الإستبلشمانت الأميركيَّة.
دراسَة تاريخيَّة، منذ بدء ظهورها
وحتى اليوم. عائلات حاكمة وشركات
عملاقة وميديا مُسيطرة.
وماذا بعد بروز التنين الصينى 🇨🇳.
ما هو مستقبل الإستبلشمانت الأميركيَّة.
كثيراً ما أستعمل هذا المصطلح ( الإستبلشمانت ) في مُدوَّناتي وقد لفت نظري مؤخراً بروز التنين الصيني ينفث لهيباً حاراً أو هواءً مُنعشاً في إتفاقية المملكة العربيَّة السعوديَّة وإيران، في منطقةً كانت حتى الأمس مسرحاً للإستبلشمانت الأميركيَّة تقوم بتغيير فصول السُنَّة كما يحلو لها، فإمَّا تجعله ربيعاً خانقاً يدوم حتى وصل إلى موطني لبنان 🇱🇧. بفضل حُثالَّة حُكَّامه السارقين لأموالنا وتعب سنين الهجرة والغربة عن الأهل.
بدأت أتساءل كغيري …
هل ستبقى الإستبلشمانت الأميركيَّة تمسك خِناق بعض الدوَّل خارج حدودها ؟
أم تتراجع كما كانت مُنذ نشأتها تهتم وتدافع عن مصلحة شعبها ؟
أسئلة ساحاول سرد تاريخ الإستبلشمانت الأميركيَّة بموضوعية منذ نشاتها حتى تاريخه.
لَمَّا هاجرت إلى الولايات المتحدة الأميركيَّة كنت أظن أنَّها العالم الجديد الذي يحلم به كل من فقد حقوقه ( المدنية أو الدينيَّة ) في بلده الأم، وقد ذكرت ذلك في روايتي كراون دايسي وكريستل إذ قُلت …
إذا أردت التحدُّث عن العفَّة السياسيَّة فلا أرى بديلاً عن جورج واشنطن.
إذا أردت أن أتكلَّم عن الحنكة القانونية لا أستبعد واضع وثيقة الاستقلال توماس جفرسون.
إذا أردت ذكر التفوُّق الدبلوماسي تنتصب أمامي قامة بنجامين فرانكلين.
أمَّا شرعة حقوق الإنسان لا ارى إلَّا آبراهام لنكولن، الذي حرر العبيد بعد قرون على تحريرهم من قبل الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.
ولكنِّي بعد أن أبحرت في تاريخ الولايات المتحدة الأميركيَّة بعد الحرب الأهلية ( ١٨٦١ م. وما بعدها ) وبزوغ فجر جهنم الإستبلشمانت الأميركيَّة البغيضة التي هي بذرة ( الشركات العملاقة وأصحابها من عائلات وأفراد ) باتت هذه القلَّة القليلة من العائلات المالكة تمسك زمام الرقاب والعباد والسياسة والاقتصاد حتى وصلت خواتيم قبضتها على الميديا من ( صحافة مكتوبة ومرئية وسينما وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي ).
يُلفتك في أميركا حتى الأمس القريب ذلك الترابط العائلي عن طريق الزواج أو غيره ما بين حُكَّام بعض الولايات الذين يعتمدون التوريث السياسي خاصة في ولايتي كاليفورنيا ونيويورك، وأعمدة الكذب في الإذاعة والتليفزيون من مُعدِّي الأخبار وبعض ممثلي أو ممثلات وهوليود.
بناء على ذلك لا أستغرب التضليل الإعلامي في أميركا وكأنَّه أصبح مُوحداً على ذات الخبر أو بعضه، لأنَّك إذا راقبت الميديا مُنذ هيستيريا فيروس كورونا وما تلاه وحتى اليوم تظن نفسك أنك تعيش في بلدٍ خلف ستار حديدي إعلامي أو على حافتي أدغال الأمازون أو أفريقيا حيث لا وجود لمستشفيات أو مستوصفات يبثون الهلع والخوف والكذب يومياً.
في المدوَّنة :
تاريخ العائلات الأميركيَّة الحاكمة.
بادئ ذي بدء …
لا بُدَّ من الإشارة أنَّه بعد نجاح الثورة الأميركيَّة المجيدة لم يبقَ من أفراد عائلة التاج البريطاني شخصيَّة تحمل لقباً ملكياً أو أفراداً تسري في دمائهم السلالة الملكية أو ضباطاً يأخذون من مستعمرتهم ( أميركا ) مكاناً دائماً للإقامة. حتى أنَّ جحافل الجيش البريطاني المنهزم تركت موانئ الساحل الشرقي خاصة نيويورك بما ملكت أيمانهم من مال وعتاد حتى العبيد، وأرست مراكبهم في جزر البحر الكاريبي أهمُّها جامايكا.
والحال يسري على جالية الإمبراطوريَّة الفرنسية المنسحبة لم يبق منهم من يحمل رتبة عسكرية أو لقباً ملكياً ويقيم في العالم الجديد.
والمعروف والموثَّق تاريخياً أنَّ المهاجرين إلى العالم الجديد هم من المضطهدين دينياً في قارة أوروبا العجوز، أو الباحثين عن لقمة العيش وغيرهم من المنقبين عن الذهب وخلافه مِن بقايا حُثالَّة السجون الصادر في حقهم عقوبات لارتكابهم أفظع الجرائم، وهؤلاء وحدهم وما تلا ذلك من هجرات متعاقبة هم الذين أرسوا دعائم هذه الدولة الفتية.
فلا يقولن قائل أنَّ نبلاء أوروبا هم نواة العائلات الأميركيَّة التي حكمت وما زالت تحكم، لأن تسميَّة العالم الجديد تسري أيضاً على استبدال النظام الملكي السائد في أوروبا إلى نظام جمهوري جديد يختلف كليةً عن الطبقية التي كانت سائدة.
هذه النبذة التاريخية عن عائلات الإستبلشمانت الأميركيَّة الحاكمة منذ ما بعد الإستقلال وبالأخص بعد الحرب الأهلية تُظهر أنَّها ليس لها جذور أريستوقراطية أو إقطاعية أو قبلية كما هو الحال في القبائل العربية المهاجرة التي استقرت في سواحل بلاد الشام حيث يتبجَّح ( بعضها ) أنَّهم من جُنْد خالد إبن الوليد أو ذلك الخليفة الراشدي أو الأموي، وإن كنت لا أستبعد أنَّه قد جرى إرسالهم لحماية الثغور من هجمات الفرنجة.
العائلات التي تشكل العامود الفقري للإستبلشمانت الأميركيَّة هي كما يقول الشاعر العربي إبن الوردي :
لا تقُلْ أصلي وفصلي وأبداً
إنما أصل الفتى ما قد حصل
مِن هذه العائلات التي بدأ يلمع صيتها بعد الثورة الصناعية التي أوجدتها الحرب الأهلية هي :
شركات سكك الحديد التي تربط الولايات بعضها ببعض.
شركات تملك عقارات شاسعة بنَّت عليها المدن والقرى لاستيعاب المهاجرين.
شركات عائلية استحوذت وجذبت العقول والعلماء ( تليغراف، وكهرباء وقاطرات شحن ضخمة )
العصابات التي أرهبت العالم الجديد وامتلكت أموالاً لا تحصى.
وقد عرف التاريخ الاميركي أشرس العصابات الإيطالية في الساحل الشرقي ( نيويورك ) آلِ كابوني وغيرها، والأمر ذاته في وسط وغرب البلاد حيث كان اقتطاع الاراضي وامتلاكها بالقوة يتُّم عن طريق اضطهاد السكان الأصليين من الهنود الحمر.
واجه المهاجرون إلى العالم الجديد التحديات من الطبيعة والحرب مع سكان البلاد الأصليين وحتى الاقتتال مع بعضهم البعض دفاعاً عن وجودهم، ومن هنا بدأت فكرة الاعتماد على النفس والقوة والشأن والبأس.
يذكر التاريخ الأميركي شخصيات وأبطال من الجيش الاميركي الفيدرالي والكنفدرالية قبل وبعد الحرب الأهلية كيف أبلوا بلاءً منقطع النظير وهم من عامَّة الشعب.
ومع تقدُّم الأيام بدأ أصحاب هذه الشركات العملاقة يؤلفون نواة الإستبلشمانت، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت مفاصل هذه الدولة الفتية بيد هولاء.
لَمَّا عظم شأن هذه العائلات كان من الضرورة وضع ضوابط وأُسس من أجل الاتفاق على تسيير دفَّة حكم البلاد.
يذكر التاريخ أنَّه كما اقتتل أفراد عصابات ( الكحول والتهريب وغيره من الممنوعات ) كذلك كانت حروب الأسواق العقارية والشركات والصناعات ما بين العائلات، حتى وصلت هذه العائلات الى إتفاق اقتسام المغانم الاقتصادية وحتى السياسيَّة، وهنا برز مصطلح الإستبلشمانت.
بدأت العائلات ( الإستبلشمانت ) تتدخل في مفاصل الدولة عن طريق التعيينات في المراكز الأمنية وصولاً إلى أعلى المناصب.
هذا بإختصار شديد تاريخ عائلات الإستبلشمانت الأميركيَّة، وقد ذكرت في إحدى مدوناتي وفاة أخر أباطرَّة الإستبلشمانت لَمَّا توفي الرئيس بوش الأب.
وحتى أكون أكثر وضوحاً ومُحايداً أنَّ الإستبلشمانت الأميركيَّة لم تكُّن في بداياتها تتدخَّل في شؤون الدول خارج حدود الولايات المتحدة الأميركيَّة، وهي سياسة أرسى أولى دعائمها الرئيسان جورج واشنطن و توماس جفرسون وقد اعتبرا أنَّ سياسة عدم التدخل الخارجي تُقوي الإستقلال الداخلي الاستراتيجي لهذه الولايات ١٣ المتحدة. وقد ذكر التاريخ أنَّهما دعما سياسة عدم التدخل في الحروب الأوروبية مع الإبقاء على ممارسة التجارة الحرة.
كانت الولايات المتحدة الأميركيَّة قبل دخولها أي حرب تعتنق مذهب ( الرئيس مونرو ) الذي يقوم على حياد أميركا في سياستها الخارجية عن أوروبا خصوصاً والعالم بصورة عامة، وعدم السماح لأية دولة أوروبية بالتدخل في الشؤون الأميركيَّة .
غير أن الإستبلشمانت الأميركيَّة بعد فترة زمنية رأت أنَّ مِن مصلحة أميركا الاستفادة من الحروب عن طريق دخولها، وقد برزت خلافات حتى داخل الإستبلشمانت الأميركيَّة في مُقاربة دخول الحروب أو عدم دخولها مثلاً الرئيس دونالد ترامب ونظرته للحروب.
في هذه النبذة التاريخية الموجزة بعض التوضيحات.
مبدأ الرئيس مونرو :
مبدأ مونرو هو بيان أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونغرس الأمريكي في 2 كانون الأول من العام 1823م.
نادى مبدأ مونرو بضمان إستقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم.
ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لايجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات دولة أوروبية في المستقبل. كان القصد من هذا البيان هو أن الولايات المتحدة الأميركيَّة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الامريكتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.
وفي أوائل القرن العشرين الميلادي، أعطى الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت حياةً ومعنىً جديدين لمبدأ مونرو، فقد أشار إلى أن الضعف والممارسَات الخاطئة في أي من الدول الأمريكيَّة الصغيرة ربما تغري الدول الأوروبية بالتدخل.
وقد أتبع الرئيس وودرو ويلسون سياسة تيودور روزفلت، ولكنه وعد بأن الولايات المتحدة لن تستولي بالقوة مرة ثانية على موطئ قدم إضافي.
أمَّا سياسة حسن الجوار.
أعلن الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت ( سياسة حسن الجوار ) في مستهل فترة رئاسته قبيل الحرب العالمية الثانية، وقال إنَّ جميع الأمريكيين يجب أن يساهموا في دعم مبدأ مونرو، وبالتالي أصبح الدّفاع عن نصف الكرة الغربي واجباً جماعياً.
وقد طبق الرئيس فرانكلين روزفلت سياسة " حُسن الجوار " مع دول أمريكا اللاتينية. فسحب القوات الأمريكية من هايتي، وألغى التعديل الدستوري الذي كان يسمح للولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة كوبا. كما دفع أموالاً لبنما مقابل استغلال قناة بنما.
الحرب العالمية الثانية وسياسة الولايات المتحدة الأميركيَّة :
في بداية الحرب العالمية الثانية، أعلن الرئيس فرانكلين روزفلت حياد الولايات المتحدة وعدم تدخلها.
وقد تكونَّت لجنة عام 1940، لتجنيب أمريكا الدخول في الحرب. ولكن مع إحتلال فرنسا، ووقوع معركة بريطانيا (Battle of Britain) الشهيرة عام 1940.
إقتربت الولايات المتحدة أكثر من الحلفاء.
وفي أيلول عام 1940، أعلن الرئيس فرنكلين روزفلت عن عزمه إرسال 50 سفينة حربية قديمة لبريطانيا، مقابل إعطائهم حق استخدام بعض القواعد البحرية.
وفي أذار عام 1941، أقرضت الولايات المتحدة بريطانيا، وبعد ذلك الاتحاد السوفيتي، ودول أخرى تابعة للحلفاء، معدات حربية تقدر بخمسين مليار دولار.
وفي السابع من كانون الاول عام 1941، هاجم اليابانيون بيرل هاربر في هاواي، وتسببوا في مقتل 2300 أمريكي، وإصابة 1200 آخرين.
وفي اليوم التالي طالب الرئيس فرانكلين روزفلت مِن الكونغرس إعلان الحرب.
الخلاصة :
يظهر مِن أعلاه، أنَّ تاريخ الإستبلشمانت الأميركيَّة يُظهر سياستها في التدخل خارج حدود الولايات المتحدة، ولكن دائماً وبنهاية الأمر تتفق الإستبلشمانت على مصلحة بلدها في المقام الاول.
اليوم أصبحت الولايات المتحدة الاميركية على فُوهة بركان، وإنَّ أوروبا بدأت تصطلي لهيباً وحريقاً ولي قول في ذلك إن جاز التعبير :
وعلى الدائر أو الباغي تدور الدوائر.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ [يونس: 23].
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
أذار ٢٠٢٣م
حاشية :
مِن المفارقات التي تستدعي الإشارة أنَّ المافيا الأميركيَّة في عزِّ جبروتها في نيويورك وشيكاغو أثناء الحرب العالمية الثانية كانت ( خلاف حُثالَّة وعهر وفِسق المافيا اللبنانيَّة الحاكمة اليوم )، أذ أعطت هذه المافيا اشارات لجماعاتها في جزيرة صقلية ومن ثم ايطاليا لمساعدة الجيش الأميركي الزاحف من شمال أفريقيا بإتجاه إيطاليا 🇮🇹 عبر جزيرة صقلية. فكان العون والمساعدة لجيش الجنرال جورج باطون الذي سبق الجنرال الانكليزي العجوز مونتغومري في احتلال صقلية مِن باليرمو حتى مسينا.
ومِن المفارقات أيضاً أنَّ كارتيلات ومافيات المكسيك اليوم في مناطق نفوذها ينعم السكان بالأمن والحماية والحفاظ على الممتلكات من السرقات، وفي ذلك إشارة إلى أنَّ ( المافيا الحاكمة في لبنان هي من يسرق الشعب اللبناني في رزقه ومدخراته ).
كذلك جزيرة كوبا أيام حكم باتيستا ومن بعده كاسترو كانت المافيات لا تسرق أهلها كما مافيات مغارة علي بابا في لبنان 🇱🇧
أخيراً أقول كما تفعل الإستبلشمانت الأميركيَّة اليوم في مُعالجة المصارف التي أعلنت إفلاسها.
وأرجو أن يُصار الى اتباع ذات الأسلوب في لبنان 🇱🇧
كوضع اليد على ممتلكات ومدخرات أصحاب المصارف والمدراء.
هذا نداء للإستبلشمانت الأميركيَّة قبل دخول التنين الصيني.
وإنَّ غداً يا حُثالَّة حُكَّام لبنان قريب جداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق