الموحِّدون الدروز في بلاد الشام،
والشورى فيما بينهم،
إلى أين ؟
المقدمة :
يطيب لبعض ساسَّة الرعيل الجديد، والمستجِّد من الموحِّدين الدروز في بلاد الشام القول جِهاراً وعلناً، أن ما يجري لدروز سوريا القاطنين في محافظة السويداء وخاصة بعد الهجوم البربري لخنازير داعش، وما نتج عنه من خطف عدد لا يستهان به من المُوحِّدات الدرزيَّات، أن هذا الامر هو من صلب إختصاص الهيئات الروحية الدينية، والسياسية لدروز سوريا فقط، ولا ضرورة او علاقة لدروز بلاد الشام من لبنان، والأردن وفلسطين إبداء الرأي أو التدخل، أو حتى التوسُّط مع جهات إقليمية أو دولية للإفراج عنهن، مستندين الى قول يصلح في غير مكان
( إن أهل مَكَّة أدرى بِشعابها … )
كذلك يروق لبعض الأهل في سوريا، أن يمانع في تبادل الآراء، أو حتى تلقي النُصح أو النصيحة، أو الإستماع الى عِبَّر من التاريخ يعبِّر فيها أهلهم من الموحِّدين الدروز القاطنين في بلاد الشام تحديداً لبنان، والأردن، وفلسطين، عن قلقهم في مسألة التجنيد الإلزامي والإجباري المطلوب والمفروض عليهم، حتى لو كان تدخلهم ضناً بعدد الشهداء الذين ستراق دمائهم على بلاط هذه الحرب الضروس، مقارنة وتشبيهاً لوفرة عدد الشهداء في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش، التي حررت سوريا من النير الاستعماري الفرنسي، وقبله التخلُّص نهائياً من العهر العثماني البغيض.
في هذه المُدونَّة :
ترددَّت كثيراً في التطرُّق الى صلب هذين الموضوعين، ولكني آثرت أن ألج الى الأمرين من باب التذكير التاريخي للأهل في سوريا، حتى لا يُنسب لي قول او رأي سياسي لم أقله، وحسبي في ذلك ( لا ينسب لساكت قول ).
ولكني سأطرح وقائع تاريخية، وأرقام صدرت بعد دراسات معمقَّة.
أولاً : تبادل الشورى فيما بين الموحِّدين الدروز في بلاد الشام.
كان تبادل الشورى فيما بين الموحِّدين الدروز في بلاد الشام حتى الامس القريب، له الأثر الكبير والمهم في تجاوز المِحَّن، والمحطات التاريخية السوداء، والدسائس والمكائد، الى بر الأمان مع القليل من الخسائر في العرض، والأرض.
من أبرز دعاة الشورى عند الموحِّدين الدروز فضيلة الشيخ المرحوم أمين طريف شيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز أثناء حرب فلسطين بالعام ١٩٤٨، وهو من طبَّق الشورى عندما كان الخطر داهماً لدروز فلسطين بحلول النكبَّة التي لحقَّت بالعرب، وما نتج عنها موجات من اللجوء الى الدول العربية المجاورة لفلسطين.
- لم يتأخر او يتوانى الشيخ أمين طريف في أن يطلب المشورة، من مرجعيات خارج موطنه عندما كان الخطر داهما ً او مصيريا ً في موطنه فلسطين، كما فعل في ١٥ / ٦ / ١٩٤٨، لما سافر بصفته شيخ عقل طائفة الموحدِّين الدروز في فلسطين الى سوريا، مع وفد من المشايخ، لمقابلة عطوفة سلطان باشا الاطرش في بلدته القرّيا، للإستئناس برأيه، وأخذ مشورته في مسألة إخلاء القرى الدرزيَّة، والنزوح الى سوريا، لأن اليهود سيعملون على إبادة السكان ..
أجاب سلطان باشا الاطرش الوفد الدرزي الفلسطيني :
( إياكم ثم إياكم ترك قراكم، لأن غيركم باع وإشترى، أما أنتم فما بعتم ولا إشتريتم، فعليكم الصمود في أرضكم والمحافظة على أرضكم، وعرضكم، وإذا ما نزحتم إلينا فلن نقبلكم أبدا ً )
- وأطاع الوفد مشورة سلطان الاطرش، وأخذ بالنصيحة ونفذَّها.
- هذا هو الشيخ أمين طريف، الذي أثبتّت الأيام أنه حافظ على الارض، والعرض وغيره باع وأشترى، وبالرغم من ذلك تعرَّض للإنتقاد في وطنيته، وعروبته .
- هذا هو الشيخ أمين طريف، الذي ترك عرفاً يجب الامتثال والاقتفاء به، لانه بمثابة ( Precedent ) يجب تطبيقه.
هذه الحادثة التاريخية المُوثقَّة تُظهر أن الموحِّدين الدروز لم يرُّوا غضاضَّة أو نقصاً في إعتماد المشورة، والدليل على ذلك لو قام الموحِّدون الدروز في حرب فلسطين، وركبوا موجات اللجوء الى سوريا، ولبنان، والأردن عند اهلهم وأقاربهم كما فعل باقي العرب، كان على الموحِّدين الدروز ان يتحملوا تبعات مِحنَّة اخرى مثل نكبة ( معركة عين دارا ) التي مزقَّت العائلات الدرزية في لبنان وعملت على تهجير بعضهم الى كل من سوريا، والأردن وفلسطين.
( يراجع مُدونَّتي عن العقدَّة الدرزية في لبنان، خاصة معركة عين داره وأثرها المقيت والسلبي على دروز لبنان ).
ثانياً : في مسألة الإعداد الوفيرة لشهداء طائفة الموحِّدين الدروز، في حروب التحرير، والاستقلال.
الموضوع : في عدد شهداء الثورة السورية الكبري بقيادة سلطان باشا الاطرش.
بادئ ذي بدء، ما زلت أعتبر أن سلطان باشا الاطرش من عظماء التاريخ هو وكوكبة من ثوار الموحِّدين الدروز في الثورة العربية الكبرى التي أدَّت الى تحرير وإستقلال سوريا من الانتداب الفرنسي الغاشم، وقبلها العمل على وئد السلطنة العثمانية البائدة الى الأبد، عندما رفع العلم العربي في دمشق.
كذلك، أستهجن أي إنتقاد للقيادة الفذَّة التي طبقها سلطان باشا الاطرش بالرغم من وفرة عدد الشهداء المنتمين الى طائفة الموحِّدين الدروز، بإعتبار ان تحرير سوريا ( وبلاد الشام ) من الانتداب الفرنسي، وقبله العهر العثماني الذي دام لقرون من الزمن، كان يتطلَّب مرور عدد وفير من الشهداء على مذبح تحرير الأمة العربية كلها، وإن كانت فريضة الدم إقتصرَّت على الموحِّدين الدروز، بإعتبار تاريخهم العربي والعروبي والقومي هو تاجٌ مرفوع على جبين العرب من ناحية ضريبة الدم من أجل الاستقلال والتحرير.
وبالتالي، لا يجوز مقارنة عدد الشهداء لتحرير او إستقلال بلد ما، ومقاربته مع حرب أهليه ضروس يتقاتل فيها أطياف المجتمع الواحد، تدور رحاها منذ سنوات في سوريا التي نعمت بالاستقلال بعد الثورة السورية الكبرى.
في مسألة وفرة عدد شهداء الموحِّدين الدروز من أجل استقلال سوريا، هو أمر فيه تعالي وعزَّة وإباء، ومفخرة.
أما في مسألة وفرة إزدياد عدد شهداء الموحِّدين الدروز في حرب أهلية تدور رحاها في البلاد وليس في عقر الدار، هو أمر يحتاج الى إعادة نظر، ودراية وتعقُّل من أهل البيت.
بناء على ما تقدَّم، أقول :
في مسألة عدد الشهداء في الثورة العربية الكبرى بقيادة سلطان باشا الاطرش، يقول الكاتب والمؤرخ السوري جميل علواني، إبن العلامَّة المسلم السنِّي الشيخ عبد القادر علواني في كتابه :
( صور من نضال شعب )
والذي يعتبر مرجعاً تاريخياً توثيقياً للثورات الداخلية التي قام بها الشعب السوري ضد الفرنسيين، الآتي :
بلغت نسبة شهداء الموحِّدين ( الدروز ) بتقدير غيرهم 73,6% من عدد شهداء سوريا، بينما بلغت نسبة الموحِّدين ( الدروز ) آنذاك 3% من عدد سكان سوريا فقط.
دفع الموحّدون الدروز دون منَّة حوالي ثلاثة أرباع شهداء الثورة السورية الكبرى ثمنا للاستقلال، وهم يمثلون 3% من عدد سكان وطنهم الغالي سورية.
وهذا يعني بعملية حسابية بسيطة، أن من بين كل ١٠٠ شهيد سوري كان بينهم (٧٣ شهيداً درزياً ).
ويّضيف المؤرخ المسلم السنِّي السوري جميل علواني :
وقطعا للمزايدات، فإن هذه النسَّب غير خاضعة للتجريح والتصحيح، لأنها مدوّنة باسم كل شهيد، من واقع سجلات النفوس الرسمية، في كتابه "صور من نضال شعب".
ويضيف المؤرخ السوري جميل علواني أيضاً :
ألا يشفع كل ذلك للموحِّدين الدروز بثناء طيِّب عند ذكر الثورة والجلاء؟
ثناء بالكلام فقط، لا يطلبون غيره.
ومما يؤيد توجّههم هذا، خلوّ أول وزارة تم تشكيلها بعد الجلاء من أي وزير موحِّد درزي. هذا بينما كان لهم الفضل الأكبر في تحقيق الجلاء، ودحر المستعمر الفرنسي، بشهادة كتاب وسياسيين من غير الموحِّدين الدروز، رافقوهم في نضالهم، أمثال :
الدكتور عبد الرحمن الشهبند.
ومنير الريّس.
ويضيف المؤرخ السوري جميل علواني أيضاً :
لكن :
في سبيل المجد والسؤدد ضحّوا لا لغنمٍ.. أو لأطماع بكرسي
كلما زُوّر في التاريخ طرسٌ سجّلوا للمجد فيه ألف طرس
كلما زُوّر في التاريخ طرسٌ سجّلوا للمجد فيه ألف طرس
ورغم ذلك حمل الموحِّدون الدروز كعادتهم الإساءة بمحبة وسعة صدر، وسامحوا دون حقد، ودفنوا إحساسهم بالانتقام والانتصار لدماء شهدائهم، حفاظا على اللحمة الوطنية، التي جُبلوا عليها، ورضعوها مع اللبن.
بناء على ما تقدم :
أقول :
إن مقولَّة ( أهل مكة أدرى بشعابها ) لا تصلح في هذا المقام، لأن الموحِّدون الدروز عبر التاريخ لولا الشورى فيما بينهم وما يتبعها من نُصرَّة ومساعدة تطبيقاً لشرعة حفظ الاخوان، كان وضعهم مختلف كلياً، وقد ثبُت ذلك بالدليل القاطع بعد معركة عين داره.
وإن بحث أمر المخطوفات من المُوحِّدات الدرزيات ليس تقيَّة، او وقفاً على دروز سوريا فقط.
وإن زيارة المرجعيات الدينية صاحبة التقوى كالشيخ موفق طريف شيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز في فلسطين، لدولة روسيا لم تكن لبحث مسألة القومية العبرية.
وإن زيارة المرجعية السياسية في لبنان وليد بك جنبلاط، او نجله تيمور بك جنبلاط الى روسيا، لم تكن لبحث حصة الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة اللبنانية العتيدة.
وإن زيارة المرجعية السياسية في لبنان المير طلال ارسلان الى روسيا، لم تكن لبحث حصته في الحكومة اللبنانية القادمة.
إن هذه الزيارات الى روسيا، بإعتبارها صاحبة قرار في الحرب الدائرة في سوريا، نأمل لها النجاح لإعادة الطمأنينة للأهل في سوريا، وخاصة جبل العرب.
وعدم الإفصاح عن مجريات الزيارات هو عين العقل.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
١٣ تشرين اول ٢٠١٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق