طرابلس، لبنان ..
من ذكريات الشباب الجميلة ..
تمهيد :
في أيام الصِّبا والشباب كانت طرابلس مربض ومرتع خيلي، وهيامي، وفكري، وإكتمل عقد حُبي لهذه المدينة لما كنت أزور محكمتها، ومحاكم أقضيتها حجة ً، لقضاء بعض الوقت مع الاصحاب والخِلان ..
منذ أكثر من عقدين لم أَزْرها، ولكن طرابلس وأهلها في الفكر، والعقل، والخيال باقين ..
كتبت بالسابق مُدونَّة عن طرابلس، ولكني بين الفينة والأخرى أقوم بالإطلاع عليها حجة ً، أيضا ً لتنقيحها أو بالأحرى لأعادة توضيبها بالفكر ..
المقدمة :
طرابلس، يعود تاريخها الى اكثر من ٣٥٠٠ سنة، وقد أسسّها الفينيقيون، وتعاقبت عليها حضارات، وأُمّم، وعهود كالرومان، والبيزنطيون، والعرب، والفرنجة، وصولا ً الى الإنتداب الفرنسي، والذي تلاه، مباشرة إستقلال لبنان بالعام ١٩٤٣.
وقد تعددّت أسماء طرابلس عبر التاريخ، حيث كانت تُعرَف :
- / تريبوليس، أي المدينة المُثُلثة، تسمية يونانية، ورومانية ..
تعني إتحاد لدويلات، صيدا، صور، وأرواد ..
وقد تكون هذه التسمّية، أول إتحاد، قديم من الوجهة الدستورية ..
- / تريبل، تسمية صليبية ..
- / أترابلوس، بقدوم العرب قاموا بتعريب الإسم ..
- / طرابلس، الشرق، لانها كانت تابعة ل سوريا الكبرى قبل العام ١٩٤٨ ..
- / طرابلس الشام، لتمييّزها عن طرابلس الغرب ..
- / طرابلس لبنان ... أخيرا ً.
- / الفيحاء، حاليا ً ...
طرابلس، هي مدينة لبنانية تكنّى بالفيحاء، ثاني أكبر مدن لبنان، بعد العاصمة بيروت ..
تقع طرابلس على بعد ٨٥ كيلومترا ً إلى الشمال من بيروت ..
عُرفَّت طرابلس منذ القدم بموقعها الجغرافي المميّز لأنها صلة الوصل ما بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والداخل العربي ..
تضم المدينة عددا ً كبيرا ً من البنى التاريخية، والأثرية، وتضم المدينة أكثر من 160 معلماً، بين قلعة، وجامع، ومدرسة، وخان، وحمام، وسوق، وسبيل مياه، وكتابات، ونقوش ..
وبسبب هذه التعددّية، في الحضارات التي توالّت على طرابلس، كسِبّت هذه المدينة، وأهلها مخزونا ً هائلا ً من العلم والثقافة، وبرع سُكانها بجميع الأنشطة، التجارية، الصناعية، والحرفية، وأمسّت طرابلس حتى القرن العشرين من أهم الموانئ على البحر الابيض المتوسط ..
من المعروف عن طرابلس أنها كانت تنتج أجود، وأفخر، انواع الورق، في أوائل الخلافة الأموية ومن بعدها الخلافة العباسية ..
وقد إتفق وذكر ذلك كل من :
- الطبرِّي، وفِي الفهرست، وإبن خلدون في مقدمته والمقريزي ..
كل هذه المراجع الموثوقة كانت تبيّن قيمة طرابلس،
التجارية، والصناعية، والعلميَّة بالاضافة الى إستقطابها جمهرة من المفكرين، والصناعيين والحرفيين ..
( - طرابلس بعد الفتح الاسلامي ) ..
جرى تقسيم سوريا الى ( ٤ ) أَجْناد :
معنى أَجْناد :
جمع لكلمة جُنْد، أي العسكر، والأنصار والأعوان ..
جُنْد أي الجماعة سورة الدخان، آية رقم ٢٤ ..
وقد وردت كلمة أَجْناد أيضا ً بحديث نبوي شريف ..
سَيَكُونُ أَجْنَادٌ مُجَنَّدَةٌ شَامٌ , وَيَمَنٌ , وَعِرَاقٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّهَا بَدَأَ وَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ ، أَلَا وَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ ، أَلَا وَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ ، فَمَنْ كَرِهَ فَعَلَيْهِ بِيَمَنِهِ ، وَلْيَسْقِ فِي غُدُرِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ ..
( تقسيم سوريا عسكريا ً ) ..
قنسرين
حمص
دمشق
والأردن
وقد ضُمّت طرابلس الى جُنْد، دمشق.
يتضِّح أن تسمية طرابلس، بإسم طرابلس الشام، هي تسمية جاءت بعد الفتح العربي الاسلامي، وإن طرابلس أُلحقّت بجند مستقل حتى عن حمص، وأُتبعَّت إلى دمشق اداريا ً، وسياسيا ً مباشرة ..
( - الامير حيدر أحمد الشهابي في مجلداته ) :
- الغرر الحسان في تواريخ حوادث الأزمان.
- الروض النضير.
-/ نزهة الزمان في تاريخ جبل لبنان.
فإنه أتى على الكثير من أخبار طرابلس، وقد حدّد موقعها عندما ذكر موت، أمير تولوز بالعام ١١٠٥ إنه دفن في جبل الغرباء بقرب طرابلس ..
قبل الانتداب على سوريا ولبنان ومن بعده، كان موثقوا القناصل الفرنسيين في المنطقة والمؤلفين منهم :
Charles Schefer
في كتابه المطبوع في باريس بالعام ١٨٨١ يكتبون عن طرابلس أنها مدينة من مدن سوريا، لتفريقها عن طرابلس الغرب ( ليبيا ) ..
بعد إستقلال لبنان، جرى سلخ بعض المدن من سوريا، من ضمنها طرابلس، ولم تذكر وثائق الاستقلال بعد ذلك تسمية طرابلس الشام، إلا فيما ندّٓر ..
في بداية القرن العشرين، بدأت الأحزاب ذات الصبغة القومية العروبية بإطلاق أسماء مثل ( سوريا الكبرى ) على منطقة كبيرة جدا ً من ضمنها العراق وهي بالتأصيل التاريخي تُعرف ببلاد ما بين النهرين، فيها زهّت حضارة بابل، وما قبلها، وعادت بعض الاقلام إلى إعادة تسمية طرابلس، ب طرابلس الشام ..
( أهمية طرابلس الثقافية، العلمية والأدبية ) ..
يقول الدكتور فيليب حتي في كتابه تاريخ العرب أن الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري المولود بالعام ١٠٥٧م تردّد على الأوساط العلمية في طرابلس، وقد توفي في معرَّة النعمان بسوريا، مما يدّل على أن طرابلس كانت فيما مضى ملتقى، الأدباء وأهل العلم ..
( في عهد السلاجقة في الأعوام ١٠٥٥م وما يليها ) :
في هذه الحقبة التاريخية، كانت المدن السورية كلها ما عدا طرابلس، عليها أمير سلجوقي، وكان أميرها من بني عمار، مما يُظهر أن طرابلس كانت تواقَّة للاستقلال منذ القِدَم ..
ويضيف الدكتور حتي، أن طرابلس كانت من أعظم المرافئ السورية، الذي جعلها هدفا ً للكونت ريموند، الذي تجنّبها في زحفه الى بيت المقدس ..
بالعام ١١٠١ م عاد وحاصرها، ولكي يعزل المدينة عن حولها ويقطع الإمداد عنها، بنى قلعة علي تل مجاور يطِّل على نهر أبو علي، أي تل الحجاّج ،
Mon Pellgrims
ولم يطّل الامر حتى أصبح هذا التل مركزا ً نما حوله حي لاتيني كبير ..
طال الحصار، ولم تستسلم المدينة ..
وقيل أن وفدا ً من طرابلس ذهب الى بغداد، على رأسهم زعيم المدينة، ولكنهم لم يظفروا بالاستغاثة ..
مات ريموند في قلعته، دون أن يُحقق حلمه بإحتلال طرابلس ..
لم تسقط طرابلس الا بالعام ١١٠٩ م. وهكذا تأسسّت كونتية طرابلس ( نفس المرجع د. حتي ).
( أعلام وشخصيات طرابلسية مُميزة )
إبن طرابلس الشيخ محمد رشيد رضا، من أتباع الشيخ محمد عبده، ذهب الى مصر بالعام ١٨٩٧م، والمتوفي بالعام ١٩٣٥، قام بتحرير تآليف الشيخ محمد عبده :
( تاريخ الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده ).
٣ مجلدات.
وكتب ترجمة حياته، ونشر تعاليمه في مجلة المنار..
كذلك، له تفسير القرآن الكريم، ب ٨ مجلدات ( القاهرة ١٣٤٦ ه )
يتضّح من أعلاه أن طرابلس، كانت وما زالت مركزا ً مهما ً دينيا ً وفكريا ً وللقومية العربية كانت موئلا ً ومن أهلها كان الدعاة، لهذه الحركة ..
ومن الظواهر المُلفته، إقبال أهل طرابلس على الأدب العربي القديم، والبحث في التاريخ الاسلامي .. وكانوا من دعاة تنظيم المجتمع العربي على أساس سياسي ديموقراطي، والتوفيق بين الاسلام، وروح العصر الحديث ..
هذه هي طرابلس بالتاريخ ..
وهذا ما أرجوه ..
لطرابلس، بالحاضر والمستقبل ..
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١٨ آذار ٢٠١٨
0 comments: