جبران باسيل، ودبلوماسيَّة نبش القبور ...
تشاء الصدَّف التي تواجهك دون ان تخطر على البال او الخاطر، أن تكون مركزا ً على القيام بعمل ما، وتأتيك حادثة ما، تؤدي فيما تؤدي الى تغيير بوصلة تفكيرك، والمنحى الذي كنت عازما ً على تنفيذه.
كنت في الفترة الماضية، وما زلت أهتم بالتفتيش عن الجواهر، والدُرَّر في بُطُون المجلدَّات، والكُتُّب التاريخية، لِمُدَّونات ٍ تبحث في القيَّم الدينية، والأخلاقية لقُراء أعزاء، أما مُدوِّنتي هذه فهي خِلاف ما سبق، لأنها ستتضمَّن فُتات مائدتي من عضام نتنَّة، تليق بالشخصية التي سأعيث فيها تهشيما ً، وحسبي في ذلك وليعذرني القرّاء، بيت الأسد لا يخلو من العضام الفاسدة.
الشخصية التي سأتناولها في هذه الليلة الظلماء، هي معالي وزير خارجية لبنان جبران باسيل، وتصريحاته الهمايونيَّة الاخيرة في احدى قرى جبل لبنان، عندما عَنْوَنَّت الصحف اللبنانية هذا المانشيت :
باسيل يؤكد ان مصالحة الجبَّل، لم تتِّم ويسأل عن العظام ...
وتضيف الصُحف ما تفوَّه به وزير خارجية لبنان، من تهييج طائفي دنيئ، وإسفاف لغوِّي مُقْرٍف، أمام رُعاع يُصفقون.
و"ما فينا نمشي في هذه المنطقة ونسمع الناس ماذا تتذكَّر وكم تتحسَّر، وما نقول إنّو هذه المشكلة ما تعالجت بعد "
مضيفا ً :
"عندما نتحدَّث عن حق المعرفة، لأن هذا حق الإنسان الطبيعي أنه يريد أن يعرف :
أهله أين ؟
وعظامهم أين ؟
وترابهم أين ؟
وقال :
ونتحدَّث عن المصالحة ..
وإنتبهوا للمصالحة، نسأل من يريد أن يدق بالآخر ..
هذا مُجْمَل ما تفوَّه به الوزير المذكور اسمه بأعلاه.
أما في مسألة الدَّق، بالاخر هو يعلم، والمصفقون له يعلمون، انهم إن وقعَّ المحظور، فانهم في الهريبة كالغزال.
وأذا فتحنا السيرة الذاتية لوزير خارجية لبنان الموهوب صاحب المعالي جبران باسيل، فإنه يشدّٓ إنتباهك الى ضلوعه في اللغة العربية، وإلمامه الواسع بالثقافة الدبلوماسية وهو إن تكلَّم امام مُحازبيه، الامر عنده سيَّان لا يختلف اذا كان مُتواجدا ً حتى في المحافل الدولية، فهو لا يتورَّع عن إستعمال لغة أُخرى، تُسمَّى :
ب Body language
فيكون بذلك وزيرا ً ... لدولة، ليست على الارض ...
بل وزيرا ً لكوكَّب مُستقِّل إسمه لبنان، الذي إتّخذ مدارا ً لولبيا ً، مُتعرِّجا ً يدور مُنفلتا ً من عِقاله ...
والحق يُقال ..
إن وزير خارجية لبنان، إقتفى سيرَّة من سبقه من وزراء خارجية الدولة الفينيقية في غابر الازمان والأكوان، عندما نجحوا في تسويق شقائق النعمان ذي اللون الأحمر القاني، وفق أسطورة الموت والحياة، وقد أبدع معاليه، وبرع في تسويق إعجازه الخطابي، القوي في تخمير العقول حتى الخمول، وتسييرهم الى حرب مجوس لا طاقة لهذا الشعب ولا ناقة له له فيها ...
قديما ً قيل ( كما أنتم يوّلى عليكم ).
حتى نكون منصفين، إن جمهرَّة كبيرة جدا ً من الشعب اللبناني العنيد لا توافق على هذا المبدأ، لانهم في الكيل والميزان لا يحسب لهم حساب، لا في العير، ولا في النفير، لان مبدأ المحاسبة عندهم على وزن قافية، أهازيج الهوّارة.
اخيرا ً وليس أخرا ً ...
هذا الخطاب التحريضي لوزير خارجية لبنان، لا يفقه مخاطره، لأن سياسة نبش القبور، والبحث عن العضام لا تسري مع فِئَة من الناس، ولا تُخيفهم لان سياستهم، وأخلاقهم، ومذهبهم على مر التاريخ كانت ولمّا تزَّل حفظ الاخوان، وحفظ اللسان في الملمَّات والمنعطفات الخطيرة.
حسنا ً فعلت الزعامات السياسية، منها من إكتفى بالصمت، ومنها من اطلق تغريدة واحدة.
بالنهاية ..
في الحرب الأهلية الأميركية بالعام ١٨٦١ وما بعدها، زُهقَّت أرواح اكثر من ستمائة الف قتيل ...
حتى تاريخه، لم ينبشوا القبور بحثا ً عن العضام ..
وأصبحت اميركا بعد هذه الحرب أقوى دولة عرفها التاريخ القديم والحديث.
إتقِّى الله يا معالي الوزير ..
الجبّل ..
لكم ..
ولهم ..
ولجميع اللبنانيين ..
فلا تستخِّف حتى بالتعابير ..
التي فيها دق َّ، ويدِّق دقَا ً ..
لأن لها أرباب ..
والشرط الواجب، ان تكون قدَّها ..
وبالقاف الْمُفخمَّة، لمن يُحسن لفظها ..
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١٨ تشرين اول ٢٠١٧
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق