Pages

السبت، 19 ديسمبر 2020

إمرأة الوادي المُقدَّس. تأليف فيصل المصري.

 إمرأة الوادي المُقدَّس

أُولى رواياتي

المُقدِّمة والفصل الأول


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :

عندما يتقاعد الانسان مِن عمله عليه أن يبدأ بممارسة الهواية التي انقطع عنها بسبب الالتزام الذي أخذه على عاتقه في هذه الحياة، وإلا أخذه الضجر والملل والذهاب بعيداً والتحسُّر على ذكريات الصبا والشباب


شخصياً كنت أهوى قراءة الأساطير والغوص في التاريخ والحضارات التي سبقَّت الأديان السماويَّة، وبعد تقاعدي اختلطت في مُخيلتي هذه الهواية مع ذكريات أيام الشباب الغَّض وما افتقدته من رفقة المرحوم والدي الذي كان دائم الحِّلِ والترحال والهجرة، ولكن روحه الهائمة والمُحبَّبة على قلبي  وعقلي وتفكيري نادراً ما كانت تُفارقني لَمَّا بدأت أكتب  قصتي الأُولى ( إمرأة الوادي المُقدَّس ). 

هذه القصة وقُصَّتيَّ الثانية والثالثة  على المنوال نفسه  مِن مزج للأُسطورة بالخيال وصولاً إلى واقع حياتنا الحالية المُعقَّدة والصعبة

كانت بصمات والدي يرحمه الله واضحة وجلية في كل قِصَّة

الهجرة إلى بلاد بعيدة

العودة بدافع الحنين

الحب الأبدي السرمدي

التضحية دون حساب

كل ذلك سكبته بقوالب من :

الأُسطورة وكأنَّه حقيقة

الخيال وكأنَّه في متناول اليد

والحقيقة في مرورتها وصعوبتها

وأخيراً

الأمل باللقاء وإن كان صعب المنال


وأُنهي مُقدِّمتي بالقول

إلى روح والدي الهائمة والمرافقة لي دوماً

إلى مسقط رأسه وموطنه وقريته صليما المُحببة على قلبه

إلى موطئ قدمه وهو في ريعان الشباب تلك الجزيرة النائية في بحر الكاريبي كوراسو، حيث وُلدت

إلى روحه التي اشتقت إليها

إلى لقائه الذي أتوقَّعه وأتوقه وأنتظره على مدى ما بقي لي من وقت

أقول لك

إنتظرني

إنِّي قادم

 لقد آن الرحيل من هذا العالم


في رواية إمرأة الوادي المُقدَّس :

 

تدور أحداث هذه القصَّة الخرافية في الحقبة التاريخيَّة المعروفة بالحضارة البابليَّة وما سبقها من فترات كانت البشريَّة تبحث فيها عن وسائل وطرائق حتى ترتقي إلى معرفة سرّ الكون والخليقة


أبطال القصَّة ثلاثة :

 - إمرأة الوادي المُقدَّس، هي إمرأة أُسطوريَّة فائقة الجمال كانت عظيمة الشأن بين أهلها، لها من العلم والمعرفة ما لم يكسبه إنسان. وجدت نفسها في الوادي بعد هلاك أهلها وعشيرتها. صوتها ملائكي، ألحان تراتيلها لها مقامين، الأوَّل تدعو فيه الطيور عندما تشرق الشمس، والثاني فيه من التهديد والوعيد للحيوانات المفترسة عندما تتقاتل، لأنَّها لا تريد أن يُنغِّص عيشها أزير الوحوش الضارية !


 - الهدهد، هو طير جميل جداً يُحسن لغة إمرأة الوادي وهي تحبُّه كثيراً لأنَّه كاتم أسرارها ورفيق حزنها، يطربها ويواسيها في الوقت نفسه


 - الرجل العجوز، وهو الذي وفد إلى الوادي بعد أن حطَّته الطيور المهاجرة. أدهشها وسلب عقلها لأنَّه يُحسن قراءة ما تكتبه على أوراق الأشجار، بينما الآخرون من بني البشر يوقدون نارهم من هذه الأوراق. القدر وضعه في الوادي لأنَّه جاء يبحث عن حبيبته التي افترق عنها في ريعان الشباب، وقد هبَّت عليه رياح الحب وهو في أيامه الأخيرة

تدور الأُسطورة على منوال واحد

الخيال وتلاقي الأرواح والحب والعشق الروحاني

في هذه القصَّة إلقاء ضوء خافت على دور الأُسطورة في حياة البشر

امرأة الوادي المُقدَّس


في إحدى البقاع نشأت علاقة حب بين شاب وفتاة، تعارفا وتحابَّا وعشقا بعضهما البعض، كانا يلتقيان في السهول والحقول والهضاب، يساعدان الأهل في الزرع  وحراثة الأرض ويلتقيان في المواسم، والأعياد وكانت الفرحة تغمر قلوبهما لا يُعكِّر صفاء حبُّهما أي عائق أو مانع.


ترعرع  حبَّهما في أجواء من المعتقدات والطقوس المختلفة، فهو كان يمارس طقوساً  دينية تختلف عن طقوسها، لكن بالرغم من ذلك لم يتقاتلا أو يتخاصما لأنَّ الشعوب في تلك الفترة من الزمن كانت تنعم برقي في المُعتقدات والعادات بحيث تحترم معتقدات وعادات الشعوب الأُخرى، لا بل كانت تترك ممارسة المُعتقدات للكهنة والسحرة  والمنجِّمين، دون تدخُّل أو عبث أو خصام  في معتقدات الطرف الآخر


كان حبَّهما حديث الأهل ولكنَّهما اعتقدا أنَّ هذا الحب قد أخذ مداه واتفقا على أن يضعا حداً لهذه القصة وأن  يرحل كل منهما في سبيله


اعتقد الشاب والفتاة أنَّهما أدركا أقصى درجات الحب، ولكنَّهما لم يدركا سر الكون والخليقة في حياتهما هذه، ولهذا تعانقا وافترقا على أمل ان يلتقيا في جيل اخر


كان هذا الشاب وهذه الفتاة قد خُلقا  من أجل غاية تختلف عن بقية من عاش حولهما


هو ذهب غرباً حيث الشمس تغتسل في ذلك المدى الأزرق قبل أن تتوارى خلفه، وهي ذهبت شرقاً  حيث الشمس تصحو من خلال تلك الجبال وتوقظ الوجود.  

كان الوداع  صاخباً عزَّ على الأهل فيه  أن يهاجر الإبن وترحل الإبنة، لكنَّ ما كُتِب كان قد كُتِب، حيث الإصرار من الطرفين كان سيِّد الموقف


بعد فترةٍ من السفر حطَّ الشاب رحاله  في أرضٍ خصبة، وهناك بدأ يقارع الحياة من جديد يتدفَّقُ شباباً وحياةً في حراثة الأرض والكدِّ والتعب. لكن حنينه كان دائماً وأبداً إلى حبيبته يتذكَّرها ويحلم كل ليلة بأن يلتقي بها


السنون تمرَّ وحنين الشاب وشوقه وحبه وشغفه للفتاة يزداد سنة بعد سنةلم تستطع تلك السنوات أن تُحيل حُبَّه إلى حُبَّا دفيناً، بل أبقته مُتوهِّجاً  حيَّا يُناديه للبحث والتقصي عن أسرار الكون وسبر أغواره. راح ينهل من العلوم بحثاً عن الحقيقة وأدرك ما كان مخفياً عليه وتجلَّت لديه فكرة أن يبدأ رحلة البحث عن حبيبة العمر ورفيقة الصبا.

 

الانتظار ومراقبة الطيور المهاجرة، تمُّر كل سنة سابحة في صحن السماء وعودتها بعد غياب هو ما أصبح يمضي أوقاتاً طويلة في تأمُّله، ومعه سأل نفسه ؟، لماذا لا يستعين بتلك الطيور في البحث عن حبيبته خصوصاً وأنَّه بات قاب قوسين أو  أدنى من دنو أجله، وهو العالم والمُدرك بخفايا الأمور بعد أن وصل إلى خواتيم العلم والمعرفة


موعد مرور الطيور المهاجرة، هذا العام لم يكن للتأمُّل فقط، بل للإشارة إليها بالتوَّقف  والطلَب منها أن تأخذه  معها في رحلتها السنوية ثم إعادته الى مكان إقامته. أبلغ الطيور طلبه  وهو أن  تساعده في البحث عن حبيبته


إجابته الطيور ( سمعاً وطاعةً ).  


على أجنحة الطير هاجر الشاب مع الطيور المهاجرة مُتقفياً  آثار حبيبته، تُحلِّق به بعيداً، وتُعيده إلى مكانه وموطنه


توالت الهجرات وتعدَّدت مواسم الرحيل على مدى سنوات طويلة، ولكن الخيبة هو ما حصده الشاب من حلِّه وترحاله. شعر أنَّ  العمر يمضي  وينهش أضلعه. خارت قواه وغزا الشيب مفرقه والعمر ضاع سدىَّ بحثاً عن الكنز المفقود وبحثاً عن القلب الضائع بين أروقة العمر وريعان الشباب.

لم ييأس ولَم يستكن وتابع التحليق والعودَة والدوران في مواسم الرحيل والهجرة التي قرَّر أن تكون الأخيرة هذه المرَّة


مواسم الهجرة في هذه الرحلة لم تكن مختلفة عن مواسم الرحيل الأُخرى، لكن ما لم يكن في الحسبان حصل هذه المرَّة. فبينما كان يأخذ قسطاً من الراحة  بعد عناء نهار طويل، جلس واستراح  على أكمة تطل على وادٍ، فيه من الأغصان المتشابكة والاشجار المتطاولة  والأعشاب الداكنة الخضرة، والنباتات دائمة النضرة ما يُبهر القلب ويُؤنس النظر


ليس هذا فقط ما رآه في جلسته السحريَّة تلك، فالمرأة التي شاهدها عن بُعد تعيش وحيدة في  الوادي لفتت نظره. راح يتأمَّلها ويُمعن النظر فيها، فإذ هي  فائقة الجمال، تمشي حافية القدمين يرافقها سربٌ من طيور الهدهد تصدح في الأجواء ألحاناً جميلة. غاص في ماورائياته  وتأكَّد له أنَّ هذه المرأة كانت  فيما مضى عظيمة الشأن بين ناسها وأهلها. دخل إلى مكامن عقلها  وبان  له  كم  من العلم والمعرفة تدركه هذه المرأة، فهي تقوم بنشر العلم والمعرفة على أوراق الأغصان بعد أن تمشقها


لم يمضِ وقت طويل قبل أن يُقرِّر أن ينزل إلى الوادي ليتعرَّف إلى تلك المرأة


على جري عادتها في كل صباح وفي وقتٍ  محدَّد كانت تمر وتمشق من الأوراق. تكتب وتكتب، إلى أن  قرَّر في الصباح الباكر أن  يسبقها ليقرأ ما كتبته في الأيام السابقة


قبل بزوغ الفجر بقليل  وصل  إلى الوادي وبدأ يلتقط الأوراق المتناثرة أرضاً، يقرأها ويقرأها فوجدها تتضمَّن من العلوم  وصلت اليه بعد سنوات طويلة  أمضاها يبحث عنها. تبيَّن له أيضاً أنَّها تحوي  على  علوم جديدة  لم يتوصَّل إليها بعد. وها  هو يجدها في أوراق مرميَّة على الأرض وقد اعترته الدهشة والاستغراب، فقوافل البشر  التي تعبر هذا الوادي، تدوس والدواب على تلك الأوراق التي تختزن العلم والمعرفة وبواطن الأمور، دون أن  تُدرك مضامينها


في هذا الوادي كانت القوافل تمرُّ وتأخذ ما طاب لها من طعام وشراب، ولم تكن إمرأة الوادي ترغب في  أن يقيم أي إنسان في الوادي  إذا كان جاهلاً  لا يفقه من العلم والمعرفة شيئ، لذلك انصرفت لتنظيم حقوق وواجبات الحيوانات والطيور المقيمة، حيث كان السمع والطاعة هو الشرط لبقاء هذه الحيوانات والطيور، وإلا الخروج من الوادي والنفي إلى جهة مجهولة هو ما سيكون عليه مصير  من لم يطِع اوامرها


حُلم إمرأة الوادي  المُقدَّس كان أن تلتقي من بين ركاب

القوافل برجل تأخذه  زوجاً  لها يؤنسها في وحدتها، لكنَّها لم  تفلح  بإيجاد رجل من بني البشر يأسرها أو  يعجبها، لأنَّ  الجهل والغباء كانا يسيطران على أرجاء  المعمورة في ذلك الوقت


الفصل الأول

تتمَّة الفصل الثاني غداً


فيصل المصري 

أورلاندوفلوريدا 

١٩ كانون الأول ٢٠٢٠م



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق