاني

-/ إبن منظور

-/ الدكتور شوقي ضيف، العصر الجاهلي.

-/ الدكتور جواد علي المفصّل.  

-/ الألوسي، بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب

-/ إبن الكلبي، كتابه الأصنام

-/ ابن أسحق

-/ دائرة المعارف الاسلامية

-/ معجّم الصحّاح، ومعجّم اللسان.  


  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق