Pages

الأربعاء، 10 مايو 2023

إنَّها صليما، مسقط رأس أبي وأُمي. والشوق لزيارة مقرَّهما. وعسى أن تكون مقرِّي.


 

إنَّها صليما، مسقط رأس أبي وأُمي

والشوق لزيارة مقرَّهما

وعسى أن تكون مقرِّي.   



المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها

ويسألونك عن صليما


يقول الخوري اسطفان البشعلاني في كتابه القيِّم ( تاريخ بشعلي و صليما ) طبعة ١٩٤٧ في وصف  

صليما

( أنَّها بلدة جميلة تناهى جمالها وتعددت محاسنها، فهي حسنة الموقع خصبة التربة، طيبة الماء والهواء، وقد احاطت بها اشجار الصنوبر احاطة السوار بالمعصم، وكأني ب صليما ملكة قد استوت على عرشها، ولو أنَّ ده لامرتين الشاعر الفرنسي زار وادي صليما لأنساه وادي حمانا ). 

في وسط صليما تقوم  السراي الشامخة عبر التاريخ  والتي اتخذها الأمراء اللَّمعيون عاصمَّة لإمارتهم، إعتباراً من العام ١٦٣٠م

تبعد صليما عن  بيروت حوالي ٣٦ كلموتقع في المتن الجنوبي، قضاء بعبدا، ترتفع حوالي ٩٠٠ متراً عن سطح البحر

يقول أنيس فريحة في كتابه ( مُعجم أسماء المدن والقرى اللبنانية ) إنَّ  أسماء الأمكنة في لبنان قديمة جداً، وهي في معظمها أمُورية أو  كنعانية أو  فينيقية  أو آرامية، والراجح أنها أسماء سريانيةأمَّا الأسماء العربيَّة فهي قليلة جداً، ويضيف الدكتور فريحة عن إسم صليما : إنَّه يعني الأصنام أو الصنم المنقوش والمنحوتة

ونظراً لِثقلها السياسي في ذلك الوقت سكن صليما وعاش فيها عائلات كثيرة مسيحية  ودرزيَّة وهي

المصري، سعيد، التيماني، طلب، الحلبي، البشعلاني، المشعلاني، الناكوزي، الأسمر، رزق الله، الزغلول، الخوري، زين، كساب، الحويك، وبشور، فريحة، ميدعي، شيبان، أسمر، كسّاب، غالب، ناصيف، أبو عسلي، صهيون، القاصوف، وغيرها من العائلات.  

إشتهرت  صليما، بأنَّ  إبنها  أنطون  يوسف البشعلاني هو أول  مهاجر لبناني إلى الغرب، تحديداً الولايات المتحدة الأميركيَّة وذلك في العام  ١٨٥٤. ومما يذكر أنّّه كان مدة اقامته في أميركا يرتدي الثوب اللبناني والطربوش على رأسه.  

كذلك ذاع صيت صليما كونها عاصمة الإمارة الَّلمعية التي  حكمت  منطقة جبل  لبنان، ردحاً من الزمن

فضلاً عن ذلك كان يوجد فيها سبعة معامل حرير حتى أوائل القرن الماضي، الأمر الذي استقطب يداً عاملة زراعية لإنماء شجرة التوت، وصناعية لتشغيل هذه المعامل

في هذه الدراسة  سأذكر صليما إبَّان الحكمين العثماني والمصري في القرنين الثامن عشر  والتاسع عشر، حتى أُبرز الوجه القبيح للإمبراطورية العُثمانيَّة البائدة، والتي تركت هي وفلول الحكم المصري جروحاً وقروحاً ونُدوباً في جبين لبنان والعالم العربي، كذلك لمحة تاريخيَّة موجزة بقدر الامكان عن العائلة الَّلمعية

بداية

لم  أتمكن من الاطلاع على أي  صك مكتوب أو مؤرخ وموقَّع  من أي  فرد  من  هذه العائلات الكريمة

أيضاً لم  أعثر  على  أي  قصاصة ورقية  تحكي  عن ( سفر برلك ) أو أعمال  السخرة  والتجنيد  الإجباري السافر  بالجيش العثماني  الانكشاري،  ومرد  ذلك يعود إلى أنَّ  معظم  العائلات الدرزيَّة  والمسيحية العامية، ( بخلاف  العائلات  الدرزيَّة  الإقطاعية ورجال  الكنيسة المسيحيين )  لم تدِّون تاريخها. بل كان  يتّم  التدوين  في  كنيسة  القرية  على  يد الخوري المسؤول وبنطاق  ضيِّق.    

بعض  العائلات  الدرزيَّة  الإقطاعية، كان  الشيخ  أو الأمير فيها  يستكري  كتبة من الدروز أو المسيحيين المتعلمين لكتابة  تاريخ  أو أحداث  هو يمليها  عليهم وفق  مزاجه، الأمر الذي يجعل  بعض  أو  معظم هذه المخطوطات قابلة  للطعن.  

أمَّا  فيما  يتعلَّق  بتاريخ  صليما  والأمارة  اللمعيَّة   في الفترة المنوَّه بها  أعلاه، فإنَّ  المصادر  التي اعتمدت  عليها، تعود  إلى  تاريخ  الأمراء  الَّلمعيين، كانت عائلة  درزيَّة  إقطاعية  في ذاك  الزمن،  تدوِّن أحداثها، بالاضافة إلى أنَّ  النقص  في تاريخ  تلك الأحداث  من  قبل  عائلات  صليما،  لا يمنعنا  من استقصاء  الحوادث  من  أمهات  الكُتُب وبطون المراجع  لمؤرِّخين أصحاب مصداقية  كتبوا عن السخرة  والسفربرلك، والانكشارية، أو عن طريق الاستدلال.  

أمَّا  تاريخ  صليما أثناء الحكمين البغيضين العثماني والمصري،  فما  وصل إلينا منه هو قصص مرويَّة عن الأجداد وفيها أنَّ  فلان  إبن  فلان، أخذه الأتراك من بيته  ليلتحق  بالجيش  إلانكشاري أو السخرة لمد سكة حديد الحجاز، أو لاستخراج الفحم  الحجري. والمؤلم أنَّ  هذا الشخص إنْ  ذهب  فلا يَعُد، وإنْ  عاد  كان الراوي  من  عاش من  أهله

وقد  ذُكِر  في  بعض  المجلات عن  ثورة  في  صليما عام ١٨٤٠ وإنَّ  الأهالي اعتقلوا  قائد  فرقة  الجيش المصري  مع  بعض عناصره،  وأنَّهم رفضوا تسليمهم إلا  بعد أن  تدخَّل  الأمير  بشير  الشهابي وابراهيم باشا المصري، وتقول الرواية أنَّه على إثر هذه الحادثة  تمَّ  إلغاء  السخرة  عن أبناء صليما

هذه  الواقعة أو الثورة  إنْ  حصلت، فإنَّها  تكون  في ذاك الزمن حدثاً  جللاً يسترعي  انتباه  المؤرِّخين المستقلين، ويستدعي إصدار أمر من  ديوان  الأمير بشير الشهابي، ويتطلَّب فرماناً مُسجَّلاً  في  سجلات الجيش  المصري، وبمطلق الأحوال الإشارة  إليه في مخطوطات  المكتبة  الهمايونية  بإسطمبول، كل  هذا لم نجده  بعد البحث  والتقصي

إنَّ  المؤرِّخين  شدَّدوا  على  أنَّ   حملات  محمد  علي باشا وإبنه  إبراهيم  باشا  على  لبنان  كان  الهدف منها تأديب  الثوار  وخمد  الفتن  وفرض  الجزية واستيفائها  بالقوة  وزرع  الفوضى  وأعمال  النهب والسرقة وتأليب الفتنه بين الأهالي، لا بل  في  إحدى حملات  إبراهيم  باشا  قبل هزيمته  المشينة  في بحرصاف (  قرية  قرب  بعبدات  ) عاث جيشه بإحدى  القرى المجاورة  حرقاً ودماراً واغتصبوا بعض النسوة.

كذلك لم  يقع  نظري على مخطوطة  تفيد  بأنَّ  صليما  قد تعرَّضت لأي  هجوم من الجيش المصري  الذي أُشتهر بالهمجية في  مواجهة  أي  ثورة  قامت،  أو تمرُّد  حصل. كل  ما  في  الأمر قد  يكون هناك تململ  من  أهالي  صليما، أو  إمتعاض  لم  يبلغ درجة الثورة، خاصةً  وأنَّ أعمال  السخرة  لاستخراج الفحم  من  تلال  البلدة  قد أوقدت  هذا  التململ وعدم الارتياح، فضلاً  عن  أنَّ  الأمير  بشير  الشهابي، في  سنوات  حكمه  لم  يكن  عادلاً  أو منصفاً حتى  يقف هذا الموقف المُشرِّف، بل كان فاسقاً ومُجرماً ومُحرضاً همَّه إضعاف سلطة الموحِّدين الدروز في الجبل.  

من  خلال  اطلاعي لم  أجد  صلة  تربط  ما  بين إبراهيم  باشا و صليما، إلَّا عند  انهزامه  في قرية بحرصاف، وقد  انسحب جيشه إلى ( قرنايل بعد صليما لجهة حمانا ) ووقف  هو  في صليما  مع  ثلة من  حرسه  طلباً  للماء.

العائلة اللمعيَّة مِن رتبة  المقدمين إلى مقام الامراء، أصلهم ومواطنهم.

ينتسب الأمراء الَّلمعيون إلى الأمير أبي الَّلمع الذي يعود نسبه إلى بني الفوارس التنوخيين، أشرف القبائل العربيَّة التي قدمت من الحيرة إلى جوار حلب ومن ثم رحلت إلى لبنان واستقرت نهائياً

التنوخيون يرتقي أصلهم إلى النعمان بن المنذر المعروف بابن ماء السماء اللخمي وهو من ملوك الحيرة  الذين عانوا من ملوك الفرس الغدر والعداء كونهم مِن  العرب، ولمَّا وصل الحكم إلى النعمان الرابع الذي حارب ملك الفرس ( خسرو ) بالعام ٥٤٩م، غدر خسرو بالنعمان وقتله، الأمر الذي جعل إبنه المنذر أنْ يهاجر وقبيلته إلى حلب ومن ثمَّ إلى لبنان

اعتنق الَّلمعيون بأواخر القرن الرابع للهجرة الدعوة التي ظهرت في مصر أيام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله كغيرهم من القبائل العربيَّة وأصبحوا مِن المدافعين عن عقيدة الموحِّدين الدروز في جبل لبنان.  

كان الَّلمعيون من الحزب القيسي ( يعود هذا التحزُّب إلى ما قبل الإسلام بين زعيمين قيس ويمن وساد بين القبائل العربيَّة وحملته معها هذه القبائل حتى معركة عين داره ١٧١١ المشؤوم ذكرها في تاريخ الدروز )

صاهر الأمير فخر الدين الثاني المقدمَّين آل أبي الَّلمع كذلك الأمير حيدر الشهابي صاهرهم بعد موقعة عين دارة ورفعهم إلى مقام الإمارة.

محل إقامة آل أبي الَّلمع.  

سكن الَّلمعيون منذ قدومهم لبنان بلدات كفرسلوان والمتين  ورأس المتن  والشبانية  وقرنايل  وفالوغا والعبادية وبسكنتا ورومية  وبيت مري  وبرمانا  وبيت شباب وبكفيا، والمهم  والأهم عاصمتهم كانت بلدة صليما، التي كان لها من الجاه والعز في عهدهم أن تُباهي البلدات الكبرى

يذكر التاريخ أنَّه في  السنة  ١٦١٧م  بعد عودة الأمير علي  بن  معن إلى صيدا، أعطى  حكم  بلاد  المتن إلى  مُقدِّمي  كفرسلوان  من بيت  أبي  اللمع

وفي سنة  ١٦٣٠م في  زمن السلطان  محمود الأول إبن  السلطان الثاني العثماني بنى المقدم حسين  أبي  اللمع داراً عظيمة  في  صليما وقطن فيها. ( السراي ). 

في سنة ١٧١٠م  بعد  معركة  عين  داره ( تُراجع مُدوَّنتي عن عين دارهما  بين القيسية واليمنية، وقف اللمعيون  إلى  جانب  الأمير  حيدر  الشهابي، حيث لمع  في  هذه  المعركة الفاصلة، المُقدَّم  مراد  أبي اللمع، كفارس  شجاع  إذ أبلى  بلاءً منقطع النظير هو  وإخوانه المقدِّمين، فكانت  الجائزة  الكبرى إن خلع  الأمير  حيدر على الَّلمعيين لقب ومقام  الإمارة، وبات  كل  المُقدِّمين  أمراء ، ينال  كل منهم التعظيم والتشريف،  وزيادة   في التكريم والتبجيل، تزوَّج الامير  حيدر الشهابي منهم  وزوَّج  إخته للأمير عبدالله أبي الَّلمع وأعطاه  قاطع  بيت  شباب ومنح  الأمير مراد أبي الَّلمع نصف حكم  المتن.

وهناك  رواية  أُخرى  موثَّقة  في  أحداثها،  تفيد  أنه بعد  معركة  عين  داره، تقدَّم  أحد  تابعي  الأمير مراد  أبي  الَّلمع، وناداه  باسم  المُقَدَّم،  فغضب غضباً شديداً  وهجم  عليه وزجره  وقال  له،  قد  قتلت  بهذا السيف  خمسة أُمراء  من  آلِ علم  الدين  في  عين دارة،  وما  زلت  تناديني ( بالمقدَّم ) فضربه وقتله.

ومنذ  ذلك  الوقت  لم  يعد  أحد يتجرَّأ  بمناداة  مقدَّم لأي  أمير لمعي.

تنصُّر العائلة  اللمعية  وأثرها  على عائلتي المصري وسعيد الدرزيتين


من الثابت  والمؤكَّد تاريخياً أن  تنصُّر بعض  العائلات الدرزيَّة  الإقطاعية والعامية قد  شكَّل  نكسة  في الخاصرة الدرزيَّة ( ليس مجال بحثنا )  ولكن يجب التوقُّف  للتنويه  بهذه العائلة  الَّلمعية الكريمة  التي تنصَّرت، ولم  تأتِ بأي  ضرر أو تقوم  بإيذاء العائلات الدرزيَّة التي  كانت  في  كنفها  أو تجاورها أو تحكمها  كالعائلة  الشهابية  التي  أجلت  وهجَّرت آل نكد  من  دير القمر  إلى  الشحار  الغربي ( عبيه ).


الأمراء  الَّلمعيون،  بالرغم  من تنصُّرهم، لم  يمنعوا  شقيقتهم الأميرة  اللَّمعية السِّت زهر أم  سليمان، أن تبقى على  دين  التوحيد  الذي  وصل  إليها  من الآباء  والاجداد،  حيث بقيت  على  دينها  إلى  حين  وفاتها، وقد أَوصت وأوقفت أملاكها  المنقولة  وغير  المنقولة، مناصفة  بين  عائلتي المصري وسعيد، حتى أنَّ قصرها  الرابض على تلة  مشرفة  على  صليما، ما زال شاهداً وشامخاً  يرفرف من  على  سطحه  علم التوحيد المخمَّس الحدود، يستظل  من  فيئه خلوةً ومجلساً  للمؤمنين، أمَّا  مدفنها  الشريف  أصبح مزاراً  ومقاماً   في بقعة  مشرِّفة  يطلق  عليها القبِّة

( تراجع مُدونَّتي عن الأميرة الست زهر أبي الَّلمع ).  


فيصل المصري

أُورلاندوا / فلوريدا

أيار ٢٠٢٣


المراجع :

- المُدونَّات الفيصليَّة كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ

- تاريخ  بشعلي و صليما، كتاب الخوري اسطفان البشعلاني

- الغرر  الحسان  في  تواريخ  حوادث  الأزمان.  

نزهة  الزمان  في  تاريخ  جبل  لبنان

- الروض  النضير، ( للأمير حيدر أحمد الشهابي )

- تاريخ  العرب، للدكتور  فيليب  حتي

- معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية للدكتور انيس فريحة

- المكتبة  الهمايونية  في  إستامبول

- من  سجلات  حملات  محمد  علي  باشا



هناك تعليقان (2):

  1. شكرا لك على هذه المعلومات فقد سمعت من والدي الله يرحمه شيئا من هذه الأحداث وخاصة عن الخدعة التي عملها اللمعيون ضد عائلتي

    ردحذف
  2. شكرا على المعلومات القيمة التي ز ودتنا بها

    ردحذف