Pages

الخميس، 28 فبراير 2019

الهدية التي يتمناها كل مُهاجر عن الديار …

الهديَّة التي يتمناها كُل مُهاجر عن الديار
إنها نافذة السبعة بحور


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :


بادئ ذي بدء .
يعجز قلمي عن سكب قوالب الشكر والإمتنان للقراء الأعزاء الذين قرأوا :
مُدونَّتي
وقبل العودة، أحِّنُ الى لبناني ولبنانكم. وليس لُبنانهم. هذه كلية الحقوق بالصنائع، هذه جامعتيوفيها فصل من روايتي ( كراون دايسي، وكريستل ). 
ومُدونَّتي
آن الإيابُ، والأَوْبُ، والرُّجُوعُ، والعودَّة إلى الوطن الغاليوفيها فصل من روايتي الثانية ( إمرأة الوادي المُقدَّس ). 

كان القُرَّاء الأعزاء ينثرون الثناء ويكيلون المديح، حتى أنني تذكرت وأنا أقرأ سيل المديح ما قاله الفيلسوف الهندي طاغور، والحائز على جائزة نوبل بالعام ١٩١٣م
( المديح يخجلني، مع أنني أسعى إليه سِراً ). 

كذلك تذكرت قول هذا الفيلسوف الهندي عندما قال :
( هو أمر بسيط أن تكون سعيداً، لكنه من الصعب أن تكون بسيطاً ). 
هذا ما فعله المُبدعون في المديح مِن قُرائي الأعزاء، بأن جعلوني سعيداً
وما دمت أستعين بأقوال الفلاسفة العظام حتى أُقدم شُكْري للقراء الأعزاء، دعوني بكل تواضع أستعير مقولَّة وضعتها في روايتي الثالثة ( الجسر وحوريَّة النهر ) وهي :

( نافذة السبعة بحور )، حتى أفتح شبابيكها لأشكُر قرائي الأعزاء فرداً فرداً.
وقد إستعمل هذه النافذة بطل روايتي ( الجسر وحوريَّة النهر ) وهو وراء وخلف السبعة بحور، ليطَّل على حبيبته ويشاهدها ليبُث لها لواعج مرارة وحرقَّة قلبه على فراقها

في الرواية :

الجسر وحوريَّة النهر 
إنَّها قِصَّة قصيرة، من واقع الحياة
فيها  اليأس، والأمل
فيها من الشيخوخة، والشباب
فيها من الجحود، والوفاء.  
وفيها من يباس العمر القاتل
فيها من الحب السرمدي ما يكفي ويزيد،  كما قال رئيس تحرير ( مناطق نت ) الأديب اللبناني زهير دبس مُنسق ومُصمم غلافات المُدونَّات الفيصليَّة


في الفصل الأخير من هذه القصة :
وقبل أن يترك الجسر ...
إنتابه الذهول والهلع والخوف والإحباط ...
وأحسَّ بهول الخسارة وهو يودِّع حوريَّة النهر ... 
إكتفى وبكل قناعة وإيمان، ورجولّة ...
أنَّ القدر هو نصيبه ...
وقد إعتاد على مظالم القدر ...
وإجتاحه شعور غريب، وكأنَّه  برداً وسلاماً ...
أنَّ حوريَّة النهر، تُبادله الشعور ذاته ... 
وأنَّه يحمل في يدِه هديَّة  من صديقه الجِسْر، لا يدري ما قيمتها ...

أمَّا الحوريَّة وهي تودِّع حبيبها وجفناها تُطبقان كستارة إيذاناً  بإنتهاء قصة حُب أُسطوريَّة  ...

فقالت له
إلى اللقاء ...
يا حبيب العُمر ...
أجابها، والغصِّة تقتله ...
آن الرحيل ...
آن الرحيل ...
العيش، من دونك في هذه البلاد، جَهَنَّم وعذاب ...

قالت له ...
لا تتركني ...
لا تتركني ... وحيدة
إستغرب وتعجَّب الرجل العجوز من قولها وهو يلوِّح  مُغادراً ...

إستحسن الجِسْر  فروسيَّة الرجل البشري وشهامته ...
وإحترم رِفعة شأنه وتصرُّفه النبيل وهو يقبل هذه النهاية الحزينة والمُؤلمة ...

وبِطلب من حوريَّة النهر وهي تشهق بالبكاء ...
أمر الجسر ...
قطعان الغزلان  والبط  والأرانب والطيور والأحصنة الوقوف صفاً واحداً  لوداع الرجل البشرّي الشريف ...

كذلك، طلب الجسر ...
من أغصان  الأشجار أن  تنحني إحتراماً  لصديقة البشري ...
ومن قُضبان القصّب أن  تصدر ألحاناً حزينة ...
ومن النهر أن ينفخ غِناءً  كنائسياً ..

صعقه ما  شاهد ٓ ...
وبهرّه ما رأت عيناه من التكريم والتبجيل ...

قفِل عائداً الى منزله مطأطأ الرأس، يتكئ على عِكاز من خشب الأبنوس أهدته اليه الحوريَّة، مُطرَّزاً  ومُرصَّعاً  بأجود الأحجار الكريمة ...

لم يطّق العيش في تلك البلاد ...
قرَّر  العودة إلى موطِّنه في مشرق الارض ... 
فركِّب البحور السبعة قاصداً  بلاد أهله ...
تاركاً  حبيبة عمره خلف هذه  البحور ...
ذاق العذاب المرّ، وقٓبِل الهوان وعاش الحرمان ...

وكانت نوبات حُبِّه للحوريَّة تقضُّ مضجعه  ...
بدا هزيلاً  مكموداً  مهموماً حزيناً ...
فإستسلم لنوم عميق لم يعهده منذ سنوات ...
ثمَّ ما لَبِث أن صحا على صوت الجسر يُناديه  ...

قُمْ إلى  هديَّتي وإفتحها ...
قُمْ إلى  هديتِّي وإفتحها ...

هبَّ كالمجنون مُتسائلاً عن الصوت ومصدره  ...
إنَّه  حِلْم مُزعج  ...
أقنع نفسه بأنه يهذي في نومه ...
وعاد الى فراشه لينام ...

ولكنه  نهض مذعوراً  من سريره على صوت الجِسْر يُناديه ...
قُم إلى هديتي ...
قُم إلى هديتي ...

قام مُسرِعاً  وبدأ يبحَّث عن هدية  الجسر ...
وما إن وجدها حتى نفخ الغُبار عنها، ومزَّق غِلافها ...

وإذ  بالهدية عبارة عن نافذة ...
بدت النافذة يُحيطُها إطار من الذهب الخالص مُرصَّع بأثمَن الأحجار الكريمة كالزمُرُّد والياقوت والعقيق  والفيروز  والتوباز  واللازورد والزبرجد واللؤلؤ والأُلماس ...

كانت النافذة مُقفلَة بإحكام بواسطة مِفتاحٍ  قديم من الفضَّة على شكل حوريَّة ...
وما إن فتح شِبَّاك النافذة حتى هبَّت رِيَاح عاتية شديدة،  ثمَّ خَفُتت، وأحسَّ وسمع صوت الريح يحمِل  الحنين  والنسيم الرقيق ...

بسط ناظريه  من خلال النافذة ...
رأى، ما لم يرَه مخلوق ...
شاهد ما لم يُشاهدْه إنسان ...

أمره الجِسْر، بأن يفتح النافذة على مصراعيها ويبسط ناظريه ...
وَعندما فعل ما طُلب منه ...
حتى شعر بأن بساطاً يحمله ويطير به فوق بحور وجبال ووديان ...

قطع البحور السبعَة  بلمح  البصر ...
وكأنَّه على بساط الريح ...

مرَّ  فوق الوديان والبرارِّي  والبحار ...
وما إن وصل فوق الجسر في المقلب  الآخرمن الارض ...
حتى لمح حوريَّة النهر تُمارس طقوسها اليوميَّة ...

نظرَت إليه  والإبتسامة تعلو ثغرها ...
أوقفَّت، طقوسها ونادَت

يا حبيب العُمر ...
كٓم تمنيت ورجوَّت ودعوَّت أن أراك ٓ ثانية ...
وانت ٓ، أبعدُ من السبعة بُحور ...
وأجابها ...
وكم تمنيت أنا أن أراكِ ...
بيني وبينك سبعة  بُحور ...

أن يكون لي نافذة ...
حتى أراكِ ...

وأنتِ  تٓبْتٓسِمين ...
إيذاناً للشمس بالشروق ...
وأنتِ  تٓغْمُضين جِفنّيكِ ...
 أمراً ... 
للشمس بالمغيب ... 
وكان لقاء الأحبَّة كما أراده الجِسْر ...
وكان اللقاء صاخباً
بقيت الحوريَّة حبيبته
وأمست أمورَّة خياله

فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا

٢٨ شباط ٢٠١٩م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق