سلطان باشا الاطرش
قائد جيوش الثورة الوطنية السورية
الدين لله والوطن للجميع
ترددت كثيراً قبل أن اكتب عن سلطان باشا الاطرش، لان التاريخ العربي الحديث لم ينصفه، فآثرت عدم فتح صفحة مظلمة، ولكن بعد ان خيّم الظلام الديني والدنيوي على البلاد العربية التي تشهد فيها وتسرح عليها جماعات مسلحة، تارة باسم الدين وطوراً باسم الحريات، حيث أُستبيحت الحرمات الاسلامية والمسيحية على حد سواء، فطالت دور العبادة والمقامات الدينية، وأشتعلت الحروب الطائفية والمذهبية على طول البلاد العربية وعرضها.
عندها، ارتأيت ان اكتب دراسة عن هذه الشخصية التاريخية، التي لو جرى تطبيق جزء من اعلان الثورة التي نادى بها والقائلة ( الى السلاح... الى السلاح ) بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، والمتضمنه مبدأ
( الدين لله والوطن، للجميع ) في الدساتير التي تلت الاستقلال، كانت سوريا، وغيرها من البلاد العربية، تجنبت هذه الحروب الأهلية الطاحنة.
هذا الإعلان الذي نادى به سلطان الاطرش، يماثل في عنفوانه، اعلان الاستقلال الأميركي الذي كتبه
Thomas Jefferson
في وثيقة الاستقلال ، Declaration of Independence، في ٤ تموز ١٧٧٦.
والذي طبقته الولايات المتحدة الأميركية في دستورها الصادر بالعام ١٧٨٧، حفاظاً وتكريماً لشهداء استقلال اميركا.
حتى أكون صادقاً، استأنست في دراستي عن سلطان باشا الاطرش بالمراجع العربية، ولكن اعتمدت على المؤرخين الفرنسيين والانكليز اكثر من زملائهم العرب، نظراً للمصداقية المبنية على حقائق تاريخية موّثقة.
عند المؤرخين في الغرب، لكل ثورة بطل واحد يساعده رجالات عظام، فهذا جورج واشنطن بطل الاستقلال وأب الولايات المتحدة دون منازع، ومنذ وفاته تعْمَدْ حكومات الولايات المتحدة على تعظيمه، دون إشراك احد في زعامته المطلقة.
وحتى لا تضيع مبادئ الثورة، يجري تقنينها بمواد مضيئة بالدستور الذي يُعتمدْ ويُطبق بعد الثورة، لان الأرواح التي زُهقت والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية، يجب تكريم أرواحهم وتضحياتهم بمواد تحفظ استمرارية وزخم الثورة.
اما عند المؤرخين العرب، فان بطل الاستقلال لكل دولة يعتمد على معايير تناسب الحاكم، الذي حَكمَ بعد الاستقلال
بعض البلدان العربية، إعتمدت التوازن الطائفي لتحديد ابطال إستقلالها !!
أما في بلدان اخرى جرى إعتماد المكان الجغرافي لتثبيت ابطال الاستقلال !!
بسبب هذا المعيار، الفضفاض، تضيع المبادئ الحقيقية للثورة، التي أعلنها في وقتها القائد او البطل، كما ضاع هذا المبدأ ( الدين لله والوطن للجميع ) في الدساتير المتلاحقة والمتعددة، في سوريا وحتى في غير بلد عربي.
دائماً في دراساتي التاريخية، لا اعتمد على سرد السيرة الذاتية، للشخصية التي أتناولها، بقدر ما اهتم الى ايام معدودات من حياة هذه الشخصية، كان لها تأثير على مجرى التاريخ، كالايام القليلة من حياة خالد بن الوليد لمّا اجتاز الصحراء ما بين العراق وسوريا في خمسة ايام لنجدة جيوش المسلمين في فتح الشام، والعهد الذي أعطاه لمسيحيي الشام، لمّا دخل دمشق فاتحاً منتصراً.
كذلك مسيرة Sherman التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية الأميركية،
كذلك قيادة Patton لأسرع جيش في العالم في الحرب العالمية الثانية.
من هذا المنطلق، يدور بحثي عن بطل الاستقلال في سوريا ؟
انه من دون شك سلطان باشا الاطرش،
في إعلانه الى السلاح ، الى السلاح بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، حيث حدد الآتي :
- وحدة البلاد السورية
- قيام حكومة شعبية
- جلاء الجيوش الأجنبية
- تأييده مبادئ الثورة الفرنسية
- الدين لله والوطن للجميع
يهمني من اعلان سلطان باشا الاطرش
هذا المبدأ، الدين لله والوطن للجميع، واترك للقراء الأعزاء الرجوع الى الكتب الكثيرة في سيرة بطل استقلال سوريا.
هذا المبدأ لو جرى إعتماده، في الدساتير التي تلت الثورة، والتي تغيرّت وتبدٌلت على مرّ الزمن، كانت سوريا بالذات أنقذتها هذه المادة، !! وكان حتماً هذا المبدأ، سيّغير مجرى التاريخ.
بتاريخ ٢٥ أيلول ١٩١٨، لبّى سلطان الاطرش نداء الثورة العربية الكبرى بقيادة
الشريف حسين، وقام مع اخوانه المجاهدين باحتلال قلعة بُصرى الشام.
وفي نفس السنة من العام ١٩١٨ إشتبك مع الأتراك والالمان في تلال المانع على مشارف دمشق.
دخل دمشق في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨
ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وهو اول علم عربي يرفرف في سماء دمشق بعد احتلال دام ٤٠٠ سنة.
في ٢ تشرين الاول ١٩١٨، دخل الامير فيصل دمشق، ومنح سلطان الاطرش رتبة عسكرية ( باشا ).
هّب لمساعدة ونجدة الزعيم يوسف العظمة في معركة ميسلون، ولكنه لم يفلح باعتبار ان المعركة حُسمت قبل وصوله.
لم يتمكن من إقناع الملك فيصل بإقامة دولة عربية في السويداء، لمقاومة فرنسا، لان حسابات الملك فيصل تختلف عن حسابات سلطان باشا الاطرش، لان الملك غادر حيفا على متن الطراّد الإنكليزي !!
بعد انكسار ثورة شمال سوريا، بقيادة ابراهيم هنانو، لجأ هنانو الى سلطان باشا الاطرش، الذي أوصله الى عمّان.
قصة المجاهد أدهم جنجر
ثار سلطان باشا الاطرش على فرنسا بنطاق واسع، عندما ألقت القوات الفرنسية على ادهم خنجر المتهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو، عندما كان بضيافته، في بلدته القرّيا، وهو كان خارجها.
طالب سلطان باشا الاطرش بإطلاق سراح أدهم خنجر، لم يُستجب طلبه.
هاجم وإخوانه المجاهدين القوة الفرنسية،
ومن هنا بدأت الثورة الاولى بالعام ١٩٢٢.
قاد الثورة الكبرى بالعام ١٩٢٥
اصدر بيانه الشهير الدين لله والوطن للجميع، وتمّ اختياره قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية.
عمّت الثورة ارجاء الوطن السوري، وأمتدت الى البقاع اللبناني واستولى الثوّار على قلعة راشيّا وأحرقوها !!
أرسل قائد الثورة السورية رسلا ً الى الملك عبد العزيز آلِ سعود والى الملك فيصل الاول والى مصر وفلسطين للتأكيد على وحدة الكفاح العربي ووحدة الهدف لمتابعة الثورة !!
لم يلق الرسل، التجاوب لان الحسابات الإقليمية والشخصية تختلف عن حسابات هذا القائد كما أشار اليها في إعلانه المحددة أهدافه ومراميه ( الوحدة ... الخ. )
كانت نظرته للأمور الوطنية تختلف، عن ما هو سيخطط لهذه البلاد العربية من تقسيم وتفتيت، وللأسف لم تتوقف المخططات الموضوعة والتي ساعد على تنفيذها دون شك بعض من أهل الوطن.
بعد المنفى، لمّا رجع سلطان باشا الاطرش الى سوريا، استقبلته دمشق في ١٨ أيار
١٩٣٧، إستقبال الأبطال.
اذا، قيس التكريم بالحفلات، والاستقبالات نال سلطان باشا الاطرش حقه !!
أما غير ذلك، لم تنل مبادئ الثورة أي تدوين في الدستور، او الدساتير اللاحقة، وبذلك ضاعت دعائم بناء الوطن وفق تصّور قائد الثورة، في غياهب الزمن !!
لو طبقت مبادئ ثورته في الدساتير اللاحقة، ودونّت نظرته الشمولية، للأوضاع التي كانت تهدد الكيان بعد هزيمة السلطنة العثمانية، وسلطة الانتداب الفرنسية، كانت الامور، حتما خلاف ما هو عليه الان.
إن الفرص التاريخية لا تتكرر،
كانت البلاد العربية قبل الثورة السورية
بقيادة سلطان باشا الاطرش ترزح تحت نير العثمانيين الذين وئدوا الحريات طيلة أربعة قرون متتالية، وكانت الذهنية العربية في ذلك الوقت تطمح الى الحريات ولا تعنيها الخلافة بالمعنى الديني الضيق الذي كانت تمارسه السلطنة العثمانية والتي أرخت ظلالا من الفساد على جميع المستويات الدينية والدنيوية.
لم تؤخذ مبادئ ثورة سلطان باشا الاطرش
ولم تطبق شعاراته، التي أطلقها منذ حوالي ١٠٠ سنة. على اي دستور من الدساتير التي فرضت على سوريا وغير سوريا من البلاد العربية.
اليوم وبعد حوالي ١٠٠ عام، بدأنا نسمع صيحات هنا وهناك ( الشعب يريد تغيير النظام )، هذه الصيحات أطلقها الأجداد ضد الامبراطورية العثمانية، وضد الانتداب الفرنسي، وأنتجت ثورات وتضحيات، ولكنها ضاعت !!
خوفي، ان، تضيع هذه الصيحات مجددا !
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
تموز ٢٠١٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق