ليلة الجمعَة …
وما أدراك ب ليلة الجمعَة ....
مُهداة إلى روح الشيخ أبو حسين محمد الحناوي من بلدة سهوة البلاطة السوريَّة، المتوفي عام ٢٠١٠م وهو شيخ من أعيان أهل الدين، وقد وصفه شيخ العقل الشيخ حمُّود الحناوي بتعبير شيخ الجزيرة، وسيِّد العشيرة وقال عنه إنه كان سِفراً توحيدياً حافلاً بالمكارم والكرم والكرامات.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
مع أنِّي لستُ مُتعصِّباً أو مُتزمِّتاً لمعتقدي الديني، إلَّا أن نهمي وشغفي للتعمُّق بالاديان السماويَّة لم يتوقَّف.
بَقِيَتْ الروح ظمأى طالبةً الشِرب من رأس العين، لم أترك سانحة في حياتي إلَّا ونهلت من الكُتُّب السماويَّة.
أثار إعجابي التُلمود، وأراح قلبي الكتاب المُقَدَّس، وأروى عطشي القرآن الكريم، وتعلَّق عقلي بمسلك التوحيد.
وإن أنسى، لم أنسَ الحضارة البابلية، من أكاد إلى سُومر إلى بابل. فغرفت ما طاولت يديَّ من حِكْمَة ورؤيا وعلم مكنون.
وقد تبيَّن لي التماثُل والتشابُه في كل المُعتقدَّات، والملِّل والشرائع، وإن لكل دين سماوِّي يومٌ واحد يُقدَّس، ويُكرَّم.
وقد تقاطعَت المسيحية والإسلام على يوم الجمعَة في التعظيم والتكريم، وإن تأخَّر يوم اليهودية إلى نهار السبت. ولكن ذُكِر يوم الجمعة أن فيه تحضير ليوم السبت.
يُهمُّني أن أُحيط القرَّاء الكرام، أنَّ هذه الْمُدوّنة ليست في وارد الدخول والبحث في المعتقدات السماويَّة أو الغوص بالإيمان العميق لكل دين سماوي، إنَّما هي تدوين تاريخي ليوم الجمعَة، والليل الذي يسبقه وما يرافقه من طقوس، وأدعيَّة وصلوَات وابتهالات ..
لهذا، أردت أن أسبح في بحور الاديان السماويَّة، وأطير عالياً في أجوائها، وأُهيم فرحاً في أراضيها، بحثاً عن يوم الجمعَة.
وهذا ما وجدته.
في المُدونَّة :
عند الاسلام :
قال النَّبِي مُحَمَّد صَلَّى الله عليه وسلم :
خير يوم ٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعَة ..
فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها.
ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة، رواه مسلم ومن هذا الحديث الشريف يتبيَّن أنَّ ليوم الجمعة فضلاً ومكانةً وقيمة عظيمةً خصَّها الله بها دون غيره من أيام الأسبوع.
عند المسيحية :
يوم الجمعة يحتفل به المسيحيون.
أهميَّته تذكار صلب يسوع المسيح وموته في الجلجلة ودفنه. ويوم الجمعة دائماً وابداً في أُسبوع الآلام.
جمعة الآلام ..
ويعرف يوم الجمعَة بأسماء عدة أشهرها، الجمعة العظيمة، هو يوم احتفال ديني بارز في المسيحية.
وأعطي أسماء أُخرى :
الجمعَة السوداء ..
والجمعَة الجيدة ..
والجمعَة المقدَّسة ..
والجمعَة الحزينة ..
وجمعَة عيد الفصح ..
ويوم الجمعة عند المسيحية فيه تذكير أنَّ صلب السيِّد المسيح قد تم في هذا اليوم.
في العهد القديم :
إنَّ بعض الآباء الأوائل يطلقون على يوم الجمعَة مأساة الجمعة العظيمة، لأنَّه يقع في يوم تضحية النبي إبراهيم أبو الأنبياء بإبنه إسحق.
في اليهودية :
ما وصل إلينا عن يوم الجمعة كان من فقهاء الدين الإسلامي، يقول بعضهم :
الظَّاهِر أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيم يَوْم الْجُمُعَة بِغَيْرِ تَعْيِين وَوُكِلَ إِلَى اِجْتِهَادهمْ لِإِقَامَةِ شَرَائِعهمْ فِيهِ فَاخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ فِي تَعْيِينه ..
وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمْعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْت أَفْضَل ..
فَقِيلَ لَهُ : دَعْهُمْ ..
وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًاً عليه بالتوراة، لَمْ يَصِحّ اِخْتِلَافهمْ فِيهِ ..
وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَاله.
وليس بعجيب أن يُذكر لهم يوم الجمعة بعينه.
ثم يخالفون، وسِمَّة المخالفة عندهم مشهورة ..
والتوراة يذكر معاناة النبي موسى عليه السلام مع قومه ..
وأخيراً …
من أجل تأكيد أنَّ يوم الجمعة عند المسلمين من أهم الأيام وأعظمها وأقدسها، أُضيف هذه المستندات الفقهيَّة والأقوال حتى أكون قد أوفيت هذا اليوم حقَّه ..
عن أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ :
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَة سَيِّدُ الأَيَّام، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّه ِوَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّه مِنْ يَوْم ِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ :
خَلَقَ اللَّهُ فِيه ِآدَمَ ..
وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيه ِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ.
وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَاماً.
وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ.
مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّب ٍوَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْم ِالْجُمُعَة.
رواه ابن ماجه وحسَّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
ليلة الجمعة وما أدراك بليلة الجمعَة ..
عند الموحِّدين الدروز ..
ليلة الجمعَة عند الموحِّدين الدروز لها قُدسيَّة خاصة عند مشايخهم الأتقياء ولدى العامة على حد سواء.
يقول الدكتور صالح زهر الدين في كتابه القيِّم ( تاريخ المسلمين الموحدِّين الدروز ) مُوثقاً كلامه بما أتى على ذكره كلُّ من ( الدكتور عباس أبو صالح، والدكتور سامي مكارم في كتابهم تاريخ الموحدِّين الدروز السياسي في المشرق العربي ) ما يلي :
ليلة الجمعه في الأول مِن محرَّم سنة ٤٠٨ هجري أصدر الحاكم بأمر الله سجلاً يعلن فيه بداية دعوة التوحيد، ونودي بحمزه بن علي إماماً للموحدِّين الدروز.
ويضيف الدكتور صالح زهر الدين، أنَّ النصر الذي أحرزه حمزه ضد نشتكين الدَرَزي زعيم المُرتدين والذي أدَّى إلى مقتل هذا الأخير كان في ليلة الجمعَة من سنة ٤١٠ هجري ( ١٠١٩ / ١٠٢٠ م. )
انطلاقاً من ذلك تتخذ ليلة الجمعَة مكانتها عند الموحدُّون الدروز، فإنها ليلة مقدَّسة ليس عند مشايخهم الإجلاء فقط، بل عند العامة منهم، مع أن البعض يجهل السر الكامن في قدسيتها، وما يستتبع ذلك من أنه يُحرَّم في هذه الليلة إجراء عقد زواج، أو أي حفل زفاف.
أخيراً …
إنَّ ليلة الجمعَة عند الموحِّدين الدروز، يُكمن فيها سر كبير في الإيمان، وقُدسيتها تُمثل رمزاً عظيماً في ترسيخ جذور مذهب ومسلك التوحيد.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١٥ نيسان ٢٠٢١م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق