نوَّاف غزالي …
نحن الشرفاء بحاجة إليك …
لأن الطُغاة سرقوا أمالنا وأموالنا.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
باتت دول العالم على قاب قوسين أو أدنى مِن اعتماد سياسة الوطن أولاً وأخيراً وغير ذلك أصبح وجهة نظر. ومنذ أجيال مضَّت سلكت الأديان السماويَّة المسلك ذاته وصولاً إلى التعصُّب المذهبي أحياناً.
ولا أرى ضرراً ولا ضرار أن يعتمد الموحِّدون الدروز ذلك الطريق وبدل التعصُّب إيثار العقل منهجاً، والتقيَّة المتطوِّرة وفقاً لمقولة لا يُنكر تغيُّر الأحكام بتغيُّر الأزمان.
شخصياً ومع أنِّي مُقيم خارج موطني ( لبنان ) أكثر سنوات عمري قسراً مِن أجل طلب الرزق الحلال، إلَّا أنَّ همِّي بعد تقاعدي كان دائماً البحث والتنقيب عن شخصيَّة مِن الموحدِّين الدروز لأكتب عنها مُدوِّنة للتذكير بمناقب أفراد هذه الجماعة رداً للإجحاف الذي لحق بهم من حُثالَّة بعض المؤرِّخين والفقهاء العرب، بالإضافة إلى ضُمور وانحسار حقوق الطائفة الدرزيَّة في لبنان والغبن اللاحق بمناطق تواجدهم، حتى بات سفلَّة الحُكَّام الجُدد بعد الإستقلال يطلقون عبارة العقدَّة الدرزيَّة عند تأليف الحكومات وعند توزيع المناصب والمراكز الحكومية لهذه المغارة التي كانت يوماً إمارة درزيَّة دخلت سجلات التاريخ برجالات عِظام.
وعلى جري عادتي إن كتبت عن مُوحِّد درزي يكون تركيزي على عمق عقيدته، وماذا فعل لإخوانه الموحِّدين. كنت وسأبقى حريصاً على عدم الخوض في العقيدة الدرزيَّة، لأن لها أربابها، كذلك عدم ذِكْر الميول السياسيَّة للشخصيَّة التي أنا بصددها.
في هذه الْمُدوَّنة سأتطرَّق إلى هذا البطل الموحِّد الدرزي ماذا فعل وماذا قام به مِن أجل إعلاء كرامة وعزَّة عشيرته.
إنَّه نوَّاف غزالي. يكفي الإسم تعريفاً ومِن دون ألقابٍ عُثمانيَّة بغيضة أو فرنسية سخيفة، حيث يكتظ لبنان اليوم بالطغاة الصغار مِن ساسَّة ومصرفيين يتحكمون بالرقاب والعباد ويبرعون بسرقة المال العام وسرقة مدخرات شعوبهم، ترى الشعب اللبناني المغلوب على أمره يحتَّج بحراك مدني سلمي لا يصل إلى درجة الثورة الأمر الذي يؤدي إلى بسط الميكيافيلية في الحكم وفرض طريقة العيش عليهم عن طريق التغاضي عن المطالب لا بل ازدراء هذه الشعوب وتفقيرها.
في المُدوَّنة :
أجمع المفكرون والفلاسفه أنَّ الشعوب عامَّة، تتمسك بأهداب الدين في المُلمَّات الخطيرة التي تحيق بها، سواء كانت أمنية أو صحية حيث تراهم يزورون الكنائس والمساجد، ويُكثرون مِن زيارات الأضرحة ويميلون إلى التقوى والخوف من الله، والصلاة حتى يُجنبهم البلاء ويُضفي على حياتهم الأمن والاستقرار والعافيه.
ولا بد لي أن أستذكر في الليالي المُظلمَّة الحالكة عُظماء مِن بني جلدتي، واستفيد من ذِكْر مآثرهم، وأُمنِّي النفس أنْ تلِّد النساء مثلهم يفتخرون بالشرف أسماً لهم والخصال الحميدة نمطاً لعيشهم، وحفظ العرض والارض عقيدةً.
اليوم أستذْكِر بطل غابت سيرته العطرَة عن كُتُّب التاريخ الحديث لأنَّ ذوي الشأن مِن مؤرخي عرب اليوم يعتمدون على مقاييس كاذبة وخادعة تُراعى فيها إرضاء السلطتين السياسيَّة والدينيَّة، لا سيما في تسميَّة أبطال الأُمَّة والعُظماء فيها.
وهذا الأمر مِن تحريف وطمس للحقائق عند حُثالَّة بعض المؤرِّخين العرب وحكَّامهم، كشف زيفه البحَّاثة في الغرب خاصة ألمانيا في القرن الماضي.
من الأمور والثوابت التاريخيَّة الواضحة والشريفة، أن نوَّاف غزالي ذلك السوري العربي من جبل الدروز، محافظة السويداء، هو بطل من الأبطال الذي أجهز، وكتم أنفاس أديب الشيشكلي ذلك الطاغية الصغير، إذ لحق به إلى زاوية من زوايا العالم وهو مُختبِئ كالفأر، فأدخله حشراً في مزبلة التاريخ، بعد أن واجهه وجهاً لوجه كالفارس المِغوار الذي لا يرضى إلاَّ المواجهة عن قوة بدل الإجهاز عليه خِلسة أو غدراً من الخلف.
من هو نوَّاف غزالي :
هو بكل فخر قاتل أديب الشيشكلي الذي حكم سوريا في الفترة ما بين السنوات ١٩٤٩ وحتى شباط ١٩٥٤.
هو قاتل الطاغية الصغير، إنتقاماً من ممارساته العسكريَّة ضد أهله في منطقة جبل العرب ( جبل الدروز، محافظة السويداء ).
أديب الشيشكلي كان ضابطاً في الفترة التي سمَّاها الغرب فترة الانقلابات، لأنَّ الضابط السوري في تلك الأيام إذا كان ليله طويلاً بسبب القلق الذي ينتابه، كان يتسلَّى فجراً بأن يقوم بانقلاب على ضابط زميل له في السلطة.
أديب الشيشكلي هو الضابط الذي انسلخ عن سربه كغيره من الضباط، وقام بانقلاب عسكري أطاح بسامي الحناوي، وكان يتميَّز بعقلية ديكتاتور جاهل متعطش إلى قتل كل من يعارضه الحكم.
توجَّس أديب الشيشكلي خِفية بأنَّ جبل الدروز، ( محافطة السويداء ) بدأ يُخزِّن السلاح عن طريق الأردن، وآخر عن طريق العراق، وذلك تهيئةً للقيام بانقلاب ضده، يشترك فيه أهل جبل الدروز مع آلِ الأطرش بتنسيق مع المملكة الاردنية الهاشميَّة.
إتخذ قراراً مُتسرِّعاً فيه جهلٌ مُطبَق بتوقيعه على أمر باعتقال رمز من رموز الموحِّدون الدروز، لا بل العرب الشُرفاء سلطان باشا الاطرش، القائد العام للثورة العربيَّة السورية.
إتخذ أديب الشيشكلي قراراً همجياً بدخول مدينة السويداء، بالدبابات والمدفعية والطائرات صانعاً بذلك أبشع المجازر.
كان الطاغية الصغير أديب الشيشكلي يقول قبل الهجوم الدنيئ على السويداء :
أعدائي يشبهون الافعى.
رأسها في جبل الدروز ..
ومعدتها في حمص ..
وذنبها في حلب ..
دخل أديب الشيشكلي مدينة السويداء في ٣١ كانون الثاني من العام ١٩٥٤. كانت الخِطَّة العسكريَّة تقضي بإصدار الأوامر إلى اللواء السادس المرابط في منطقة إزرع في حوران، والطلب إليه بأن يزحف على السويداء ويطوِّقها ويعتقل سلطان باشا الاطرش ..
قام اللواء السادس بمحاصرة السويداء في ليل، ٢٦ و ٢٧ من كانون الثاني، وفي صبيحة ذلك اليوم توجهَّت قوة عسكريَّة إلى قرية سلطان باشا الاطرش القريَّة بقصد اعتقاله ..
لم تتمكَّن هذه القوة، ولم تفلح من إكمال المهمة ..
بعد هذه الخيبات المتكررَّة، والغموض في الأوامر العسكريَّة وتبادل الإتهامات بعد العنف والمجازر التي أُرتكبت أثناء هذه الحملة، جعلت زُمرَّة الضباط يتنصَّلون كلٌ من مسؤوليته عن هذه الجرائم التي أُرتكبت في حق الأهالي من الموحِّدين الدروز.
أيقن أديب الشيشكلي أن زمام الأمور قد تنفلِت من يده
إتصل سِراً بالحكومة اللبنانية لقبوله لاجئاً سياسياً ..
غادر الشيشكلي دمشق إلى بيروت في ٢٥ شباط ١٩٥٤ بعد أن قام بتسليم كتاب استقالته إلى رئيس الاركان الزعيم ( زعيم رتبة عسكرية ) شوكت شقير، وهو ضابط أصله من لبنان من قرية أرصون بالمتن الجنوبي، قضاء بعبدا، انخرط بالجيش السوري مع رِفاق له لبنانيون في تسمية أُطلق عليها جيش الإنقاذ ..
كانت ترتيبات تسوية استقالة أديب الشيشكلي بلجوئه إلى لبنان، ثم المغادرة إلى السعودية، ومنها إلى فرنسا، ومن ثم إلى مكان أخر غير معلوم ..
بقي الوضع السياسي في سوريا ممسوكاً من العام ١٩٥٤ حتى العام ١٩٥٧ بعهدة هيئة أركان الجيش بقيادة ( الزعيم ) شوكت شقير، وفي العام ١٩٥٧ تسلَّم السلطة في سوريا شكري القوَّتلي، وحُوكم الشيشكلي غيابياً بتهمة الخيانة العظمى.
( وما على القارئ العربي إلَّا أن يتخيل هذه المحاكمة الصوريَّة الغيابيَّة بحق مجرم، إما موجود فِي لبنان أو في السعوديَّة أو في فرنسا وذلك قبل هروبه إلى البرازيل.
لذلك أقول، إنَّ تدوين التاريخ العربي الحديث في تلك الفترة، دائماً تفوح منه الروائح الكريهة وطمس الوقائع، وإنَّ إخفاء الحقيقة هي ديانة لها طُقوس وطُرق يُعرْبد فيها صِغار الكُتَّاب، وأن المعرفة لا يمكن التوصُّل إليها بالرغم من قرب حدوثها، إلا عن طريق التنجيم والبحث المضني، وبسبب هذا تبقى الأحداث التاريخيَّة المهمة هائمة، غائبة، مطموس ذكرها ).
مِن المعلومات التي توصَّلُت اليها ..
غادر أديب الشيشكلي في العام ١٩٦٠ إلى البرازيل حيث أقام في مزرعة مُختبأً ..
بعد عشر سنوات تمكَّن البطل نوَّاف غزالي من اللحاق به إلى مكان مخبئه، وقتله أخذاً بثأر أهله من الموحِّدين الدروز
كيف إغتال نوَّاف غزالة، الشيشكلي ؟يقول حسن سليمان غزالة أحد أقارب البطل نوَّاف غزالة :
توجه نوَّاف غزالي إلى المزرعة التي يُقيم فيها أديب الشيشكلي، وقال له :
إذا صدر عفو رئاسي عنك هل ستعود إلى سوريا ؟
أجابه الشيشكلي :
طبعاً ... سأعود ..
فقال له نوّّاف غزالي :
أهلي شهداء .. ولن تستطيع العودة، وأنا حي ..
فأطلق عليه خمس رصاصات من مسدسه ..
قائلا له : هذه الرصاصات من سلطان باشا الأطرش ..
أخيراً
حيكَّت عدة روايات شعبية عن هذا البطل، ولم أجد في السجلات الحكومية السورية أي رواية رسمية قامت بها الدوائر الرسمية لتكريم هذا العمل البطولي.
لذا تقرأ من هنا أو هناك أنَّ الضابط المُقَدَّم السوري سليم حاطوم، قام بإعطاء نوّاف غزالي الضوء الاخضر بملاحقة الشيشكلي.
بعد أن أجهز نوَّاف غزالة على أديب الشيشكلي، يقول قريب نوّاف غزالي المذكور أسمه أعلاه :
أنَّ نوّاف غزالي، سلَّم نفسه للسلطات البرازيلية، بعد ١٨ يوماً من حادثة القتل.
حُوكم نوّاف غزالي ونفِّذ بحقه حكماً لمدة ٥ سنوات.
وفي سِياق المحاكمة سأل القاضي البرازيلي نوَّاف غزالي : هل أنت نادم على مافعلت ؟
فأجاب نوَّاف غزالي :
( كلا يا سيدي، لست نادماً، فإن مثل هذا المجرم لا يستحِق الحياة، ووجوده عبء ثقيل على كاهل البشرية والانسانية، بأجمعها ولا يجب اعتباره انساناً مطلقاً لأنَّه لا ينتمي إلى طبيعة البشر ، وهو خارج عن كل ما يمتُّ للإنسان والإنسانية بصلة ..
وتأكَّد يا حضرة القاضي أنَّه لو قام عشرين مرة من الموت، فإني سأقتله، لأنَّه مجرم، وسفاح، وعميل، و سافك لدماء الأطفال، ومُحلِّل إبادتهم، كما أنَّه ذلَّ الشعب العربي السوري وشوَّه صورة العرب، أمام العالم، وأنَّه طعن العروبة في قلبها وهو يدَّّّّّعي حمايتها والتكلم باسمها ..
توفي نواف غزالي في ٢٠ تشرين الثاني بالعام ٢٠٠٥
عن عمر ناهز فيه الثمانين عاماً، وأُعيد جثمانه الطاهر من البرازيل ليدفن في مسقط رأسه قرية مَلح.
وصل جثمان هذا البطل إلى السويداء، يوم الأربعاء في
٣٠ تشرين الثاني بالعام ٢٠٠٥ ودفن يوم السبت في ٣ كانون الأول بالعام ٢٠٠٥.
وقام الاوفياء من عشيرته، وأهله بأن حملوا جثمانه في طريقه إلى مثواه الأخير بزيارة إلى شهداء الكفر، ومن ثم الوقوف أمام النصب التذكاري لسلطان باشا الأطرش ..
يعتبر الموحِّدون الدروز نوَّاف غزالي بطلاً ورمزاً للشهامة، والشجاعة وما زالوا يغنّون له في الأعراس والأفراح والمواقف الوطنية، لأنه ثأر لهم ويقولون فيه ما يسمى في جبل الدروز " الجوبيات ".
هذا بطلٌ ..
هذا ثائرٌ ..
هذا مُدافع عن كرامة أهله وعشيرته.
هذا نوَّاف غزالي ..
أشهر مِن أن يُعرَّف ...
أين أنت ؟
نحن بحاجة إلى أمثالك.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أيار ٢٠٢٣م
المراجع : المُدوَّنات الفيصليَّة
كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ.
حاشية :
تصريح إبنة أديب الشيشكلي عن أحداث السويداء
تقول إبنة الشيشكلي حول هذه المجازر في تصريح لها في العام ٢٠١٢ حيث كانت تُقيم في الخليج العربي.
( إنَّ مسؤولية ما حدث في جبل الدروز ألقيت على عاتق أديب الشيشكلي وحده كرئيس للدولة، فدفع ثمنها غالياً وهو بريئ منها، لأن قائد حامية السويداء وقتها، طالب بتعزيز حاميته العسكرية بعد التظاهرات والاشتباكات التي حصلت في الجبل حيث هُوجمت مخافر الشرطة وقُتل وأُسر العديد من عناصرها ..
وتضيف إبنة أديب الشيشكلي :
قام رئيس الأركان العامة للجيش السوري في حينها، الزعيم شوكت شقير وهو المسؤول عن ذلك الأمر، بإرسال حملة عسكرية بقيادة رسمي القدسي، لتدمير القوى الثائرة
وتتابع : وللأسف فإن ملابسات الأحداث في ذلك الوقت ألقَّت التبعّات على عاتق الشيشكلي ).
عندما وصل خبر ما قام به البطل نواف غزالة بتصفية المجرم اديب الششكلي الى سلطان باشا ..
ردحذفقال سبقنا نواف باشواط بالجهاد ...