سِرّ ... العلاقة، ما بين :
مي زيادة، وجبران خليل جبران ...
مي زيادة، أديبة، وكاتبة عربية.
وُلدّت بالناصرة ( فلسطين ) عام ١٨٨٦، وتوفيّت بالعام ١٩٤١، وهي إبنة وحيدة لأب لبناني، وأم فلسطينية.
تلقّت دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في مدرسة، عينطورة بلبنان.
عام ١٩٠٧ انتقلّت مع أسرتها للإقامة في القاهرة، حيث درسّت في كلية الآداب، وأتقنّت اللغة الفرنسية، والإنكليزية، والإيطالية، والألمانية.
أما اللغة العربية، كانت مربط خيلها، لانها تابعت تعمُقِّها في الأدب العربي، والتاريخ الإسلامي، والفلسفة في، جامعة القاهرة.
كانت محّط الأنظار إليها، وخاصة مجلسها الأدبي كل نهار ثلاثاء من كل أسبوع.
إمتازت مي زيادة، بإظهار جمال اللغة العربية، وروعتها في إداء المعنى.
مِن أعمالها :
ديوان شعر، كتبته باللغة الفرنسية.
وعدة مؤلفات :
أزاهير حلم.
باحثة البادية.
كلمات وإشارات.
المساواة.
ظلمات وأشعة.
بين الجزر والمد.
الصحائف.
علاقة مي زيادة، بجبران خليل جبران.
لم تلتق ِ مي في كل حياتها، بجبران خليل جبران، ولكن المراسلات، بينهما دامت عشرين عاما ً من ألعام ١٩١١ وحتى وفاة جبران خليل جبران في نيويورك، بالعام ١٩٣١.
إتخذّت المراسلات بينهما صيغة غرامية، عنيفة، ويُعتبر هذا هو ..
حُب ُّ حياتها .. بالرغم من كونه، حُبّا ً روحيا ً ... خالصا ً ... وعفيفا ً... من دون، أي ... لِقَاء.
لم تتزوج مي زيادة، بالرغم من كثرة، مُريديها، وطلابِها، بل بقيت حتى بعد وفاة جبران خليل جبران، على هواه، وماتت على هواه.
عانت مي زيادة، الكثير بعد وفاة والدها عام ١٩٢٩، ووالدتها عام ١٩٣٢.
أما الزلزال الذي هد ّٓ كِيانها، ومحق حياتها، وأرداها، جِيّفة ً حيّة، تنهشها الكلاب المسعورة، من أهلها، والذئاب الكاسرة من أصدقائها، كان بعد وفاة الشاعر جبران خليل جبران، ومن ثم والدتها.
تدهورّت صحة مي زيادة الجسدية، والنفسية حيث ارسلها أصحابها إلى لبنان، حيث يسكن ذووها، ظنا ً منهم انها ستلقى الرعاية، والحنان.
أُدخلّت، زورا ً وبهتانا ً الى مستشفى الأمراض العقلية، يطلق عليها العصفورية، قرب مدينة بيروت.
وأُسيئت معاملتها، من أقرب الناس،
فإحتجت الصحف اللبنانية، وبعض الكتّاب والصحفيون على السلوك السيء لأقاربها، فنُقلت إلى مستشفى خاص في بيروت.
ثم، خرجت إلى بيت مستأجر،
ثم، أقامت عند الأديب، أمين الريحاني عدة أشهر،
ثم، عادت إلى مصر.
ثم، الى إنجلترا ... أملاً في أن تغيّير المكان، قد يُساعدها،
ثم، عادت الى مصر،
ثم عادت إلى روما،
ثم عادّت إلى مصر، حيث استسلمت لملاك الموت وتوفيّت، في مستشفى المعادي بالقاهرة، عن عمر ٥٥ عاما ً... وهي ما زالت صبية، تليق لها الحياة، لو لم يكن الغدر وقلّة الوفاء يرافقانها في حِلِّها وترحالها.
يتبين من تاريخ معرفتها بالأديب، جبران خليل جبران بالعام ١٩١١ وحتى وفاتها بالعام ١٩٤١ أن حياتها، كلها :
مليئة، بالآلم، والعذاب، والقهر، والمعاناة، وغدر الناس، وخيانة اقرب المقربين.
أما الجُرح الذي بقي ينزف دما ً من قلبها، كان إسمه جُرح ُ،، جبران.
قيل، في مي زيادة :
هدى شعراوي، الأديبة المصرية قالت في تأبينها :
كانت مي، المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفّة.
وكُتبت في رثائها، مقالات كثيرة بينها مقالة :
لأمين الريحاني، نشرت في جريدة المكشوف اللبنانية عنوانها ....
إنطفأت ... مي ....
نعم، إنطفأت، وذبُلت، وذابت، وذُبحت ....
من غدر الزمان ...
وقلة الوفاء، والجحود، والنفاق ...
لم يمش ِ وراء نعش مي زيادة سوى ثلاثة من الأوفياء :
أحمد لطفى السيد، من مصر.
خليل مطران، من لبنان.
وأنطوان الجميل، من لبنان.
قالت مي زيادة قبل ان تموت :
أنا امرأة، قضيت حياتي بين قلمي، وأدواتي، وكتبي، ودراساتي، وقد انصرفت بكل تفكيري، إلى المثل الأعلى.
وهذه الحياة، الأيدياليزم، أي المثالية التي حييتُها، جلعتني أجهل ما في هذا البشر، من دسائس.
تُعتبر، قصّة الحب التي جمعت ما بين الشاعر، والأديب جبران خليل جبران، والأديبة اللبنانيّة مي زيادة، من أسمى قصص الحب قاطبة ً، لانها مليئة بالشغف، والحب العذري، وقد أمسّت من كلاسيكيّات فنّ المراسلة، عند العرب، وفي العالم أجمع.
لم يلتقيا .....
الاّ في عالم الفكر، والروح، والخيال ....
إذ كان جبران مقيماً في أميركا، وكانت مي، في القاهرة.
لم يكن حبا ً ... وليد نظرة ٍ ....
بل كان حبا ً ... نشأ، ونما، عبر مراسلات أدبية، ومساجلات، فكرية، وروحية ....
تآلف ... القلبان ....
وتعانقّت ... الروحان ......
كانت، البداية بعد كتاب جبران، الأجنحة المتكّسرة.
وكانت، النهاية الموت المحتوم.
وما بين الحياة، والموت ...
كان، سيل ُ الرسائل التي كان كل منهما، يبحث عبرها، عن روح الآخر .. في يقظته وأحلامه.
كان، كل منهما، يسعى لرؤية ذاته في روح صاحبه....
يكاد يكون، حبهما صوفيا ً... لأنه تخطى حدود، الزمان، والمكان والحواس، الى عالم تتحّد فيه قوة، الوجود ..
كان، النقاش بينهما ... يأخذ احيانا ً منحى المعاكسات، التي تحوّل عسل القلب، إلى مرارة ألمذاق.
كان، يضفي على علاقتهما شفافية روحية، تغمرهما بالسعادة ....
أما سوء التفاهم، أن حصَّل .... كان يؤلمهما، ويؤدي الى القطيعة احيانا ً ....
ولكن شِدّة ولع، كل منهما بالآخر، كانت تدفعهما، للتصالح مجددا ً ...
كانت، مي في حياة جبران الصديقة، والحبيبة الملهمة، وصلة الوصل بينه وبين وطنه، لبنان.
وعلى الرغم، من ما كُتب عن علاقات جبران الغرامية، بالنساء امثال السيدة الأميركية ماري هاسكل، فأن حُبِّه لمي زيادة، كان الحب الوحيد الذي ملك، قلبه، وخياله، ورافقه حتى نهاية حياته.
كان حُبِّه ل مي زيادة معادلا ً حُبِّه الكبير لوطنه، لبنان، ولسحر الشرق، والدم العربي، الذي يجري في عروقه.
أما مي زيادة، في اواخر أيامها، أستبدّت رسائل، جبران خليل جبران بعقلها، وقلبها، وفؤادها، وكانت تلجأ الى هذه الرسائل على إنفراد حين يَغلِبها الوجد، ويقضي على مضجعها، ألإشتياق ...
وتتأمل في صوّر جبران التي هي بين يديها، وقد كتبّت على إحداها بخط يدها :
وهذه مصيبتي منذ أعوام ....
يُعتٓبر جبران خليل جبران، من الأدباء الذين أغنوّا، وأثرّوا فن المراسله عند العرب، بما تركه من رسائل لفتّت نظر الباحثين، وأثارت فضولهم فعبروا من خلالها إلى عالم جبران المليء بالرموز، والأسرار ..
أقام جبران خليل جبران صرحا ً جديدا ً...
وفتح فتحا ً واسعا ً ...
وأدخل، الروعة، في دنيا الأدب العربي.
كيف، كان وصف جبران خليل جبران، ومي زيادة حبهما في الرسائل المتبادلة.
كل هذا الحب، الذي ملئ قلبيهما ...
كان، كل منهما يخشى التصريح به والبوح، بعواطفه ....
يلجأ .. جبران .... للتلميح.
ويرمز إليه، ويضع عبارات وصوّر مبتكره، وجميله ..
لم ينادي ،،، مي ... قط بكلمة، حبيبتي.
لم يخاطبها، باللغه المألوفة، للعشاق.
غير أنه عبّر عن حُبِّه لها،،، بما هو أبلغ ...
عندما قال :
أنت تحيين ... فيّي ...
وانا أحيّا فيك ِ ...
ووصف علاقته بها :
بأنها أصلب، وأبقى بما لا يقاس من الروابط الدموية، والأخلاقيه.
وبعد أن، باح لها، بِحُبِّه .. رجاها ان تُطعم النار رسالته، اذا لم تجد لبوحه ... الصدى، المرجو في نفسها.
كان يكتب لها :
تقولين أنك تخافين الحب ...
لماذا تخافينه ؟
أتخافين، نور الشمس ؟
أتخافين، مدّ البحر ؟
أتخافين، طلوع الفجر ؟
أتخافين، مجيء الربيع ؟
لماذا .. يا ترى تخافين،،،، الحب ؟
أنا أعلم، أن القليل في الحب، لا يرضيك ِ ...
كما أعلم، أن القليل في الحب، لا يرضيني ...
أنت ِ .. وأنا ...
لا .. ولن نرضى ... بالقليل.
نحن، نريد الكمال ..
الكثير ....
كل شيء ...
لاتخافي، الحب ...
يا رفيقة، قلبي ...
علينا، أن نستسلم إليه، رغم مافيه من الألم، والحنين، والوحشه ... ورغم، مافيه من الألتباس، والحيرة ..
وأخيرا ً ...
يقال، ان أهل مي زيادة، وبعض الاقارب، قد أطلعوا على صلتها بجبران خليل جبران في حياتها، ولكن المرجّح انها كانت حريصه على اخفائها عن الناس جميعا ً .. وأبقتها سرا ً دفينا ً في نفسها حتى ذلك اليوم الذي فُجعت بموته عام ١٩٣١.
بعد انقضاء شهر على وفاته، اعترفت ميّ لقرائها بوجود مراسلة طويله بينها، وبين جبران وذلك في مقالة :
(جبران خليل جبران يصف نفسه في رسائله) ضمنتها فقرات قصيره من رسائله اليها، وعبرّت عن حزنها العميق عليه مصورة ً غربتها وغربته في الوجود بعبارات، موجعه قالت فيها :
حسنا ً ... فعلت بأن رحلت.
فاذا كان لديك كلمه أخرى، فخير لك أن تصهرها وتثقفّها، وتطهرها لتستوفيها في عالم، ربما يفضل عالمنا هذا في أمور شتى.
حسرات، وحجرشات، وأوجاع مي زيادة، الحزينة
كادت ان تخنقها ....
لا بل خنقتها ...
دون رحمة ٍ ...
ودون هوادة ٍ....
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
سوبر تيوزداي