Pages

الخميس، 15 ديسمبر 2022

عرب اليوم وعرب الأمس ( شتَّان ما بين الثرى والثريّا ).


 عرب اليوم وعرب الأمس

شتَّان ما بين الثرى ( عرب اليوم ) والثُريّا 

( عرب الأمس

  


المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :


ورد في دائرة المعارف الإسلامية :

أنَّ  ظهور الدين الإسلامي يؤرِّخ لسيادة تعدُّد الآلهة لدى القبائل العربية في الفترة التي سبقت هذا الدين الجديد

كذلك ورد في السيرة النبويَّة لابن كثير :

كانت بعض القبائل العربية تتخذ ( بيوتاً ) للآلهة تعظِّمها كتعظيم الكعبة 🕋 ، وأنشأت لهذه البيوت سدنةً وكان الحجاج العرب يطوفون من حولها، وينحرون الذبائح تكريماً.  

وبالرغم مِن تعدُّد الآلهة عند القبائل العربيَّة ( اللات، العُزَّى، مُناة، هُبل، عثتر أو عشتار ) لم يُسجِّل التاريخ الصادق أنَّ هذه الشعوب التي زهَت وعاشت قبل هبوط الأديان السماويَّة، قد شَنُّوا الحروب فيما بينهم بسبب إختلاف في العقيدة أو الطقوس التي كانوا يمارسونها أو التي يطبقونها في حياتهم اليوميَّة


لم تَقُم القبائل العربية المتحاربة بتخريب أماكن عبادات غيرها، ولم يتعمَّدوا تحطيم مُجسَّمات آلهة أعدائهم أثناء الحروب والغارات والغزوات.

عرب الأمس كانت حروبهم  بسبب تعرُّض شرف القبيلة أو سبي إمرأة أو تعدٍ في الحدود الجغرافية لكل قبيلة، أمَّا ما قيل خلاف ذلك من قبل المؤرِّخين المتأخرين المنافقين ما هو إلا إفتراء ودجلٍ وكذب ونفاق


عرب اليوم لا حرج عندهم وَلا حرمة في حروبهم أن اجتاحوا المساجد والأديرة والمزارات والمعابد بالرغم من انضواء شعوبهم إلى الأديان السماويَّة الثلاث، لا بل إنتمائهم إلى ذات تعاليم الدين السماوي الواحد، والشاهد الحي هو ذلك الربيع العربي المهين


ولا أسفاً إن رددَّت ما ذكرته في عنوان مُدونَّتي :

وشتَّان ما بين ( الثرى ) عرب اليوم  ( والثريّا ) عرب الأمسوإن كنت آمل بعد مونديال قطر ٢٠٢٢م. أن ينبت من تحت رماد الذل والهوان العربي، جيلٌ جديدٌ من الشباب الذي قد يمحق ويسحق الرؤوس الفاسدة التي حكمت أجيال من الخيبة والارتهان للأجنبي


في المُدونَّة :

بادئ ذي بدء … 

وحتى لا يتشدَّق المتزمتين والمتعصبين والمنافقين والبدء بالصراخ والعويل والتهويل وترديد شعار يا غيرة الدين الإسلامي والدين المسيحي والديانة اليهودية

أقول

هذه المُدّونة لا تتطرَّق إلى العقائد التى سادَّت أرض العرب قبل الإسلام، ولا تعطي تبجيلاً أو تكريماً أو تفضيلاً من حيث تعدُّد الآلهة، بقدر ما يُهّمُني في هذه المُدونَّة الإضاءة على بعض الخصال التي سادت في فترة من تاريخ العرب والتي جرى وئدها مِن عرب اليوم لا بل اندثرت وغابت عن قصد أو عَمْد عن ناظري الجيل العربي الشاب الجديد الذي أتوسَّم فيه خيراً ومستقبلاً واعداً


ولكني بالوقت ذاته أشير إلى أنَّ شعوب الأرض كافةً دون استثناء أبقت على المُجسَّمات الحجريّة التي كانت تُمثل شكل الآلهة بدءً من بلاد فارس وبني عُثمان وأرض الكنانة قديماً وغيرها من بلاد الاغريق واليونان والرومان وما زالت في متاحفهم محفوظة مُصانة


أمّا في الجزيرة العربية كانت تسميَّة الآلهة بالاصنام أو الأوثان بدلاً من مُصطلح المجسَّمات الحجريّة، جرى تدميرها وتفتيتها بأمر مِن النبي العربي محمد ( صلعم ) وهو أول من فعل ذلك حيث كان يضرب الصنم برمحه وهو يطوف بالبيت ويقرأ قول الله  تعالى :

{ وقل جاء الحق وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقاً }.

وقد أرسل النبي محمد  خالد بن الوليد  فحرق ( العُزَّى ) أعظم آلهة العرب، وكان أبي سفيان يوم موقعة أحد يُنادي  ( لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم


بناء على ما تقدم

تلك الفترة من حياة العرب شهِدت تنوعاً فكرياً وحضارياً أثبتَته دراسات المُستشرقين والتي غفِل عنها المؤرخين العرب عن قصد أو إهمال أو أوامر صارمة مِن جيل الخيبات العربية التي سادت وحكمت  وأرادت طمس مآثر العرب الأقدمين لغاية في نفس يعقوب ( كما جاء في هذا المثل ). 

أولاً : أقوال المؤرخين العظام والفلاسفة المميزين مثل :  

الفيلسوف والمؤرخ الاغريقي الشهير هيرودوتس الذي قال عن  العرب الأقدمين أنَّ حُبهم وعشقهم للحرية واستبسالهم في الحفاظ عليها ومقاومتهم لأية قوة تحاول استرقاقهم أو إذلالهم أو استزلامهم لا مثيل له في تلك الفترة من الزمن الغابر

كان العرب الأقدمين إذا تعرّضوا هم أو حلفاؤهم لأي إهانة استلُّوا سيوفهم وركبوا خيولهم وصاحوا وأشعلوا حرباً ضروساً ولو ضحُّوا فى ذلك بأنفسهم، وكان يُؤجِّج من ذلك ما عرف عنهم من سرعة الانفعال  وفورة الاعصاب، وقد فسَّر ابن خلدون السبب  فى مقدمته تحت عنوان :

 " أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر "


أمّا الفيلسوف والمؤرخ فيثاغورس زار بلاد العرب ليتعلَّم مِن حكمة أهلها، وهذا إثبات قاطع أنَّ العرب كانوا على دراية بالعلوم والرياضيات


جاء في كتاب لسان العرب أنَّ المجد التليد هو العريق والأصيل والضارب في القدم، وهذا هو التعريف الصحيح والصادق للعرب قبل الديانات السماويَّة


ثانياً : أمَّا الآثار التي خلفها العرب الأوائل وبقيت على مر الزمن حتى العصر الحديث أكبر شاهد ما زال  ماثلاً  وصامداً  على مرِّ التاريخ

  • سد مأرب في اليمن هو أكبر دليل على التقدُّم العمراني
  • تشييد وإقامة الهياكل الحجريّة للعبادة، وبداخلها أشكال هندسية كتلك  المرسومة على جدار معبَّد الحقة في اليمن.


وقد عثر الباحثون على رسومات حجريّة منذ زمن ما قبل التاريخ في عدة مواضع من شبه الجزيرة العربية، منها رسومات في قرية الفاو عاصمة كندَّه وفي البتراء وبلاد بِصرى وفي قصر شقر الملكي في شبوة


يضاف إلى ذلك إزدهار فن الفسيفساء في مملكة الانباط واستمر حتى ظهور المسيحيَّة كما في كنيسة سيرجيوس في النتل وجرش ومأدبا وفي  كنائس المناذرة  في الحيرة. كذلك حفروا ومدوا الاقنية لِلرَّي لتحسين الزراعة


قبيل الإسلام انهارَّت ثلاث دول عربية قديمة  هي

مملكَّة حمير ( 525 م.) 

ومملكّة الغساسنة ( 583 م

ومملكَّة المناذرة ( 609 م)   

وكانت كل واحدة تؤلف دولة، تحكم أراضيها وتمد سيطرتها على مناطق أخرى بواسطة قبائل تحكمها تلك الحكومات بشكل مباشر.  


وقد ذكر اليهود العرب ما نُقل عن التلمود، أنَّ أحبارهم أخذوا الوصفات الطبيَّة من العرب الأقدمين وفي ذلك دلالة تاريخية موثقّة أنَّ العرب كان لهم في الطب باع طويل


أمَّا ما وصل إلينا من الكنوز الأدبية والقصائد والمعلِّقات السبع ( أو العشر ) هو إثبات على التقدّم الفكري لا يمكن دحضه

أمَّا ما وصل إلينا مِن خِصال يفتقد معظمها عرب اليوم، مثل الذودِ عن الشرف والكرم والسخاء والوفاء بالعهد، والصدق والإجارَّة والنجدة والمروءة والصبر على المكاره وقوة الاحتمال والقبول باليسير


أخيرا وليس أخرً

إذا نظرت إلى عرب اليوم

ستشاهد دولاً تتقاتل … 

وشعوباً تتناحر

وديانات تتنابذ … 

ستُعاصر كراهيةً تتوالد تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل

وسترى كيف الأشقاء يتحاسدون ويتباعدون … 

وسترى وسترى

ما يُحزنُ القلب ويُدمع العين، وتتذكَّر إمرؤ القيس ذلك الأمير العربي الذي عاش قبل الإسلام  وقال شعراً :

قفا نبك ِ من ذكرى حبيب ومنزل ِ

بسقط اللوى بين الدخول فحومل ِ

وهذا البيت من الشعر نقوم نحن الشعوب العربية اليوم بذكره كلما نظرنا إلى دولنا وأوطاننا حيث الهوان والذل والخنوع والإذلال الذي أوصلنا إليه حُكامنا العرب، عرب اليوم


أمَّا إذا أردت أن تفرح قلبك يا قارئ مُدونَّتي هذه

تذكَّر :

أولاً : ذلك ( الفارس العربي المُثنَّى بن حارثة الشيباني ) الذي دَّك حصون إمبراطورية الفُرْس دكاً قبل الإسلام، فإنك تشعر بالفخر والاعتزاز وتُبعد عن جبينك الذِّل والهوان الذي نتخبَّط فيه ألان

هو الذي قال لأول خليفة في الإسلام أبي بكر الصدِّيق

إنْ أمدَدْتني وسمعَتْ بذلك العرب أسرعوا إليَّ مع أَنِّي أُخبِرُك أن الأعاجمَ تخافنا وتتْقينا.  

هو مؤَمِّر نَفْسه ..

هو الفارس العربي الذي انقرض ..


فيصل المصري 

أُورلاندوا / فلوريدا 

كانون الأول من العام ٢٠٢٢م


هناك تعليق واحد:

  1. شكرآ اخي فيصل على ذكر هذه اللمحة التاريخية

    ردحذف