قِصَّة كراون دايسي، وكريستل ..
الجزء الثاني ..
لمّا وصل الى المستشفى، إستدَّل إلى غرفتها، كان الممَّر المؤدي إلى جِناحها، يكتَّظ بسلال من الورود، وباقات من الأزهار على شتّى الوانها، وأجناسها، وأشكالها ..
إعترتّه الدهشة، وقارن هديته المتواضعة مع تلك الأرتال من السلال ..
خرج أخاها، مستقبلا ً ..
وهو الذي كان ينقل المحاضرات لها ..
قام بمهمة التعريف، عنه مع الحشد الكبير الموجود في قاعة الضيوف، ومن ثم عرفّه على والدته ..
أخذته جانبا ً، وشكرته على الزيارة، وأدخلته مباشرة الى غرفتها، ووقف صامتا ً جامدا ً لا حِراك، وهو يُشاهدها في سرير صغير، غرقّت فيه، إلا وجهها الأصفر الباهت، الشاحب، ويدها الممدودة والمربوطة بأمصال من الدواء ..
وكأن الاطنان من الأثقال، وُضعت على جفنيها، حاولت جاهدة أن تراه لم تكَّد، فأغمضت على دموع، كحبَّات اللؤلؤ في مهد أصدافها ..
سحبت يدها الاخرى من تحت الغطاء بتمّهل وصعوبة .. فما كان منه إلا ان أغلق يداه الاثنتان على يدها بإحكام ٍ ..
إغرورقت الدموع ..
وسالت ... ومن ثم قالت :
إن كنت تفهم لغة دموعي ..
فلا حاجة لي ان أتكلم ..
وإن كان قلبك كبيرا ً ..
فإترك مجالا ً لقبول عُذري ..
قال لها :
إن دموعك أغلى، من حبّات اللؤلؤ ..
أمّا عُذرك، فهو من قبيل وٓصْلِ ... ما إنقطّع ...
تُبَسَّمت ..
وقال لوالدتها، وهو يُجاريها ... بالابتسام :
يبدو أن الشمس في المستشفى، تأخرّت اليوم في الشروق !!
وبعد ان إطمئن على صحتها ..
أخرج من جيبه الهدية ..
وقالت :
إفتحها انت ..
وبعد أن فتحها، قال لها :
أُنظري بالمرآة ..
ستُشاهدين ... آلهة الجمال ؟
أُنظري الى الخلف ..
زهرة الإكليل هذه التي ستكون دائما ً وأبدا ً تاجا ً فوق رأسك ؟
لم تتمالك من البكاء ..
فتّدخلت والدتها، وقالت :
بُكَاء الحزن ... قبلنا به ..
أما بُكَاء الفرح ... فانه مرفوض ..
قالت :
إنها أجمل هدية تلقيّتها طوال عمري ..
ولكن، سألته :
ما سبب وجود صورة زهرة كراون دايسي مع الهدية ..
أخبرها الحادثة ..
وقالت، ستبقى هذه الصورة، على مكتبي طوال عمري، بعد ان أضعها داخل إطار من الذهب الخالص ..
- الفصل التاسع :
وبقي يزورها في المستشفى طيلة بقائها الذي إستمر، سبعة ايام، حاملا ً اليها المحاضرات، وكان يُخبرها كعادته عن كل شاردة او واردة، حتى يُضفي الحبور والبهجة في نفسها ..
كان يراها ..
أجمل الجميلات حتى، في مرضها، وكانت نظراتها إليه كلما زارها، ترسم علامات الفرحة والسعادة ..
إلى ان دخل عليها يوما ً وهي بادية الحزن، وتعلو الكآبة على وجهها، ووالدتها مُنزعجة، وهي ترجوها ان تهتّم بصحتها قبل كل شئ ..
فسألها، لماذا الوجوم، وكأن قناطير من الهموم تنهمر من السماء عليك ؟
قالت له الأم :
إنها كئيبة منذ الصباح الباكر، لانها إنقطعت عن تقديم الحلوى والعصير لإبنتي المتسولَّة التي تقف على باب الجامعة ..
ضحك، وإبتسم ..
وقالت له بنبرة حادة ..
وأنت ايضا ً، تهزأ مني ..
مثلك مثل أُمي :
قال لها مهلا ً مهلا ً ..
منذ اليوم الاول لغيابك ..
وانا أقوم بذات المهمة ..
لم يكْد يُنهي حديثه حتى أغروّرقت دموعها بالفرح، وهبّت والدتها وأعطتها منديلا ً وهي تقهقه من الضحك والبهجة تعّم ارجاء الغرفة ..
إياك، إياك ( والكريستال ) ان يتدحرج أرضا ً، لملميه، وأخفظيه في هذا المنديل ..
قالت له، وقد تُحِّولت الى إنسانة تعّج بالسعادة، أنت اليوم وكعادتك تجلب لي السعادة، وطلبت اليه ان يمّد يده ..
فقامت بوضعها على وجهها ..
كان يُلاحظ ان والدتها، تُوليه إهتماما ً خاصا ً، وبدأت تخبره ان إبنتها كل شئ فيها مثل ( الكريستال ) دموعها، وقلبها، ورقتها، وما عليك إلا ان تُحافظ على حبّات الكريستال كما أفعل دائماً ..
لم يُعّلق كثيرا ً، ولكنه توجه بحديثه اليها، وسألها إن كانت مرتاحة ..
أجابت الوالدة، فورا ً بكلمة واحدة ..
بوجودك ..
ساد صمت رهيب عمره .... قرون ..
وفي يوم خروجها، قالت له :
أُحِب ُ ان أُبلغك اني لن أُغير عادتي وهي قدومي سيرا ً من محطة الحافلة الى الجامعة ..
لن يكون معي، مظّلة حتى تقيني من المطر ..
قال لها :
ولماذا تتحّملين هذه المشّقة، فالأمور اصبحت واضحة بيننا، فضلا ً عن ذلك ان الأرصاد الجوية، تُحِّذر من هبوط درجة البرودة، وانت ما زلت بحالة صحية غير مستقرة ..
إجابته :
إن ّ السير من محطة الحافلة الى الجامعة، كان هو الطريق الذي تعّرفت فيه عليك، سأستمر في سلوكه، من دون السائق وكما جرّت العادة ..
بالاضافة الى ذلك ..
إذا كنت تتذّكر ليلة خلافنا، تمنّيت لو ترافقني الى محطة الحافلة إذا إستمرت العاصفة لاني احّب ان أسير معك تحت المطر ..
اليوم أُكرّر طلبي، وأقول لن يكون معي مظلة لاني أوّد ان أستظل تحت معطفَك، ومظلتك أنت ..
أجابها :
ماذا تريدين ان افعل ؟
قالت له، الامور ستتغّير الان ..
أُريد ان نكون، في قاعة المحاضرات، والمقصف، معا ً وسويا ً ... لانها من اجمل لحظات العمر ..
أُريد ان ترافقني، من الدكان بقرب محطة الحافلة، وندخل سويا الى الجامعة ..
قال لها :
هذه أمور كنت أحلم بها، وقد تحقّقت الان، ولكن لي سؤال واحد ..
قالت :
ما هو ؟
والدتك تقول انت مثل .. حبّات ..
الكريستال ....
ولكني انا اقّول ان إسمك ..
سيكون من الان وصاعدا ً ( كريستل ) وسأترك لوالدتك دمعة واحدة من الاسم، وهي حرف ( الألف ) ..
إبتسمت، وإشترطت :
أُقبل على شرطين :
لا احد، بالكون يناديني بهذا الاسم ..
إلا :
أنت ..
وأنا أناديك :
مستر ( واو )
فليكن هذا سِّرنا ..
أجاب :
قٓبِلْت ْ ... يا ... كريستل ...
الفصل العاشر :
وبدأت الأيام السعيدة، تتدّحرج على كريستل وحبيبها، وتجرُف كل الهموم. وتضفي البسمة، والفرحة ..
كانت كريستل تغرف من الحب الذي وفّره حبيبها، بنهّم دون إكتفاء ..
كانت تقول له، انا عطشى، وأكاد أموت من ألظمأ، فيهّب مسرعا ً لجلب الماء لها، فترفض بدلال، وتقول :
انا عطشى ل حُبّك، وحنانك، وإهتمامك ..
كانت تتصّل به يوميا ً، في الصباح الباكر، وقبل ان تخلد الى النوم، وتسأله نفس السؤال :
ماذا أكلت ..
ماذا شربت ..
ماذا لبست ..
ماذا فعلت ..
وماذا، وماذا ؟؟؟
كانت إذا دعتّه الى العشاء، لا تقبل إلا أفخم المطاعم، وأغلاها سعرا ً ..
كان إذا دعاها هو، الى العشاء، تتعمَّد، وتدّعي أنها مُشتاقة الى صحن من الفول او الحمُّص ( صحن شعبي في لبنان، زهيد في سعره )
كانت إذا قدَّمت له هدية، وغالبا ً ما تكون من الهدايا الفريدة، وباهظة الثمن، تشترط عليه أن تكون هديته لها بالمقابل، زهرة او وردة الى حين قدوم فصل الربيع ..
كانت تطلب اليه في فصل الربيع ان يعطيها يوميا ً باقة من أزهار كراون دايسي، حتى تقوم بجمعها، على شكل تاج، او عقد، او إسورَّة، أو تضعها في كتاب ..
كانت والدتها، تُلاحظ تعّلق كريستل بحبيبها، وتحاول جاهدة ان تلقى من زوجها قبولا ً لهذا الواقع ..
كان الأب في خِصام شبه يومي مع كريستل، حتى تلاشَّت مقاومتها، وإنهارَّت عندما سأل الأب حبيبها في تحّد ٍ صارخ، ما هو الأجر الشهري الذي تتوقعه فور تخرّجك من الجامعة هذه السنة ؟؟
نهض حبيبها، وقال للأب :
إن أجري الشهري الذي سأناله سيكون مثله مثل كل شاب، يبدأ حياته من أول الطريق ..
إمتعضَّت الأم ولامَّت زوجها، وخاب ظنها ..
أمّا كريستل وكعادتها في لغة الدموع والعيون، نظرَّت الى حبيبها وهو يغادر منزلها، وهمست في إذنه، سأتصل بك..
خرج حبيبها مكسور الجِناح، تسبق خطواته سلالم من الخيبة، ونادته كريستل :
مستر ( واو )
Take care !!!!
I, love you !!!
كانت كلماتها بلسما ً على جراح ..
لم يتوقَّف نزيفه ..
وزاد الألم على مرِّ الأيام ..
وزادت القروح على تراكم السنين ..
فلا دواء عليل، ناجع يُخمد البركان الذي إنفجّر، وبدأ ينفث الحمّم دون هوادة ..
ولكنه، لم يستسلم ..
طالما كريستل تحبه حُبا ً ما بعده حُب ..
وإقتنع أن جذوَّة الحب لن تخبو مهما طال الزمن ..
الفصل الحادي عشر :
وكعادتها كل مساء، إتصلّت به، وإنهمّرت عليه، عليه بذات الأسئلة ..
كان الْحُزْن، وإلاختصار باديين، وواضحين من الأجوبة ..
كانت تُحاول التخفيف من وقع الصاعقة عليه ..
قالت له، مازحة، لترطيب الأجواء ..
ولماذا التجهُّم .. يا مستر واو ؟؟
غدا ً ...
ستدعوني الى العشاء، لاني أُحِب وإشتهي أن أتناول البصّل، والزيتون، والفول، واللبنة، والخبز المرقوق، وأغرف بيدي، ولا أنظف أصابعي ألا بفمي ..
هذه هي انا :
أحّب ُّ الامور على قلبي :
أن أكون معك ..
أن أمشي معك تحت المطر ..
أن يكون غدائي حُبك ..
لا تهتّم لكلام والدي ..
طالما أُمي بجانبي، ومعي ..
وتفضُّلك على سائر الشبان الذين تقّدموا لي ..
بالامس، نشب خلاف ..
بين أُمي، وأبي ..
وبيني ..
كنت واضحة، صريحة، معه :
وقلت له :
إما هو ..
او لا أحد ..
غضب، والدي وخرج من المنزل ..
لم تنفع كل هذه التوّسلات والأخبار مع حبيبها، لانه لا يُرِيد أن ينشُب خلاف عائلي بسببه ..
كانت الامور، والايام على قلتّها، تسير كالسلحفاة ..
كان التحُفّظ باديا ً وهو سيّد المواقف ..
أتى فصل الربيع، وإشتدّت الحرب الأهلية في لبنان، ضراوة ً ..
كانت السماء تُمطر القذائف، كهطول المطر في فصل الشتاء ..
بدأت اللقاءات تتقلّص بسبب إنقطاع الطرق، وإنهمار القذائف، وتكاثر الحواجز الأمنية ..
كانت كريستل، ُترسل سائقها إلى حبيبها، يحمل منها الرسائل والأخبار، ومع كل رسالة، زهرة ذابلة من كراون دايسي ..
سألها، لماذا ترسلي لي زهرة ذابلة، وانا لم أنقطع عن إمدادك مع سائقك بكميات من الأزهار النضرة ..
كان جوابها :
لاني حزينة ..
روحي ذابلة ..
وشوقي اليك ..
كشوق هذه الزهرة للماء ..
وإن كنت تحبّني إسقي الزهور الذابلة، وأحفظها ..
وإن ماتت لا ترمها، بل إدفنها داخل كتبك ..
وبقي يرسل لها في ذلك الربيع والصيف، أزهارا ً من كراون دايسي ..
وهي تُعيد اليه، الذابلة منها ..
وبقي يضعها داخل كتبه ..
وبقيت هي تصنعها، اكاليلا ً وعقودا ً وأساورا ً ..
وتضعها أيضا ً في كتبها ..
إلى ان أيقظه والده يوما ً، على خبر هز ّٓ كيانه، ونال منه مقتلا ً، وأجهض أحلامه، وأطبق على حياته ..
توفِيَّت والدتها، إثر نوبة قلبية حادة ..
وخرجت الصُحف في ذلك الصباح باللون الأسود، وتوقفَّت الإذاعة الرسمية عن بث ّ برامجها كالمعتاد ... حدادا ً على هذه السيدة الفاضلة ..
الفصل الثاني عشر :
لم يهدأ ذلك الصباح ..
إستاءت صحته، وبدا كالمجنون، كيف الوصول اليها ..
حاول مرارا ً وتكرارا ً الاتصال بها عبر الهاتف ..
كانت خطوط العاصمة مقطوعة، ذلك الصباح، للدلالة على حظّه السئ ..
ما لبث ان سمع طرقا ً على الباب ..
يوم ٌ رهيب، بدأ منذ الصباح، بقسوته، وشراسته، وظلمه ..
كيف لا يكون بجانب كريستل في أصعب يوم ٍ من حياتها ..
كان بجانب الباب، ( العم فؤاد ) سائق كريستل، إعتاد ان يراه بالبدلة الرسمية، والقبعة، ولكنه هذا اليوم كان حزينا ً والشعر الأبيض الذي ملأ رأسه زاده كِبرا ً وهما ً ..
قال له، العم فؤاد :
أرسلتني الست الصغيرة، لأُخبرك عن وفاة والدتها، وهي تطلب اليك ان لا تحضر يوم العزاء، لانها تخاف ان يحصل لك مكروه، ويكفي وفاة والدتها ولا تريد ان تخسرك أنت الاخر في هذه الحرب القذرة ..
وأضاف أن يوم الدفن تقّرر يوم غد في مسقط رأسها ..
وتقول لك، ستتكلم معك، وإلا سترسلني اليك ..
وهذه رسالة منها ..
فض ّٓ رسالتها ..
وقالت فيها :
خسرت أُمي، وعضُدي، وسندي ..
لم يبق لي إلا حِلْم واحد ..
هو أنت ..
حافظ، عليه، وإهتم بنفسك، لا أريدك إلا ان تبقى مَثَلي الأعلى، وحبي الذي لا ينضب ..
مضى هذا اليوم والذي تلاه، وتلاه، وتلاه، كالنار التي تنهش الهشيم ..
مضى إلى قريته، في اليوم الذي حُدَد موعدا ً للدفن ..
قضى أيامه يجمّع، ويقطُف، أزهار كراون دايسي، فيأخذ الذابلة منها، ويسقيها، حتى إمتلأت صفحات كتبه بالأزهار الذابلة ..
وبقي على هذا المنوال إلى ان وصل فجأة الى قريته العم فؤاد، حاملا معه أزهار كراون دايسي الذابلة، والتي كانت إستلمتّها قبل وفاة والدتها ..
فهم من الأزهار الذابلة، ان أيامها من الان وصاعدا ً كلها ذابلة ..
حاول أن يعطي العم فؤاد باقة من الأزهار النضرَّة، والتي قطفها صباح ذلك اليوم كعادته ..
إلا ان العم فؤاد قال له :
قالت الست الصغيرة ..
إذا لم يقدّم لك، الازهار كعادته ..
إياك ان تطلب منه ..
الحمدلله، ان باقة الازهار هي حاضرة جاهزة، مثل كل يوم ..
اليوم ستفرح، الست الصغيرة لهذه الازهار ..
سأُخبرها، انك ما زلت تقطف هذه الزهرة كل يوم ..
قاطعه، قُل ْ لها ايضا ً :
سأبقى الى نهاية العمر، أقطف، وأقطف، وأقطف زهرة كراون دايسي ..
وبسبب الحرب الأهلية الطاحنة، قررت إدارة الجامعة، إعطاء إفادات لطلبة السنوات الاخيرة، بإجتيازهم السنوات المُقررّة ..
وقد إستنّدت الجامعة في قرارها، الى ان طلاّب السنوات الاخيرة، منهم من قُبل في جامعات، أجنبية، ومنهم من حاز على على وظيفة ..
من جملة الطلاب الذين إستفادوا من قرار الجامعة ..
كريستل، وحبيبها ..
لم يفرح هو ..
ولَم تفرح كريستل، لان هذا وٓضٓعٓ حدا ً الى كل اللقاءات لو سارت الجامعة من دون هذا القرار ..
لمّا عاد الى بيروت ..
كان الأهل، قد ساءهم التدهّور النفسي والصحي الذي بدا على وجهه ..
الى أن أبلغته شقيقته الكبرى المتواجدة في اميركا، انه يتوّجب عليه السفر الى قبرص لاستلام سمة دخول الى الولايات المتحدة الاميركية ..
تلكأ في الذهاب الى قبرص ..
وتمهّل في القبول ..
إلى ان إتصلت به كريستل، بعد طول غياب، عشية يوم من أيام الخريف ..
الفصل الثالث عشر :
كان في قمة الضياع، والتردّد ..
الأهل يحثُّوه الى السفر، فالظروف في لبنان ليست مؤاتية على جميع الصُعُد ..
حرب، وفوضى وإنهيار إقتصادي وشيك ..
ولغير عادته، رن ّ جهاز التلفون، وكانت المفاجئة الكبرى، كريستل تناديه، وبذات العادة المُحبّبة، الى قلبه، لم تتوقَّف إسئلتها، وإستفساراتها، حتى قال لها :
من أين ابدأ ؟؟
أجابت كيفما شئت المهم ان أسمع صوتك ..
أخبرها عن سِمَّة الدخول الى اميركا ..
وسألته :
ماذا ستفعل ؟
ما زلت أتريّث، وأتلكأ ..
قالت :
ولماذا ؟
أجابها، حتى أسمع منك شيئا ً ..
قالت، هذا يعني انك لم تتخّذ قرارك ..
أجاب، نعم لم أتخذ قرارا ً بعد ..
يعني، هل ما زلت تنتظرني ؟؟
قال لها بالطبع ..
أنت ظلِّي، وخيالي، والعمر من دونك ..
هو سراب، أرجو أن لا أقع فيه ..
قالت له تريد ان تسمع أخباري ؟
أجابها، بالطبع ... أُريد !!
قالت له :
بعد إنتهاء مراسم الدفن، والعزاء لوالدتي، والذي إستمَّر أسابيع طويلة ..
فاجئني والدي بان دخل غرفتي، وقال لي :
هل ما زِلّت على الوعد ؟؟
قلت له، أي وعد تقصد ؟
قال، الوعد الذي قطعتيه وبموجبه قبلت ُ أنا أن تنتقلي الى الجامعة التي تخّرجت منها، شرط ان تُكملي شهادة الدكتوراه في فرنسا ..
قلت له، الظروف تبدّلت، والاحكام تغّيرت، وإني بالوقت الحاضر أُفتش عن وظيفة هنا في لبنان ..
أجابها والحُنق باديا ً على وجهه :
وظيفة، هنا ...
وأجر ٌ لا يكفيك عدة ايام ..
أرفض رفضا ً قاطعا ً عِنادك وإصرارك على عدم السفر ..
والسبب، أعرفه ..
هو بسبب زميلك ..
فليكن معلوما ً لديك ..
لن تتوظفي ..
ولن تبقي في لبنان ..
وستُكملي دراستك العليا في باريس، وقد تفاهمت مع سفير فرنسا، عندما منحنا جميعا ً سمّة الدخول ..
أجبته، ما دمت تفاهمت مع السفير، أكمل تفاهمك معه وإلتحق بالجامعة وإرجع، لنا بالدكتوراه ..
زاد غضبه ..
وقلت له :
لن اسافر ..
لن أُكمل علمي ..
إفعل ما شئت ..
غضب، ومنذ أسبوع، تاريخ المواجهة، لم يُكلمّني، ولم ألتقِ به ..
قال لها :
هل تُلاحظين ان الاقدار هي التي تتحّكم بمصيرنا ؟
وهل تُلاحظين اننا نواجه ذات المعضلة، ألا وهي السفر طلبا ً للعلم ..
لماذا لا نفكر، أن باب العلم المفتوح لي في اميركا، هو ذاته باب العلم الذي سيأخذك الى فرنسا ؟
أسئلة ..
يا حبيبتي كريستل لا تحتمل الا جوابا ً واحدا ً وهو ان نقرر سويا ً الان، وهذه الليلة ... السفر ..
لمعّت الفكرة في رأسها ..
وقالت له :
بوفاة والدتي، خسرت النصيحة ..
بوجودك أنت، إستعدتّها ..
إلى فرنسا .. سأذهب أنا ..
وإلى اميركا .. ستذهب أنت ..
هذه المكالمة، في خريف ذلك اليوم، كانت الاخيرة في حياة كريستل وحبيبها ..
قال لها كلمتين :
إلى اللقاء ..
يا كريستل ..
يا حبيبة العمر ..
وأجابت :
سنلتقي يوما ً ..
يا حبيب العمر ..
فأنا مثلك مُقتنعة بمبدأ ..
وٓصْلِ ما إنقطّٓع ..
ولن ينقطع ..
ولتكن أخر كلمة أقولها لك ..
... و .. أُحِبُك ٓ ..
مدى عمري ..
إنتهى الجزء الثاني من قِصَّة :
كراون دايس وكريستل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق