الموحدُّون الدروز، والأقليات في الوطن العربي.
- الْمُقدمَّة :
لم يجرؤ ..
كائنا ً من كان حتى تاريخ سقوط الامبراطورية العثمانية البائدة، وإنحلال الإنتدابين الفرنسي، والبريطاني عن بلاد الشام، أن قام أحدهم ب نَعْت الموحدُّون الدروز بأنهم أقليات في الوطن العربي الاسلامي.
وبالرغم من حقارَة الامبراطورية العثمانية، ونذالَة التابع لها الامير بشير الشهابي ( المدعو أبو طبيخ ) والذي أدى خلافه مع الشيخ بشير جنبلاط، الى إضعاف الدروز وتهجير بعض عائلاتهم من مناطق وجودهم، وإعادة تموضعهم في قرى وبلدات الجبّل اللبناني، بقي المؤرخون يحسبون حسابا ً في تدوين الكتُّب التاريخية الصحيحة والصادقة، والقول دون إسفاف تاريخي، او مماهاة، إن خلاف البشيرين كان المسمار الأشَّد إيلاما ً في هيبة الموحدُّون الدروز السياسية في بلاد الشام، دون الإشارة الى أنهم باتوا أقليات في العالم العربي الاسلامي.
هذا التعبير بدا يطفَّح ويزيد بالكيل، بعد نيل دول بلاد الشام الإستقلال حيث تسارعَّت الحميَّة العربية، والنخوَّة المقيتة في التصنيفات الدينية والمذهبية، حتى وصلت الأمة العربية الاسلامية اليوم الى أوج هيجانها الديني، بحجة من ليس مِنَّا هو في عِداد الاقليات.
وأذا رجعنا الى صعود الإمارة الهاشمية في الأردن، بالعام ١٩٢١ ومن بعدها المملكة الاردنية الهاشمية الشابة، والفتيَّة، نلاحظ ان :
رشيد علي حسين ناصيف طليع، وهو من الموحدِّين الدروز من لبنان كان أول رئيس حكومة في إمارة شرق الأردن.
لا عجبا ً ان هذه الإمارة، ومن بعدها المملكة الاْردنية الهاشمية، أن إستقطبَّت العدد الهائل من العرب، وخاصة من لبنان، وبالأخص من طائفة الموحدِّين الدروز، لأن يتبوؤا أرفع المناصب وأهمها شأنا ً في بدايات القرن العشرين.
فيما يلي، سأذكر أسماء اللبنانيين الدروز الذين خدموا في إمارة شرق الأردن ومن بعدها المملكة الاْردنية الهاشمية :
- الأمير عادل إرسلان، أول رئيس للديوان الملكي.
- نجيب علم الدين، أول سكرتير للديوان الملكي.
- العقيد فؤاد سليم، أول قائد جيش للإمارة.
- حسيب ذبيان، أول قائد درَّك للإمارة.
- عجاج نويهض، مدير إذاعة القدس.
يتضِّح من أعلاه أن مضمون هذه الْمُدوّنة، كما سبق غيرها :
-لا تبحث من قريب او بعيد في العقيدة الدرزيَّة، حتى ينبري من يدَّعي، او تدَّعي أنهم حُمَاة الديار، ولا يجوز بحث حتى هذه الامور السياسية، والوظيفية للموحِّدون الدروز على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفي ذلك أقول ..
إن المرض القاتل الذي يفتك بالعالم العربي هو ( أنا او لا أحد، او انا ومن بعدي الطوفان ) لذلك لا أستغرب، ولا أستهجن إعتراض البعض لأَنِّي ارى فيهم زمرَّة المستفيدين من فُتات مائدة السلطة، بحظوة هنا، وكسرة ٍ من هناك، والباقي جياع لا فرق عندهم، طالما أن بطونهم محشوَّة بالذِّل، والهوان والسخرَّة.
لذلك ..
لا يريدون ان تبحث الامور بما فيها الحياتية، حتى يبقى السقيم، سقيما ً والعدل، مُنفلتا ً، والأنانية، منهجا ً، والفاجر يأكل مال التاجر.
إذن هذه الْمُدوّنة ..
تُشير، وتُلفت النظَّر الى خسارة المراكز الوظيفية الحساسَّة، بِحُجَّة ان الموحدُّون الدروز باتوا من الاقليات في العالم العربي الاسلامي، وخاصة في بلاد الشام.
هذا مع العلم، ان بعض العقول النيرَّة، من شرائح المجتمع والأطياف الآخرين، وأصحاب النظرَّة الثاقبة، يعتبرون ان هناك ضرورة لإعطاء الموحدُّون الدروز الوظائف الحساسة ليتناسب ذلك مع حجمهم المعنوي، وتاريخهم النضالي الواسع، ودورهم العريض، وصولا ً الى مستوى الشركة، والشراكة الحقيقية والفعالَّة.
لن ألِج ْ كثيرا ً من هذا الباب، لأن فيه حشرجة الموت البطيء، وإحتضار الروح، لأيام خلَّت كان فيها للموحِّدون الدروز الصولات والجولات من خلال أرفع المناصب، التي توّلوها.
وفي هذه الْمُدوّنة مقاربة تشبيهية الى مُدوِّنتي السابقة عن الوضع السياسي للموحِّدون الدروز، وكيف جرى ويجري سحب البساط الاحمدي السياسي من تحت أقدامهم.
بعد هذه المُقَدِّمة، سأبحث في الاقليات الدينية بالعالم العربي الاسلامي، وإني بذلك أُطلق النفير مُجدّدا ...
إلى أين ؟
هل الدعوَّة الى عقد إجتماع طارئ للموحِّدون الدروز في بلاد الشام، هو من الامور غير الْمُلحَّة ؟
كُل مِلل الارض، ومذاهبها، تجتمِّع للبحث في أمور ديمومتها ...
فلا عجبا ً ولا ضررا ً ولا ضرارا ً ولا عيبا ً إن إجتمع الموحدُّون الدروز ...
- المدخل لموضوع الاقليات الدينية.
إن ظاهرة الأقليات في الوطن العربي أمر دَهْرّٓي، لانه لم تنشأ أكثرية، دينّية، من أي نوع كان، إستطاعت ان تصهَّر، او تمتَّص، او تذِوِّب، او تُزيل، الأقليات المتواجدة، في هذه المنطقة.
وإذا ما نظرنا عبر التاريخ، نرى ان المشرّق العربي زهّت فيه ديانات، وَمِلّل، ومعتقدات، قبل الأديان السماوية، وهم :
- الأحناف، والحنفيَّة.
- والصابئة المندائيون.
وقد بقّيت الصابئة حتى يومنا هذا، وبذلك يمكن إعتبارها أول أقلية، كانت وبقيَّت بعد الأديان السمّاوية، وعاشت في كنفهم، ومنهم بدأت مشكلة اسمها الأقليات الدينية.
وألمُلفت أنه بعد ظهور الاسلام، وإفتراق الأمة الاسلامية الى عدة فِرّٓق، إستسهل جمهرة من الفقهاء المسلمين، الى إعتبار ان بعض الفِرّٓق الاسلامية هي من ضمن الاقليات الدينية ايضا ً، ويجب محاربتها والقضاء عليها، او ألعفِّ عنها تحت راية، أٓسلِم تٓسلّم، وهذا ما تحاول تطبيقه دولة الخلافة الاسلامية الجديدة، على فِرّٓق ضعيفة، ومستّضعفة في كل من سوريا، والعراق.
وقد أثبتّت الأيام، ومنذ ظهور الدعوة الاسلامية، اي اكثر من ١٤٠٠ سنة، ولغاية تاريخه، انه لا يُمكن لأية فرقة أسلامية، القضاء على الاخرى، والذي يدور اليوم في الحرب السورية، والعراقية بين أهل السُنّة، وأهل الشيعة، وغيرهما من فرق إسلامية، كالحوثيون في اليمن، هو خير دليل على ذلك.
وبالرغم من ان هذه ثابتّة تاريخية، في عدم تمَّكن فرقة إسلامية القضاء على فرقة إسلامية أخرى، الا انه من الْمُؤكد ان الجهل، والتزمُّت الديني هما وحدهما ، السبب الكافي لإطالة هذه الحرب، والحروب التي ستجِّد، الى ما لا نهاية.
ومن الملاحظ، أن مشكلة الأقليات الدينية في الشرق الأوسط، ظهرت فجأة، وبقوة، وبعنف، وبسفك دماء، وتهجير، وقتل، وسبّي، وهتّك أعراض، وتدمير أمام أعين العالم المتحضّر، من قِبَل الدولة الاسلامية الباسطة سلطانها، وسطّوتها، على اجزاء من العراق، وسوريا.
وقد وقف العالم، الذي يدَّعي انه متحضِّر يشاهد محنة الأقليات، الآيزايدية في العراق، حيث جري غزّو قراهم وتدمير معابدهم، وهتْك أعراضهم، وسبّي وبيع نسائهن كالجوارى، كما كان يتّم في عصور ما قبل التاريخ، وأُسر رجالهم وجرى تخريب بيوتهم.
واليوم، ما زالت محنّة الأقليات الكردية في العراق، وسوريا تشهد فصولا، تركية مُزرّية على جرْي عاداتهم، في الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، وكأن سُبحة تفتيت، وتشتيت، الأقليات الدينية الاخرى الباقية، قد بدأت :
/ فصولها تُكتب.
/ ورياحها العاتية تهّب.
/ وامواجها الهائجة تُحضَّر.
اخيرا ً ...
يتبين ان ظاهرة الأقليات، بقيَّت صامدة، معاندة، متشبثَّة، ومحافظة على قيمّها وتُراثها، في وجه كل فاتح وكل عهد ...
وقد مالّت في بعض الأحيان وغُلب على امرها.
وفي احيان اخرى كُتمّت انفاسها، وقُهّرت آمالها، وسُلّبت حرياتها، ولكنها رفضت ان تنقّرض.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٥ تشرين اول ٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق