الحاكم بأمر الله، الخليفة المُفترى عليه ..
تمهيد :
لم تتعرَّض فئة من الناس او البشَّر، على مر تاريخها، الى ظُلم سياسي، عقائدي، فني، ثقافي، على يد المؤرخين، والفقهاء، والنقَّاد العرب، كما تعرَّض الموحدُّون الدروز ..
الظلم والإفتراء، بدأ بالخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وأتباعه، منذ الدعوة التي ظهرت في مصر من حوالي الف عام تقريبا ً ..
لم يذكُر التاريخ القديم، أن مكان بدء إنتشار أية عقيدة، لم يَعُّد سكنا ً، ومقاما ً، ويصبح أثرا ً بعد عين للأتباع، كما حصل للموحِّدون الدروز بالنسبة لمركز إنتشار دعوتهِّم في مصر، بالرغم من أن الخلافة الفاطمية سادَّت، وأقامت دولتها وعاصمتها في القاهرة، ما يقارب ٢٥٠ عاما ً ..
إذا نظرت الى القدس، فإنها ما زالت يقطنها اليهود، والمسيحيون، والمسلمون، إلا مصر لا تجد فيها موحِّد درزي واحد، لأن صلاح الدين الأيوبي ذلك المسلم الكردي الحقير، قضى وفي مذبحة واحدة، على أكثر من مائتي الف فاطمي كانوا يقطنون القاهرة، وإكتملَّت حقارته الحضارية بأن قام بتدمير، وحرق الكُتُّب في دار الحكمة، التي أسسها الحاكم بأمر الله، وبذلك محَّى تاريخهم، ووجودهم في مصر ..
( يُراجع في ذلك المؤرخ والباحث المعاصر، يوسف زيدان )
هذه الْمُدوّنة كسابقاتها عن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، لا تتطرَّق الى العقيدة، بقدر ما تطال الإفتراءات التى لطخَّت زورا ً وبهتاناً هذه الشخصية التاريخية بإمتياز ..
هذه الْمُدوّنة، تبحث في وجهين لعملة حجريَّة، رخيصة، مُزورَّة، راجَّت، وبات يستعملها ويروجَّها كل حقير من، بعض فقهاء أُمَّة العرب ..
الوجه الاول لهذه العملة ..
هم جمهرة كبيرة من الفقهاء، السفهاء العرب المسلمين، المأجورين، المنافقين، والدجالين، الذين كذبوا وما زالوا يكذبون، مُستغلين الأحكام الشرعية وفق أهواء السلطة ..
الوجه الثاني لهذه العملة ..
هم جمهرة أدعياء العرب من المؤرخين المسيسِّين، وفق أوامر السلطة المدنية، يلعبون بالتاريخ، كما يلعب الفقهاء بالاحكام الشرعية ..
لن أبحث في الفقهاء العرب المسلمين، الذين صالوا وجالوا في مساقط التكفير للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، لأن بعضهم هم زُمرّة، دينية أخذت السياسة مسلكا ً في تفسير الشريعة الاسلامية، بإنحياز تام، وضلال مُبين، حتى أن التاريخ أَتَى على ذِكْر موتهم، إِمَّا قتلا ً، او بواسطة السَّم، لان الحاكم الذي تلى، لم تُعجبه فتاويهم، فأزهق روحهم ولم تشفع بهم أضاليلهم السوداء ..
لن أُلطِّخ هذه الْمُدوّنة بالتفسيرات السياسية الفقهية، التكفيرية التي تميل الى خِفَّة في الكيل والميزان، في أحكام شرعية لا لُبْس في تفسيرها ..
أما جمهرَّة الحُثالة في التأريخ العربي الاسلامي، وسفلَّة المنحطِّين المؤرخين العرب الذين حاولوا الوصول الى هامة، وشخصية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، عن طريق إطلاق الاكاذيب والافتراءات، كان مِداد حبرهم الأسود من منابع الكذب، والحقد، على شخصية لم تنزع بتفكيرها الديني السليم، الا تفسير الأحكام الشرعية لتناسب العقل، ثم العقل ..
ويقول في ذلك الفقيه المصري يوسف زيدان :
وجوب تقديم العقل على النقل، ( اي السيرة النبوية ) وهو ما نادى به قديما ً المعتزلة، وجدَّدَها العقلانيون المعاصرون. ولا شك أن للعقل مكانة ً عظيمة ً بيّنها القرآنُ الكريم في عدد ٍ من الآيات ..
كما سبق وذكرت، لن أتطرَّق في هذه الْمُدوّنة الى صلب العقيدة التي يؤمن بها شريحة كبيرة من أهل سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، وهم من عليَّة العرب، قدرا ً، ووطنية ً وإيمانا ً راسخا ً في العرب والعروبة، وليسوا، من مسلمي الأمصار والأقطار البعيدة الذين عاثوا فسادا ً وإفسادا ً، وجرى قبول مفاسدهم، لأنهم فقط مسلمون، بالهوية ..
هذه الشريحة التي تُسمى بالموحدّون الدروز، هم عرب أقحاح، لم تُلوَّث دمائهم، بل بقيَّت نقيَّة، طاهرة وكانت على مر العصور ترفع رايات العرب والعروبة قتالا ً، مُضحيَّة بكل غال ٍ ونفيس كالخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي حمى ديار خلافته العربية الاسلامية، وذاد عن حياض دينه، وأعاد الحجر الأسود الى مكة المُكرَّمة بعد ان سرقها القرامطة الى البحرين ..
أما بعض الْمُؤرخين المُسلمين العرب، يقومون بالتدوين، وكأنه تهريج سينمائي، أهازيجي، حيث يقولون أن ذلك المسلم من الأمصار والأقطار البعيدة صلاح الدين الأيوبي، هو عظيم من عُظماء العالم، فقط لانه مسلم ..
وغاب عن ناظريهم رغبته، مثل باقي مسلمي الأمصار في سحق العرب والعروبة، وإهانتهم ومحو ذاكرتهم، كما فعل بالخلافة الفاطمية ..
هذه الْمُدوّنة سأضع لها إطارا ً تاريخيا ً، عن أحداث وقعت، وحصلَّت ورسمَّت مصير، ومسار الأمة العربية الاسلامية، حتى يومنا هذا ..
هذه الْمُدوّنة، ليست الا كشفا ً لحقائق تاريخية طمسها المؤرخون العرب السَّفَلة، وأظهرها إستيحاءً البعض القليل من مؤرخي الحقبة الفاطمية، وأماط اللثام عنها خجلا ً مؤرخوا مصر، وأعلنها جِهارا ً مؤرخوا الغرب خاصة في ألمانيا ..
هذه الْمُدوّنة، ترسم صورة الوضع الذي نشهده اليوم، لانه نِتاج تفكير عقيم، وسقيم في الفكر العربي الديني، منذ اكثر من الف واربعمائة سنة، لانه إنتقل من رِحاب الإيمان الى لعبة سياسية، قذرَّة في تصويب، وتحريك الدين الى إستنساب ليس ألا ..
لذلك، أقول جِهارا ً لا لُبْس فيه ..
لم تطأ الارض أُمَّة تحمل أحقادا ً في الدين الواحد الموروث، كأُمَّة العرب المسلمين ..
لم يَعِش على هذا الكوكب، شعب يحمل الغِّل، والضغينة، والثأر أكثر من الف واربعمائة سنة، كالشعب العربي المسلم ..
الشعوب على هذه البسيطة، إختلفَّت، وتقاتلَّت .. ثم تصالحَّت ..
إلا الشعب العربي المسلم ..
ما زال مُنقسما ً منذ خلافة علي بن أبي طالب أخر الخلفاء الراشديين حتى يومنا هذا ..
الحروب الدينية الاسلامية السياسية، توالَّت، وستتوالى وستبقى ..
الرأي، والرأي الاخر في العالم العربي الاسلامي، ما زال مُنعدما ً في القاموس العربي المسلم ..
وما دام الاختلاف بالرأي، سِمَّة من سِمات الانسان العربي المسلم ..
سيبقى العرب المسلمون، يغرقون في الدماء حتى قيام الساعة ..
بناء ً عليه ..
سأرسم الإطار الذي أخذه العرب المسلمون مسلكاً وطريقة ..
وما زالوا يطبقونه، حتى اليوم ..
كما طبقوه على الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله ..
أو كل من يُفسِّر أحكام الشريعة الاسلامية، خلاف ما يفسره جمهرة المسلمون السِّنة ..
فإما الحرب الضروس، كما شهدته حروب، الامام علي بن ابي طالب، ومعاوية، حتى العباسيين ..
أو الحروب الأشَّد فتكا ً وهي محارق الإفتراءات، وإختلاق، الاكاذيب، وتشويه السمعة، حتى ولو كانت شخصية تاريخية فذَّة، كالحاكم بأمر الله ..
الذي ذكر التاريخ عنه :
إنه ..
باني أكبر، وأعظم مكتبة في تاريخ الامّم ..
إنه ..
أول من ألغى الرَّق والعبودية، الذي بقي في العالم حتى آبراهام لينكولن بالقرن الثامن عشر، وبقي في العالم العربي حتى مشارف القرن العشرين ..
إنه ..
كاشف مرض البلهارسيا الذي كان، وما زال حتى يومنا هذا، يفتك بالشعب المصري، المقيم على ضفاف النيل، لان ري الخضار كان من تُرَّع نهر النيل التي تتكاثر فيها جرثومة البلهارسيا ..
إنه ..
أول خليفة، وأخر خليفة مسلم، كانت خزينة دولته، غنيَّة مليئة ذهبا ً، ودواوينه مُكتظَّة بالعلماء، والفلاسفة، وغيرهما من أصحاب الاختصاص العالي ..
إنه ..
مُعيد الحجر الأسود، ذلك الرمز الاسلامي الديني، الى موقعه، في البيت الحرام، بمكه ..
إنه ..
أول من شّق قناة مائية ما بين نهر النيل، والبحر الأحمر ..
- توطئة تاريخية ..
اولا ً :
لمّا إحتّل عمر بن العاص مصر، وقف مشدوها ً، ومُحتارا أمام مكتبة الاسكندرية ..
لم يُحرِّك عمر بن العاص، ساكنا ً..
وهو، القائد العسكري القدير، والداهيَّة الرهيب في تنظيم قرارات عقله ..
لم يسأل نفسه ..
ما هو فاعل في هذه الكتُّب المرصوصة بتبويب يفوق الوصف من ناحية العلوم، وما أكثرها في الطب، والفلسفة، والتاريخ، وغيرها ..
بل ..
أرسل للخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، يسأله، ويستشيره، ويطلب منه الامر، في مصير هذه المكتبة العامرة ..
كتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا ً إلى عمرو إبن العاص يقول فيه :
إذا كانت هذه الكتُّب، لا تحتوى على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها ..
أي اذا كان فيها ما يوافق كتاب الله ..
ففي كتاب الله عنه، غنى .. ،
وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله ..
فلا حاجة إليها، فتقدَّم بإعدامها ..
أي إذا كانت هذه الكتُّب، تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضارَّة ومؤذيه ..
لا يجب حفظها ..
إذا ً ففي كلتا الحالتين يجب حرقها، وإبادتها من الوجود ..
بعد هذا الحواب الكافي، والشافي ..
أمر عمرو بن العاص بإستعمال هذه الذخائر، والنفائس، كوقود في حمامات الإسكندريه ..
يُراجع في ذلك كتاب ..
المواعظ والإعتبار في ذكر الخطط والآثار، للمؤرخ تقي الدين احمد بن علي المقريزي ..
ويقال انه ..
ظلَّت حمامات الاسكندرية، تستخدم هذه الكُتُّب كوقود لمده ستة أشهر كاملة ..
يراجع الغدير ..
والفهرس لابن النديم ..
من هذه الواقعة التاريخية الصحيحة، والدقيقة جرى رسم المصير والمسار في كيفية التعامل مع الحضارات الاخرى، والاراء المغايرة، والعلوم غير المنصوص عنها شرعا ً ..
وقد تبرع بعض عتاعيت الفقهاء المسلمين، على القول أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يقصد على سبيل الحصر مكتبة الأسكندرية، في إتلاف كنوزها من الكُتُّب ..
ولكن سها عن بال، وفكر هذه الزُمرَّة من المؤرخين ان حضارة الجاهلّية لم يبق منها أثرا ً إلا المعلقات والمذهبَّات، لانها كانت تُحفظ في القلوب، أما النثر، والعلوم، والآداب الجاهلّية لم يصلنا منها شيئا ً لانها أُتلفت، وأُحرقت مع هدم الأصنام، والمعابد الوثنّية التي كانت مُنتشرة في شبه الجزيرة العربية ..
بعد مكتبة الاسكندرية وحرق كُتبها، لا تسأل لماذا قام صلاح الدين الأيوبي، ذلك المسلم الكردي من الأمصار والأقطار البعيدة، بإتلاف، وحرق، وتدمير دار الحكمة التي أنشأها الخليفة الفاطمي، الحاكم بأمر الله ..
( تراجع مُدوِّنتي عن دار الحكمة )
ولا تسأل ايضا ً لماذا حرقوا كُتُّب الفلاسفة العرب، في الأندلس ..
- ثانيا ً :
بعد مقتل عثمان بن عفان الخليفة الراشدي الثالث، أصبحت الحالة فى المدينة المنورة تقتضى وجود خليفة قوى يعيد الأمور إلى وضعها الطبيعى داخل عاصمة الدولة الإسلامية ..
لذا أسرع أهل المدينة إلى مبايعة علي بن أبى طالب سنة ٣٥ هجرية ..
بدأ الخليفة علي بن أبى طالب عمله، وهو عزل ولاة الخليفة عثمان بن عفان، وعين بدلا ً منهم ولاة آخرين ..
لكن الوالى الذى أرسله الخليفة إلى الشام لم يتمكن من إستلام عمله، حيث تصدَّى له أنصار معاوية بن أبى سفيان، والى الشام من أيام عثمان بن عفان ..
رفض معاوية ابن ابي سفيان، مبايعة علي بن ابي طالب للخلافة ..
كذلك ظهر تمرد آخر نشأ عن طلحة إبن عبيد الله، والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين فى البصرة واستيلائهم عليها سنة ٣٦ هجرية.
وأخبار هذا الخلاف التاريخي، ما زال ماثلا ً حتى يومنا هذا، ولا حاجة في الاستفاضة ..
أكتفي بسرد هاتين الواقعتين التاريخيتين لأن فصولهما تتوالى منذ قرون الى يومنا هذا ..
الخاتمة :
إذا كان الخلاف السني، والشيعي أدى، وما زال يؤدي الى هذه الحروب ..
إذا كان المذهب السني، والمذهب الشيعي يرفدان من ذات النبع، القرآن الكريم ..
واذا كان الخلاف، بين الأخ المسلم، وأخيه المسلم، ما زال مُستعصيا ً على الفهم والإدراك ..
فلا كُفْرا ً، ولا عجبا ً، ولا حرجا ً، ولا غضاضَّة، ولا عيبا ً، ..
أن أستميحكم عذرا ً بأني قمت في هذه الْمُدوّنة بتسفيه فقهاء، ومؤرخي، الحُثالة، والدناءة، الذين كتبوا، ودونوا الافتراءات التى طالت شخصية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ..
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٣ / ١ / ٢٠١٨
مراجع الدراسة :
- الفاطميّون، وتقاليدهم في التعليم - هاينز هالم ( ألمانيا ).
- تقي الدين احمد بن علي المقريزي، إتعاظ الحنفاء باخبار الأئمة الفاطميين جزء ٣
- الدكتور عبد المنعم ماجد -الحاكم بأمر الله، الخليفة المُفترى عليه.
حسن إبراهيم حسن- تاريخ الدولة الفاطمية- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة ١٩٥٨.
- أيمن فؤاد السيد- الدولة الفاطمية في مصر- الدار المصرية اللبنانية- القاهرة ١٩٩٢م
للأسف.. فالتاريخ يكتبه المنتصرون على دماء من سبقهم.. ولانزال على أمل مراجعة نقدية حقيقة لتاريخنا.. تعيد للرفيع مجده.. وتضع السفيه حيث يجب أن يكون.. شكراً لك على ما قدمته من قراءة ومعلومات..
ردحذف