Pages

الثلاثاء، 24 يناير 2023

الأب والأُم ما قبل الأديان السماويَّة وما بعدها.

 


الأب والأُم ما قبل الأديان السماويَّة وما بعدها. 


المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :


على مر العصور كان الأب وكانت الأُم محل تقدير وإحترام ووفاء.

وقد إرتأيت أن أنشر مُدونَّة عن ضرورة الوفاء للوالدين في هذه الظروف الأليمة التي يعيشها الأهل في بلاد الشام وخاصة سوريا ولبنان. 

حُثالَّة حُكامنا السياسين سرقوا مُدَّخرات الأب والأُم وهم في عُمر التقاعد، ولمْ يعُد للأب والأُم مَنْ يساعدهما في شظف هذه الأيام الرديئة والظالمة إلا أولادهما.  

ألان سأروي قصتين عن الأب والأُم في زمن الحضارات التي سبقت الأديان السماويَّة. 

هذا مع العلم أنَّ الأديان السماويَّة ناشدت وطالبت تكريم الأب والأم. 

وإذا كان تكريم الأب والأُم هو القاعدة، فما هو خلافه أو عكسه ؟. 

( إنَّه العقوق )


تعريف العقوق :

العقوق هو كل فعل يتأذَّى به الوالدان ويتمثل في علوِّ الصوت وعصيانهما وضربهما. 

في مُدونَّتي هذه سأتجرأ وأقول أنَّ أخلاق البشريَّة بدأت  تضمحِّل وتتلاشى بمرور الزمن خاصة في معاملة الوالدين إذا عجزوا وكبروا بالسن. 

بدأ عقوق ( الوالدين )  يظهر علانيَّة دون إستيحاءٍ كما نشهد فصوله المُخزيَّة في هذا الزمن الرديئ.


التعريف اللغوي للعقوق كما قاله إبن منظور :

وعقَّ والده يعقّهَ عقّاً، وعقوقاً، ومعقّةً،  ( أي شقَّ عصا طاعته ). 

عقوق الوالدين في الديانات السماويَّة :

العقوق في الإسلام

في الإسلام عقوق الوالدين من المحرمات، ويُعتبر من الكبائر. 

وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا.  

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.   

وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا …


ومن الأحاديث  النبويَّة  الشريفة : 


  • إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ  …
  • ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين.
  • لا يُنظر إليه يوم القيامة العاق لوالديه. 
  • لا يدخل الجنة العاق لوالديه. 


العقوق في المسيحيَّة :

عقوق الوالدين في المسيحية مذموم، والبر فيهما مأمور، وهناك وصايا كثيرة في الْكُتُب المقدسَّة  تحِثُ على بر الوالدين. 

احترام الأب قديماً :

تقول الرواية وهي من القصص التي فيها إحترام رأي الأب عندما كان يتسابق كل من  الشيب والخبرة في تقادم سنوات عمره. 

الشيب في تلوين شعره.   

والخبرة تختزن داخل عقله.  

فلا يظُننَّ الأبناء مهما علا شأنهم في العلم والجاه والمال :

أن تعلو عيونهم الأجفان. 

أن يطيروا من دون أجنحة. 

فالسقوط آتٍ لا محالة. 

لأنه قيل وثبت أنَّ :

رضى الله من رضى الوالدين. 

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا …

تقول القصة من غابر الأزمان :

أنَّه في إحدى البلاد حاكم جبَّار، أمر جنوده بقتل المسنين جميعاً.

كان في هذه البلاد  شابٌ يحب والده كثيراً، فعندما علم  الشاب بهذا الأمر أدخل والده غرفه سرية تحت البيت. 

ولمَّا جاء الجند لم يجدوا أحداً.

ومرَّت الأيام وعلم الحاكم عن طريق الجواسيس والخونة أنَّ الشاب أخفى والده عن عُيون عسسه وجنده. 

قرر الحاكم أن يختبر هذا الشاب قبل حبسه وقتل والده. 

فبعث اليه رسولاً بأن يأتيه  في الصباح :

راكباً ماشياً …

احتار الشاب وذهب لوالده يستشيره. 

إبتسم الأب  وقال لابنه :

أحضر عصا كبيرة وأذهب للحاكم عليها راكباً ماشياً …

وما إن وصل الشاب وقابل الحاكم، حتى أُعجب ا بذكائه …

أمره الحاكم ثانية وقال للشاب  اذهب وآتي  في الصباح لابساً حافياً …

كعادته في طلب المشورة من والده  قال الأب لإبنه أعطني حذائك، وقام بنزع الجزء السفلي منه ونصحه بأن يلبسه وهو في حضرة الحاكم …


تعجَّب الحاكم لذكائه …

وبقي الحاكم  يأمر الشاب بطلبٍ أصعب من الذي سبق، وأستمر الشاب يأخذ النصيحة من والده حتى أُعجب الحاكم وقال للشاب في نهاية المطاف …


تأتي في الصباح ومعك والدك الذي خبأته عن جندي …

كنت تستشيره في كل أمر أطلبه منك …

وكان والدك ينصحك …

وقد عفوت عنه … 

لأنَّ جندي وعسسِّي أبلغوني أنَّك عصيت أوامري حفاظًا على والدك.  


العبرة من هذه القصَّة أنَّ الأب مهما تقدم في السن فهو كنز لا ندرك قيمته إلا بعد فوات الأوان، فالأب مدرسه كاملة ودراية واقعية …

رحم الله آبائنا …

رحم الله والدي … 

أقول لك وانت في العلياء تقيم …

إنَّ روحك ترافقني دوماً، وتنصحني …

ولا أخفي عنك …

أنِّي اشتقت إليك …

غيابك أضناني …

إنتظرني حيث أنت …

إنِّي قادم …

إنِّي قادم …

الحياة دونك، لا تليق. 

والنصيحة من غيرك لا تفيد. 


أمَّا القصَّة الثانية هي عن الأم في زمن الحضارة البابليَّة، دائماً وعلى مرِّ العصور كانت الأُم  محطِّ  تقدير وإحترام وحُب ووفاء.  

وقد أبهرتنا الحضارات القديمة  كيف كانت الأُم يرتفع مقامها إلى درجة القداسَّة

هذه الرسالة مُوجَّهة من إبن إلى أُمِّه وقد أبعدته الغربة عنها، هذه الرسالة موجودة في  متحف  اللوفر  في  باريس.  

في  الحقيقة  هي رسالة  حب لا مثيل  لها، تستحقُّها  كل  الأُمهات. 

يبدأ الابن مُوجِّهاً كلامه إلى ساعي البريد ... ( انتبه، كان هناك بريد مُنظَّم )

حامل الرسائل الملكية قائلاً  له ..

أنت يا  حامل  رسائل  الملك.  

احمل  معك  هذه  الرسالة  إلى  مدينة  نيبور حيث تقطن أمي. 

وامضى،  فاقطع الطرق فرحلتك  طويلة.  

فإن  وصلت  المدينة.  

فامضى إلى  بيت أُمِّي.  

ولا يهمك أن  تكون  نائمة أو مستيقظة.  

ولكنوبما  أنَّك  لا  تعرف أُمِّي  

فإليك أوصافها  كي  تتعرَّف عليها حين  تلتقي بها.  

أُمِّي  إسمها ست  عشتار.  

إنَّها تُشبه الضياء  الذي  ينوِّر الأُفق. 

وجميلة  كغزال  شارد  في الجبال.  

إنَّها نجمة الصباح التي تتوهَّج  وقت الضحى. 

إنَّها  مرجان نادر.  

وزبرجد ليس  له  مثيل.  

سُحرُها لا  يُقاوم.  

كأنها كنوز  الملك.  

أو تمثالٌ نُحِتَ  من  لازور.  

أُمِّيتشبه مَطَر  السماء

والماء الذي  يسقي الحقول

هي … بستان  حافل  بكل  ما  هو  طيب

ويملأ  الفرح  ارجاءه

كأنَّهاساقية يجري  ماؤها  ليسقي العطشان.  

وشجرة نخيل  كلُّها حلاوة.  

هي … أميرة على  الأميرات

وهي نشيد  أنغامه  غبطة ورغد.  

فإذا رأيت أمامك إمرأة  فيها  هذه  الأوصاف.  

والنور يتألَّق  على  وجهها.  

فاعلمأنها  أُمِّي

فسلِّمها هذه الرسالة، وقل لها

إبنُك الذي  تحبينهُ …   

ويُحِبُّكِ …  

يُقَبِّلُك …  

ويُبلِغُكِ السلام …


أمَّا أنا فأقول وأُردد

لا كلام يعلو  هذا  الكلام

إنَّه منذ  آلاف  السنين

إنَّه كلام  راقٍ …   

إنَّه بليغ …

وإنَّه رؤوم

وإنَّه معتَّق كما النبيذ على  مدى  عصور من الحب

هذه  الرسالة  التي  فيها  لآلئ  حنان لا ينضب  ولا  ينتهي …

أصيلة  هذه الرسالة كما القلوب التي ولدتها

كعود المسك كلما احترق فاح عبيره

جاء انسكابها عاطفة  ينبوع  من  مياه  ودموع  لا ينضب تدفقه أبداً


إلى كل  أُمٍ  في هذه الأيام، لك تحيَّاتي

وإلى أُمِّي

تأكدي حُبُّك لا يشيخ أبداً.



فيصل المصري 

أُورلاندو / فلوريدا

كانون الثاني ٢٠٢٣م 


صورة والدي ووالدتي يرحمهما الله، بعد زواجهما في موطن الاباء والاجداد، وسفرهما بعد ذلك إلى جزيرة كوراسو ( البحر الكاريبي ) في أربعينيات القرن الماضي. 

كوراسو مكان ولادتي. 

سأزور كوراسو يوماً وبالذات هذه الهضبة المطلَّة على البحر الكاريبي لأقول لهما :

ومن أجمل منكما !!!

حُبَّكما لا يشيخ. 

رضاكما زادي اليومي. 

لا ينضب مهما قسى الزمان. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق