Pages

الأحد، 17 سبتمبر 2023

المِحَّن التي طالت الديانة المسيحيَّة. الجزء الثاني مِن المِحَّن التي ضربت الديانات السماويَّة. دراسَّة تاريخيَّة.


 

المِحَّن التي طالت الديانة المسيحيَّة.  

الجزء الثاني مِن المِحَّن التي ضربت الديانات السماويَّة

دراسَّة تاريخيَّة، 



المقدمَّة التي لا بُدَّ منها :

أُكرر ما قلته سابقاً …

وحتى لا ينبري أحدهم  …

أقول إنَّ  مُدوَّنتي هذه تاريخيَّة فيها سرد للأحداث والوقائع المأساوية والحروب والمِحَّن التي شُنَّت بإسم الدين ولا تبحث في العقائد الدينيَّة لهذه الديانة

المِحَّن التي طالت الديانة المسيحيَّة

سيكون مدار بحثي عن المِحَّن التي هزّت كيان الديانة المسيحيَّة عبر التاريخ بدءاً مِن القرون الوسطي في كل مِن أوروبا وانكلترا، كذلك سأُلقي ضوءاً خافتاً على الهجّرة التي سلكها واعتمدها المسيحيون المؤمنون المضطّهدون نحو القارة الجديدة ( أميركا ) هرباً من الملاحقات القضائية الكهنوتية ضدَّهم

أوروبا وانكلترا في القرون الوسطى 

في شهر أيلول  من العام ١٦٠٧  رست ثلاثة بواخر 

أهمَّها الباخرة  May Flower  في :   

Chesapeake Bay وعلى متنها المهاجرون الإنكليز الذين حلَّوا  في  James Town في الساحل  الشّرقي من القارة الأميركيَّة الجديدة وبعدها توالت موجات المهاجرين إلى أميركا.  

قبل التاريخ أعلاه كانت أوروبا مسرحاً للاضطهاد الديني المسيحي في مذاهبه كافةً، وكانت الكنيسة فِي روما توازيها حدةً الكنيسة الإنكليزية في وضع ضوابط على رعاياهما، وتفرض قيوداً على الشعائر الدينيَّة وتقوم بالملاحقات القانونيَّة أمام محاكم التفتيش من أجل قمع

الحريات الدينيَّة. وقد أفرد الكُتَّاب ورجال الكنيسة المُدوَّنات الطويلة في شرح المجتمع المسيحي وكيف كانت المذابح والمشانق وشتَّى أنواع وأشكال التعذيب والهوان تطال المسيحي المؤمن وفق ما يدركه من الرجاء المطلوب للحياة.  

إعتبر  رجال الدين المسيحيون والمؤرِّخون على حدٍ سواء أنَّ تلك الفترة هي مِحنَّة الدين المسيحي التي طاول لهيبها المسيحي المُؤمن، ونخرت في عذاباتها صلب العقيدة.  


أمثلة عن المِحَّن التي طالت الدين المسيحي :

- فِي إنكلترا اضطهد البروتستانت الكاثوليك

- فِي فرنسا وقعت مذبحة البروتستانت الشهيرة :   ( ١٥٦٢ / ١٥٧٢ )

  • حرب الثلاثين عاماً في أوروبا والتي ابتدأت في العام :

١٦١٨ وانتقلت من بلدٍ إلى بلدٍ أخر.  

- في ألمانيا تحارب الكالفينيون  واللوثريون،  وكلاهما من  

البروتستانت

- فِي العام  ١٦٨٣ دبَّ الهلع والخوف في أوروبا حين  وصل سليمان  القانوني ( الإمبراطوريَّة العُثمانيَّة ) إلى أبواب فينا وبدأت  دول أوروبا الشرقيَّة  تتساقط الواحدة تلو الأُخرى حيث كان لا بد لأوروبا المسيحيَّة  والخطر العُثماني الإسلامي على الأبواب يُحدِّق  ويتربص بها  وكان عليها أن تفيق بعد سُبات عميق.  

- ظهور حركة المفكِّرين المُلحدين في إنكلترا

- هولندا تبنَّت الكالفانية مذهباً رسمياً للدولة وبدت وكأنَّها  موئلاً للأقليّات.  


كان اليأس المسيحي في ذروته في أوروبا وإنكلترا في ذلك الوقت، لذا توالت هجرات الأوروبيين إلى القارة الأميركيَّة، يحدوهم الأمل والرجاء في أن يمارسوا طقوسهم في العالم الجديد في حريَّة تامَّة، لأنَّ القلوب كانت عامرة بالمحبة، والعقول كانت مشحونة بالإيمان، ولا ينقصهم إلَّا أرضاً يمارسون عليها شعائرهم، ولهذا بدأت تظهر في أفئدة المؤمنين عبارة God bless America لأنَّ أميركا أمَّنت الرجاء المسيحي المطلوب في الممارسة الدينيَّة التي يحلمون ويعتقدون

الأرض الموعودة، العالم الجديد أميركا

يقول الشاعر العربي :

ما كلُّ ما يتمناه المرءُ يدركه 

تجري الرياح بما لا تشتهي السفُن

قد ينطبِّق بيت الشعر هذا على الإنسان العربي بالأمس وينطبق عليه اليوم أيضاً، لكن تبين عدم صحته على المهاجر المسيحي إلى العالم الجديد الذي كان يأمل في إيجاد Safe Haven يحميه مِن الاضطهاد الذي عاناه في وطنه الأم وقد وجد ضالته وأدركت سفنه الرياح المؤاتية وأرست مراسيها في الأرض الموعودة

كان الهمّ لهذا المهاجر المسيحي أن يُقيم  شعائره الدينيَّة بحريَّة تامة، لا عوائق أو زواجر أو عقوبات أو ملاحقات فيها، لأنَّه عانى الكثير وبقي صابراً مؤمناً مثابراً في عبادة الله وفق الإيمان الذي ورثه من الآباء والأجداد 

عند اندلاع الثورة الأميركيَّة المجيدة وتحديداً ٤ تموز ١٧٧٦ تاريخ إعلان الإستقلال كان الدين المسيحي  بطوائفه البروتستانتية الإنجيلية والكاثوليكية، يُشكِّل الأغلبية العظمى، وكانت المذاهب البروتستانتية لها كنائسها الخاصة، كالمعمدانية والخمسينية واللوثرية والمشيخية  والميثودية والانجليكانية ( الإنجيليين )  

أمَّا الكنيسة الكاثوليكية فهي ثاني أكبر الطوائف في أميركا، تليها الكنيسة الأرثوذكسية

إزاء هذا التعدُّد في المعتقدات الايمانية للدين المسيحي الواحد، وتجنباً للفتن والخلافات ما بين المذاهب للدين الواحد، كان لا بد من إيجاد حلول لدرء الأهوال التي عانت  منها أوروبا، والحلول والوسائل الكفيلة لتجنب الحروب المذهبية.  

الحلول لا تأتي من عقليَّة مُتحجِّرة راسخة من مبدأ أنا أو لا أحد، وكان لا بدَّ من عقول نيِّرة تُؤمن بالرأي الآخر والعقيدة الدينيَّة الأُخرى.   

في خضمِّ هذا المخاض العسير، حبا الله أميركا رجالات عظام أمثال توماس جفرسون وبنجامين فرانكلين  وجورج واشنطن، وصحافة شريفة متمثلة في :

 The  Federalist  papers  حيث كتب  كل مِن  جايمس ماديسون واليكسندر هاميلتون وجون جاي وبابليس  حوالي ٨٥ مقالة لمؤازرة إصدار دستور جديد، يكفل ويضمن الحريَّات الدينيَّة على أنواعها

صدر هذا الدستور بالعام ١٧٨٧م 

يهمني من الدستور الأميركي إبراز المواد الدستوريَّة التي تُظهر كيف جرى حلّ العقدة المستعصية وهي التناحر الديني والتقاتل المذهبي والوسائل التي تكفل حماية المؤمنين في ممارسة معتقداتهم.  

المادة الاولى :  Freedom of religion 

المادة الثانية : Rule Of Law

حريَّة المعتقد في أميركا تعني أن تُمارس شعائر دينك، أو لا تمارس أي شعائر دينية :

You can practice any religion or not practice a religion.  

وحتى تحفظ الدولة الحريَّة الكاملة لرعاياها في ممارسة الطقوس الدينيَّة أو الحق في عدم ممارسة أي شعائر دينيَّة برز الهرم المنتصب أمام  Supreme  Court  

المحكمة العليا في واشنطن والذي يوازي بعنفوانه وجبروته تمثال الحريَّة في نيويورك، ألا وهو هيبة الدولة

هيبة الدولة فِي أميركا تعني أنَّ القانون يعلو ولا يُعلى عليه

ويكفي هذا التوضيح لأنَّه من قبيل ( ما قلَّ ودلَّ ). إنَّ المساس بالكبائر في أميركا يؤدي إلى فتح أبواب جهنم على من تخوِّله نفسه العبث في هكذا أفعال جرميَّة وهي المسّ بالقانون

مِن الكبائر والخيانة العُظمى :

  • العبث بمُعتقدات الأديان والمذاهب لمواطن أو مُقيم في طول البلاد وعرضها
  • العنصرية
  • الضريبة

لجهنم في أميركا أبواب أربعة، وهي إذا المواطن الأميركي والمقيم خوَّلته نفسه العبث في مُعتقد غيره، أو حاول أن يُجبره على ترك مُعتقده، أو طلب إليه عنوةً الانضمام إلى مُعتقده، حينها تُفتح هذه الأبواب الأربعة على مصراعيها، فلا أُمّاً يجدها حتى ترحمه، ولا نافذاً يتوَّسط إليه، لأنَّ المساس بالدين هو من الكبائر

وإذا نظرت إلى فسيفساء الأديان والمعتقدات في أميركا

وإذا حاولت ان تحصي القوميَّات والاثنيات المُنتشرة في هذه البلاد الكبيرة، فلن تصل إلى إحصاء أو نتيجة واحدة.

ولكنَّك تُدرك حقيقة واحدة ساطعة أمام ناظريك، وهي أنَّ الجميع سواسية أمام القانون، لا يفرِّقك دينك عن دين غيرك شيئ، ولا يعطي دينك عن دين غيرك أي امتياز، لأنَّ  مِحنَّة الأديان ولَّت في أميركا.  



فيصل المصري


أُورلاندو / فلوريدا


 أيلول ٢٠٢٣م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق