دراسَة تاريخيَّة ودينيَّة عن التصوُّف، في المُعتقدات الدينيَّة.
الموحدُّون الدروز والتصوُّف.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
بالرغم مِن أنِّي أبدأ بعض مُدونَّاتي بالقول هذه المُدونَّة هي سرد تاريخي موثَّق ولا تمتُّ إلى أيَّة عقيدة دينيَّة بصلة.
وبالرغم من قولي أنَّ الألوان هي جزء مهم مِن تاريخ الحضارات الإنسانيَّة وقد انسحبت إلى الأديان السماوَّية.
وبالرغم من قولي أنَّ مُدونَّة ليلة الجمعة هي تدوين تاريخي لهذا اليوم والليل الذي يسبقه.
وبالرغم من أنِّي أحاول جاهداً عدم إعطاء الرأي في أي مُعتقد ديني على صفحات التواصل الاجتماعي، ليس لأنَّي أجهل ذلك بل حفاظاً على قُدسيَّة الأديان، والتقيَّة في بعضها.
وبالرغم من هذا التوضيح يأتيك من يسألني باستفزاز وكأنَّه بُعِثَ لي معلِّماً طالباً الرد على سؤاله مع الشواهد.
لهؤلاء أقول إتقوا الله وتهيبوا.
إسألوا مراجعكم الدينيَّة، لأنِّي لست ( مرجعْ طريقة ) غِب الطلب، وإن كنت من أهل مكة وأعرف شعابها.
ولأنَّ مُدونَّاتي رَسمْتُ لها الخطوط الحُمر ولنْ أسمح بتجاوزها ومنها حِفظ الاخوان وترك السياسة والغرضيات الرخيصة تنتظر على حافة النهر الذي يسبح فيه الآن الحُثالة.
هذا من باب ما قلَّ ودلَّ.
فِي المُدونَّة :
تعريف معنى التصوُّف تاريخياً ...
التصوُّف هو إتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات وترك المذموم منها.
إنَّه من الصُفَّة، لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي الشريف، ويعطيهم النبي محمد من الصدقات والزكاة طعامهم ولباسهم ..
إنَّه من الصوف، لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشُّف.
إنَّه من الصفاء الروحي.
أمَّا إبن الجوزي، فإنه ينسب الصوفيين إلى صوفَّة بن مُرَّة الذي نذرت له والدته أن تعلقه بأستار الكعبة، فأطلق إسم صوفي على كل من ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى العبادة.
أمَّا بعض الباحثين والمؤرخين المختصين بعلوم الديانات القديمة من غير المتصَوِّفة وهذا ما أُعوِّل على رأيهم، أنَّهم يؤكدون أنَّ الكلمة تعود إلى أصل يوناني هي كلمة ( صوفيا )، ومعناها الحكمة.
( يُراجع بذلك البيروني، والدكتور محمد جميل غازي، من المُحدِّثين الذين قالوا : الصوفية كما نعلم اسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة ( صوفيا ) وليس كما يقولون إنه مأخوذ من الصوف ).
أمَّا المؤرخ العربي إبن خلدون الأصدق مِن مؤرخي العرب كافةً، في ( كتابه ولاة مصر ) الذي فيه الكثير من الدلالات المطموس ذكرها وهي عادة وطريقة عشقها العرب بعد الإسلام في إخفاء الحقائق إذا كانت تخالفهم في الرأي والعقيدة، كما أخفوا كتاب إبن الأثير الكامل في التاريخ.
يقول إبن خلدون لمَّا زار القاهرة أيام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله :
إنَّ التصوُّف ظهر بالإسكندرية عند طائفة يُسمَّوْن بالصوفيَّة يأمرون بالمعروف.
وقد أيَّد المسعودي في كتابه مروج الذهب كلام إبن خلدون في تاريخ نشأة التصوُّف أنَّه ظهر في مصر أثناء خلافة الحاكم بأمر الله.
ومن هذين المصدرين الشامخين الصحيحين ( إبن خلدون والمسعودي )، يُستدَّل أنَّ هذه الجماعة التي عاصرت الحاكم بأمر الله، عُرفت بأنَّها مارسَّت التصوُّف في عيشها، وعُرفت أيضاً بأنها تأمر بالمعروف، وقد أُطلق عليهم لاحقاً بنو معروف.
تعريف التصوُّف :
لم يقتصِر التصوُّف على دين سماوي دون غيره، ولم يقتصِّر التصَّوف على الرجال دون النساء، بل إختلفت التسمية لغوياً، ولكن بقي المعنى مُلاصقاً بالأصل.
يقال مثلاً : المتصوِّف، الزاهد، العابِد، الناسك، الفقير لله وغير ذلك من مرادفات.
وكذلك يقال : العابدة، الزاهدَّة، الناسِكة.
وقد اتبعت الأديان السماويِّة تراتبيَّة هرمية لوصول المتصوِّف، أو المتصوِّفة إلى سُدرَّة المُنتهى في الكمال الروحي. .
( أي أعلى الدرجات الروحية )
في الدين الاسلامي :
عندما يصِّل المتصَوِّف إلى سُدرَّة المنتهى، يقال له الولي، أو مولانا، أي أسمى الدرجات.
وقد أتيت على ذِكْر سيرة بعض هؤلاء المتصَوِّفين في مُدوِّناتي مثل الشيخ محي الدين إبن عربي والشيخ جلال الدين الرومي والسيدة الفاضلة رابعة العدويَّة.
في الدين المسيحي :
عندما يصل الناسِك، أو الزاهد أو العابد إلى سُدرَة المنتهى، يقال له قديساً بعد تطويبه، وفق إجراءات مُعقَّدة وطويلة قد تأخذ عقوداً أو قروناً من الزمن.
وقد ذكرت في إحدى مُدوِّناتي عن سيرة القديس شربل والقديسة رفقا من لبنان، وهناك عدد وفير من القديسين والقديسات في الغرب، حفلت بهم الكتُّب.
الموحِّدون الدروز :
أمَّا لفظة أو كلمة القداسة عند الموحِّدين الدروز، فقد أتى ترداد هذه الكلمة، أو هذا اللفظ عند الإشارة إلى أحد الاولياء، كأن يُقال :
قدَّس الله سِرَّه .. تقال للأمير السيِّد عبدالله التنوخي.
أو قدَّس الله سِرَّها في المقامات والمزارات.
مقام الأميرة السِّت زهر أبي الَّلمع.
وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وعذراً من القارئ إن لم
أُعدِّد أكثر.
في الديانة اليهودية :
عندما يصل العَابِد، أو الزاهد إلى سدرة المنتهى، يقال له نبياً وقد أَتَّت أسفار العهد القديم على ذكرهم.
مثلاً : في أسفار النبي موسى الخمسة، وأسفار الأنبياء مثل هارون، يشوع، داوود وغيرهم ..
أخيراً :
هذا فيما يتعلَّق بالتصَوُّف.
أمَّا الأصولية المتشدِّدة والراديكالية في المسلك الديني الذي يتَّبعه البعض من أتباع الأديان السماويَّة، وبات الآن مُنتشراً كالنار في الهشيم، والذي أدى إلى الحروب والدمار الذي عاشته أوروبا في القرون الوسطى، ونعيشه نحن العرب الآن في هذا القرن.
فإنه لعمري.
لم تأتِ على ذكرهما الكتُّب السماويَّة.
لأنَّ الأنبياء والرُسُّل كانت رسائلهم.
بشارَة ومحبة وخير ورغد وسعادة للبشرية.
وما نشهده اليوم … خلاف ذلك.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٠ نيسان ٢٠٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق