Pages

السبت، 28 فبراير 2015

في الجاهلية، أيهما أسبق الأحناف أم الوثنيون ؟

في الجاهلية
أيهما اسبق، الأحناف، ام الوثنيون ؟

التعريف المعجّمي، للفظة ( حَنَف )

يقول ابن منظور، والجوهري ان الرجل الحنيف، هو من إعتزل الأصنام، وتعّبد الله، الواحد الأحد. 

فالحنف، او التحّنف، يراد به لغويا ً، الميل او التحوّل من حال الى حال، ويراد به دينيا ً، الانقطاع  كلية ً الى دين ابراهيم الخليل، عليه السلام الذي دعَّا، الى ترك عِبَادَة الأصنام، وتعبّد الله، الواحد الأحد.

اما المستشرقين، اعتبروا ( الحنيف ) ان أصلها 
آرامي، معروف  لدى المسيحية  في الجاهلية، وأطلقوها على من أعتّنق، دين التوحيد.

ولزيادة  في التوضيح، في كلمة ( حَنَف )
ينظر في معجمي الصحّاح، واللسّان. 
ومن المستشرقين أيضا ً، من اعتبر كلمة  ( حَنَيف ) اصلها عبراني، وأطلقها اليهّود المتزمتّون، على جماعة منشّقة عنهم.

ومن المستشرقين أيضا ً، من اعتبر كلمة حنيف،  تعود الى جماعة من الزهّاد النصارى العرب، الذين اتسّموا بتقوّاهم وترهّبهم.

ومن المستشرقين أيضا ً، من اعتبر كلمة حنيف هي من أصل عربي، بدليل ان المسعودي، ذكر ان أهل مكه أطلقوا على كل من ترك عبادة الأصنام، والأوثان  ( صابئ )

اي خارج عن ملَّة  قومه، وتاركا ً لعبادتهم، وهم الصابئة. 

وقد ورد في دائرة المعارف الاسلامية،  النص الآتي :

ان ظهور الاسلام، يؤرخ لسيادة الصنّمية في الفترة السابقة، التي كانت تتجلى بتعدُّد الآلهّة، غير انه متّصل بالجانب التوحيدي، الذي دعا اليه الدين الحنيف، ودعاته الأحناف، اذ كان يمثل معتقدهم، بيت شعر لأميه بن ابي الصّلت احد ابرز شعرائهم، وقد أتّى على ذكره، ابو الفرج الأصبهاني، صاحب الأغاني :

كل دين يوم القيامة عند الله
إلا دين الحنّفية .... زور ٌ

هذا يدّل، ان لفظة الجاهليَّة ، التي أُطلّقت على العرب قبل الاسلام، إنها تدّل عن جهل، هم وقعوا فيه. 

مما لا شك فيه، ان العرب قبل الاسلام كانوا في صراع عقائدي، فلا يمكن القول انهم اهتموا فقط بالشعر، والنّاقة والفرّس، والغزو، والسبّي، وهم في ذلك سطّروا للتاريخ أبياتا من الشعر تعّدّ في الميزان، ذهبا ً، وحكمة ً ما زالت تصلح لواقع حياتنا كل يوم. 

اما الصراع العقائدي، الذي لم يلق َ اهتماما من بعض المنقبين، والبحاثة،  في التاريخ هو الجانب المتعّلق بالعرب الذين وحدوّا الله، وهم فئة الأحناف، وأهل الكتاب،

اما فئة العرب المشركين ( عبدة الأصنام والأوثان ) لم يقّصر مؤرخو الدين الاسلامي في النيل منهم. 

اما أهل الكتاب، فانهم خارج بحثنا الان، وهم في عداد معتنقي اليهودية، والمسيحية في الفترة التي سبقت الاسلام، وما لا شك فيه، ان هذه الفئة، كان لها شان كبير في الحياة اليومية للعرب، آنذاك. 

في انساكلوبيديا لاروز، عن تطّور الأديان، ونقلا عن فلاسفة الغرب، حيث يقولون ان ظاهرة عبادة  الأوثان كانت أسبق من معتقد التوحيد، وان التوحيد كان تالياً للعقيدة الوثنّية. 

اما عند البحّاثة العرب، فإننا نرى الدكتور شوقي ضيف في كتابه القّيم ( العصر الجاهلي ) انه يجاري الباحثين في الغرب، من ان الوثنّية سبقت معتقد التوحيد وان الكثرة الكاثرة من العرب في الجاهلية، كانت على الوثنية، بحيث آمنت بآلهة متعددة، انبثت في الكواكب، وكانت من مظاهر الطبيعة، ودخلت في اسماء قبائلهم، ممّا يدّل انهم قريبي، من الطوطّمية، وهي كلمة مشتقة من لهجات القبائل الهندية، والإفريقية، وقد غدّت مصطلحاً يراد به اعتقاد جماعة، بوجود صلة لهم، بحيوان او حيوانات، تكون في نظرهم مقدّسة، وبسبب ذلك كان يحرّم عليهم صيدها او ذبحها ....
( راجع انسيكلوبيديا، لاروز وارتباط الطوطم في حياة  قبائل  افريقيا، والهنود الحمر في اميركا، لغاية اليوم.) 

ويضيف الدكتور شوقي ضيف، ان بعض القبائل العربية التفّت حول الطوطّم  تتخذه حاميها والمدافع عنها، مثل الكلب، والثور، والثعلبة، وقد آمنوا بقوى خفيّة كثيرة في بعض النباتات، والجمادات، والطير، والحيوان. 
اما فيما يتعلق بالتوحيد، فان فريق من العلماء والباحثين قالو ان هذه العقيدة، الاله الواحد الأوحد ظهرت عند الساميين قبل ظهور الاسلام ( نفس المرجع انسايكلوبيديا الأديان ... لاروز ) 

والعرب مثل سائر الساميين، كما يوّضح جواد علي المفصّل  في كتابه، تاريخ العرب قبل الاسلام. هم موحَّدون  بطبعهم وان ديانتهم، هي من ديانات التوحيد، 
في سورة الروم، وفي سورة الإنعام، من القرآن الكريم خير شاهد على ذلك ....
فأقم وجهك للدين حنيفا، ( سورة الروم )
أني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا ً.. ( سورة الإنعام )

والمقصود هنا بالدين الحنيف، هو دين ابراهيم، وإسماعيل وهم أجداد العرب القدماء.

في كتابه، بلوغ الإرب في معرفة احوال العرب للألوسي، ان العرب الأوائل، كانت على ملّة ابراهيم، فآمنت  بآله واحد وأقامت  لوجهه الشعائر، ورفعت البيت، وحجّت اليه فكان حرَّمه عظيما ً.

ويضيف الالوسي، بقي العرب على عقيدة التوحيد، الى ان جاء عمرو بن لحّي الخزاعي، الذي شرّع لهم من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وهكذا تشرذّمت العرب، وافترقت في عباداتها، فعبدت طائفة منهم الأصنام، وأخرى الشمس والقمر .... الخ. 

وهكذا تحّول بعض العرب من الحنّفية، اي توحيد الله الى الوثنية، وقد قال ابن الكلبي في كتابه الأصنام، ان جُنوح العرب الى عبادة الأوثان، والأصنام، كان بسبب إلتماس المعاش في مجتمع القحط، والجفاف الصحراوي، ويضيف ابن الكلبي، انه كان لا يظعن من مكه ظاعن، الا إحتمل معه حجراً من حجارة الحرّم تعظيماً للحرّم، فحيث ما حلّو وضعوه، وطافوا به كطوافهم بالكعبة، صبابة ً بها وحباً وهم على إرث ابراهيم، وإسماعيل، فعبدوا الأوثان وصاروا الى ما كانت عليه باقي الامم.

وكما سبق، ان اول عربي نصب الأوثان وعبدها، هو عمرو بن لحي الخزاعي، وتقول القصة كما وردت في كتاب الالوسي، انه لمّا مرض عمرو ٌ هذا، وُصف له 
( حمّة الشام ) وهي عين ماء حارة، فقصدها للاستحمام فبرأ من مرضه، وقد وجد أهل المنطقة، يعبدون الأصنام فقال :
ما هذا ؟
قالوا، نستسقي بها المطّر، ونستّنصر بها على العدو، فسألهم ان يعطوه مثلها، فأعطوه، فقدم بها مكه ونصبها حول الكعبة، ثم قام بتوزيعها على القبائل بحيث شاعت عبادتها بين الناس، وتحوّل منهم عن عبادة رب السماء ( الله )، الى عبادة الأوثان والأصنام.

يصف ابن إسحاق، ان عبادة الأصنام انتشرت بين قبائل العرب، بحيث كانت كل قبيلة تتخذ لنفسها صنماً تعبّده بحيث كان الرجل منهم اذا أراد سفرا ً، تمّسح في الصنّم، وإن عاد، تمسح فيه قبل الدخول الى أهله.

وفي السيرة النبوية لابن كثير، كانت بعض القبائل تتّخذ بيوتاً تعظمّها كتعظيم الكعبة، وأنشأت سدنة ً، وحجّاجا ً وتطوف وتنحّر عندها، وقد خرّب معظم هذه البيوت، خالد ابن الوليد سيف الله المسلول ( يراجع في اسماء تلك البيوت السيرة النبوية، لابن كثير) وأمر الرسول الكريم هدم كل البيوت، وأبقى على الكعبّة رمزاً للوحدانية التي نادّت  بها الرسالة الاسلامية.

يتضح من أعلاه :
ان عقيدة ابراهيم عليه السلام، كانت متميّزة وسائدة في المجتمع العربي قبل الاسلام. ويقال ان ورقة ابن نوفل كان حنفيا ً، ومن ثم تنصّر، واستحكم بهذا الدين، حتى عَلِمَ علماً عظيما، مثله أيضاً قس بن ساعده الأيادي.
المراجع :
 -/ المعارف، لابن قتيبة. 
 -/ جمهرة الأنساب، لابن حزم. 
 -/ السيرة النبوية، لابن كثير.
-/ المسعودي. 
-/ ابو الفرج الأصبهاني. 
-/ إبن منظور. 
-/ الدكتور شوقي ضيف، العصر الجاهلي.
-/ الدكتور جواد علي المفصّل.  
-/ الألوسي، بلوغ الإرب في معرفة احوال العرب. 
-/ إبن الكلبي، كتابه الأصنام. 
-/ ابن أسحق. 
-/ دائرة المعارف الاسلامية. 
-/ معجّم الصحّاح، ومعجّم اللسان.  

أعداد 
فيصل المصري 
اورلاندو فلوريدا
شباط ٢٠١٥.  


الجمعة، 27 فبراير 2015

الصابئة، وأماكن تواجدهم !!

الصابئة،
 عقيدتهم، وأماكن تواجدهم. 


قال شيخ الاسلام، ابن تيمية :

الصابئة نوعان :

صابئة  حُنفاء،
صابئة مُشركون،
الصابئة الحنفاء، هم فئة  وحدّت  الله  قبل  ظهور الاسلام، يراجع  بحثي  بهذا الخصوص ( ايهما اسبق الاحناف ام الوثنيون )

وقد اعتبرهم  ابن تيمية، بمنزلة  من  كان  متّبعا ً لشريعة  التوّراة  والإنجيل، وهؤلاء  حمدهم  الله  تعالى  وأثنى  عليهم.

اما الصابئة  المشركون، فهم  قوم  يعبدون  الملائكة، ويقرأون الزبور،  ويصلّون  ويعبّدون  الروحانيات  العلوية. 

يقول  البعض، ان  كلمة  صابئة، جاءت  من  الآرامية، اي  تعمّد إصطبغ، او غط ّ او  غطس، وهذه  أهم ّ  شعيرة  دينية  لديهم وهو  طقس  التعّميد.

اما  كلمة المندائي ( الصابئي )، وهي  أيضا ً آرامية  بمعنى العلم  والمعرفة، والمندائي  هو  العارف  او  العالم  بوجود  الخالق الأوحد.

إذن  الصابئي، هو  المندائي، هو  من  وحّد  الله.

ان  تاريخ  الصابئة، يلّفه  الغموض  بسبب  إنغلاقهم  الديني والاضطهاد  الذي  تعرضوا  له،  وضياع  الكثير  من  كُتبّهم.

في  كتابه،  الملل  والنحل، للشهرستاني، يذكر  المؤلف  ان الصابئة  يوحّدون  الله، ويؤمنون  بتلّقي  المعرفة  العليا  بواسطة الروحانيات. 

اما  ياقوت  الحمّوي، يقول  عنهم  انهم  ملَّة  يصل  عِمقها الى النبّي  شيت  ابن  آدم. 

ابن  الوردي،  المؤرخ  العربي  الشهير، يُرجع  تاريخ  الصابئة الى  النبّي  شيت، ابن  النبّي  أدم، والنبّي  إدريس ( هرمس).

وقد  أجمع  المؤرخون  العرب  القدماء، ان  كتاب  الصابئة المقدّس  كنزا ربا، الكنز  العظيم،  يقع  في ٦٠٠  صفحة،  يجمع كل  معتقداتهم، وأنهم  كانوا  منتشرين  في  بلاد  الرافدين  قبل المسيحية  بأكثر  من  ٢٠٠٠ سنة. 

الصابئة،  في  القرآن  الكريم :

ورد  ذكر  الصابئة  بصوّر  مستقلة  في  القرآن  الكريم :

سورة  البقرة، الآية  ٦٢ 
سورة  المائدة، الآية  ٦٩
سورة  الحج، الآية  ١٧

وقد  إشتهّر  الصابئة  المندائيون  منذ  القدم،  بعلوم  الطّب والهندسة  والشعر، والأدب، والترجمة، أشهرهم  ابو  إسحاق الصابئي  وزير  الطائع، والمطيع، وثابت  بن  قرّه  وإبراهيم  هلال  الأديب  الذائع  الصيت  الذي  توّلى  ديوان  المظالم، 
 سنة ٩٦٠ م. 

أماكن تواجدهم :

في  العراق ( دجلة والفرات ) وفي  الأهوار،  وشط العرب، وفي ايران  يسكنون  على  ضفاف  نهر  الكارون ... الخ.

إذن، ديانة  الصابئة  او المندائية،  هي  أحد الأديان  الإبراهيمية، وهي  أصل  جميع  الأديان  لانها، وحدّت  الله  وان اتبّاع  هذه  الديانة  يتبّعون  أنبياء  الله،  أدم،  شيت،  إدريس، نوح،  وسام،  ابن  نوح.

وقد  تبين ان  الصابئة ( المندائيون )، تواجدوا  منذ  قرون  قبل الميلاد، وكتابهم  المقدَّس  كنزا  ربا،  مبارك  اسمه  ولديهم مخطوطات  دينية  وطقسية  مكتوبة  باللغة  المندائية  الآرامية وهي،  غنية  بالعمق  اللاهوتي  الديني  والعقائدي،  والروحاني بحيث  انبثّقت  منها  اليهودية،  والمسيحية،  واستلهم  الاسلام  من وحيها. 

انهم  يؤمنون  بوجود  الله،  ويعتقدون  ان  الملائكة  تسكن  في الكواكب،  ولذلك  يُعَظِّمونها، ويقدّسونها. 

والمندّي، هو  معبد  الصابئة  وفيه  كتّبهم  المقّدسة،  ويجري تعميد  رجال  الدين  على  الضفاف  اليمنى،  من الأنهّر الجارية، ضمن  طقوس  مشدّدة.

اما  الصَّلاة ، تُؤدى  ثلاث  مرّات  باليوم  قبيل  الشروق، وعند الزوال، وقبيل  الغروب، باتجاه  القطب  الشمالي، وتُستحَب ْ  ان تكون  جماعة،  في  ايام  الآحاد،  والأعياد  من  دون  سجود. 

يهتم  الصابئي المندائي،  بالطّهارة  وهي  مفروضة  على الجنسين  وينبغي  ان  تكون  في  المياه  الجارية، والتعميد  من ابرز  طقوسهم  حيث  يدخل  الوليد  في  الماء  الجاري  الى ركبتيه،  مع  الاتجاه  الى القطب  الشمالي، وكذلك  عمادة الزواج  في  يوم  الأحد، أما  عمادة  الجماعة  وهي  العيد  الكبير،  عيد  ملك  الأنوار. 

هناك  أيضا ً،  فئة  مهمة  من  الصابئة  كانت  تسكن  في  حرّان،  وقد  انقرضت  وتختلف  معتقداتهم  بعض  الشيئ  عن الصابئة  المندائية  المنتشرة  على  ضفاف  الأنهر  الكبيرة  في جنوب  العراق  وإيران. 

وعُرف  منهم،  ثابت  بن  قرّه، وسنان  بن  ثابت  وإبراهيم  بن سنان  وأبو  الحسن  الحرائي، وقد  عاشوا  ضمن  المجتمع الاسلامي،  في  بغداد  بعد  هجرتهم  من  حرّان  بسبب اضطهاد  الكنيسة  الرومانية  لهم،  منهم  من  برع  في  الترجمة ( ابو إسحاق الصابئي )، صاحب  ديوان  الإنشاء  الذي  كان  له  مكانة  لدى  الخلفاء  العباسيين،  وعلاقة  متينة  مع  الشريف الرضي،  ذي  المكانة  الرفيعة  في  البلاط  العباسي. 

اما  المستشرقة ( دراور ) تعلَّمت   لغتهم،  وسبّرت  غور  كتبهم الدينية،  وقالت  عنهم  انهم  لا  يعبدون  الأجرام  السماوية ولكنهم،  يعتقدون  ان  النجوم  والكواكب  تحتوي  على  مخلوقات حيّة،  تتحّكم  بمصائر  البشر. 

وأضافت،  انهم  موحَّدون  يعبدون  الله  الواحد  الأحد  وان  دينهم  اقدم  الأديان.

إرتبط، الصابئة  او  المندائيون  اسمهم،   بالنبي  ابراهيم  الخليل،  الذي  عاش  في  مدينة  اور  السومرية،  مدينة  الهة القمر  إنانا،  في  منتصف  الألف  الثالث  قبل  الميلاد، وكان ابراهيم،  اول  من  نبذ  الأصنام  ودعا  لرب  واحد  عظيم  القدرة  اطلق  عليه  السومريون  اسم  ( لوكال / ديمير / آن / كي / آ )،  ملك الهة  ما  هو  فوق  وما  هو  تحت ( رب السموات والأرض ). 

آمن  الصابئة  المندائيون،  بتعاليم  ابراهيم  واحتفظوا  بصحفه ومارسوا  طقوس  التعميد  التي  سنّها  لهم  واستمّروا عليها  الى يومنا  هذا.

وقد  هاجر  قسم  منهم  الى  حرّان  مع  النبي  ابراهيم  والقسم الاخر،  بقي  في  العراق.

من  اهم  طقوسهم، الصباغة  بمياه  الرافدين،  واعتبروا  دجلة والفرات  انهارا ً،  مقدّسة  تطهّر  الأرواح  والأجساد  فاصطّبغوا في  مياهها  كي  تنال  نفوسهم  النقاء،  والبهاء  الذي  يغمر عالم  النور، الذي  اليه  يعودون. 

اما  مفهوم  الاغتسال  والصباغة  في  العديد  من  النصوص المسمارية،  هو  دليل  على  تأثر  الأديان  العراقية،  في  زمن الحضارات  الاكدية، والبابلية، والسومرية، والآشورية، بالديانة المندائية، وهذا  دليل  على  ان  الديانة  المندائية ( الصابئة ) أقدم  الأديان  التوحيدية. 

يبدو  واضحا ً، ان التوّحيد،  في  الدين  الصابئي  الحنيف يعني،  ان  الله  مُسّبح  إسمه، محل  العبادة  والطاعة  والولاء  لا شريك  له،  وهو  الذي  يصرف  الأمور كيفما  يشاء.

معظم  الصابئة،  يسكنون  قرب  النهر، والصلاة  عندهم  فرض واجب، كذلك  الصدّقة،  والصوم  له  طقوس  وهي  الامتناع  عن الفواحش  والمحّرمات. 

والكُفر،  عندهم  هو،  عدم  إدّاء  الفروض  الدينية،  والارتدّاد  عن الدين.
 
 يحرّم  عليهم،  الختّان  لانه  لا  يجوز  تغيير  خلقة  الله  سبحانه، والعلة  الشرعية  واضحة  كما  يعتقده  الصابئة  من  ان  الله  الحي  الْقَيُّوم، مسبّح  اسمه  خلق  الانسان  كاملا.

ويؤمنون  بالتوبة، ويعتبرون  الخمّرة  توضِع  شاربها  في  قيود وأقفال  وتثقل  عليه  السلاسل  والاغلال.

احترام  الأب،  وآلام،  والأخوة،  والأخوات،  واجب  والملفت  انه مطلوب  منهم  عدم  الاقتراب  من  الملوك  والسلاطين، ( ولا تثّقوا بهم، وأحبوا  اصحابكم ). 

فضلا  عن  أمور  نهاهم  عنها  الدين  كالسحر،  والكذّب،  والغّش، والدجّل،  والربا.

اما  البكاّرة، فهي  طقس  ديني  مهم،  إذ  تقوم  والدة  الكنزبرا او  زوجته،  بفحص  الفتاة  العذراء  بعد  تعميدها  وقبل  تسليمها لعريسها  بغية  التأكد، من سلامة  بكارتها. 

اما  الزّانية،  فإنها  لا تُقتل  بل  تُهجر، وبإمكانها  ان  تكّفر  عن خطيئتها  بالارتماء،  والانغماس،  بالماء  الجاري. 

ولا  يتّم  الطلاق،  الا  بعد  إنحراف  أخلاقي  خطير، اذ  يتّم  التفريق  عن  طريق  الكنزبرا. 

السنة المندائية،  ٣٦٠  يوماً  في  ١٢  شهراً  وكل  شهر  ٣٠ يوماً. 

ويعتقدون،  بصحة  التقويم  الهجري،  بسبب  اختلاطهم بالمسلمين،  ولان  ظهور  النبي  محمد  صلعم،  كان  مذكوراً  في الكتُّب  المقدَّسة  الموجودة  لديهم.

يعظمّون  يوم  الأحد، كالنصارى،  ويقدّسونه  ولا  يعملون  اي شيئ  على الإطلاق، وغيرها  من  طقوس  بالأعياد  وطريقة اللبس  والألوان .... الخ. 

يؤمنون  بالتناسخ، ويعتقدون  بتطبيقاته  في  بعض  جوانب عقيدتهم. 

وللرجل،  ان  يتزوج  ما  يشاء  من  النساء  على  قدّر  ما  تسمح  به  ظروفه.

بناء عليه،

ان  العرب،  يرجعون  كلمة  الصابئة  الى :

( صبأ )، اي  خرج  من  دين  الضلاّلة،  واتحّد  بدين  الحق،  وقد  أُستعمل  هذا  التعبير  عندما  كان  الناس  يتركون  الديانة الوثنية  اي ( يصبأوون )،  ويدخلون  في  الدين  المندائي  الموحّد لله،  او  الذين  دعوا  بالاحناف. 
 
ومن  الجدير  بالذكر،  ان النبّي  محمد  ( صلعم )،  واتبّاعه  دُعيّوا  بالصبّاة،  ودعاهم  مشركي  مكه  بالصابئة،  وهذا يدّل انه  حتى  قبل  ظهور  الاسلام،  كانت  اللغة  الآرامية  والصابئة والمندائيون،  والاحناف،  متواجدون  في  شبه  الجزيرة  العربية. 

بالوقت  الحاضر، تتواجد  مركز  هذه  الطائفة  في  بغداد،  وفي اغلب  المحافظات  العراقية، وبسبب  الظلم  عليهم  في  السنوات الاخيرة،  اضّطر  الصابئة  المندائيون  الى  الهجرة  لأميركا وكندا، ولديهم  جمعيات  تُعنى  بشؤونهم  ويحاولون  جاهدين المحافظة  على وتراثهم  العريق،  وهويتهم  الأصلية، ويبلغ تعدادهم  حوالي ٧٠٠٠٠  سبعين  الف  نسمه  في  العالم. 

أعداد

فيصل المصري

اورلاندو / فلوريدا

شباط ٢٠١٥ 








 

 

الأربعاء، 25 فبراير 2015

تركيا، أضغاث أحلام لاحياء إمبراطورية بائدة !!

تركيا، 
أَضغاث ُ أَحْلام، 
في إحياء امبراطورية بائدة. 

تحت هذا العنوان، 
توّخيت ان أُعلِّق على الهجوم التركي على سوريا، من أجل نقل رُفّات جَدّ مؤسس الامبراطورية العثمانية، سليمان شاه، من الضريح الكائن، داخل الاراضي السورية.
بادئ ذي بِدء، أرجو من القارئ الكريم إعتبار هذا المقال، حسرة ً، وزفرة ً، عن الحِياض العربية المنتّهكة، وليس دفاعا ً عن اي منظومة سياسية، تتقاتل، وتتصارع، في قلب العروبة النابض.   
وكان رئيس الوزراء التركي قد أعلن، الآتي :
 -/ الهجوم، كان قوامه ٥٧٢ جنديا ً، و ٤٠ دبابة، وعشرات الاليّات المدّرعة، وشاركت في العمّلية طائرات، بدون طيّار، وطائرات استطلاع. 
 -/ التوغّل داخل الاراضي السورية، وصل الى ٣٠ كيلومترا ً.
-/ إستنّدت تركيا في هجومها، الى إتفاقية أُبرمت مع فرنسا، بالعام ١٩٢١، أبقت ْ، بموجبها لتركيا جيبا ً، داخل الاراضي السورية، لا تتعدى مساحته مئات الامتار المربعّة، أُقيم عليه ضريح سليمان شاه ( كانت سوريا تحت الانتداب الفرنسي، عند توقيع هذا الاتفاق )
 
 -/ كان الضريح، يحرسه ثلّة من ٣٨ جنديا ً تركيا ً، وقد أُعيدوا سالمين، بعد هذا الهجوم. 
 -/ قال رئيس الوزراء الترّكي :
         - لم تطلب تركيا، إذنا ً في شنّ الهجوم. 
      - لم تطلب تركيا، مساعدة أحد لتنفيذ هذا الهجوم. 
      - أُبلغت القنصلية السورية في اسطنبول مذكرة دبلوماسية، بإخلاء منطقة الضريح.
ألى هنا إنتهى هذا الخبر، 
أما تعليقي هو الآتي :
 اولا : لو سبق الهجوم التركي على الاراضي السورية، موعد توزيع جوائز الأوسكار في لوس أنجلس، كان انهمار الجوائز، على هذا الهجوم ألمُعَّد على الطريقة الهوليودية، قد استقطب كل الجوائز، وإستحوّذ كل تكريم، وتبجيل. وتشّكرات.  
 -/ كان سينال جائزة الفكر الخيالي  fictional movie
بإعتبار، ان المشاهد، سيُصّدق، ان تركيا توغّلت داخل سوريا، من دون إذن، او مساعدة أحد. 
الأجواء السورية اليوم، وَيَا للأسف، تنعم بشبكة رادارات متطوّرة جدا، من قبل روسيا، واميركا، وإسرائيل، وإنه لضرب من الخيال، والهبل، ان يمر ّ رتل مؤلل، مع هدير، ينحر الليل، وشُهب الطائرات تمخر الجو، دون ان يصحو من سُباته، من يراقب الأجواء. 
والصحيح، ان تركيا لم، ولن، تتجرأ على شّن هذا الهجوم، إلا بموافقة أميركا، وعِلم وخبر لروسيا، وغضّ الطّرْف من اسرائيل، ولا أستبعد ان يُهمس، بأُذن النظام السوري مُسبقا ً.
 -/ كان سينال جائزة تقديرية، لإنه أحيّا طبائع الاستبداد، التى فُطِرَ عليها الحكم العثماني البغيض، والتي ذاق طعمها، وويلاتها الشعب العربي العنيد. 
 -/ كان سينال جائزة تشجيعية، لانه أفسح في المجال لكل من له مقاما ً، او ضريحا ً، فيه رفاة، او بقية من رفاة، 
في بلد غير بلده، أن يشّن هجوما ً تحت راية غيرة الدين، او الذوّد عن حِياض الروح الوطنية.
 -/ كان سينال جائزة لتفوّقه، في الإتقان المسرحي.    

مسرحية، وفيلم هوليودي، وعراضّة.
هذا هو الإنطباع السائد.  

إعداد 
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
شباط ٢٠١٥. 
  
      

الاثنين، 23 فبراير 2015

رسائل أكاديمية الأوسكار !!

رسائل ألاوسكار، 
الموّجهة للعالم  !!

حالفني الحظ ان أُشاهد حفل توزيع جوائز الأوسكار، ليل الأحد ٢٢ شباط ٢٠١٥. 
لن أتكّلم عن الأفلام، ولا عن الممثّلات، ولا عن الممثّلين، او المخرّجين، او مُؤلفي الموسيقى، الذين فازوا بجوائز الأوسكار     
بل، سأتكّلم عن الرسائل التي قام، بتوجيهها هؤلاء الذين  فازوا، بارفع جائزة عالمية، فنية، والذين إعتلّوا أعلى منصّة ، ثقافية في العالم.
لم يعُّد متوقعا ً ان تسمع بحفلة توزيع جوائز الأوسكار، ان يقوم الممثّلين، والممثّلات، والمغّنين، بشكر  اهلهّم، وفريق عملهم، فحسب، بل اصبح، متوقعا ً ان، يُطلق الفائز، او الفائزة، رسائل تجاه مشاكل إنسانية تعاني منها البشرية جمعاء. 
اطلق الفائزون، سهاما، حادّة، وأشاروا دون مواربة، على أمور عالقة، ما زالت تعاني منها البشرية. 
ومن هذه الرسائل : 
 -/ رسالة، التفرّقة العنصرية. 

ان العالم اليوم، يعاني من التفرّقة العنصرية، وهي تشمل الدين، واللون، والعرق، وتطال مسائل الحريات ايضا ً، أهمها حرية التعبير، وإبداء الرأي في الدين، والسياسية، وفي شتّى المواضيع، وغيرها من المسائل التي يُراق على جوانبها الدم.
 -/ رسالة، الهجرة الى الولايات المتحدة. 
كما هو معلوم، ان قوانين الهجرة الى أميركا، خاضعة الى تعديلات بصورة دورّية، والهجّرة من المكسيك هي الكبرى، والخلاف ما بين الحزبين الجمهوري، والديموقراطي على أشُّده، في مسالة تنظيم من، تشمله هذه الإجراءات التي ستصدر لاحقا ً، خاصة ان هناك ملايين المخالفين والمقيمين بصورة غير قانونية، ينتظرون قانون الهجّرة الجديد.
 -/ رسالة، تشديد الأواصر العائلية. 
مما لا شك فيه ان الأواصر العائلية، بدأت تضمحّل وتتضائل، في العالم أجمع، وقد حلّت وسائل التواصل الاجتماعي كالكتابة، والبريد الالكتروني، محّل الاتصال المباشر والمتعارف عليه سابقا ً، وذلك دون ان يكّلف الابن او الابنة، الاتصال بالأهل عبر الهاتف. 
كانت الرسالة واضحة، تكلمّوا مع والدّكم او والدّتكم، ليس عبر الرسائل الخطية، بل مباشرة ً.
 -/ رسالة، المساواة بين الرجل والمرأة، في الرواتب والاجور. 
ما زالت هذه المسألة مستعصية الحّل، حتى في أميركا، هناك تفاوت، ما بين الأجر الذي يتقاضاه الرجل، او الذي تتقاضاه المرأة، وقد كانت الرسالة واضحة جدا ً، باعتبار ان فرض الضرائب، على كليهما على قدم المساواة.
 -/ رسالة، الوفاء. 
كانت المطربة الرائعة لايدي غاغا، مثالا ً يُحتذى لتكريم جولي أندروز بعد ٥٠ سنة على تمثيلها وغنائها فيلم صوت الموسيقى، وقد فاجئت جولي أندروز  الحفل بظهورها، لشكر أكاديمية الأوسكار على تقيّيم الوفاء، وشكرت المطربة العالمية لأيدي غاغا. 
 -/ رسالة، الانتحار، والصفات التي قد نعتبرها شواذا ً.
ان ظاهرة الانتحار تلف حياة الشباب على مستوى العالم، وقد كانت رسالة موجّهة، في ان الانتحار يسبقه يأس واحباط، يؤديان الى ارتكاب هذا الفعل، وهذا ما يجب ننتبه له، ونجنّب، ونساعد من يقع في شِركه. 
يضاف الى ذلك، ان بعض التصّرفات التي يقوم بها شباب اليوم، ونعتبرها نحن شواذا ً، قد تظهر في مستقبل حياتهم ظاهرة نجاح، منقطع النظير.
 -/ رسالة، الهموم الصحّية. 
ان مرض الزهايمر، الذي يعصف في أواخر عمر بعض الأشخاص، يجب ان يرافقه من المحيطين حوله الرعاية والاهتمام، لانه ليس عيبا ً، ويجب ان لا ننسى كيف كانت حياة هذا الانسان، قبل إصابته بهذا المرض، قد يكون طيلة عمره متقلدا ً ارفع المناصب. 
هذا ما لاحظته وانا اشاهد، حفل توزيع جوائز الأوسكار. 
وهذه كانت انطباعاتي. 
أعداد 
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
شباط ٢٠١٥. 








رسائل صحية


الخميس، 19 فبراير 2015

ما تحتاجه الجيوش العربية !!

ما تحتاجه الجيوش العربية، 
الجرّارة، والمدجّجة بالسلاح. 

منذ سنوات، تُطالعك الصحف، وتُبهرك محطّات التلفّزة، عن هذا الجنرال، او ذاك، الذي خاض معركة شرّسة، لدحر المنظّمات الإرهابية التي تسرح، وتمرح، في سوريا، والعراق والسلسلة الشرقية لجبال لبنان، وغيرها من البلاد العربية.
والذي يُحيِّر انه لغاية اليوم، تزداد حِدّة الحرب ضراوة ً، وشراسة ً، وما زال الأمل ضئيلا ً بالقضاء التام، والمبرّم على هذه الجماعات، او المنظّمات، بالرغم من ان معظم الجيوش العربية، التى تُحَارب وتقاتل هذه الظاهرة الخطّرة، هي مُجّهزة عدداً، وعدّة ً، وتملك وسائل قِتَال متطوّرة جدا ً، كالطائرات، والبوارج البحرية، والدبابات، والصواريخ، وغير ذلك من وسائل هجومية، ودفاعية ايضا ً.  
وقد وردت تسّميات عدّة، لهذه الجماعات حسب ما يُصّرح به المسؤولين الرسميين العرب، منها :
-/ عصابات مسّلحة. 
-/ عصابات ارهابيه. 
-/ جماعات تكفيرية. 
 -/ الفلول الإرهابية. 
لم نسمع يوما ً من الاعلام الرسمي ان هذه .... الجماعات، والعصابات، تمتلك طائرات حربية، او بوارج بحرية، او أسطولا ً راسيا ً في اي ميناء. 
ولم نسمع يوما ً، ان الجيوش العربية تحارب جيشا ً، جراراً، او عدوا ً يملك رادارات متطورة. 
 كل ما نسمعه هو عصابات، جماعات، وفلول، وغيره من مصطلحات تبعث على الملل، والسقّم، والقنوط. 
واذا اطَّلَعْت على الإحصاءات العالمية، تُدرك علم اليقين، ان الجيوش العربية، تمتّلك اعظم ترسانة من السلاح العصري، في العالم، وينقُصها فقط وسائل التدمير النووي، اما السلاح الكيمائي، والبيولوجي، تعّج المخازن في هذه الدول بالبراميل المكدّسة. 
إذن، ولماذا التأخير في الحسم، والقضاء على هذه ...... عصابات ....الخ. ما دام السلاح موجود ومُتوّفر بكثرة. 
يدور في الأروقة الدّولية، والمحافل العالمية، همسا ً، ولمزا ً،
ويتسّرب من اللجان، المتخصصة الغربية،  (Task    (force  بعض الدراسات والمعلومات، مفادها ان الجيوش العربية بالوضع الحالي غير قادرة على الحسم، لان ما هو مُسَّرب يصل احيانا ً، الى درجة التجريح في كفاءة القادة والضبّاط ، الذين يخوضون ويخطّطون لمعارك، لا تصل الى مستوى المهنية المطلوبة، بل تُقارب او تُوازي، من يُمارس هواية، بدل ان تكون صنعته، القتال، اي خوض غمار الحروب والوغى. 
وجاء في الدراسات، ان حروبا ً كانت أقسى، وأشد هولا ً من حرب الجماعات الإرهابية، جرى القضاء عليها وإبادتها وإنزال الهزيمة النكراء بها، اما هذه الحرب التي جرّت تسميتها حرب الكرّ، والفرّ، صعُبت على جنرالات العرب، ان يحسموها، وينزعوا، فتيلها، ويُخمِدوا نارها، الذي يُدّمر ويحرق المدن، والقرى، والدساكر، في كل فر ٍّ، او كَر ٍّ،  يحصل.
وتأتيك إجابات المسؤولين والقادة العسكريين، على هذه الدراسات، ان أمر الحسم ينقصه القرار السياسي، وان حربا ً كما تراه هذه اللجان، يستّتبع تدميرا ً شاملا للمدن والقرى. 
وتأتيك الإجابة من  task Force،  على حجة التدمير بالقول، انه هناك مُدن تاريخية جرى مسحها عن خارطة التراث التاريخي، في القتال الناشب، وقد عددّوا كم من وسيط دولي حاول تحييد بعض هذه المدن، من الخراب والدمار، وآخرهم دي ميستورا.   
اما حجة القرار السياسي، كان الرد حاسما ً وسريعا ً، بالتساؤل، اي متى كان العسكر في هذه البلاد يحتاج، الى قرار سياسي في تاريخ حافل بالانقلابات العسكرية.
وخلُصت بعض التقارير الى التصريح دون مواربة، ان الدوّل العربية تجنح دائما ً الى الاستعانة بقوات اجنبية لخوض معارك بدلا ً عنها. 
ولهذا، نرى ان التدخل الأجنبي الشرقي، والغربي في هذه الحرب، ما زال خجولا ً، او من قبيل رفع العتب، ما دام تدفق المال للسلاح، يُنعش ميزانيات الدول المصّدرة. 
اما الحروب التي جرى تعدادها، على سبيل المثال لا الحصر : هي،
-/ القضاء على النازية في الحرب العالمية الثانية. 
 -/ القضاء على التمّرد في الحرب الأهلية الأميركية. 
وقد ذكرت بعض التقارير، ان الجيوش العربية الجرّارة بحاجة الى جنرالين لديهما، عقلية، وخبرة، وعلم، وكفاءة، ومهنية قتالية، في إجتياح برّي شامل يسانده كافة وسائل الهجوم، لإجتثاث هذه الدُّملة من اساسها. 
واذا رجعنا الى سجلات المعاهد العسكرية، التي أفردت تفصيلا ً كيف كانت تمتاز عقلية الجنرال الذي، تجتاح جيوشه ارض العدو، نرى ان الأوامر كانت دحر الحجر، لانه قد يكون العدو مختبئا ً تحتها، او قتل الدواجن والمواشي وحرق المزروعات حتى لا يقتات العدو إن بقي حيّا ً.
وقد اوردت بعض الدراسات، أمثلة عن جنرالين هما :
 -/ الجنرال الأميركي، جورج باطون، الذي ابتدع خطة عسكرية، شجاعة للقضاء على معاقل النازية بالحرب العالمية الثانية. 
 -/ الجنرال الأميركي، شيرمان الذي حظي بموافقة الرئيس ابراهام لنكولن، على خطته في سحق تمرّد ولايات الجنوب بالحرب الأهلية. 
أما انا شخصيا ً، فاني أُضيف الى هذه اللائحة جنرال عربي فذ هو، خالد ابن الوليد.
ولتكملة البحث من كل نواحيه، سأُفرد نبذة عن حياة هؤلاء العُظماء.( وللتوسّع يُراجع بحثي عنهم بالمدونة )   
ويليام شيرمان، أشهر جنرال في التاريخ، قاد اكبر هجوم برّي، وأطول مسيرة عسكرية، في أواخر الحرب الأهلية الأميركية، بالعام ١٨٦٤، بدء ً من ولاية جورجيا بالجنوب وتحديدا ً من العاصمة أتلانتا، الى المحيط الأطلسي، ومن ثم صعوداً الى معقل الانفصاليين، في كارولينا الجنوبية والشمالية. 
لم يسلم من هذا الهجوم البري، الحجر، والبشر، والدواجن، والمواشي، والمزروعات حتى الأواني المنزلية.  
باتون  Patton، باواخر الحرب العالمية الثانية، تحديدا بنهاية العام ١٩٤٤، وبداية ١٩٤٥، كان على راس الجيش الثالث الأميركي، تمّكن هذا القائد، ان يجتاح قلب أوروبا بسرعة فائقة، بدء ً من النورماندي مروراً بمعركة  Bulge وفك الحصار عن Bastogne, وقد اعتبر، هذا الجيش أسرع جيش بالعالم.
لم يسلم من هذا الهجوم البري، ألا من إستسلم. 
اما خالد ابن الوليد، يقول ابن عساكر، والواقدي انه كان يقاتل في العراق، إذ بكتاب يأتيه من الخليفة الراشدي ابي بكر الصديق، يأمره بالشخوص فوراً الى جبهة الشام لنجدة جيوش المسلمين فيها.
يقول الطبري، وابن الأثير، ان خالداً بدأ سيره من الحيرة في آذار ٦٣٤، واتجه غرباً مخترقاً قلب الصحراء الى واحة دومة الجندل، 
وتعّد هذه المسيرة العسكرية من أطول ما سجّله التاريخ القديم، في أقلّ وقت، وفي قساوتها لانها كانت في قلب الصحراء القاحلة.  
هذه المسيرات، العسكرية غيّرت مجرى التاريخ، وأسدلت الى الأبد مقولة ان الحروب والفتن الأهلية تبقى طويلا ً.
كذلك تٌظهر هذه المسيرات ان الاجتياح البري هو الحل الأمثل، والأنجع، بدلا من حروب الكرّ، والفرّ التي تطول وتطول الى ما لا نهاية. 

إعداد
فيصل المصري 
اورلاندو / فلوريدا
شباط ٢٠١٥






الأربعاء، 18 فبراير 2015

محنة الدين الاسلامي عبر التاريخ !!

محنة الدين الاسلامي. 
عبر التاريخ.  

ما يلفت النظر انه، إذا أردت ان تُغامر وتكتب عن محنّة الدين الاسلامي، عبر العصور تعتريك الدهشة، لأنك لا تعرف اذا كانت المِحنة بدأت منذ مقتل الخليفة عثمان ابن عفّان، او الخلاف المدّوي، والدموي بعد التحكيم، ما بين الخليفة علي ابن ابي طالب، ومعاوية ابن ابي سفيان، الخليفة الأموي الاول. 
وإن شئت التذكير، بسقوط بغداد على يد المغّول، حيث أُسدلت الستارة على الخلافة العباسية الاسلامية، الى الأبد. 
والذي يُلفتك ايضا ً، إنه ما ان تنتهي مِحنة، حتى تظهر مِحنة جديدة، وكأنه لِزاما ً عليك إستدراك التكّملة، او الإضافة، لنقص ٍ، لان مسلسل المحَّن، وكأنه لم، ولن ينتهي. 
والذي يجعلك تقف مشدودا ً، وخائفا ً، ومُحتارا ً، ومدهوشا ً، انه، على إثر كل مِحنة، يأتيك سيل من وجهات النظر، وفيض ٌ من الفتاوى الشرعية، وغيض ٌ من آراء الفقهاء، بان هذا الحديث غير صحيح، او غير مستند الى أساس ديني، وهذا ما نسمعه، ونقرأه اليوم، عن الإسنادات الشرعية للدواعش، في الأفعال التي يقترفونها. 
ولا ننسى ان هذا النمَّط، من التداخل، والتنافر الفقهي، والشرعي، جرى تطبيقه على ابن تيمّية، الفقيه المشهور، الذي كتب التاريخ عنه، كيف عاش، وأين درس، واين درَّس، وأين كان مقامه باخر المطاف، في السجن. 
لن أتطرّق الى المحّن الاسلامية السابقة، والتي عدّدتها أعلاه، لان المدّونات، وكتب التاريخ، حافلة بالتنظير والتمحيص. 
ولاني، في أبحاثي التاريخية وخاصة العربية، لا أسبر غور الأحداث لانها مُضنية، ولا أغُوص غِمار الجدّل البيزنطي العقيم، لان لي رؤيا مختلفة لا يستسيغها، من يمسك في الرِّقَاب او العِباد، بل أُوُثر السباحة في بحر خال ٍ من أسماك القرش، او الحيتان. 
ولأنه، أجمع العرب ان سقوط الأندلس، هو محنة إسلامية عربية بإمتياز، فاني سأُدلي بدلوي، وحسبي لا أتلّمس طعنة ً من هنا، او قنصا ً من هناك. 
هذا البحث، لا يتناول المآثر الفكرية للعرب في الأندلس، ولا يطال الأدب، والشعر، بأقسامه  كالموشحات، ولا العلوم الفلكية، والجغرافية، والرياضيات.  
ولن أُشير، الى أثر الحضارة العربية على الغرب، حيث كانت أوروبا تعيش في  عهد الظلمات، العلمية، والفكرية والدينية، وكان البلاط الملكي الإنكليزي،  يُرسل أَميراته الى الأندلس ليتلّقيّن أصول الأرستقراطية، من الأميرات العربيات وكانت باريس، في ليلة ممطرة،  يعجز السكان من السير بسبب الوحول، بينما غرناطة، وطليطّلة، وغير مدينة أندلسية، مرصوفة طرقاتها، ومضاءة  شوارعها.  
أود أن أشير، الى اني أخذت معظم المعلومات لهذا البحث من ابن خلدون ( ١٣٣٢ - ١٤٠٦ ) الذي دخل وسكن غرناطة، وغيره من المؤرخين، الذين استفاضوا بالكتابة عن الأندلس وأخبار ملوكها، أخصّ بالذكر :
( الإدريسي، ابن عذارى، المقّري، ابن خلكان، وغيرهم  )

كان للعرب، مآثر جمّة وعظيمة في الأندلس، ولهذا السبب كان ضياعها، حدثٌ  تاريخي لا يُصَّدق،  إذ قال أحد المؤرخين  ومنهم :

Lane - Poole , Moors in Spain
إن سقوط الأندلس،  هو شذوذ عن القاعدة  التي تذهب الى ان المدّنية العربية  ترسخ، وتعمّر  حينما تحَّل أقدام العرب، ما عدا اسبانيا.

وشذودا عن القاعدة،  سأبدأ بحثي عن هذه المِحنة، من أخر يوم، كان به العرب المسلمون، في غرناطة. 
كان، ذلك اليوم، في كانون الاول من العام ١٤٩١،  عندما إشتّد الحصار عليها،  حيث سقطت في ٢ كانون الثاني من العام ١٤٩٢.

وقد ذكر هذا اليوم بالتفصيل، المؤرخ ألمقَّري إذ قال :
 وبينما السلطان محمد الحادي عشر ابو عبدالله، مُنصرف ٌ عن عاصمته غرنّاطة، حانت منه إلتفاتة أخيرة الى عاصمة ملكه،  فتأوه  وجرت عبراته،  ودمُعت عيناه،  فنهرته أمه التي كانت مستشارته وقالت :

( يحق لك ان تبكي كالنساء ملكا ً لم تستطع ان تدافع عنه كالرجال ... )
ولا يزال الصخر الشاهق الذي أطلّ عليه السلطان من قمته للمرة الاخيرة يسمى :
( التموسسبرو دل مورو .. ) اي زفرة العربي الاخيرة. 
إستوطن هذا السلطان  بعد رحيله عن الأندلس، كما قال ( المقرّي ) فاس، وفيها توفي  سنة ١٥٣٣ مخلفاً  أولاداً، كانوا  عرضة  للعوز، والفقر، ويعدّون من  جملة الشحاذين. 
يراجع  في ذلك كتاب النفح للمقّري  جزء ٢ ص ٨١٤ و ٨١٥
اذكر ذلك  لان نهاية هذا السلطان، مُحزنة، وبذات الوقت عِبرة  لمن يعتبر ...... 

فقرة استطرادية :

هناك  قصة عن  والدة  السلطان  محمد الحادي عشر ابو عبدالله، وكان  اسمها  فاطمة  حيث  كانت  معه وترافقه كالظل،  لان  والده  اي  زوجها  السلطان  الابُّ أبي الحسن  آثر جارية   نصرانية  عليها ( يقول المقري ان اسمها رومَّية )  فحرّضت ابنها على زوجها ، لان خلاقين الحسد ومراجل الغيرة  بدأت  تغلي  في قلب فاطمة،  وقد استطاع  الابن ان  يخلع  أباه واصبح سيداً  لغرناطة. 
بعد سقوط الخلافة الأموية المدّوي في الأندلس ، نشأ على أنقاضها  دول، ودويلات  كان الهّم اليومي لهذه الدويلات  التنازع  والتخاصم  فيما بينها، وقد شهد النصف الاول من القرن الحادي عشر اكثر من ٢٠ دوّيلة او مدينة او مقاطعة،  تزّعمها أمراء وسادة عرفوا في التاريخ عند العرب
ب ملوك الطوائف
ومنهم :
بنو جهور ....... في قرطبة
بنو عباد ........في إشبيلية
ابن زيري ..... في غرناطة
بني حمود ....في مالاقه
بني ذي النون ..... في طليطله
بني هود .. المنذرية في سرقسطة
بني صمادح ...في المرية
بنو الافطس ... في بطليوس
بنو برزال ..... في فرمونه
سأتناول بعض قصص، وأخبار هؤلاء الملوك ، وكيف كانوا يديرون ممالكهم :
بنو عباد :
يرجع نسَّبهم الى ملوك الحيرة اللخّميين، وبرزّت هذه الدوّيلة  بمساع ٍ من احد أفرادها وكان  قاضيا في إشبيلية،  وقد إستعان  برجل ٍ،  يشبه الخليفة الأموي المخلوع،  هشام الثاني،  ويقول  ابن خلدون ان  هذا الخليفة قد إختفى،  وقد أكد ابن الأثير، وابن الخطيب هذه المعلومة التاريخية، ولكن  هذا القاضي، أبقى هذا الخليفة المزعوم واستّمر بالحكم  الى ان مات القاضي، وخلفه  ابنه  بوظيفة حاجب للخليفة المزعوم، ثم  ما لبث  ان أعلن نفسه الحاكم المطلق، وسمَّى نفسه المعتّضد،  وقد قال  المؤرخون الذين ذكرتهم ( ان هذه الدويلة مهزّلة المهازل )

إليكم قصة ثانية، عن هذا ( المعتّضد )
كان شاعراً، وكان  يطلب من  الشعراء ان يأتوه ليبارزهم في الشعر ، وكان كريما ً وله شعر فيه من الرقة والجمال،  وفوق ذلك كان يحب النساء كثيراً، وقد توسّع في حريمه    اذ كان له ٨٠٠، امرأة  فارهة  الجمال. 

إليكم قصة اخرى،  
للمعتّضد، ابنا ً خلّف  أباه بالحكم، وكان اسمه  المعتّمد، قال عنه  ابن خلكان،  انه كان اكرم ملوك الطوائف ، وارحبهم ساحة، وقد  بز َّ، أباه  في  مضمار الأدب والشعر،  بحيث  لم يجتمع  بباب احد الملوك، أعيان وجمهّرة من الشعراء مثل ما كان يجتمع ببابه، وقيل انه أندَّى، وأكرم، الملوك قاطبة،  وأديبا ً من الطراز الرفيع ، وسريع الخاطر، وقوي  البديهة،  وكان لا يستوّزر  وزيراً  إلّا، اذا كان أديبا ً، او شاعرا ً، وكان مهووسا ً بحفلات الإنس  يحضرها  وهو متنّنكر ٌ،  وقال عنه ( المقري ) ان احّب زوجاته اليه جارية فاتنة الجمال اسمها إعتماد، 
واشتهرت باسم إعتماد الرميكية، وأصبحت ملكة، وولدت له أمراء أذكياء، وكانت  رغباتها  تطاع،  وأهوائها تكلف الخزينة مالا وفيرا ً، مثلا :
  قالت لزوجها، له  بعد تساقط الثلج على قرطبه،  انها تحّب  هذا المنظر  على مدار السنه، او أقلّه،  فأمر المعتّمد ان تُزرع أشجار اللوز على هضاب قرطبة،  لانها  تُزهر  في اخر الشتاء،  فتظهر بيضاء كالثلج. 
وهناك قصة اخرى عن الملكة إعتماد،  وزوجها الملك المعتمد.  

رأت ذات يوم ٍ بعض النسوة يمشينّ ، في الطين ( الوحل ) فإشتهت ان تمشي مثلهن،  فأمر المعتّمد ان تُسحق الطيوب،  وتذَّر  في باحة القصر،  ونُصبت الغرابيل ( جمع غربال ) وصبّوا ماء الورد على الطيوب ، وعُجنت بالأيدي،  وأصبحت  كالطين  وسارت الملكة، مع جواريها عليه. 

وهناك قصص اخرى .. تُظهر سطوة النسّوة، ومكائد الوزراء، وضعف الأمراء، وشراء المناصب، والرشوة، وغير ذلك من فساد الادارة،  حتى أينّعت هذه الدويلات وحان قِطافها  بعد ان توّحد الأمراء المسيحيون، وقضّوا على  هذه الدويلات، الواحدة تلو الاخرى. 
ولي عودة، على بدء، 
بعد محنة الأندلس، تعدّدت المحّن. 
وأخرها، ما يدور في سهول العراق، وهضاب سوريا، وجبال اليمن، وصحراء ليبيا، وسلسلة جبال لبنان الشرقية. 

إعداد
فيصل  المصري
اورلاندوا - فلوريدا
شباط ٢٠١٥
Faissal.masri@hotmail.com 

 




 

 

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

محنة الدين المسيحي عبر التاريخ !!

محنة الأديان السماوية 
عبر التاريخ. 
الدين المسيحي. 


مدار بحثي سيكون عن المحّنة، التي هزّت كيان الدين السمّاوي المسيحي بالقرون الوسطي في، أوروبا، وانكلترا. 
 وسأُلقي ضوء ً خافتا ً على الهجّرة التي سلكها، واعتمدها المسيحيون المؤمنون المضطّهدون، نحو القارة الجديدة، أميركا  هربا ً من الملاحقات القضائية الكهنوتية ضدّهم. 
أما المحّنة التي تلاحق الدين الاسلامي السمّاوي اليوم، فاني لن ابحث فيها، او استفيض في شرحها، لأن تاريخ المحّن في  الدينين السماويين اليهودي، والمسيحي استنفذ قرونا ً من التقاتل والتذابح، وما يجري في البلاد العربية الاسلامية من حروب مدّمرة، لم ولن، تنتهي فصولها  بعد، لانها ما زالت، على بداياتها.  

اولا ً : أوروبا وانكلترا في القرون الوسطى. 

في شهر أيلول، من العام ١٦٠٧م.  أرسّت ثلاثة بواخر، أهمها  الباخرة  May Flower  في   Chesapeake Bay وعلى متنها المهاجرون الإنكليز وقد حلّوا في  James Town  في الساحل الشرقي من القارة الأميركية الجديدة. 
ومن بعد ذلك، توالت موّجات المهاجرين الى أميركا. 

قبل التاريخ أعلاه، كانت أوروبا، مسرحا ً للاضطّهاد الديني المسيحي بعضه في بعض، وكانت الكنيسة في روما، توازيها حدة ً، الكنيسة الانكليزية، تعّملان على وضع ضوابط على رعاياهما، وتفرضان قيودا ً على الشعائر الدينية،  وتقومان، بالملاحقات القانونية امام المحاكم، من اجل قمع الحريات الدينية. 

وقد أفرد الكتّاب، ورجال الكنيسة، المدّونات الطويلة في شرح المجتمع المسيحي، وكيف كانت المذابح والمشانق وشتّى انواع، وأشكال، التعذيب، والهوان، تطال المسيحي المؤمن وفق ما يدركه من الرجاء المطلوب للحياة. 

أعتّبر رجال الدين المسيحي، والمؤرخون على حدٍ سواء، ان تلك الفترة هي محّنة الدين المسيحي، التي طال لهيبها المسيحي المؤمن، ونخرت في عذاباتها صلب العقيدة. 

أمثلة عن المحّن التي طالت الدين المسيحي :

 -/ في إنكلترا اضطهد البروتستانت الكاثوليك. 
 -/ في فرنسا وقعت مذبحة البروتستانت الشهيرة، ما بين  ١٥٦٢ / ١٥٧٢ م. 
 -/ حرب الثلاثين عاما في أوروبا بالعام  ١٦١٨م.   وانتقلت من بلد الى اخر. 
 -/ في ألمانيا تحارب الكالفينيون، واللوثريون، وكلاهما من البروتستانت. 
 -/ بالعام  ١٦٨٣م.  دب َّ الهلع والخوف في أوروبا لما وصل سليمان القانوني ( الامبراطورية العثمانية ) الى أبواب فينا، وبدأت أوروبا الشرقية تتساقط، وكان لا بد لأوروبا المسيحية، إزاء الخطر العثماني، الاسلامي،  الذي يُحدّق  ويترّبص على الأبواب، ان تفيق بعد سُبات عميق. 
وكان ذلك من خلال :
 -/ ظهور حركة المفكّرين الملحدين في إنكلترا. 
-/ هولندا  تبّنت الكالفانية، مذهبا ً رسميا ً للدولة، وبدّت وكأنها موئلا للأقليّات. 

كان اليأس المسيحي، في ذروته في أوروبا وانكلترا، الامر الذي أدى الى توالي الهجّرات الى القارة الأميركية، كان يحّدُوهم الأمل، والرجاء، في ان  يمارسوا طقوسهم في العالم الجديد في حرية تامة، لان القلوب  كانت عامرة بالمحبة، والعقول كانت مشحونة بالإيمان، ولا ينقصهم الا أرضا ً يمارسون عليها شعائرهم. 
ولهذا بدأت تظهر في أفئدة المؤمنين عبارة.  God bless America  لان أميركا، أمنّت الرجاء المسيحي المطلوب في الممارسة الدينية التي يحلمون ويعتقدون بها. 

ثانيا : الارض الموعودة، العالم الجديد... أميركا !!
   كان يأمل المهاجر الى القارة الجديدة، ان يجد أرضا ً تكون بالنسبة له،   Safe haven ، تحميه، وتبعده  من الاضطهاد،  الذي عاناه في وطنه الام، وقد وجد ضالته، في الارض الموعودة.  

كان الهّم لهذا المهاجر المسيحي، ان يُقيم شعائره الدينية بحرية تامة، لا عوائق، او زواجر، او عقوبات، او ملاحقات، لانه عانى الكثير، وبقي صابرا ً، مؤمنا ً، ومثابرا ً على عبادة الله وفق الإيمان الذي ورثه من الآباء والأجداد. 

عند اندلاع الثورة الأميركية المجيدة، وتحديدا ً ٤ تموز ١٧٧٦ وأعلان الشعب الأميركي استقلاله من بريطانيا العظمى، كان الدين المسيحي بطوائفه البروتستانتية الإنجيلية،  والكاثوليكية، يشكل الأغلبية العظمى، وكانت المذاهب البروتستانتينية، لها كنائس منفصلة، كالمعمدانبة والخمسينية،  واللوثرية، والمشيخية،  والميثودية، والانجليكانية ( الإنجيليين ).  

اما الكنيسة الكاثوليكية، هي ثاني اكبر الطوائف في أميركا، تليها الكنيسة الارثوذكسية. 

إزاء هذا التعدّد، في المعتقدات الإيمانية للدين المسيحي الواحد. 
وتجنبا ً للفتن، والخلافات ما بين المذاهب للدين الواحد. 
كان لا بد من إيجاد حلول، لدرء الأهوال التي عانت منها أوروبا، وهذه الحلول، والوسائل، يجب ان تكون كفيلة لتجنب الحروب المذهبية. 
ان الحلول،  لا تأتي من عقلية متحجّرة، راسخة من مبدأ أنا او لا أحد، التي كان معمولا ً بها في أوروبا، وبريطانيا العظمى. 
لا بد، إذن من عقول نيّرة، تؤمن بالرأي الاخر، والعقيدة الدينية الاخرى. 

في خضّم هذا المخّاض العسير، حبّا الله أميركا، رجالات عِظام أمثال، توماس جفرسون، وبنجامين فرانكلين، وجورج واشنطن، وصحافة شريفة متمثلة في
 The Federalist papers ، حيث كتب كل من جايمس ماديسون، واليكسندر هاميلتون، وجون جاي، وبابليس، حوالي ٨٥ مقالة لمؤازرة إصدار دستور جديد، يكفل ويضمن الحريات الدينية على أنواعها. 
 صدر هذا الدستور بالعام ١٧٨٧ م. 

يهمني من الدستور الأميركي، إبراز المواد الدستورية التي تُظهر  كيف جرى  حلّ العقدة المستعصية، وهي التناحر الديني والتقاتل المذهبي، والوسائل  التي تكفل حماية المؤمنين في ممارسة معتقداتهم. 

المادة الاولى : Freedom   Of. religion 
المادة الثانية : Rule. Of. Law 

حرية المعتقد في أميركا، تعني ان تمارس شعائر دينك، او لا تمارس اي شعائر دينية  ( You can practice any religion, or not practice a religion
وحتى تحفظ  الدولة  الحرية الكاملة لرعاياها  في ممارسة الطقوس الدينية، او الحق  في عدم ممارسة اي شعائر  دينية، برزت،  Supreme Court ( المحكمة العليا ) في واشنطن، والتي توازي بعنفوانها وجبروتها، تمثال الحرية في نيويورك. 
هذه المحكمة، تعني هيبة الدولة. 

هيبة الدولة في أميركا، تعني ان القانون يعلو ولا يعلى عليه. 
ويكفي هذا التوضيح لانه من قبيل،  ما قلّ ودل ّ.
أمّا المساس بالكبائر في أميركا،  يؤدي الى فتح أبواب جهنم على من تخوّله نفسه العبّث في هكذا أفعال جرمية.  
من الكبائر :
 -/ الخيانة العظمى.  
 -/ العبث بمعتقدات الأديان، والمذاهب، لمواطن او مقيم،  في طول وعرض البلاد. 
 -/ العنصرية. 
 -/ والضريبة. 
لجهنم أبواب أربعة في أميركا، لان المواطن الأميركي والمقيم، إن خوّلته نفسه العبث في معتقد غيره، او حاول ان يجبّره  على ترك معتقده، او طلب اليه عنوة ً الانضمام الى معتقده، فُتحت هذه الأبواب الأربعة على مصراعيها، فلا أُماً يجدْ حتى ترحمه، ولا نافذا ً يتوسط له، لان المساس بالدين هو من الكبائر. 

واذا نظرت الى فسيفساء الأديان والمعتقدات في أميركا. 
وإذا حاولت ان تحصي القوميات، والاثنيات، المنتشرة في هذه البلاد الكبيرة. 
لا تصل الى إحصاء  او نتيجة واحدة.  
ولكنك، تدرك حقيقة واحدة ساطعة امام نظرك، وهي ان الجميع سواسية امام القانون، لا يفرّقك دينك عن دين غيرك، في شيئ، ولا يعطي دينك عن دين غيرك اي امتياز، لان محنة الأديان ولّت في أميركا. 

أعداد
 فيصل المصري 
اورلاندو / فلوريدا  
شباط ٢٠١٥

الاثنين، 9 فبراير 2015

سِر ْ العلاقة بين الامبراطورية العثمانية، واليهود !!

سر العلاقة ما بين الامبراطورية العثمانية، واليهود.  

بعد ان نشُط َ التحّرك  الدبلوماسي التركي خلال هذا العقد تجاه الدول العربية خاصة، سوريا، ولبنان، وفلسطين، ظاهره  الوّد، والمحبة، والتقارب، يقابله تحّرك دبلوماسي، غلافه  عداء سافر، تجاه اسرائيل، وباطنه غير ذلك. 
وكعادتي،  التي لم، ولّن أغيّرها، ما زالت نظرتي الى بعض المؤرخين العرب هي هي، لأني  ما زلت اعتقد أنهم  برعوا، في التحّريف، واستباحوا الكذب، وشرّعوا، الأباطيل. وقد اطلّعت  على ما دوّنوه عن فترة الحكم العثماني الذي دام لقرون أربعة، على البلاد العربية، ان الخير الوفير والرغد،  في العيش، كان من ممّيزات هذا الحكم، كذلك خيّم على هذه البلاد ظلال وافرة، من العدل والتسامح، وقد أبحرت الحرية وسط الشعوب العربية دون عواصف وأعاصير ورفّرفت أعلام  العزة، والكرامة، في طول البلاد العربية وعرضها. 
مما لا شك فيه، ان هذا الكلام مليئ بالارهاصات، والتلفيق الممنّهج، لان تأريخ الحقبة العثمانية، قام به كتّبة مأجورين أطلقت عليهم، فيما مضى مسمّى، مؤرخو المصاطب. 

  
حتى أكون منصفا ً، وصادقا ً، وعادلا ً، ان المؤرخين  العرب في ناحية واحدة فقط  صدقوا، وهي ان الامبراطورية العثمانية استعادت أمجاد المسلمين العرب،  بعد ان طحنتهم الخلافات العربية منذ سقوط الخلافة العباسية المدّوي وما بعدها،
إن قبائل  الشعب التركي الذين أخذوا من الاسلام دينا ً قدموا،  من اسيا الوسطى واحتّلوا القسطنطينية، وهزمّوا  الامبراطورية البيزنطية، بخلاف أقرانهم العرب المسلمين الذين لم يحافظوا على الأندلس. 
  يراجع، في ذلك مدونتي عن ملوك وأمراء الطوائف في الأندلس، ما قاله المؤرخ المقرّي عن السلطان محمد الحادي عشر ابو عبدالله، عندما انصرف عن عاصمته غرناطّة، حيث تأوه ودمعت عيناه، فنهرّته أمه وقالت له :
يحق لك ان تبكي كالنساء ملكا ً، لم تستطع ان تدافع عنه كالرجال .... 

كذلك حتى أعطي الخلافة العثمانية حقها،  قبل الدخول في بحثي عن كيفية تعاملهم مع العرب المسلمين، والمسيحيين، واليهود، على حد سواء، ان احد المؤرخين في الغرب قال، ان هزيمة المسلمين العرب في الأندلس، هي  شذوذ عن القاعدة التي تذهب الى ان المدنيّة العربية الاسلامية، ترسخ وتعمّر حيثما تحّل أقدام العرب ما عدا اسبانيا. وهذا في حد ذاته تبجيل وتكريم للمسلمين الأتراك خلاف أقرانهم المسلمين العرب، لأنهم حافظوا على القسطنطينية الى الأبد. 


في العلاقة ما بين العرب والإمبراطورية العثمانية :

كانت سِمة وسياسة الأتراك في حكمهم للعرب، هي الاحتقار والإهانة، وما زالت لغاية تاريخه وصمات العار تتدّلى من عبارات ومفردات عانى منها الأجداد، كالسخرة والانكشارية والسفربرلك ... والملاحظ ان المعاناة دامت لقرون أربعة وانتهت يوم ٣٠ أيلول ١٩١٨ عندما احتّل  سلطان باشا الاطرش دمشق، ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة وهزم الجيش التركي الذي كان يعاني سكرات الموت، بعد ان دبّ المرض في جسم السلطنة العثمانية المتهالكة خلال الحرب العالمية الاولى. 

والمستهّجن والملفت للنظر، ان المؤرخ العربي لم يدوّن هذا الحدث التاريخي برفع العلم العربي وإنزال العلم التركي لان، النفاق، والدجل، والتدليس، التاريخي المدسوس يحول دون ذلك. 
 وبالرغم من وفرة الأعياد عند العرب، الرسمية والدينية منها،  لم  يحدّدوا يوما ً للاحتفال برفع العلم العربي، الذي قضى في رمزيته، على الحكم العثماني البغيض، أسوة بالبلاد التي تحترم علمها. 
- يراجع مدوٌنتي، عن سلطان باشا الاطرش رافع العلم العربي الاول -

وإذا ألقينا نظرة على الحكّام، والمتصرفين، الذين عينّهم الباب العالي لفرض سيطرتهم على البلاد العربية، نرى بعضهم أتراك، والبعض الاخر من البلاد التي احتّلوها في أوروبا، مثل ألبانيا، وأحيانا ً من أرمينيا، ولم تدفعهم شهامتهم، ان يقوموا بتعيين متصرف او حاكم عربي، مسلم على اي بلد أوروبي، احتّله الأتراك، وذلك لترسيخ سياستهم في تهميش، وإحتقار المسلم العربي. 
كانت لديهم سياسة، ضرب زعماء العشائر العربية، بعضهم ببعض، وقد ابتدّعوا طرقا ً، في لبنان، وسورية، قي تقوية شيخ، او أمير، على اخر، فدّب الهِزال والهوان، في البنيتين اللبنانية، والسورية، من اجل ان يسود الظلم العثماني لفترات أطول. 

اما في علاقاتهم مع المسيحيين، العرب، لم يأت ِ التاريخ على ذكر أمور مُستهجنة في حقهّم ، وقد ذُكِر ان المسيحيين العرب، لاقوا العذاب، والاستبداد من ابراهيم باشا المصري، الذي تعود أصوله وجذوره الى، العرق التركي، وقد يكونوا بذلك تبادلوا، وتقاسموا  الأدوار في فرض سيطرتهم المبنية على إذلال العرب. 

اما اليهود العرب، لم يقع نظري على مستند، يُبرز او يفيد ان عملاء، وحكّام الامبراطورية العثمانية، المنتشرين في أصقاع البلاد العربية،  قد استعمّلوا  أساليبا ً تحقيرية تجاه اليهود،  كتلك المستعملة تجاه العرب المسلمين والمسيحيين، ومَرّد ذلك سيأتي بحثه لاحقا ً.

وقد ذكر المؤرخ العربي المنافق، ان الإمبرطورية العثمانية شقّت الطرق، ومدّت سكك الحديد، وضربت العملة، وقونّنت الأحكام، واشادت دورا ً للحكم ( سرايا ) وغير ذلك من تفخيم في غير محله. 
كانت  نية الامبراطورية، في وضع هذه الأمور لا تصب في خانة العرب، لان قوانين الأحوال الشخصية كانت معروفة ومطبقة وفقا ً للشريعتين الاسلامية والمسيحية، قبل الحكم العثماني بقرون عديدة، والقونّنة كان هدفها فرض مذهب واحد بالنسبة للمسلمين، نظرا ً لتعدّد المذاهب.

 وساتطّرق الى  مسالة  واحدة وهي،  مدّ سكة الحديد المعروفة، بسكة حديد الحجاز والتي كان لها مقر في ساحة البرج ( بيروت ) وفي دمشق، والتي عاثى المؤرخ العربي الخفيف في تعظيم شأنها والإعلاء من قدرها،  والمعروف ان عبقرية سوليدير، وهي شركة قامت بالتنظيم المُدني لبيروت بعد الحرب الأهلية، أبقت على مبنى واحد وكان فيه سينما أوبرا،  وهدّمت أبنية ملاصقة، مهّمة للتراث العثماني في فن البناء، وقام رئيس الوزراء الأسبق المرحوم رفيق الحريري، بإعادة ترميم السراي العثمانية في بيروت وجعلها مقرا ً لرئاسة الحكومة. 

بالنسبة لمد سكة حديد الحجاز، تبيّن  من الأوراق السرية والوثائق المعتمدة، ان الباب العالي في بداية  القرن الثامن عشر، لاحظ تنامي نشاط  الحركات التحرّرية في البلاد العربية، بعد ان تأثر الجو العربي المقاوم، والثائر، بأفكار الثورّة الفرنسية، وبمعتقدات الثورّة الأميركية، وقد لاحظنا ان بعض المفكرّين العرب المسلمين، وخاصة وبصورة أقوى  المسيحيين، استلهموا هذه المبادئ وجاهروا بها إبان البطش العثماني. وحتى يفّوتوا الفرص التحررّية وامتدادها، أشار المهندسون الأتراك على الباب العالي،  وهم من عليّة القوم بالعلم، والإدراك، والمعرفة ان يستعمل ذات الأسلوب الذي اعتمده الرئيس الأميركي آبراهام لينكولن، في القضاء على تمرّد الولايات الجنوبية، بأن ينشر سكك الحديد في طول الولايات الشمالية وعرضها. 
وقد برهنت هذه الاستراتيجية في المواصلات، تأثيرها في الحرب الأهلية وساعدت الحكومة الفدرالية بالقضاء على التمّرد لتوفر عاملي،  السرعة في التموين ونقل الجنود. 
وقد أخذ الباب العالي بهذه النصيحة، وباتّت سكة حديد الحجاز، في اول عهدها بتصرف الجيش العثماني لنقل الجند والعتاد لقمع التمرد والحركات. 

في العلاقة بين الامبراطورية العثمانية واليهود. 

تعود هذه العلاقة الى يوم سقوط الأندلس، على يد أمراء ورجال الكنيسة الإسبان، حيث استقبلت الامبراطورية العثمانية اليهود الذي جرى تهجيرهم من الأندلس، وكان في جعبتهم  أفكار وفلسفات العرب المسلمين الذين رافقوهم في رحاب العلم الواسع الغني، ومن سخريات او حظوظ القدّر ان بعض الكتب الفلسفية التي ألفّها  المسلمون العرب، بقيت في حوزة اليهود، والباقي تّم حرقه او أتلافه كما يذكر التاريخ، محنة التكفير التي اجتاحت الأندلس في يوم مظلم من ليالي التاريخ المضيئ.  
وقد ذكر التاريخ، بالتفصيل الدقيق هذه الهجرات اليهودية الى رحاب الامبراطورية العثمانية. 
-/ من اسبانيا.  بالعام ١٤٩٢ 
-/ من البرتغال.  بالعام ١٤٩٧ 
-/ من سيسيليا.     بالعام ١٤٩٨ 

وقد أوصى السلطان بايزيد الثاني، موظفيه وحكّامه بتسهيل واستقبال اليهود، ومساعدتهم بشكل جيد، وبهذه الطريقة وجد اليهود الاستقرار، والأمان في ظل الامبراطورية العثمانية بعيدا ً عن الملاحقات الدينية. 
وفي شهر شباط من العام ١٥٥٦م، وبعد ان أحرق بابا روما بولس الرابع، ٢٥ يهوديا ً مُعمّدين  قسرا ً، وجّه السلطان، رسالة الى البابا طلب منه تحرير المساجين اليهود بشكل فوري، وقد خضع البابا لرغبة السلطان وطلبه. 

سكن اليهود في الطرق التجارية للإمبراطورية ( اسطنبول ، سالونيك ، ايزمير  وغيرها من المفاصل التجارية )
وقد برع اليهود، في القطاع المصرفي وفي العمل على الأحجار الكريمة، وصياغة الذهب، والفضة، وإمتهان الطّب والترجمة، والطباعة، وما زالت هذه المهن والحرف بيدهم. 


كما تعود هذه العلاقة، الي ايام السلطان العثماني  محمد الثاني ، في القرن الخامس عشر عندما استقبلت اسطنبول اليهود المهجّرين من اليونان، وتم توزيعهم على دمشق والقدس، والقاهرة. 

كذلك في القرن الخامس عشر، وصلت مجموعة من الاشكيناز بعد ان طُردوا من الدول الجرمانية، وقد وزعهّم  الباب العالي وفق طريقته في استقدام اليهود وزرعهم وتوزيعهم في البلاد العربية. 
يتضّح من أعلاه، عمق العلاقة ما بين اليهود والإمبراطورية العثمانية. 

وأخيرا ً ما بين التقليد، والحداثة اعتبرت الحاخامية الكبرى المؤسسة اليهودية التركية الأبرز، والتي احاط بها مجلسا ً علمانيا ً، وقد بدأت المجموعات اليهودية، تلمس التشّدد المسلم الناشط في تركيا اليوم. 

أعداد
فيصل المصري 
اورلاندو / فلوريدا 
شباط ٢٠١٥








 

 

في سِرْ العلاقة، بين الامبراطورية الفارسية، واليهود !!


في سر العلاقة بين الامبراطورية الفارسية،
 ايران اليوم، واليهود. 


في بحثي هذا، سأُنقِّب ْ،  عن سِر  العلاقة ما بين الامبراطورية الفارسية،  واليهود على إثر سقوط بابل وحضارة بلاد ما بين النهرين، على يد  الفرس الذين   قدموا من الشرق، فاندثّرت حضارة،  وقامت  امبراطورية  على أنقاضها. 

ينقسم بحثي الى :

اولا : نبوخَذْ نصَّر الملك الأكادي، وقد أطلق عليه  الفرس  اسم  بختنصر. 

ثانيا ً : قُورش ْ الكبير الملك الفارسي. 

ثالثا ً: في سر العلاقة ما بين اليهود، والفرس. 

اولا : نبوخذ نصَّر  : من عام ٦٠٥ الى ٥٦٢ ق.م.  دام حكمه ٤٣ عاما ً.


في القرن السادس قبل الميلاد استعادّت الإمبراطورية البابلية مجدّدا ً ازدهارها، ومجدها، في عهد الملك نبوخذ نصَّر، وكان  هذا الملك  قائدا ً عسكريا ً فذّا ً ورجلاً محبا ً للبناء  والعمران. 

احتّل فلسطين، وجمع  اليهود  البارزين  في العلم  والطبابة، والفلك،  والفلسفة، والتاريخ، والدين،  وأخذهم  أسرى الى بابل، وكان  عددهم  ما يقارب ٣٠٠٠ أسير. ثم ولّى ملكا ً منهم  اسمه  صدقّيا، على فلسطين، الذي اقسم  لنبوخذ نصَّر  بعدم  تكرار الاعتداءات  على حدود بابل، وقد عُرف  هذا، بالسّبي البابلي الاول.

 ثَبُت  في التاريخ،  ان  نبوخذ نصَّر،  حاصر مجددا ً أورشليم لمدة سنة، لان مملكة يهُوَّذا  كعادة  اليهود،  في عدم  الالتزام  بالمواثيق، ونقض الاتفاقات المعقودة،   لم تَصْدُق، في  عهدِها  الذي  قطعته  له،  بعدم  الاعتداء  على حدود  بابل، فاضطّر الى ان يدخلها  فاتحا ً بالعام  ٥٨٧، ق. م. وتأديبا ً لليهود  قرّر ان  يسبي  معظم السكان،  ومنهم ملك اليهود صدقِيا، وكان عدّدهم حوالي، أربعين الف أسير،  ومن  ثُم ّ  أقدم  على  احراق  هيكل سليمان.

وبهذا  أنهى  نبوخذ نصَّر، حكم  سلالة  الملك  داوود  على  يهوّذا،  في العام ٥٨٧ ق.م، وقد  أُعتبر لاحقا  في  التوّراة،  باسم  السبي البابلي  الثاني. 

 نبوخذ نصَّر،  بعد هذه الانتصارات العسكرية،  أُعتبر اعظم  الملوك في ذاك الوقت قاطبة ً، لانه  وعلى أيامه  كان  في  بابل، اعظم  امبراطورية  إمتّدت من الخليج العربي  حتى  بلاد  فارس.

إنصرف هذا الملك،  الى انشاء  الحدائق المعلّقة التي أُعتبرت  فيما  بعد، من عجائب  الدنيا السبع. ويمتاز  عهده  بان  إنتقلت  بابل  من الحكم الآشوري، الى الحكم الكلدّاني  بعد ان إجتاح  عاصمتها  نينوّى  بمساعدة  الميديين، 

نبوخذ نصَّر،  في كتاب اليهود،  ورد ذكره  في سفر النبي دانيال، الذي كان في عداد اليهود  الذين سبّاهم الملك الكلداني. وقد عُرف  ان نبوخذ نصَّر إحتاجه، لمّا عجز  كهنة  بابل  من تفسير حلمه، وهذا خارج  عن نطاق هذا البحث. 

ولأن،  نبوخذ نصَّر، إقترن اسمه بالسبي اليهودي،  ما زال اسمه  يهّز كيانهم،  ووجدانهم،  وقد عمّلوا على تشويه  صورته،  وصورة  بابل،  وتحريف التاريخ، ويقال ان  لوح  السبي،  قد إختفى. 

ثانيا ً : أعظم ملوك الامبراطورية الفارسية، قورّش الكبير. 

أرسى هذا الملك،  الامبراطورية  الفارسية  المترامية الأطراف، وباتّت  في العام ٥٣٠ ق. م. أكبر امبراطورية  في العالم. وقد اثنى عليه  كتَّاب العهد القديم ، لانه أعاد اليهود، وأرجعهم  الى بلادهم  في أورشليم القدس، بعد ٧٠ سنة من السبّي، وقد بذل  لهم  الأموال  الطائلة  لتجديد  بناء الهيكل ( هيكل سليمان ) الذي  هدّمه الملك  نبوخذ نصَّر. وقد ذَكرت  كُتب اليهود، ان الإمبراطور الفارسي، قورّش أمر، بإعادة  نفائس الهيكل  التي استولى  عليها  جيش  بابل،  والتي كانت  مخزونة  في  خزائن  الملوك  والمعابد. 

وقد ذكرت  بعض  الكتب، التي  قام  بتدوينها اليهود، ان قائد الجيش الفارسي ( غوبر ياس ) لما احتّل  بيت المقدس،  سنة ٥٣٨ ق.م.   أخذ  معه في عِداد جيشه،  من أراد من اليهود المسبيّين،  وسمح  لهم  ببناء  الهيكل  في القدس، مدفوعا ً برغبة إيجاد جماعة موالية  للإمبراطورية الفارسية.
وقد إعتبر اليهود، ان الملك  قورّش   هو المخّلص الالهي  او  حتى  المسيح  المنتظر. 
  وقد  ذكرت  بعض الروايات  ان  عدد  اليهود  الذين  عادوا مع  قائد  هذه الحملة ( غوبر ياس ) بلغ ٤٢٠٠٠ شخصا ً، وتضيف  هذه الروايات، ان زعيم اليهود  الذي رافق الجيش الفارسي،  كان اسمه  زرو بابل  وانه  من  سلالة الملك  يهو ياقيم. 

أقام اليهود سلطة دينية تحت سيطرة الفرس، واستخدموا  العبرية  في معاملاتهم التجارية  والدينية  على حد سواء. 

ثالثا ً : في سر العلاقة التاريخية  ما بين  اليهود  والفرس. 

لقد  ثَبُت  تاريخيا، ان  اليهود  قامت  بينهم  وبين  الشعوب  التي  أحاطتهم عدّاوات، مُكلفة،  ومُتعبة،  وحروب  ومناوشات، طاحنة،  لقد عادوا، المصريون،  والاراميون،  والفلسطينيون،  والكنعانيون،  والاشوريون،  والبابليون،  والكلدانيون، والإغريق،  والروم،  والنصارى،  والأنباط،  ثم  العرب المسلمون.

لم يُصادق  اليهود،  في  كل  تاريخهم  القديم،  الا المجوس  الفرس،  الذين بدورهم، حالفوهم  وناصروهم.  

وقد  ذكرت  كتب  التاريخ، ان اليهود  بالرغم  من  السماح  لهم  بالعودة،  بإشراف  الادارة  الفارسية، الا  ان  الكثير  من  السبّي  أعجبتهم   ارض  بابل، اما  القّلة  المتشددة،  التي  عارضت  الاندماج  هي  التي  حافظت  على  بني  اسرائيل  من الاندثار، وقد  تمتّع  اليهود  في  منطقة  القدس،  بالاستقلال  الذاتي  تحت  الهيمنة الفارسية. 

وقد  غالى  بعض المؤرخين العرب، ان الرأي الإيراني  حول اليهودية،  يقوم  اليوم  على  ذات  الأسس  التي  وضعها  الإمبراطور  قورّش،  عند تحريره  اليهود  من  السبي  البابلي، وهي  ان اليهود  جنس  له  شبه  كبير بالجنس الآري ( الفارسي ) ويمكن  الاستفادة  منه  من  خلال  إغرائه  بالمال. 

أعداد 
فيصل المصري
اورلاندوا / فلوريدا
شباط ٢٠١٥
 

 

الأحد، 8 فبراير 2015

التاريخ، والتأريخ من منظور إبن خلدون !!

كتابة التاريخ، 
وأصول التأريخ، 
من منظور ابن خلدون. 
قبل إعادة نشر دراستين لي، عن العلاقة ما بين اليهود والامبراطوريتين الفارسية، والعثمانية، اري لزاما ً ان أتكّلم  عن ابن خلدون. 
 ابن خلدون، الذي عاش في مدينة إشبيلية بالأندلس، وُلد في العام ٧٣٢ هجرية. 
وضع ابن خلدون، كتابا ً في التاريخ، وأُصول التأريخ. 
وقد سُمي هذا الكتاب، ( بالمقدمة )، أفرغ فيه علمه الغزير والواسع. 
إعتمد ابن خلدون في مادة التاريخ على :
-/ الطبَّري. 
-/ المسعودي. 
-/ ابن الأثير.  
كان، ابن خلدون يأخذ على المؤرخين، التزَّلف لذوي السلطان، وأخذ الأخبار على عِلاّتها دون التقصي، والتشيّع للمذاهب، يضاف الى الجهل، بطبائع العمران. 
كان ابن خلدون، اذا أراد ان يكتب تاريخا ً عن شعب من الشعوب، كان يدرس طبائع البلد، واخلاق البشر، ومنحى حياتهم، وعاداتهم، وأخلاقهم حتى يصل الى موجبات إنحلال، وسقوط، او نجاح، وتقّدم،  هذا الشعب. 
يضاف الى ذلك، إهتم ابن خلدون بنشأة العلم والتعليم، لانها ظاهرة في العمران البشري، ويندّرج تحت هذا، العلوم الإلهية، لمعرفة الحقائق الإلهية، في ما وراء العالم المحسوس، الذي بنظره، يفهم النمط، الذي تسير عليه الشعوب.
في دراستي، عن اليهود وعلاقاتهم مع الفرس، والعثمانيون، حذّوت طريقة ابن خلدون. 
-/ قرأت التوّراة  مرارا ً.
-/ قرأت عن تاريخ الفرس، والشعب الفارسي، وأخيرا ً الإيراني، ما يكفي. 
-/ قرأت عن تاريخ بني عثمان، منذ ان كانوا في سهول اسيا الوسطى، قبل غزوّهم المظّفر الى القسطنطينية، وما زِلت اقرأ، كيف استعّمروا الشعوب، والبلاد العربية عدّة قرون.
أمّا، دراستي َّ المتعلقتين، بالفرس، وبني عثمان، لم أضع رأيي الشخصي، لان الأمانة تقضي بنقل الحقيقة، إذا كانت مستندة الى أمهات الكتب، وانا لست إلاّ، من ينهل من بطونها.  
 اولا ً : الفرس. 
 بعد القراءة المتأنية لهذا الشعب، يُدرك الانسان ان، الفرس شعب جدّي، يتوق الى العلم أينما كان مصدره، لان العلم والمعرفة، يوصلانه الى القوة التي يطمح لها، دائما ً وأبدا ً.
ثلاث محطات علمية تاريخية، خاض غمارها هذا الشعب :
١/ لمّا أرخى صولجان بأسه على ارض بابل، في الازمنة الغابرة، كان غازيا ً للأرض والنفوذ، بقدر ما كان غازيا ً وجامعا ً، ومستفيدا ً، ومحافظا ً، ومقدِّسا ً للتراث البابلي العميق، والتاريخ يشهد له بذلك. 
وهذا السِّر في الحفاظ على الحضارات، التي زهّت قبل الحقبة الفارسية، إجتهد في تطبيقه، وتكريسه قبلهم، شعوب سوّمر، وآكاد، وبابل .. الخ. 
٢/ لمّا وصل الفرس، الى ارض بابل، كان جماعة من الشعب اليهودي، يقيم منذ نبوخذ نصَّر ، وكانوا من صفوة اليهود بالعلم، والمعرفة، في مجالات الطب، والزراعة،
والتاريخ، والتأريخ، وقد  ُذكر أن ّ اليهود، في عز ٍّ بابل،  كانت كلمتهم مسموعة، ونصائحهم مقبولة، وتدوين قصص أنبيائهم مسموحا ً.
وقد نشأت علاقة جيدة بين اليهود والفرس، ذُكرّت في التوّراة ، أدّت الى إعادتهم الى ديارهم، وأن بقي جزء لا يستهان به في بلاد فارس. 
٣/ توقّهم لأدراك العلوم الإلهية، يمكن معرفتها وتأكيدها قدوم سلمان الفارسي الى الجزيرة العربية في رحلة الإيمان المعروفة، قبل الوحي، وما تلاه من نشر تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.  
اما الغرب، في علاقته مع ايران اليوم، دائما ً، هناك خيط رفيع يعرفه الغرب، وهو، ألتبّصر وعدم الخفّة يفرضان نفسهما في أي محادثات مع ايران. 

ثانيا ً : الامبراطورية العثمانية. 
مما لا شك فيه ان بني عثمان شعب مقاتل، سبق العرب في الوصول الى القسطنطينية، ومكث هناك الى الأبد. 
هناك فرق مهم جدا ً بينه، وبين الشعب العربي الذي أرخى نير الاستعمار على رقبته، لقرون طويلة، وإن كان الشعبين يدينان بالإسلام دينا ً، ولكن يمتاز العثماني على العربي، في انه لا يخاف من بني جلدته، كما هو العربي، واليكم الدليل :
-/ عندما كان خالد بن الوليد يجتاح بخيله الصحراء العربية وصولا ً، الى أسوار دمشق المُحَصَّنة، ورده كتاب عزله من الخليفة عمر بن الخطاب، ليس بسبب الخيانة، ولكن خشية أن يفتتن به العرب، لان البعض ظن َّ، ان النصر من عند خالد، وليس من عند الله عزَّوجل. 
-/ عندما أشار موسى ابن نصير، باحتلال القسطنطينية، بعد ان استتّب له أمر الأندلس، بان يجتاح أوروبا من فرنسا باتجاه عاصمة بيزنطية. 
رفض الخّطة، الخليفة الأموي القابع في دمشق، خوفا ً من ضياع الخلافة الأموية على يد غاز ٍ جديد. والتاريخ يشهد كيف كانت اخر ايام موسى ابن نصير، وطارق ابن زياد. 
( يراجع دراستي عنهما في المدونة ). 
حادثتين، في التاريخ العربي، تجعل ابن خلدون اليوم يقف حائرا ً، محتارا ً امام الفرص الذهبية التي ضاعت امام العرب، لأننا شعب نخاف من بَعضُنَا البعض. 
ولا يمكننا تجاهل ان تاريخ العرب المجيد، انتهى :
 شرقا ً، بسقوط بغداد، على يد التتّار،   
وغربا ً، بسقوط الأندّلس. 
وأخيرا ً، إن َّ السِمّة التي تغلب الطبع العثماني، منذ الجدّ الاول، هي ركوب التيار المتدفق أينما وُجد، في سبيل تحقيق غاياته، لأنك تراه إستفاد من العاطفة الدينية الاسلامية الجارفة، لاحتلال الأمصار، ولمّا رأى ان موجة العلمانية، تدخلّه جناّت أوروبا، لم يتوّرع اتاتورك، ان يركبها. 
ومنذ أوائل القرن الماضي، بعد سقوط الخلافة، لا تدري أية موجة ستركبها تركيا اليوم. 

إعداد
فيصل المصري
اورلاندوا / فلوريدا 
شباط ٢٠١٥

 

الجمعة، 6 فبراير 2015

الخنساء، لم تَلِد مثلها النساء !!

الخنساء،
لم تَلِد ْ مثلها النساء. 
تعريف :

ولادة : الخنساء، 
واسمها، تماضر بنت عمرو السلمية. 575م
وفاتها : 645م
إقامتها :في  يثرب
شهرتها : شاعرة، رثاء من الدرجة الاولى. 
قبيلتها : سلف بني سليم. 

ازواجها: 
-/ رواحة بن عبد العزيز السلمي.
 -/ مرداس بن أبي عامر السلمي
والداها : آل الشّريد، من سادات وأشراف العرب، وملوك قبيلة بني سليم 
الخنساء، واسمها تماضر بنت عمرو السلمية (575م - 24 هـ / 645،م)، شاعرة، مخضرمة من أهل نجد أدركت الجاهلية والإسلام وأسلّمت، واشتهرت برثائها لأخويها صخر، ومعاوية الذين قتلا في الجاهلية،  لُقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه.  



هي : أم عمرو، تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد. وآل الشريد من سادات وأشراف العرب، وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية، سكنوا بادية الحجاز في الشمال الشرقي من مدينة يثرب، حيث تمتد مضارب بني سليم.
وآل الشريد كانوا سادة بني سليم. وعمرو بن الحارث -أبو تماضر- كان من وفود العرب على كسرى، وكان يأخذ بيدي ابنيه معاوية وصخر في الموسم حتى إذا توّسط الجمع قال بأعلی صوته :
 أنا أبو خيري مضر، فمن أنكر فليغير. فلا يغير عليه أحد.
 وكان يقول :
 من أتى بمثلهما أخوين من قبل فله حكمه. فتقر له العرب بذلك.
ولدّت الخنساء، وانتقلت من طفولتها إلى صباها فشبابها، ولا شيء يُثير الانتباه، أو يلفت النظر غير ما كانت تمتاز به من جمال وما كانت تحسه من أبويها وأخويها من عطف ومحبة، حتى وصل بها الإحساس إلى درجة الاعتداد، أو إلى مرتبة، الأنفة والكبرياء. ولم يكن ذلك غريباً على من ينشأ في مثل ظروفها. أب شريف، وأخوان سيدان يتباهى بهما الأب ويفاخر العرب ولا أحد يجرؤ على نقض ما يقول. وكان لذلك أكبر الأثر في حياة الخنساء، وفي تكّوين شخصيتها.
اما عن جمالها، لا نعرف عنه شيئا ً، الا حين وصفها، دريد بن الصّمة بشعره، لما تقدم طالباً الزواج منها، وعندها فقط عرفنا أنها جميلة، وقد وقع في هواها، فارس الفرسان، دريد. 
الخنساء، إذن :
 كانت، ذات حسب وجاه وشرف.
 كانت، ذات جمال أّخاذ، وتقاسيم متناسقة...
 لذا شبهوها بالبقرة الوحشية. والعربي إذا تغزّل في الأنثى، وأراد التعبير عن جمالها، شبهها بذلك.
كانت، ذات جاذبية طاغية. 
كانت، تعرف ما تملك في يدها من سلاح، كما عرفت قيمة ذلك السلاح. 
كانت، في حياتها ما من شيئ يُقلقها، او يقّض مضجعها. لان مركز قبيلتها، وسيادة أبيها، أوصلاها الى كل أسباب الطمأنينة، كما زاد حُسن  جمالها، الى ان تكون غير قلقة، وغير مضطربة.  
كانت، العاقلة الحازمة، حتى عُدّت من شهيرات النساء.. لا يجرؤ أحد عن التهّجم عليها أو التحدث عنها. وقد ظهر ذلك، حين تقدم لخطبتها دريد بن الصمّة. 
كان دريد بن الصّمة، فارس مغوار، شارك في نحو مائة معركة، ما أخفق في واحدة منها، وأصبح له من سمعة، كفّلت له التبجيل، والإكرام. وبينما هو في رحلة قصيرة، لفت نظره مشهد فتاة ترعى بعيرا.
فسأل، من هي ؟
 قالوا له، أنها تماضر بنت عمرو، شقيقة صديقك الحميم معاوية،  سيد بني جشم.  
سرَّه هذا الخبر. وقال :

حَيّوا تُماضِرَ وَاِربَعوا صَحبي وَقِفوا فَإِنَّ وُقوفَكُم حَسبي
أَخُناسُ قَد هامَ الفُؤادُ بِكُم وَأَصابَهُ تَبَلٌ مِنَ الحُبِّ
ما إِن رَأَيتُ وَلا سَمِعتُ بِهِ كَاليَومِ طالي أَينُقٍ جُربِ
مُتَبَذِّلاً تَبدو مَحاسِنُهُ ضَعُ الهِناءَ مَواضِعَ النُقبِ
مُتَحَسِّراً نَضَحَ الهِناءَ بِهِ ضحَ العَبيرِ بِرَيطَةِ العَصبِ
فَسَليهُمُ عَنّي خُناسُ إِذا عَضَّ الجَميعَ الخَطبُ ما خَطبي
وفي اليوم التالي، أخذ طريقة إلى منزل صديقه معاوية بن عمرو.
 تلّقاه عمرو، والد الخنساء بالترحاب، 
وجلس دريد في مجلسه وقال : 
جئت أخطب ابنتك تماضر الخنساء. 

قال له عمرو :
مرحبا ً بك يا أبا قرة، 
وانك لكريم لا يُطّع في حسبه، 
والسيد لا يرّد عن حاجته،
 والفحل لا يقرع انفه. 
 ولكن : لهذه المرأة في نفسها ماليس لغيرها.
 وأنا ذاكر لها وهي فاعلة.
 ثم دخل على ابنته. وقال لها :
 يا خنساء، أتاك فارس هوازن، وسيد بين جشم، دريد بن الصمّة يخطبك وهو من تعلمين...
 قالت، وكان دريد يسمع حديثهما : 
 يا أبت ّ : اتراني تاركة بني عمي مثل عود الرماح، 
وناكحة شيخ بني جشم ؟ 
فخرج اليه ابوها فقال : 
 يا أبا قرة، قد امتنعت، ولعلّها تجيب فيما بعد. 
 فقال دريد : قد سمعت قولكما. قالها وهو منصرف، دون ان يزيد عليها.
 يبدو ان اخاها معاوية، اراد ان يجامل صديقة دريد، فحاول إقنّاع الخنساء،  ولكنها اصرت على موقفها من الرفض، وكان بجوارها صخراً بعطفه وحنانه. 
عرف فيها أبوها، رجاحة العقل، وأتزان الفكر، فأبّى إلا ان يكون زواجها بعد موافقتها، ولم يكن ذلك حقا لكل ابنة، وانما هو تكريم يُمنح لمثيلات الخنساء.
ولان الخنساء، رفضت الزواج من غير بني العم، فان التاريخ ذكر، أنها تزوجت من رجل من قبيلتها اسمه عبد العزى السلمي أولدها ابنها، أبا شجرة عبدالله. 
 ابن قتيبة ذهب إلى أن اسمه، رواحة بن عبد العزى، قبلت الزواج من عبدالعزى المقامر، وهي التي رفضت :
 سيد بني جشم،
 وسيد من آل بدر.
 وقد أشارت إلی ذلك في قولها :
 أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح. 
 حاولت الخنساء أن تُمسك عليها زوجها، فضّحت.في سبيل ذلك بالكثير.. غيّرت من طبيعتها وكبريائها، بل إنها بالغت في ذلك لدرجة جعلته يشعر بتعلقّها به. فغالى في انحرافه، واستغّل حرصها عليه أسوأ استغلال، وانتهز مالها ومال أخيها، وكلما فرغت يده أظهر لها الضيق بحياته معها، فَهَّم  بالرحيل عنها ولكنها تتشبث به وتقول له : 
أقم وأنا آتي صخراً فأسأله.
 ويقيم عبد العزى، تكرماً منه وعطفاً، بينما تذهب هي، إلى أخيها صخر تشكو إليه حالها وما تلقى من ضيق العيش، فما يكون من صخر إلا أن يشطر ماله شطرين، يعطيها خيرهما.
 ويستمر عبد العزى علی ذات الحال، ويضِّيع ما حملت معها من أخيها، ثم يجيئها صفر اليدين، فيلجأ إلى الطلب بدلاً من التهديد بالترك.
 تقول الخنساء :
 ثم التفت إلّي فقال : أين تذهبين يا خنساء ؟ 
قلت : إلى أخي صخر.
 فأتيناه فقسّم ما له شطرين، ثم خيرّنا في أحسن الشطرين.
لم تفيض قريحتها شعرا ً، للتعبير عن تلك التجربة، لانها كانت منهمكة في البحث عن حلول، فلم تكن في حاجة إلى ان تتكلم.
 خشيت الخنساء من شماتة الناس، ان هي قالت شعر تتناقله الألسن.  
خشيت الخنساء من معاوية، الذي مال إلى زواجها من دريد.
 الى ان قرّرت الخنساء، ان تنفصل عن عبد العزى، ومضت في طريقها إلى بيت ابيها. 
 كان لها من الابناء أبن واحد، من زوجها عبد العزى هو :
أبو شجرة عبدالله : الذي وقف حائراً بين امه وأبيه، تلك الحيرة، جعلته انتهازياً، لا تهمه المبادئ، بقدر ما تهمه المنفعة الشخصية والكسب الخاص. 
 انفصال عبد العزى، عن اخت معاوية شي، ووقوفه بجوارة في المعركة شي اخر، لا يتعلق احدهما بالاخر، اذا الامر هنا مرتبط بعرف القبيلة وعاداتها. 
 ولقد وقف نفس الموقف، دريد، فلم يؤثر رفض الخنساء خطبته، في ما بينه وبين معاوية اخيها من صداقة، 
فوقف دريد يرثي،  صديقه معاوية :

ولم يقف عند قول قصيدة فقط، بل طلب ثأر صديقه، 
ولم يهدأ له بال، ولم تخمد له نار حتى ثأر له.
لم يطل بالخنساء المطال، حتى تقدّم اليها مرداس بن ابي عامر السلمي، الملقب بالفيض لسخائة. ذلك بعد مقتل صخر، وفي اثناء حدادها على أخيها، وأبيها. 
كان مرداس، إلى جانب سخائة رجل جدي، وعملي، لم يترك فرصة إلا استفاد منها. 
 مات مرداس، في احدى مغامراته تاركاً للخنساء أربعة بنين هم : العباس، وزيد، ومعاوية، وبنتٌ اسمها عمرة.

إنهارت الخنساء لفقدان مرداس، وفاضت قريحتها عن قصيدة، أعتبرها فحول الشعراء، انها من احسن مراثيها، فهي لا تبعد عن نهجها العام في رثائها، المندرج بين الندب،  والتأبين. 
عددّت الخنساء مناقب زوجها ومآثره، وفي رايها كان مرداس، أفضل الناس حلماً، ومروءة، 
اما اخبار الخنساء، وما تناقله المؤرخون، والمتعلقة بابنها البكر، ابي شجرة
 بن عبد العزى، وأحد حاملي لواء الارتداد، انه كان يحّرض بشعره المرتدين عن الاسلام، بمحاربة المسلمين وقتالهم.
وبعد وقت قصير قضاه في النفاق،  رأى تحريضه لم يثمر، ورأى الناس يرجعون إلى الإسلام، رجع هو كذلك إليه، 
وقد قبل منه أبو بكر عودته، وعفا عنه فيمن عفا.

ويبدوا ان عودته إلى الإسلام لم تكن عن صدق، فقد اتى الخليفة عمر ابن الخطاب، وهو يعطي المساكين من الصدقة، ويقسّمها بين فقراء العرب، فقال : يا امير المؤمنين، 
اعطني فإني ذو حاجة.
 قال عمر بن الخطاب : ومن أنت ؟ 
قالو: أبو شجرة بن عبد العزى السلمي.
 قال عمر : أبو شجرة ؟ 
أي عدو الله :
 قُم ْ، وجعل يضربه  في رأسه، حتى سبقه عدوا، وهرب.
أمّا ما تناقلته الأخبار عن الخنساء في معركة القادسية، انها خاطبت اولادها قبل بدء المعركة وقالت : 
 إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيّرت نسبّكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا أن الدار الباقية خير، من الدار الفانية.
 فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدُّوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين.
 وإذا رأيتم الحرب، قد شمّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم، والكرامة في دار الخلد والمقامة. 

فلما اصبحوا باكروا مراكزهم، وتقدموا واحد بعد واحد ذاكرين وصية والدتهم. 
وما زالوا حتى استشهدوا جميعاً في حرب القادسية. وبلغها الخبر، مع الجيش العائد محملاً بالظفر، فقالت : الحمد لله الذي شرّفني

باستشهادهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
 قالتها، ولم تزد عليها. 
انها الخنساء، احداث متواليات، تكشف لنا عن ذلك الجانب في حياتها، بعد موت والدها، ومقتل شقيقيها، وموت زوجها، وإستشهاد وأولادها، لا تنتهي حادثة حتى تبدو حادثة اخرى، وكانما طلب التاريخ منها ان تقوم بالتدوين والتصوير ورصد الاحداث في حياتها. 
وليس بعيداً، موقف صخر منها، حين حاول معاوية اخوها، ان يُكرهها على الزواج من صديقة دريد، فلجأت اليه ليكون لها عونا. 
وليس بعيداً، عن ذلك  موقف صخر منها، حين اوقعها زوجها عبد العزى في ورطة مالية، فلم تجد غيره ملجأ ً تسعى اليه. 
فقد شطر ماله نصفين، خيرّها بين احدهما.
 حتى ملّت زوجته واعترضت فقالت :
أما كفاك، ان تقسم مالك حتى تخيرهم ؟
 فقال كلاما ً قاطعاُ عليها كل اعتراض. 
أما مقتل معاوية، اخوها، سيد بني فزارة، فاجعة ألمْت بها، ولم تَذِق النوم، لفقدانه، وقد وازن النقٌاد، بين مراثي الخنساء، في صخر، ومراثيها في معاوية. 
 اخذوا عليها قلة شعرها في رثاء معاوية، وقد اتفقوا على ان شعرها، في معاوية قليل، اذا قيس بشعرها في صخر. 
وقد تضاربت الاراء، وظهرت التبريرات، وأُطلقت الاتهامات في حق الخنساء. 
قيل، ما زال في نفس تماضر من اخيها معاوية، بعد مقتله أثر من آثار الماضي. 
قيل، انها الصدمة المفاجئة، ألجمت لسانها وتجمّدت مشاعرها. 
قيل ، انه  الخوف على اخيها صخر، من ان تهيٌجه اشعارها، فيندفع، وهو الذي لا يبخل في سبيلها، إلى حتفه، وعندئذ تفقد الإخوة، مثلما فقدت الزوح والأب. 

ولكن، لو رجعنا إلى عادات العرب واخلاقهم في الرثاء، لبدا لنا الامر في معاوية طبيعيا، لا شذوذ فيه، ولا حاجة تستدعي تلك الافتراضات او بعضها، فقد كان من اخلاق العرب ان يأنفوا من بكاء من مات في المعركة، لانهم يعتبرون ندبهم، وبكاءهم، في حكم الهجاء، فهم ما خرجوا الا ليقتلوا، ولذا يجيئ رثاؤهم، والحالة هذه، تابينا يذكرون فيه فضائل المقتول، ومركزه في قبيلته. 

لم يقتنع صخر، بان يثأر دريد لصديقه، بل انه تابع، غاراته على مُرَّة، حتى اصيب بجرح ٍ، من طعنة، طعنه بها ثور، فمرض لها حولاً.

واصبحت حياته ممله، حتى ان امرأته سُئِلت عن حاله وقالت : 
بِشر ِّ حال، 
لا حي ً فيُرجى، 
ولا ميتا ً فينعى، 
ولقد لقينا  الامرين.

وتجيب الام : 
 بأحسن حال، ما كان منذ اشتكى خيرا منه اليوم، 
فقال صخر :
 الموت اهون علي مما انا فيه. 

وجاءت الخنساء، وفي يدها قلبها، تسأل والالم يعصرها، صخر ٌ في مرضه، والام  والأخت في اقسى الآلام، لمدة عام او يزيد، 
مات صخر في  سنه 615 م،  ومن قبل مات معاوية في سنة، 612،م،  ومن قبلهما قابلت تماضر الموت في اسرتها. 
 يوم ان اقتلع الموت اباها عمرو بن الشريد، 
ومرداس زوجها الكريم. 
الخنساء، ومشاعرها :
انهارت الخنساء، بعد مقتل معاوية، لولا وجود صخر، ما قدرت على تمالك نفسها. 
اما موت صخر، كان الزلزال المدّمر لحياتها. 
فقد مات عزٌها، ومؤنسها، وملجؤها، وحاميها،
 ولذا، تراها تُقيم على قبره، زمانا تبكيه، وتندبه، وترثيه.
 مات صخر، انفجّرت باكية من غير توقّف. 
بقيت الخنساء بعد موت صخر، تائهة، حائرة، حاول من حولها ان يواسيها، كانت ترفض الكلام او التحدّث، إلا عن مَصابها، وفجيعتها. 
فقيل لها :
 أن تصف أخويها معاوية، وصخر، فقالت :
 إن صخرًا كان، الزمان الأغبر،  
وكان معاوية، القائل الفاعل. 
فقيل لها : أي منهما كان أسنى وأفخر ؟ 
فأجابتهم : 
إن َّ صَخرا ً حر ُّ الشتاء. 
ومعاوية برد الهواء.
 قيل لها : أيهما أوجع، وأفجع ؟ 
فقالت : أما صخر فجمر ُ الكبد. 
وأما معاوية فَسِقام الجسد.

وقد اعتبر فحول الشعراء، من  الذين عاصروها، ومن الذين، أتوا من بعدها : 
كان موت صخر بن عمرو ابن الشريد، تاريخ ميلاد شاعرة، كشف للعرب عن شاعرة بني سليم تماضر.  
وتقول الخنساء : انا اعظم العرب مصيبة، فيقر لها الناس في ذلك، كما اقروا لابيها، حين فاخر بابنيه. 
قصتها مع الشاعرة هند بنت عتبة :
بعد موقعة بدر، ومقتل أبا هند، عتبه وشيبة ابناء ربيعة، والوليد بن عتبة، اقبلت، هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها ان الخنساء  في الموسم، عاظمت  العرب بمصيبتها، بابيها واخويها. 
فقالت هند : بل انا اعظم العرب، مصيبة.
وأمرت ان ترجع الى عكاظ، حتى تلتقي بالخنساء. 
لمّا تقدمت، سألتها الخنساء، من انت يا أُختاه ؟
أجابتها، انا هند بنت عُتبة اعظم العرب مصيبة، وقد بلغني انك تعاظمين العرب بمصيبتك. 
في ما تعاظمينهم انت ؟
قالت الخنساء، بابي عمر الشريد، واخي صَخرا ً، واخي معاوية. 
وبدأت هند تلقي قصيدتها في رثاء قتلاها. 
وهكذا فعلت الخنساء. 
كيف كانت نظرة فحول الشعراء المعاصرين، للخنساء ؟
 أجمع أهل العلم بالشعر، أنه لم تكن امرأة قبلها، ولا بعدها أشعر منها، أنشدت، في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني، وحسان بن ثابت رائيتها التي رثت بها صخر :

أُعجِب بشعرها، النابغة الذبياني، وقال :
إذهبي، فأنت أشعر من كل ذات ثديين. ولولا أن هذا الأعمى (كنية الأعشى الأكبر)  أبا بصير  أنشدني قبلك، لفضّلتك  على شعراء هذا الموسم.
 وفي رواية اخرى انه قال :
لولا ان هذا الاعمى سبقك، لقلت انك أشعر الجن، والإنس.
 فغضب حسان بن ثابت، وقال :
 والله انا اشعر منك ومنها.
 كان بشار ابن برد يقول :
 إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، 
فقيل له : وهل الخنساء كذلك، فقال :
 تلك التي غلبت الرجال.

 سئل جرير، عن أشعر الناس فـأجابهم :
 أنا، لولا الخنساء، قيل :
 فيم فضل شعرها عنك ؟ قال :
 بقولها :

إن الزمان وما يفنى له عجب أبقى لنا ذنبًا واستؤصل الرأس. 



روي في  السيرة النبوية، اعجاب الرسول ( صلعم )، بشعرها واستزادته من انشادها وهو يقول :  هيَّه  يا خُناس، ويومي بيده . 
وروي ايضا ً، انه  وفد عدي بن حاتم الطائي على الرسول، مبايعا ً على رأس قومه بني طيء. 
 فقال :  يا رسول الله : 
إن َّ فينا أشعر الناس، 
وأسخى الناس، 
وأفرس الناس، 
فلما سأله الرسول، أن يسميهم أجاب : 
 أما أشعر الناس، فامرؤ القيس بن حجر، 
وأما أسخى الناس، فحاتم بن سعد (يعني أباه)، 
وأما أفرس الناس، فعمرو بن معدي كرب .

فقال الرسول : 
 ليس كما قلت يا عدّي :
 أما أشعر الناس، فالخنساء بنت عمرو، 
وأما أسخى الناس، فمحمد، 
وأما أفرس الناس، لعلي بن أبي طالب.
ماتت الخنساء،  سنة 24 هـ/645م. 
 كان موتها، في عامها الحادي والسبعين. 
 طبقت شهرتها الآفاق، إن لم يكن ببكائها على السادات من مضر فباستشهاد بنيها الأربعة.
 ماتت ومعها شاهد، تضمن به تسجيل يوم موتها، ولا يعتمد فيه على الروايات، وإنما اعتمد فيه سجلات الدولة المدون فيها اسمها، لتستلم أرزاق بنيها الشهداء الأربعة من ديوان بيت المال، وكان عمر قد قدر لها عن كل واحد مائتي درهم، إلى أن مات عمر.

إعداد
فيصل المصري
شباط ٢٠١٥
اورلاندوا / فلوريدا

الاثنين، 2 فبراير 2015

فريد الأطرش، أشهر من نار على عَلَم ْ !!

اليونسكو تطلق إسم "فريد الأطرش" على العام 2015
فريد الأطرش
بمناسبة مرور مائة عام على ولادة الموسيقار فريد الأطرش، قررت منظمة اليونسكو، إطلاق اسمه على العام الجاري، وتنظيم العديد من الأنشطة والاحتفالات الفنية طوال السنة بدمشق والعديد من المدن العربية، كما سيتم الإعداد لتنفيذ فيلم تسجيلي عن حياة فريد الأطرش، منذ نشأته الأولى في مدينة السويداء السورية، وحتى وفاته في مستشفى  الحايك في محلة سن الفيل في بيروت، والفيلم من سيناريو وإخراج عوض القدرو، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما.
 
كما ستقام مجموعة من الأنشطة بهذه المناسبة في مسقط رأس الراحل فريد الأطرش، مدينة السويداء جنوب سوريا، ومنها  ندوة عن فن فريد الأطرش بالتعاون مع جمعية أصدقاء الموسيقى في المدينة، وحفل فني كبير لطلبة معهد فريد الأطرش في السويداء، حيث كانت وزارة الثقافة السورية قد افتتحت في عام 2010 معهدا لتعليم الموسيقى حمل اسم فريد الأطرش تخليدا وتكريما له ولإبداعاته الموسيقية.
 
يذكر أن الموسيقار فريد الأطرش من مواليد 21 أبريل 1915 وتوفي فى 26 ديسمبر 1974 ببيروت، ويعد من أعلام الفن العربي واشهر عازف عود فى تاريخ الموسيقى الشرقية.
هذا ما أوردته منظمة الاونيسكو !
السؤال الذي يطرح نفسه دائما ً، والذي طرحته سابقا ً، بعد ان قُمْت  بإعداد دراسة أكاديمية عن هذا الفنان، حسب رأي النّقاد الغربيين، وتبين ان رأيهم مخالف ومغاير للنقّاد الفنيين العرب الذين عاصروا، وناصروا، وإنحازوا الى جانب الموسيقار العربي محمد عبد الوهاب، لأسباب لم تعّد مخفية على احد. 
اليوم :

ما هو دور الحكومة المصرية، ( وزارة الثقافة والفنون ) التي أقام فيها الموسيقار العربي فريد الاطرش، معظم حياته، وحمل جنسية هذا البلد. 
وللمعلوميه، 
إعتبر النقّاد الفنيين في الغرب، ان فريد الاطرش هو مجّدد الموسيقى العربية الاول، وقد سبق الموسيقار سيد درويش، ( يعتبر بنظر النقاّد العرب مجدّد للموسيقى العربية )، بمراحل لانه نقل الموسيقى العربية، الى العالمية.
وإذا لم يحصل تكريم عربي لهذا الفنان، في مصر،
 هذا يعني ان وراء الأكمة أكمة. 
وإن ّ اللبيب من الإشارة يفهم !!

أعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
شباط ٢٠١٥