Pages

السبت، 22 أغسطس 2020

الثورات الشعبية فِي لبنان.

 الثورات الشعبية في لبنان

 بدءً من : ثورة الفلاحين التي قادها طانيوس شاهين

 

بالعام ١٨٥٨ / ١٨٦٠م

وكيف أنتهت

وكيف تنتهي الثورات الشعبية في هذا الكيان اللبناني الهزيل


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :

أصبحت مقتنعاً أنَّ منظومة الإستبلشمانت الأميركية بعكس منظومة ملوك وأُمراء الطوائف في لبنان هي المشكلة والحل في آن لأنَّها ليست مأمورة أو تابعة مثل ما يجري في لبنان منذ زوال خلافة الحُثالة العُثمانيَّة

منذ أشهر كانت وستبقى حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية هيستيريا العنصرية والرق والعبوديَّة وستُخمد نيرانها إذا نجح  مرشح الحزب الديموقراطي جو  بايدن الذي إختار كاميلا هاريس نائبة له بالرغم من أنَّ  أُصولها وجُذورها ليست من الرقيق والعبودية في سهول القطن والقمح والذرة الأميركية، لأنَّ  والدها القادم من جزيرة جامايكا ( أسود اللونقام بعد فترة مِن زواجه بطلاق زوجته أي والدتها المهاجرة من الهند أيضاً. هذه الحياة الأليمة التي عاشتها بعد إنفصال والديها وهي في أوج صباها حفَّزها وشجعها لتتسلق سلالم العلم  والمعرفة وصولاً إلى منصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا ومن  ثُمَّ سيناتور الولاية في الكونغرس الأميركي. كانت كاميلا هاريس تفتخر بأصلها الهندي ولم تأتِ على ذِكْر أنَّها من أصول أفريقية إلا في حملتها الانتخابية الاخيرة

هذا ليس مُستغرباً فِي قرارات الإستبلشمانت الأميركية لأنَّ

اختيار هاريس لا يختلف عن إنتخاب الرئيس باراك أوباما ( والدته بيضاء ووالده أسود البشرة من كينيا في أفريقيا ) ليكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية


فِي هذه المُدونَّة سأُكرر مقولتي أنَّ الثورات والمطالب الشعبيَّة في لبنان لم تنتصر في الماضي ولن تنجح في الحاضر وفي المستقبل، لأنَّ الحل والربط حتى لدى ملوك وأُمراء الطوائف في لبنان مصدره من الخارج كان وسيبقى

إذا نظرنا إلى تاريخ الكيان الطائفي اللبناني وليس الدولة بالمفهوم الدستوري  نرى أنَّ الطائفية متجذرة في النفوس ومكرسة في النصوص وهذا ما يُعيق  ويؤخِّر نجاح  أي ثورة أو إنتفاضة أو تحرُّك شعبي والتاريخ يشهد بذلك.  

والحق يقال أنَّ الطبقة التي حكمت لبنان منذ سقوط خلافة بني عُثمان العاهرة  والظالمة حتى عشيَّة ( لبنان ينتفض ) وما تلاه من إنفجار مرفأ بيروت، نجحوا وأحكموا السيطرة وجعلوا من التحركات الشعبية لا تتعدى  تململ  في الشوارع لأنَّهم  توافقوا واتفقوا وتآمروا وتعوَّدوا على إخماد الاحتجاجات الشعبية.

قرأنا في كُتُّب  التاريخ أنَّ  لهذا الكيان الطائفي  عِدَّة ثورات، سأحاول ذكر أولها والألم يعصرني والقهر يُنهكني  لأنِّي  سأصل إلى نتيجة واحدة وهي أنَّ المزرعة بقيت مزرعةً بعد أي ثورة مع تعديلات طفيفة في البنيان، والكيان بقي كياناً بعد أي ثورة مع علو وإزدياد شأن الفساد والإفساد.


في المُدونَّة : ثورة الفلاحين عشيَّة العام ١٨٥٨م


كان الإقطاع وزعمائه في لبنان من الدين المسيحي أو الإسلامي بمذاهبه الثلاثة في الفترة ما بين ١٨٥٨ و ١٨٦٠ وكان مُتماسكاً ومُتعاضداً ومُتفقاً على خفض جناح العامة وكسر شوكتهم وتبديد أحلامهم والنيل من كراماتهم


حدث ما لم يكن بالحسبان إذ إنتقل نبض العامة من التملمُّل إلى الثورة وفي هذا الجو ظهر طانيوس شاهين في إقطاعية آلِ الخازن في جبل لبنان ( كسروان ). 

لن أدخل بالقيل والقال والكذب والتدجيل لدى المنافقين من بعض المؤرخين اللبنانيين ولكن من الثابت أنَّ طانيوس شاهين بدأ يدعو إلى الثورة ويحرِّض الفلاحين  اعتباراً من العام  ١٨٥٨مضد آل الخازن الإقطاعيين في المنطقة. ثم أعلن بدعم من الفلاحين إنشاء الجمهورية في كسروان، وقد عارضه رجال الدين الماروني والمسيحي، كذلك لم يلقى أي دعم من القناصل الأوربيين.


من غير الثابت تاريخياً لماذا بدأ طانيوس شاهين يستفز المناطق المجاورة الدرزيَّة ( المتن ) مُدعياً وراكباً موجة الدفاع عن حقوق المسيحيين المحليين، وقد يكون هذا التحريض من جهات محلية أو عثمانية أو من القناصل أو من رجال الاكليروس المسيحي من أجل إحباط ثورته ومطالب الفلاحين بإدخال الفتنة ما بين المسيحيين والدروز. وبذلك يستعاض عن الحقوق لتلبية غيرة الدين وهذا سلاح بحد ذاته يُجهض الحقوق المشروعة للشعب والفلاحين. 


هذه التصرفات المُسيئة أدَّت إلى ما يُعرف بالحرب الأهلية في جبل لبنان في العام ١٨٦١م. ما بين الدروز والموارنة. وقد أفلح رجال الاقطاع بأن حوَّلوا المطالب الشعبية وإخمادها عن طريق إشعال فتنة طائفية. 


من هو طانيوس شاهين كما ذكره التاريخ :

أنَّه كان حرفياً يقوم بأعمال يدوية  ولكنه كان متكلماً وخطيباً في آن ( المؤرخة الإنكليزية إليزابيت طومسون ). 

أنَّه كان شبه متعلم وبيطرياً ومكاري لنقل البضائع على البغال وقد لقبه الفلاحين بشيخ الشباب ( المؤرخ كمال الصليبي ).


في هذا الجو المشحون بمطالب الفلاحيين في إقطاع مشايخ آل الخازن المسيحيين، وبالرغم من أحقية غضب الفلاحين في كسروان، كان هناك أُناس يمرحون ويزرعون الفتن بين الناس في جبل لبنان مثل الأمير بشير الشهابي الذي كان يعيث فساداً وإفساداً لدى مشايخ وأمراء الإقطاع الدرزي والمسيحي. كذلك كان الوالي العثماني خورشيد باشا، يتلقى سلسلة من الفرمانات أي ( أوامر الباب العالي العُثماني )، خط كلخانة عام 1839 والخط الهمايوني عام 1856. 

لا بل كان من اعترض على المطالب خفيةً  وهم من رجال الاكليروس المسيحي وعلى رأسهم البطريرك الماروني بولس بطرس مسعد والبورجوازية المستجدة عند المسيحيين. 


كان رد فعل الباب العالي العثماني على تحركات الفلاحين في منطقة كسروان مُعادياً وكان خورشيد باشا مُتعاطفاً ومُسانداً  لمشايخ آل الخازن. 

وقد تعددَّت الروايات والاخبار الموثقة عن الدور الخسيس لبني عُثمان ما بين الفلاحين ومشايخ آل الخازن، وفي رسالة إلى البطريرك الماروني بولس بطرس مسعد مِن الوالي خورشيد باشا اُتهم فيها طانيوس شاهين استعماله اساليب الخداع لتضليل  عقول الناس والفلاحين ولإغواءهم ليتبعوه في طرقه الشريرة. 

كذلك ذكر بعض المؤرخين أنَّ الوالي خورشيد باشا كان يقوم بتقديم الدعم الضمني الى الفلاحين وعلى رأسهم  طانيوس  شاهين  من أجل كسر شوكة آل الخازن وبالتالي تخريب وزعزعة التضامن المسيحي. 

وحتى تكتمل عناصر الفتنة والحرب الأهلية في جبل لبنان

وقعت اشتباكات يوم ٢٩ ايار بالعام ١٨٦٠م. في قرية بيت مري في المتن بين الدروز والمسيحيين وبحلول ٣٠ أيار نجح الدروز في هزم  المقاتلين المسيحيين في تلك البلدة المتنية.

وبعد هذا التاريخ اندلع  القتال  في جميع أنحاء المتن حيث جرى إحراق حوالي ٤٠ قرية  مسيحية. 

تقول المؤرخة اللبنانية ليلى طرزي فواز ( كان مقاتلي كسروان المسيحيين غير منضبطين وغير فعالين ضد قوات الدروز التي كانت أكثر خبرةً وأفضل تسليحاً وموحدةً ). 

بعد المتن إشتعلت الحرب الأهلية في جميع أنحاء جبل لبنان وإعتبرها التاريخ حرباً أهلية بين الدروز والمسيحيين. 


وعلى جري عادتهم يتوحَّد الدروز في المُلِمات والمنعطفات الخطيرة  التي تهدد كيانهم أو وجودهم، فكان لهم أنَّه في منتصف شهر حزيران من العام ذاته سقطت مدينة زحلة ( منطقة البقاع ) آخر معاقل المسيحيين بيد المحاصرين الدروز. 


الخلاصة التي سيعيدها التاريخ في كل ثورة تقع لهذا الكيان :


نجح التدخل الدولي بقيادة فرنسا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتمَّت استعادة النظام في العام ١٨٦١م. وإنتهت حركة طانيوس شاهين. 

كانت الخلافة العثمانية على شفيرالهاوية  ( كما وصفوها بالرجل المريض ). 

وكان رجال الدين الموارنة في خيبة من أعمال طانيوس شاهين. 

وكانت البرجوازية المسيحية المدعومة من القناصل الغربيين  تشرإب أعناقها وتنتظر إصلاحات سياسية في لبنان حتى تدخل المنظومة. 

وكان القنصل البريطاني يُراقب كعادة الانكليز في إقتناص الفُرص. 

وكان أن ألغى طانيوس شاهين الجمهورية التي أسسها  فِي كسروان  وأشعل ثورته مِن أجلها.  

وكان أن توفي طانيوس شاهين بالعام ١٨٩٥م. في عتمة ليل من ليالي لبنان المُظلمة والداكنة سواداً والطويلة عقوداً حتى يومنا هذا. 

وكان أن مات طانيوس شاهين دون أن يترك مذكراته. 

وكان عليكم أيُّها القراء الاعزاء أن تعرفوا وتُدركوا أين الخلاف بين الأمس واليوم

وكان عليَّي أنا أن أقول ما ذكرته في المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها أنَّ الثورات والمطالب الشعبيَّة في لبنان لم تنتصر في الماضي ولن تنجح في الحاضر وفي المستقبل، لأنَّ الحل والربط حتى لدى ملوك وأُمراء الطوائف في لبنان مصدره من الخارج كان وسيبقى


فيصل المصري 

٢٣ أب ٢٠٢٠م

مِنْ أُورلاندوا / فلوريدا 

لكم تحياتي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق