الامبراطورية الفارسية، إيران اليوم ..
والْقُدُس ..
- تمهيد :
أرجو من القُرّاء الأعزاء أخذ العلم، بأني شديد الحرص في إنتقاء إسم الْمُدوّنة التي أنشرها ..
إذا كان إسم الْمُدوّنة ( الامبراطورية العثمانية، والْقُدُس ) فإني أعني ما أقول، أي :
- إبراز ماذا فعل بنو عثمان بالْقُدُس أثناء حكمهم، وكيف تعاملوا مع هذه المدينة المُقَدَّسة ..
- أما بالنسبة لفتوحات هذه الامبراطورية الاسلامية وصولا ً الى حصارهم مدينة فيينا في أوروبا، فإني أعرفها تماما ً، وهي بالتالي خارج نِطاق مُسّمى الْمُدوّنة ..
- لا عيب أن أبرز وضع العرب في فترة حكمهم، وإن وُجِدَّت مآثر حميدة لبني عثمان، على قِلَّتِها، ونُدرتها أقولها، كإعترافي بأنهم سبقوا العرب في إحتلال القسطنطينية ..
واخيرا ً ..
إن أسم الْمُدوّنة التي نحن بصددِّها الان هي، ( الامبراطورية الفارسية إيران اليوم، والْقُدُس )
- أما غير ذلك، كونها إمبراطورية إسلامية، فإني أُبادر قبل غيري بالاعتراف لهذه الامبراطورية بأنها حافظت، وأبقَّت، ونقلَّت الحضارات التي سبقتها في بلاد ما بين النهرين من بابل، وأكاد، وسومر الى العالم، وهذا فضل لا ينكره اي مخلوق ..
- هذا الْمُدوّنة تعني بعلاقة الفرس، وإيران اليوم بالْقُدُس، فقط ..
وشكرا ً لقبولكم هذا التوضيح ...
- المُقَدِّمة :
نظرا ً للغموض الذي يكتنف العلاقة ما بين اليهود، وإيران، خاصة بعد الإطاحة بشاه إيران، ويزداد الغموض في كِثرة الاقوال وقِلة الأفعال، تجاه الْقُدُس، إرتأيت في هذه الْمُدوّنة، أن أُنقِّب، وأبحث، وأغوص في التاريخ لأجد، وأطلع على سر العلاقة ما بين الامبراطورية الفارسية، واليهود مُنذ سقوط بابل، وحضارة بلاد ما بين النهرين، حيث إندثرت حضارة، وقامت إمبراطورية فارسية، على أنقاضها ..
ومن الملفت لنظر المواطن العربي العادي، وانا منهم، خاصة بالأعوام التي تلَّت خسارة فلسطين في اواخر أربعينيات القرن الماضي، وسقوط الْقُدُس في حرب ١٩٦٧ ..
يُلاحظ المواطن العربي :
- أن تركيا أوجدت في جيشها الحديث ألوية عدة، منها لواء إسمه لواء الْقُدُس ..
- أن إيران لديها عدة فيالق حربية مُجهزة بأحدث الأسلحة، منها فيلق الْقُدُس ..
يتساءل المواطن العربي، أنه منذ نصف قرن، ونيف على نكبة فلسطين، قام العرب بعدة حروب مع إسرائيل، ولكن وبالرغم من هذه الحروب، تبين أن لواء الْقُدُس التركي، وفيلق الْقُدُس الإيراني لم يُحركا ساكنا ً، عن طريق مساندة حربية، علنية او سريَّة للدول التي خاضت عدة معارك، سواء في سوريا او مصر ضد إسرائيل ..
هذا بإختصار، لا زيادة تُضاف ..
بناء على ما تقدَّم ..
ينقسم بحثي الى :
اولا ً : نبوخذ نصَّر الملك الأكادي، وهو الذي عُرف عنه بالسبي اليهودي، كما سيأتي في سياق هذه الْمُدوّنة ..
ثانيا ً : قورّش الكبير الملك الفارسي، وهو الذي عُرف عنه بأنه أعاد اليهود الى فلسطين، كما سيأتي في سياق الْمُدوّنة ..
ثالثا ً : في سر العلاقة ما بين اليهود والفرس، وهي العلاقة التي أُرسِيت منذ القدم ..
اولا : نبوخذ نصَّر :
من عام ٦٠٥ الى ٥٦٢ ق.م.
( دام حكمه ٤٣ عاما ً)
في القرن السادس قبل الميلاد، إستعادَّت الإمبراطورية البابلية مجددا ً إزدهارها ومجدها في عهد الملك نبوخذ نصَّر، وكان هذا الملك قائدا ً عسكريا ً فذا ً ورجلا ً محبا ً للبناء والعمران ..
إحتّل نبوخذ نصَّر فلسطين، بعد ان طفح الكيل بإعتداءات اليهود الْمُتكررة على أطراف مملكته،
بعد دخوله فلسطين، جمع نبوخذ نصَّر اليهود البارزين في العلم، والطبابة، والفلك، والفلسفة، والدين، وأخذهم أسرى الى بابل ..
- وكان عدد الأسرى ما يقارب ٣٠٠٠ أسير ..
ثم ولّى ملكا ً عليهم، وعلى فلسطين، من اليهود أنفسهم، إسمه صدقّيا ..
أقسم الملك صدقّيا، لنبوخذ نصَّر بعدم تكرار الاعتداءات على حدود بابل، وقد عُرف هذا بالسبي البابلي الاول ..
- ثبت في التاريخ ان نبوخذ نصَّر حاصر مجددا ً أورشليم، لمدة سنة، لان مملكة يهوَّذا كعادة اليهود في عدم الالتزام بالمواثيق والاتفاقات المعقودة، لم تصدق في عهدها الذي قطعته ل نبوخذ نصَّر بعدم الاعتداء على حدود بابل، فإضطَّر الى ان يدخل فلسطين فاتحا ً بالعام ٥٨٧ ق. م.
وتأديبا ً لليهود قرر ان يسبي معظم السكان ومنهم ملك اليهود صدقّيا، وكان عددهم حوالي ٤٠٠٠٠ أربعين الف أسير ..
- أصدر نبوخذ نصَّر أمرا ً، وأقدم هو وجيشه على إحراق هيكل سليمان تأديبا ً وعقابا ً لليهود ..
- وبهذا أنهى نبوخذ نصَّر حكم سلالة الملك داوود على يهوَّذا، في العام ٥٨٧ ق.م.
- وقد أُعتبر لاحقا ً في التوراة، هذا السبي بإسم السبي البابلي الثاني ..
- نبوخذ نصَّر، بعد هذه الانتصارات العسكرية أُعتبر أعظم الملوك في ذلك الوقت قاطبة ً، لانه وعلى أيامه كان في بابل أعظم إمبرطورية إمتدَّت من الخليج العربي حتى بلاد فارس ..
- إنصرف نبوخذ نصَّر، هذا الملك العظيم الى إنشاء الحدائق المعّلقة، التي أُعتبرت فيما بعد من عحائب الدنيا السبع ..
- يمتاز عهد الملك نبوخذ نصَّر، بأن إنتقلت بابل من الحكم الآشوري، الى الحكم الكلداني بعد ان إجتاح عاصمتها نينوى، بمساعدة الميديين ..
- ورد ذكر نبوخذ نصَّر، في كتاب اليهود، في سفر النبي دانيال، بإعتباره كان في عداد اليهود الذين سباهم الملك الكلداني ..
- وقد ذُكِر في التوّراة أن نبوخذ نصَّر إحتاج النبي دانيال لما عجز كهنة بابل من تفسير حلمه، وهذا خارج عن نطاق بحث هذه الْمُدوّنة ..
- نبوخذ نصَّر ( اعتبره القوميون العرب الجدد قائدا ً سوريا ً عالميا ً من ملوك بابل قاد جيشه المظّفر الى أورشليم حيث سبى، وطرد اليهود منها ) وما يزال اسم نبوخذ نصَّر يهّز كيان اليهود ووجدانهم، وقد عملوا على تشويه صورته وصورة بابل في التوّراة عن طريق تحريف التاريخ ..
- ويقال على ذمة البعض ان لوح السبي قد إختفى، من كنوز بابل ..
ثانيا ً :
أعظم ملوك الامبراطورية الفارسية قاطبة : ( قورّش الكبير )
أرسى هذا الملك الامبراطورية الفارسية المترامية الأطراف، وباتَّت في العام ٥٣٠ ق. م اكبر امبراطورية في العالم ..
وقد أثنى عليه اليهود في كُتُّب، العهد القديم، لانه أعاد اليهود وأرجعهم الى بلادهم في أورشليم القدس، بعد ٧٠ سنة من السبي، وقد بذل لهم الأموال الطائلة لتجديد بناء الهيكل ( هيكل سليمان ) الذي هدّمه الملك نبوخذ نصَّر ..
بالاضافة الى كُتُّب العهد القديم، لم ينكر المؤرخون القدامى واقعة إعادة اليهود الى أورشليم الْقُدُس على يد الامبراطورية الفارسية، وقائدها قورّش الكبير ..
وقد ذكرت كُتُّب اليهود ان الإمبراطور الفارسي قورّش أمر بإعادة نفائس الهيكل التي إستولى عليها جيش بابل والتي كانت مخزونة في خزائن الملوك، والمعابد ..
وقد ذكرت بعض الكتب التي قام بتدوينها اليهود، ان قائد الجيش الفارسي ( غوبر ياس ) لما إحتّل بيت المقدِّس سنة ٥٣٨ ق.م أخذ معه في عداد جيشه، من أراد من اليهود المسبيين ..
- بوصولهم الى أورشليم مع الجيش الفارسي، سمح القائد لليهود ببناء الهيكل في الْقُدُس، مدفوعا ً برغبة إيجاد جماعة موالية للإمبراطورية الفارسية ..
وقد إعتبر اليهود ان الملك قورش، هو المخلِّص الآلهي، او حتى انه المسيح المنتظر ..
وقد ذكرت بعض الروايات، وفي كُتُّبهم، أن عدد اليهود الذين عادوا مع قائد هذه الحملة ( غوبر ياس ) بلغ ٤٢٠٠٠ شخصا ً..
- وتضيف هذه الروايات، والأخبار ان زعيم اليهود الذي رافق الجيش الفارسي كان اسمه زرو بابل وانه من سلالة الملك يهو ياقيم ..
- أقام اليهود سلطة دينية تحت سيطرة الفرس، وإستخدموا العبرية في معاملاتهم التجارية والدينية على حد سواء ..
- لم تُسجِّل كُتب التاريخ أي خلاف، او قتال بين اليهود، والإمبراطورية الفارسية، كما كان يحصل ايام الملك الأكادي نبوخذ نصَّر ..
ثالثا ً :
في سر العلاقة التاريخية ما بين اليهود والفرس :
من المعروف تاريخيا ً ان اليهود قامت بينهم وبين الشعوب التي أحاطتهم عداوات، مكلفة ومتعبة وحروب ومناوشات طاحنة، عاداهم المصريون، والاراميون، والفلسطينيون والكنعانيون، والاشوريون، والبابليون، والكلدانيون، والإغريق، والروم، والنصارى، والأنباط، ثم العرب المسلمون، وقامت عدة حروب مع هذه الدول او الممالك ..
لم يصادق اليهود في كل تاريخهم القديم الا، المجوس الفرس الذين حالفوهم، وناصروهم ..
وقد ذكرت كتب التاريخ، ان اليهود بالرغم من السماح لهم بالعودة، بإشراف الادارة الفارسية، الا ان الكثير من السبي أعجبتهم ارض بابل، اما القِلَّة المتشددة التي عارضت الاندماج، هي التي حافظت على بني اسرائيل من الاندثار ..
- أعطت الإمبراطورية الفارسية، لليهود حق الحكم الذاتي، وقد تمتَّع اليهود في منطقة القدس بالاستقلال تحت الهيمنة الفارسية ..
- وقد إعتبر بعض المؤرخين العرب، وحتى معظم مؤرخي الغرب، ان الرأي الإيراني الحالي، منذ حِكَم شاه إيران السابق حول اليهودية، لم يتغير، وما زال حتى اليوم يقوم، على ذات الأسس التي وضعها الإمبراطور قورش عند تحريره اليهود من السبي البابلي، وهي ان اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري ( الفارسي ) ويمكن الاستفادة منه، والتعاون معه، وقد أثبت التاريخ صحة هذا الكلام، لانه لم تحصل لغاية تاريخه اي حرب، او عقوبات لإسرائيل سواء كانت إقتصادية، او غيرها ..
- أما فيما خَص التفاهمات، ما زالت سرية ..
فيصل المصري
أورلاندو / فلوريدا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق