ليلى العفيفة وإبن عمِّها البرَّاق.
أيام الشرف والكرامة العربيَّة التي إنقرضت.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
وتبقى أسئلة الأصدقاء والصديقات تنهال عليَيَّ …
لماذا شوقي وشغفي وإعجابي لأيام العرب والقبائل العربيَّة قبل هبوط الأديان. ولماذا اعتبرتُ أنَّ الوهَّن والهيبة والضعف بدأ يدِّب في أُمتي العربيَّة بعد ٩٠ سنة من القضاء على الخلافة الأمويَّة على يد أبناء العمومة من بني العباس، وبعد ٣٠٠ سنة من زوال الخلافة العباسيَّة وسقوط بغداد.
ولماذا اعتبرتُ أنَّ مؤشِّر زوال الأُمم في التاريخ يكون بتدمير تراث الماضي وحرق الكتُّب في المكتبات إذا فيها ما يخالف الرأي السياسي أو الديني العقائدي، كما حصل لمكتبة الإسكندرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب لقائد جيشه في مصر عمر بن العاص، وكما جرى لمكتبة دار الحكمة بالقاهرة بأمر من صلاح الدين الأيوبي، وأخيراً وليس أخراً بما يُعرف بمذبحة فلاسفة الفكر والعقل بالأندلس.
جوابي :
إقرأ مُدونَّاتي عن العرب قبل وبعد هبوط الأديان.
واقرأ مُدونَّتي عن سر العلاقة ما بين الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، ( إيران اليوم ) واليهود حيث يتبين لك أنَّ الرأي الإيراني حول إسرائيل يقوم على الأسس ذاتها التي وضعها الإمبراطور قورش عند تحريره اليهود من السبي البابلي.
واقرأ مُدونَّتي عن سر العلاقة ما بين الإمبراطوريَّة العثمانية، ( تركيا اليوم ) واليهود حيث يظهر لك أنَّ سمة وسياسة الأتراك هي حماية اليهود منذ سقوط الاندلس وحكمهم للعرب كان معياره الاحتقار والإهانة لقرون أربعة إنتهت يوم ٣٠ أيلول ١٩١٨م عندما دخل ذلك الغضنفر العربي الأصيل سلطان باشا الأطرش مدينة دمشق ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة.
بعد كل هذا سيأتيك اليقين مِدراراً، لأنِّي لم أكُن يوماً مُقتنعاً كما أنا عليه الآن من اقتناع، بأنَّ خِصال وأخلاق وعادات ونخوَة العرب الذين عاشوا قبل الديانات هي أقوى وأمضى وأجدى نفعاً ممَّا هي عليه سيرة وحياة عرب اليوم على كافة مشاربهم وأديانهم ومذاهبهم.
لا عيب أن تُعبد آلهة جمال أو آلهة حُب عند عرب الاوائل بدلاً من عِبادة آلهات المال والضغينة والحسد والخيانة وقلة الوفاء كما هو حال عرب اليوم وخاصة في بلاد الشام.
إنَّه عصر الظُلُمات العربي الذي نعيشه.
هذامن باب ما قل َّودل َّ.
وحتى أُنهي مُقدمتي هذه أُردِّد على مسامعكم ما قاله المؤرِّخ المقرِّي عن مِحنَّة الإمبراطوريَّة الإسلامية العربيَّة أثناء سقوط الأندلس والتي يُمكن تعميمها على الدول العربيَّة الآن التي تنعم بالربيع العربي دون استثناء من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر إذ قال :
وبينما كان السلطان محمد الحادي عشر ( أبو عبدالله ) منصرف عن عاصمته غرناطة يوم ٢ كانون الثاني من العام ١٤٩٢م. حانت منه التفاتة أخيرة إلى ملكه، فتأوَّه وجرت عبراته ودمعت عيناه، فنهرته أمُّه وقالت :
يحق لك أن تبكي كالنساء مُلكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال.
إنَّها عبرة لمن يعتبر.
إنْ بقيَت النخوَّة والكرامة والرجولة العربيَّة.
أخيراً أُبشِّر الطُغمة الفاسدة في لبنان مِن كل الاديان والمذاهب إنَّ الأموال التي سرقتموها مِن شعبكم والموجودة في المصارف الكبيرة في أميركا وسويسرا وفرنسا التي إنهار بعضها ستُحجز وتوضع بتصرف هذه الدول، كما أقرَّ البنك الفيدرالي الاميركي هذا الاجراء.
وعلى الباغي تدور الدوائر إن شاء ربُّ العزَّة.
في المُدونَّة :
إليكم .. قصة حقيقية عن عادات وأخلاق عرب الامس، تُبرر هذا الاقتناع وهذه المُقدِّمة التي كان لا بُدَّ منها وخاصة لموطن أهلي لبنان.
من هي ليلى ؟؟
هي شاعرة عربية عاشت بالفترة التي سبقَت الإسلام بالعام ٤٨٣م. أي ١٤٤ سنة للهجرة.
نشأت في بيت وحجر والدها الحنون.
هي ليلى بنت لكيز بن مرَّة بن أسد بن ربيعة. من بني تُغلِّب بن وائل إحدى قبائل ربيعة بن نزار العربيَّة. أُشتهِرَت في التراث العربي باسم « ليلى العفيفة » كانت ليلى من أجمل بنات العرب في عصرها، وأفضلَهنَّ خصالاً في الخُلْق، كانت آية في الجمال ودماثة الأخلاق .
ذاع صيتُها بأنَّها تامَّة ألحُسْن كثيرة الأدب ورزينة في الحديث.
تقدَّم لخطبتها كثيرون من رِجالات العرب وأصحاب الحسَب وَالنسَب منهم عمرو بن ذي صهبان إبن أحد ملوك اليمن الذي كان يتردَّد عليه والدها فيُجزِلُ عليه العطاء ويُكرِمه بالهدايا ويُحسن وفادته وضيافته.
تقدم عمرو بن ذي صهبان لخطبة ليلى وقَبِل والدها أن يٌزوِّجها له، لكن هذه الخطبَة لم يتقبلها البرَّاق إبن عمّ ليلى، فأتى إلى أبيه وإخوته وطلب إليهم الرحيل إلى البحرين، فارتحلو ونزلوا على بني حنيفة.
فالعيش من دون ليلى لا يُطاق.
وتقول الروايات إنَّ ليلى رفضَت جميع من تقدَّم لخطبتها ومنهم عمرو هذا لأنَّها كانت لا ترغب أن تخرج من قومها.
قرار ليلى برفض من تقدَّم لخطوبتها ومنهم عمر بن ذي صهبان هذا، أثار قريحة شعراء القبائل حيث نقرأ في شعرهم الجميل الفخر والانتصارات وتعلُّقهم بقبيلتهم والدفاع عن حياضها.
أمَّا ليلى التي انسكبت عاطفتها الجيَّاشة ونخوتها تجاه قبيلتها لم تُقصِّر فأنشدَت أبياتاً مُعبرة من الشعر أطلقتها أثناء الأحداث التي حصلت معها.
جذبَت قصة ليلى العفيفة وأشعارها خيال العديد من الفنانين الذين غنُّوا قصائدها ومنهم المطربة العربيَّة اسمهان ( شقيقة الموسيقار فريد الاطرش ) التي غنَّت
( ليت للبرَّاق عيناً ) عام 1938، من تلحين الموسيقار محمد القصبجي.
من هو البرَّاق ؟؟
البرّاق هو إبن عم ليلى. وهو البرَّاق بن روحان بن أسد بن بكر بن مرَّة من بني جشم أحد فروع قبيلة تغلب بن وائل من قبائل ربيعة بنو نزار.
كان البرَّاق فارس ربيعة ورجلها المقدام كلمته لا تُرَد في قبيلته قال عنه المؤرِّخون إليه انتهى عزُّ ربيعة وشرفها.
تعلَّق البرَّاق ب ليلى إبنة عمِّه، وبادلته الحب وأحبَّته حُباً دوَّنته سجلات التاريخ بمداد من الذهب الخالص.
كانت العادة المتَّبعة عند العرب الأوائل أن يتمَّ تزويج البنت إلى قبيلة ذي بأس وشأن وقوَّة وسطّوة حتى تكون ملاذاً آمناً لقبيلتها في حالة الشدائد والمِحَن والحروب.
وقد وجد والد ليلى ضالَّته هذه بأن يقوم بتزويج إبنته لأحد الملوك، ولكِّن ليلى توَدُّ لو أنَّ أباها زوَّجها البرَّاق.
لم تعص ِ ليلى أمر أبيها وصانَت نفسها عن البرَّاق تعفُّفاً فلُقِّبت بالعفيفة.
استاء البرَّاق من رفض عمِّه زواجه من ليلى، ونظراً لشهامته العربية رحل البرَّاق عن قومه ونزل على بني حنيفة ( من قبائل بكر بن وائل ).
أثناء غياب البرَّاق عن قومه ثارَت حربٌ ضروس بين بني ربيعة ( قوم البرَّاق ) وبين قبائل قُضاعة وطيء، قُتل فيها الكثيرون من الفئتين وتعاظمَت الشرور وإتسَّع الخلاف.
ساءت احوال بني ربيعة ودارت الدوائر عليهم، والبرَّاق معتزلٌ عنهم برجاله بسبب رفض عمِّه تزويجه ليلى.
اجتمع إلى البرَّاق كليب بن ربيعة وأخوه المهلهل بن ربيعة، يستنجدوه فقالو له :
يا أبا النصر قد طمَّ الخطْب ولا قرار لنا عليه.
وأنشده كليب :
إليك أتينا مستجيرين للنصر
فشمِّر وبادر للقتال أبا النصر
فأجابهم البرَّاق متهكِّماً :
وهل أنا إلَّا واحداً من ربيعة.
ثم ّ ردهم خائبين.
وقد بلغ الأعداء امتناع البرَّاق من نجدة أهله والقيام بقومه فأرسلوا يعِدونه بما شاء من الكرامة والسيادة فيهم إن آزرهم على قتال ربيعة.
أخذت البرَّاق الغيرة وزال ما في قلبه من حقد وضغينة على قومه.
وأجاب البرَّاق بني طيئ :
لعمري لست أترك آل قومي وأرحل عن فنائي أو أسير بهم ذلِّي.
أمر البرَّاق رجاله بالركوب والانطلاق، ونزِل عند خاطر قومه بعد أن عقدُّوا الرئاسة له. فامتثلوا لرأيه وتفرَّقوا في أحياء ربيعة واستصرخوا قبائلهم، فجزعَت ربيعة لجزع البرَّاق وأخذت أهبتها للحرب وتوافدَت قبائلها من كل فج عميق. سار البرَّاق غازياً ديار قُضاعة وطيء، وكان معه كليب بن ربيعة والمهلهل بن ربيعة وأبو نويرة التغلبي والحارث بنو عُبَّاد. وأغار عليهم وألحق بهم شرَّ هزيمة وأطبق فرسان البرَّاق من كل جانب، فأكثروا فيهم القتل وانهزم الباقون.
تعدَّدت المعارك واشتد وطيسها وتصاعد الغزو وامتلأت أيدي البرَّاق بالغنائم. واسترجع جميع المواشي والمسروقات التي كسبها الأعداء.
انقادت للبرَّاق قبائل العرب وفُكَّ أسرى قومه، واسترجع الظعائن ( النساء أو الزوجة التي تركب الهودج ) وكانت من جملتهُّن ليلى العفيفة. واصطلحَت القبائل وأقروا للبرَّاق بالفضل والشرف الرفيع.
بعد الحرب أرسل عمرو بن ذي صهبان خطيب ليلى إلى والدها يستنجزِه في أمر تلبية وعده في أمر إبنته. فلم ير والدها بداً من تلبية الطلب.
وكان قد وصل لمسامع إبن كسرى ملك العجَم سليل العائلة الساسانية الأخبار والقصص عن ليلى وجمالها،
فأراد أن يخطُبها لنفسه.
وقال لحاشيته، ما عسى أن نبلغ منها وهي تفضِّلُ الموت على أن يغشاها أعجمي ؟؟
فقالوا له : نُرغبها بالمال ومحاسن الطعام والمشرب والملبس. أمر أبن هذا الملك أن يقوم حرَّاسه بنصب كمين لقوم ليلى في الطريق. وقد تمَكَّن منهم ونُقِلت ليلى إلى بلاد فارس وبقيت هناك أسيرة. حاول إبن كسرى الزواج بها. فامتنعت عن الزواج، وتعفَّفت وتمَنَّعت، فلم يزدها الأمر إلَّا رفضاً وإصراراً ..
هدَّدها إبن ملك العجم وتوَعَّدها وخوَّفها بجميع العقوبات، وعاملها بأقسى أنواع التعذيب ليرى وجهها. ولكنها أبت وامتنعت عليه وتعفَّفت. ولم يزدها الأمر إلَّا إصراراً.
قامت ليلى وطلبت من إبن ملك كسرى أن يختار بين أن يقتلها أو يعيدها لأبيها في بني ربيعة.
ولمَّا يئس منها أسكنها في موضع وأجرى عليها الرزق. وأكتفي برؤية قوامها بين حين وحين ما هو ظاهر تحت ملابسها. وعندما ضيَّق عليها الخناق لتقتنع بالزواج منه، جعلَت تستصرخ البرَّاق وإخوتها، وتهدِّد بني أنمار وإياد لأنَّهم وافقوا على سبيها. وأطلقَّت الأشعار وأنشدَت الأبيات، تستحِثُّ قومها على إنقاذها وتستصرخ البرَّاق أن يُنقذها.
وممَّا قالته ليلى وهي في الأسر هذه الأبيات الرائعة التي تمثل صرخةً أبيَّةً :
ليت للبرّاقِ عيناً فترى
ما أقاسي من بلاءٍ وعنا
يا كليباً ويا عُقيلاً إخوتي
يا جُنيداً ساعدوني بالبكا
عُذّبت ْ أختكمُ يا ويلكم
بعذاب النُكر صبحاً ومسا
تكملة أبيات شعر هذه القصيده في الحاشية.
سمع بعض الرعاة العرب القصيدة. فأسرعوا الخطى يريدون ديار أهلها. حتى بلغوا البرَّاق وأنشدوه على عجّل صرخة ليلى. وما إن أكمل احد الرعاة شعر ليلى حتى وضع البرَّاق رجله في الركاب، واعتلى صهوة جواده وصاح لفرسان ربيعة فتبعوه.
واجتمعت للبرَّاق قبائل ربيعة بن نزار وأحلافهم لحرب الفرس.
إنتصر البرَّاق عليهم وأنقذ ليلى إبنة عمه من الفرس وأعادها إلى ديار بني ربيعة. فأثنى عليه قومه ثناءً جميلا واستحَقَّ أن يفوز بها ليتكلَّل حبهما العفيف بالزواج.
تولى البرَّاق رئاسة قومه بني تغلب زمناً طويلاً، وصارت قبائل ربيعة بحسن تدبيره أوسع العرب خيراً.
وتوفي البرَّاق نحو عام 479 م
ولحقته زوجته ليلى العفيفة بعد أربعة أعوام.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أذار ٢٠٢٣م
اللوحة الفنيَّة مِن رسم الفنانَّة التشكيليَّة والأديبة المميزة والشاعرة المُتمكنة الصديقة جومانة أبو مطر.
صاحبة الريشة الفنية في بلاط جلالة اللغة العربية شعراً ونثراً.
عضو في عِدَّة جمعيات فنيَّة وثقافيَّة ونسائيَّة.
بعقلين / لبنان
الحاشية :
نماذج من شعر ليلى العفيفة.
ليت للبرّاقِ عيناً فترى
ما أقاسي من بلاءٍ وعنا
يا كليباً ويا عُقيلاً إخوتي
يا جُنيداً ساعدوني بالبكا
عُذّبت ْ أختكمُ يا ويلكم
بعذاب النُكر صبحاً ومسا
يكذبُ الأعجم ما يَقْرُبُني
ومعي بعض حساساتِ الحيا
قيِّدوني غلِّلوني وافعلوا
كُلَّ ما شِئتُم جميعاً من بلا
فأنا كارهةٌ بُغــيـتكم
ومريرُ الموت عندي قدر حلا
أتدُلُّونَ علينا فارساً
يا بني أنمار يا أهل الخنا
يا إياد خسرت صفقتُكُم
ورُمي المُنظرُ من بَرد العمى
يا بني الأعماصِ إمَّا تقطعوا
لبني عدنان أسباب الرجا
فاصطباراً وعزاءً حسناً
كلُّ نصرَ بعد ضُرٍّ يُرتجى
قُل لعدنان فديتم شَمِّروا
لبني الأعاجم ِ تشميرَ الوحى
واعقدوا الرايات في أقطارها
وأشهروا البيض وسيروا في الضحى
يا بني تغلب سيروا وإنصروا
وذروا الغفلة عنكم والكرى
واحذروا العار على أعقابِكم
وعليكم ما بقيتم في الورى
اللقاء والنصر ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق