لقد طغت الأحداث الاخيرة المؤلمة على مدينة طرابلس، وأصبحت الحياة فيها صعبة بعد ان كانت على مر التاريخ من اهم المدن التي ازدهر فيها العلم والثقافة والدين، وقد سعيت في بحثي هذا الى إظهار بعض الجوانب التاريخية لهذه المدينة، وحسبي ان تستعيد عافيتها لتحتل المركز الذي كان يرافقها منذ القدم.
طرابلس في التاريخ، وتسميتها:
تطالعنا بعض الأقلام ان التسمية، لطرابلس هي طرابلس الشام، وقد رغبت في ان اصل الى حقيقة الاسم من المراجع الموثوقة والكتب التاريخية الموجودة في المكتبات العالمية.
من المعروف عن طرابلس انها كانت تنتج اجود وافخر انواع الورق، في أوائل الخلافة الأموية ومن بعدها الخلافة العباسية، وقد ذكر ذلك الطبري والفهرست ومقدمة ابن خلدون والمقريزي كل هذه المراجع كانت تبين طرابلس انها مدينة من مدن سوريا باعتبار ان كلمة سوريا في ذاك الوقت تشمل جغرافيا ًسوريا الحالية ولبنان والأردن وجزء من العراق وشمال الجزيرة العربية.
بعد الفتح الاسلامي جرى تقسيم سوريا الى ٤ أجناد :
قنسرين
حمص
دمشق
والأردن
وقد ضمت طرابلس الى جند دمشق.
يتضح ان تسمية طرابلس باسم طرابلس الشام هي تسمية غير صحيحة كأن يقال مثلاً، عمان الشام، باعتبار ان الفتح العربي الاسلامي لم يدخل تعبير الشام على اي تقسيم اداري بل خصّ دمشق بأنها جند مستقل حتى عن حمص واتبع طرابلس الى دمشق اداريا وسياسيا.
اما الامير حيدر أحمد الشهابي في مجلداته :
الغرر الحسان في تواريخ حوادث الأزمان
الروض النضير
نزهة الزمان في تاريخ جبل لبنان
فانه أتى على الكثير من اخبارٍ طرابلس، وقد حدد موقعها عندما أتى على ذكر موت أمير تولوز بالعام
١١٠٥ انه دفن في جبل الغرباء بقرب طرابلس.
ولم يقع نظري في هذه المجلدات على الإشارة بان طرابلس كان يطلق عليها طرابلس الشام.
قبل الانتداب على سوريا ولبنان ومن بعده، كان موثقوا القناصل الفرنسيين في المنطقة والمؤلفين منهم
Charles Schefer
في كتابه المطبوع في باريس بالعام ١٨٨١ يكتبون عن طرابلس انها مدينة من مدن سوريا، لتفريقها عن طرابلس الغرب ( ليبيا )
بعد استقلال لبنان جرى سلخ بعض المدن من سوريا من ضمنها طرابلس، ولم تذكر وثائق الاستقلال تسمية طرابلس الشام.
في مطلق الأحوال لا يمكن ان نغفل كلمة الشام لانها اليوم هي بالذات العاصمة دمشق.
في بداية القرن العشرين، بدأت الأحزاب ذات الصبغة القومية العروبية بإطلاق اسماء مثل ( سوريا الكبرى ) على منطقة كبيرة جداً من ضمنها العراق وهي بالتأصيل التاريخي تُعرف ببلاد ما بين النهرين فيها زهت حضارة بابل وما قبلها.
أهمية طرابلس الثقافية، العلمية والأدبية
يقول الدكتور فيليب حتي في كتابه تاريخ العرب ان، الشاعر والفيلسوف ابو العلاء المعري المولود بالعام ١٠٥٧م تردد على الأوساط العلمية في طرابلس، وقد توفي في معرة النعمان بسوريا، مما يدّل على ان طرابلس كانت فيما مضى ملتقى الأدباء وأهل العلم .
في عهد السلاجقة في الأعوام ١٠٥٥م وما يليها كانت المدن السورية كلها ما عدا طرابلس عليها أمير سلجوقي وكان أميرها من بني عمار، مما يبيًن انها كانت تواقة للاستقلال، ويضيف الدكتور حتي ان طرابلس كانت من اعظم المرافئ السورية، الذي جعلها هدفا ًللكونت ريموند الذي تجنبها في زحفه الى بيت المقدس.
بالعام ١١٠١ م عاد وحاصرها ولكي يعزل المدينة عما حولها ويقطع الإمداد عنها بنى قلعة علي تل مجاور يطل على نهر ابو علي اي تل الحجاج
Mon Pellgrims
ولم يطل الامر حتى اصبح هذا التل مركزاً نما حوله حي لاتيني كبير.
طال الحصار ولم تستسلم المدينة، وقيل ان وفداً من طرابلس ذهب الى بغداد على رأسهم زعيم المدينة ولكنهم لن يظفروا بالاستغاثة.
مات ريموند في قلعته دون ان يحقق حلمه باحتلال طرابلس ولم تسقط الا بالعام ١١٠٩ م وهكذا تأسست كونتية طرابلس ( نفس المرجع د. حتي )
بالنصف الاول من القرن ١٧ ظهرت القرصنة في البحر الأبيض المتوسط، نشروا الرعب والخوف والهلع وكانت الدول الضعيفة عسكريا ما خلا بريطانيا العظمى تدفع جزية للقراصنة حتى يسلم رعاياها من الخطف والقتل، ومن هذه الدول هولندا والدنمارك واسوج، وحتى الولايات المتحدة الأميركية التي التمست السلامة لرعاياها بدفع الجزية للقراصنة ، ويذكر الكاتب الأميركي
Stanly Lane Poole
The story of the Barbary corsairs
Printed in New York year 1891
في كتابه ان الولايات المتحدة الأميركية اضطرت بالعام ١٧٩٦ م ان تدفع مبلغ ٨٣ الف درهماً سنوياً الى ( داي طرابلس ) ونتج عن إصرار الداي بالدفع ان دامت حربا طيلة ٤ سنوات.
ولكن بالعام ١٨١٥ م هاجم الأسطول الأميركي مركز القراصنة في الجزائر وقضى عليهم، ولم تعد طرابلس بعد ذلك منطلقاً للقراصنة .
ابن طرابلس الشيخ محمد رشيد رضا، من اتباع الشيخ محمد عبده ذهب الى مصر بالعام ١٨٩٧م، المتوفي بالعام ١٩٣٥، وحرر تآليف الشيخ محمد عبده، ( تاريخ الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده ) ٣ مجلدات، وكتب ترجمة حياته ونشر تعاليمه في مجلة المنار
كذلك، له تفسير القرآن الكريم ب ٨ مجلدات ( القاهرة ١٣٤٦ ه )
يتضح من أعلاه ان طرابلس، كانت وما زالت مركزاً مهماً دينياً وفكرياً وللقومية العربية، كانت موئلا ً ومن أهلها كان الدعاة، لهذه الحركة ومن الظواهر إقبال أهلها على الأدب العربي القديم والبحث في التاريخ الاسلامي. وكانوا من دعاة تنظيم المجتمع العربي على أساس سياسي ديموقراطي، والتوفيق بين الاسلام وروح العصر الحديث !!
هذه هي طرابلس بالتاريخ،
وهذا ما أرجوه لطرابلس بالحاضر والمستقبل !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق