كتابة التاريخ عند العرب :
مصدره الأفلام والمسلسلات المصرية ( صلاح الدين الأيوبي )
كتابة التاريخ في لبنان ينبوعه مسلسل ثورة الفلاحين ( البيروتي ).
وكتابة التاريخ في سوريا ينبوعه مسلسل باب الحارة ( الدمشقي ).
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
تجتاح منذ سنوات موجة مِن تغيير التاريخ الصحيح عن طريق طمس معالمه وتشويه صورته تقوده الإستبلشمانت الأميركية ( ميديا، هوليود، فايسبوك، تويتر، و نيتفليكس ) عن طريق إنتاج مسلسلات تليفزيونية وأفلام وإلغاء بعضها مثل ( ذهب مع الريح ) وتلفيق أحداث لغاية في نفس يعقوب.
يستغرب القراء الأعزاء كيف أتطرَّق حالياً إلى موضوع ( كتابة التاريخ عند العرب، وكتابة التاريخ في لبنان وسوريا )، والعالم العربي اليوم تتناوشه لتتقاسمه دولتين مِن مسلمي الأمصار والأقطار القريبة الملاصقة إيران الفارسيَّة وتركيا العُثمانيَّة. ( يراجع مُدونَّتي سقوط الخلافة في ٢٨ تموز ٢٠٢٠م. )
في لبنان تتكالب وتتعالى أصوات العِواء مِن حُثالة الحكَّام على فاجعة حلَّت في بيروت لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ الميلادي، وكأنَّ الحدث الجلل لا يختلف عن أزمة تقسيم النفايات على مائدة المطامر أو تعيين الازلام في بلاط علي بابا والمئات مِن الحرامية.
لماذا الاستغراب أيُّها الأصدقاء لأنَّه سبق وقلت أنَّ مؤشِّر زوال الدوَّل والإمبراطوريَّات يكون بتدمير تراث الماضي عن طريق تشويه وتزوير أحداث التاريخ.
في هذه المُدونَّة سأُشير إلى شركة نيتفليكس العملاقة التي قامت بإنتاج وتسويق مسلسلات تحكي وتؤرخ عن الرق والعبوديَّة في العالم الجديد. ( تراجع مُدونَّاتي بهذا الخصوص )
والملفت للنظر أنَّ هذه الشركة تقوم بتسويق مسلسل لبناني بعنوان ( ثورة الفلاحين ) :
مِن إعداد وتأليف وسيناريو كلوديا مرشيليان.
مِن إخراج فيليب أسمر.
مِن إنتاج جمال سنان.
ومِن تمثيل جهابذة الممثلين والممثلات وجمهرة مِن الفنانين اللبنانيين الذين أدوا أدوارهم أو أدوارهن خير تمثيل حتى تظن أنك أمام عمالقة هوليوود ( كلارك غايبل أو ريتا هيوارت، و إيفا غاردنر )
والمُخيف في الأمر أنَّ اللبنانيين المغتربين في مقتبل العمر سيجدون في هذا المسلسل واحةً ليتعرفوا على تاريخ لبنان القديم والعائلات التي حكمته سواء كانت أحداث المسلسل صحيحة أو منافية للحقيقة.
والذي أذهلني أنَّ مجريات هذا المسلسل اللبناني تُقارب وتُماثل مسلسل الرق والعبودية في أميركا الجنوبية ( كولومبيا ) قامت بإنتاجه وتوزيعه شركة نيتفليكس تدور أحداثه أثناء سطوة الملكية الإسبانية حيث أنَّ البطلة الكونتيسة ( فيكتوريا ) بيضاء البشرة تقع في غرام العبد الرقيق الأسود ( ميغيل )، وفيه مشاهد درامية مأخوذة ليتم إلصاقها بمُجريات مسلسل ثورة الفلاحين بالرغم من البعدين المكاني والزماني فضلاً عن العادات والتقاليد اللبنانية المتأصلة في الأرض والإنسان.
في المُدونَّة :
لم أكُن يوماً من الأيام من مُحبي الأفلام والمسلسلات العربية التاريخية.
ولم أكُن يوماً من الأيام إلا ساخطاً على حُثالة كُتَّاب السيناريوهات التاريخية من العرب الذين يكتبون الكَذِب بحذاقة حتى يُسوِّقوا أفلامهم وينفخوا سمومهم وكأنها الحقيقة، والسبب في ذلك لأنِّي أعتبر أن بعض التاريخ العربي المُدونَّ في بلاد الشام كاذب وكذوب يستقي معلوماته وأوامره ومصادره من ينابيع صدأت مواسيرها بسبب كثرة النفاق والدجل والتدليس.
وحتى لا يقول قائل أنِّي في هذه المُدونَّة أُطلق سِهاماً سياسية أو دينية رخيصة.
أقولها وبصراحة مُتناهية هذا أخر هّم من همومي في كل مُدونَّاتي ولا يعنيني أي نظام سياسي في أي بلد عربي أو هويته الدينية طالما شعبه يقبل ويرضى به.
بل يعنيني التاريخ والإعلام الرسمي الذي يسمح ويفسح في المجال للأكاذيب والتهميشات التاريخية ويستمر دون وازع أخلاقي في ضخ الأفلام والمسلسلات التاريخية على وزن الهوارَّة أو الأهازيج الفضفاضة مثل مسلسل باب الحارة الدمشقي هذا المسلسل ينفخ سموماً رخيصة كأصحابه لأنَّ التهميش التاريخي فيه يحكي عن فترة عشرينيات القرن الماضي في إحدى حارات دمشق حيث إنعدم ذكر بطل الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الاطرش ورفاقه الاشاوس الذين رفعوا العلم العربي فوق دار الحكومة بدمشق.
هذا التغييب والإبعاد في هذا المسلسل لشريحة من الوطن السوري ( وقد شاهده الأفراد من أُمَّة لا تقرأ ) هو الذي أقلقني لأنَّ أُمَّة لا تقرأ يهمها فولكلور القباقيب والطرابيش والشراويل والقمابيز والنراجيل والشالات العريضة والطويلة والسفسطة الحكواتية.
بادئ ذي بدء :
ورد في إنجيل متى 5: 14
أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل.
هذا ما أبدأ به في الرد على تأريخ مسلسل ثورة الفلاحين.
لم أكُن يوماً مُحبذاً أو مؤيداً أو مُناصراً للإقطاع السياسي أو العائلي في لبنان أو أي نظام أو أي شريعة تستبيح حرية الإنسان، ومُدونَّاتي تشهد بذلك حتى أنِّي أمقت ألقاب حُثالة بني عثمان والسنوات الطويلة من قرون غطرستهم والتي غرست في البنيان العربي واللبناني نذالتهم وفسادهم ونجاستهم وأطلقوا مناكيد ولاتهم وأزلام حكامهم لتعيث فساداً وإفساداً.
وبالرغم من ذلك لا أستسيغ أو أقبل أن يُمعن بعض الكُتَّاب في تشويه التاريخ اللبناني والافتراء المُتعمَّد ولصق الأذيَّة على عائلات إقطاعية حكمت لبنان في ظل الإمبراطورية العثمانية البائدة.
شخصياً لا أنكر أنَّ الإقطاع العائلي اللبناني أثناء حكمهم شهد الموبقات والتجاوزات والاستفزازات للأفراد والسكان اللبنانيين سواء كانوا فلاحين أو غيرهم.
كان الإقطاع العائلي وزعمائه في لبنان من الديانات المسيحية أو الإسلامية بمذاهبها، وذلك في الفترة ما (بين ١٨٥٨ و ١٨٦٠ الفترة الزمنية للمسلسل ).
كان نظام الإقطاع العائلي مُتماسك ومُتعاضد ومُتفق على خفض جناح العامة وكسر شوكتهم وتبديد أحلامهم والنيل من كراماتهم وسرقة مواردهم الضئيلة وفرض الضرائب وأعمال السخرة.
كذلك لا يُمكنني أن أتغافل أو أنسى بعض الأفضال ومكارم الأخلاق التي كان يتحلى بها بعض رجالات الإقطاع وبعض الأمراء والأميرات في تاريخ لبنان.
حسناً فعلت كاتبة سيناريو هذا المسلسل الضخم أنَّها حددت تاريخ إنتفاضة ثورة الفلاحين، ولم يأخذها الشطط التاريخي إلى فترة الإمارة الدرزيَّة التنوخيَّة، والإمارة الدرزيَّة المعنيَّة لأنَّ الرد سيكون أقسى من مفردات هذه المُدونَّة.
ولكن يبدو عندها اختلط الحابل التاريخي بالنابل الدرامي للسيناريو. إذ لم تاتِ على ذكر دور الكنيسة ورجال الدين الإسلامي بمذاهبه الثلاث في رعاية حكم رجال الإقطاع بأحضان دافئة، بل إعتمدت التورية والغمز واللمز والهمس في مجريات المسلسل الذي يؤرخ فترة زمنية وهي أواخر السلطنَّة العُثمانيَّة البائدة بدليل أنَّها :
ذكرت وظيفة القائم مقام. ( نظام القائمقاميتين ).
ذكرت مدينة بيروت في السياق للدلالة على أنَّ المسلسل لبناني.
ذكرت التسميَّة ثورة الفلاحين هذا المُسمَّى لا ينطبق إلا على ثورة فلاحي لبنان أثناء حكم الإقطاع العائلي اللبناني.
ورد ذكر الدعاء والصلاة للسيدة العذراء ممَّا يُقصد به الإقطاع المسيحي اللبناني.
ورد ذكر الطلاق ممَّا يُقصد به الإقطاع المسلم بمذاهبه ( الدروز والسنة والشيعة ).
وغيرها من دلالات التي تُشير إلى أنَّ أحداث المسلسل هي عن الإقطاع العائلي اللبناني.
في المسلسل تعمدت كاتبة السيناريو :
المُبالغة في وصف الظلم وهتك الأعراض.
والإطناب في مشاهد تحقير الخدم والحرَّاس كطأطأة الرأس خاصة الحرَّس الذي يجب أن يوجه عيونه أينما لاح الخطر لا أن يخفض جناح الذل كلما سار أمامه الشيخ أو ما شئت من ألقاب.
والإطالة في مشاهد الجنون والمجون حتى الضجر.
والتجريح في وصف الفلاحين حتى تظن أنَّهم أقَّل من عبيد العالم الجديد آنذاك.
وحتى لا أُطيل الشرح أقول :
أنَّ الإمارة اللمعيَّة قبل تنصُّر الأمراء والأميرات في أوائل القرن المنصرم ( يُراجع المُدونَّة الأميرة السِّت زهر أبي الَّلمع لم يرشح من عاصمة الأمارة بلدة صليما وأهلها ما يخزي بل رشح عن هذه الإمارة الإقطاعية كُل شرف تضحية وإباء.
إلى الممثلين والممثلات وكل من قام بدوره في التمثيل أقول لكم ولكُّن أرفع تعابير الثناء والإحترام وصدق الحرفية في إيصال مضمون السيناريو.
إلى المؤرِّخين من شعب لبنان العظيم ( المسيحي والمسلم ) كيف تقبل الرقابة الفنية للزمرة الحاكمة في لبنان بهكذا توصيف لتاريخ لبنان وكأننا نشهد على مجازو حُثالة بني عثمان في قرى وبلدات بعض دول أسيا الوسطى.
لكم يا أهلي في لبنان :
أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
١٦ أب ٢٠٢٠م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق