بعيداً عن السياسَّة الحاليَّة …
سواء سياسة موطن الآباء والأجداد
وسياسة بلدي الثاني حيث أُقيم.
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
قد تكون مُدونَّة :
وماذا بعد خطاب القسم للرئيس الأميركي جو بايدن.
أخر مُدونَّاتي في السياسَّة الأميركية.
هذا لا يعني أنَّي سأغيب عن ذِكْر رجالات عظام أُطلق عليهم آباء لهذا البلد الذي استقبلنا وأكرمنا وأحسن وفادتنا نحن المهاجرين العرب واللبنانين خاصة.
ولكن قد يكون السبب من باب :
( السكوت في معرض الحاجة بيانٌ ).
كذلك قد تكون مُدونَّة :
قِفا نبكي مِنْ ذِكرى العرب والعروبة.
أخر مُدونَّاتي في السياسَّة العربيَّة واللبنانيَّة.
وهذا لا يعني أنَّي تناسيت أخبار العرب الاقحاح أو أخجل من ذِكْر أخبارهم، كما أخجل من روايات ومهازل ساسة لبنان وغيرهم من بلاد العُرب أوطاني.
أمَّا الذي بات يُقلقني أن صِغار الكتبَّة والمحدثين من حُثالة أزلام السلطَّة باتوا الأن هُم المُؤرخين لهذه الفترة معتمدين على مقولَّة أنَّنا أُمَّة لا تقرأ بل تسمع.
وحتى لا يقال :
( لا يُنسب إلى ساكتٍ قول ) سأقوم في هذه المُدونَّة بتعداد بعض صفات الرجال أو خصال الرجولة التي إنقرضت في عالمنا العربي المُعاصر، لأنَّ الذي يحصل اليوم يستدعي هذه المُدونَّة عن استجلاب أرواح رجالات كبار وعظام حتى نطلب منهم المساعدة والمشورة بعد أن أوصلنا قادة هذا الوطن العربي إلى الذِّل والهوان.
في المُدونَّة :
دائماً يأتيني السؤال …
لماذا التركيز على رجالات بلاد الشام الكبار والعظام :
سلطان باشا الأطرش، والشيخ أمين طريف، والبطل نوَّاف غزالي، والمعلم كمال جنبلاط، والأمير مجيد أرسلان، والأمير شكيب أرسلان، والأمير أبو علي مصطفى الأطرش ودولة الرئيس رشيد طليع، والمجاهد فضل الله باشا هنيدي والعلامة سلامة عبيد وفارس الخوري.
( يراجع كتابي الموحِّدون الدروز عبر التاريخ ).
والآن المجاهد أسعد كنج أبو صالح قائد ثورة إقليم البلان إبَّان الثورة السورية الكبرى بالعام ١٩٢٥م. بقيادة سلطان باشا الأطرش.
الجواب عن لماذا التركيز على رجالات بلاد الشام.
أُجيب، أنا لم أقُل شيئاً.
هو جمال عبد الناصر قال، إنَّ سوريا ( بلاد الشام ) هي قلب العروبة النابض.
أنا أقول الآن …
إنَّ بلاد الشام كانت جنَّة للأبطال … للذين ولدتهم أُمهاتهنَّ أحراراً …
بلاد الشام كانت منارة للعلم …
أين نحن الآن ؟
أغراب في وطننا، وطن الآباء والاجداد.
وما ينقصنا الأن رجالات لهم خصال وصفات المذكورين في هذه المُدونَّة.
أولاً : صفة رجاحة العقل والمشورة.
فضيلة الشيخ أمين طريف ( شيخ عقل دروز فلسطين ) سافر من فلسطين إلى سوريا مع وفد من المشايخ، لمقابلة عطوفة سلطان باشا الأطرش في بلدته القريَّا للاستئناس برأيه وأخذ مشورته في مسألة إخلاء القرى الدرزيَّة والنزوح إلى سوريا، لأن اليهود سيعملون على إبادة السكان.
أجاب سلطان باشا الأطرش الوفد الدرزي الفلسطيني :
( إيَّاكم ثمَّ إيَّاكم ترك قُراكم، لأنَّ غيركم باع واشترى، أمَّا أنتم فما بعتم ولا اشتريتم، فعليكم الصمود في أرضكم والمُحافظة على أرضكم وعرضكم، وإذا ما نزحتم إلينا فلن نقبلكم أبداً ). أين نحن الأن من العقل ورجاحته.
ثانيا: في شرف أخذ الثأر من أجل حفظ الاخوان.
لمَّا وصل نوَّاف غزالي إلى المزرعة ( البرازيل ) التي يُقيم فيها الطاغية الصغير أديب الشيشكلي، سأله :
إذا صدر عفو رئاسي عنك هل ستعود إلى سوريا ؟.
أجابه الشيشكلي : طبعاً سأعود.
فقال له نوَّاف غزالي : أهلي شهداء، ولن تستطيع العودة وأنا حي.
أطلق عليه خمس رصاصات من مسدسه قائلاً له :
هذه الرصاصات من سلطان باشا الأطرش.
لله درَّك …
أنت أُعطيت للثأر شرفاً وقيمة بين إخوانك.
ثالثاً : المجاهد أسعد كنج أبو صالح قائد ثوره اقليم البلان إبَّان الثورة السوريَّة الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش.
ولد في بلدة مجدل شمس في العام ١٨٧٩م. لأسرة عريقة سكنت الجولان بعد قدومها من لبنان، واستطاعت من ترسيخ مكانتها ونفوذها في المنطقة وتبوء مكانة اجتماعية وسياسية واقتصادية.
شقيقه هو المجاهد كنج أبو صالح.
إبنه هو اللواء نور الدين كنج أبو صالح.
قرية مجدل شمس هي أكبر قرى إقليم البلان في الجولان تقع على السفح الجنوبي لجبل حرمون (جبل الشّيخ).
إبان الحكم العثماني كانت مجدل شمس مع سائر إقليم البلان تابعة لمحافظة جبل لبنان قضاء راشيّا، وبعد الانتداب الفرنسي أصبحت تابعة لمحافظة دمشق سوريا، وبعد استقلال سوريا أصبحت القرية تابعة لمحافظة القنيطرة السّورية.
تسميتها تعود إلى العهد الفينيقي وتعني بالعربية برج الشمس.
في منتصف القرن الثامن عشر وصلت إلى مجدل شمس عشائر أخرى قادمة من جبل لبنان بعد خسارتها في معركة عين دارة ( تراجع مُدونَّتي عن معركة عين دارة ) وكان من أكبر تلك العشائر آل أبو صالح.
إبان الثورة السورية الكبرى ١٩٢٥م. كانت مجدل شمس من أهم معاقل الثوار من الجولان وجبل لبنان بسبب موقعها الجبلي المحصن. يذكرها القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش في مذكّراته بشكل مفصّل ويذكر حتّى شهداءها الذين ماتوا في سبيل الدفاع عن القرية وعن الاستقلال السّوري.
والذي يؤكد على دور مجدل شمس المهم في الثورة السورية الكبرى، هو أنَّ قائد الثورة في اقليم البلّان كان أسعد كنج أبو صالح إبن القرية.
يقول أحد المؤرخين الصادقين عن أصالة ومروءة هذه العائلة الكريمة، أنَّه لَمَّا استشهد الابن البكر للمجاهد كنج أبو صالح اخطأوا عند تبليغه الخبر بين إبنه وأخيه قائد الثورة فقال :
الحمد لله الذي قضى باستشهاد ابني وليس أخي فسألوه، والدهشة تعلو وجوههم كيف وهو ابنك …
فقال إن إستشهاد ابني لن يوقف الثورة ولكن إستشهاد أخي قائد الثورة قد يوقفها.
من أفعال الشهامة لهذه العائلة، أنَّ الجنرال غورو أرسل أموالاً إلى أهالي إقليم البلان وإلى زعامته من آل كنج الشيخ أسعد كنج أبو صالح وشقيقه الشيخ كنج أبو صالح مقابل عدم معارضتهم للقوات الفرنسية ومساعدة فرنسا في السيطرة على جنوب البلاد. فما كان من المجاهد أسعد كنج أن طلب اجتماعاً لشيوخ المنطقة في مجدل شمس، حيث قال لهم عار علينا أن يسجِّل التاريخ أنَّنا تعاملنا مع الاستعمار الفرنسي ووقفنا متفرجين على احتلالهم.
تمَّ ارسال الأموال إلى الملك فيصل ملك سوريا الذي أصابه الذهول، وقال إلى رسول المجاهد اسعد كنج أبو صالح
إنَّ لكم أيُّها الشرفاء ضعفي هذه المبالغ في خزينة الملك فيصل، وأصدر قراراً بتعيين أسعد كنج أبو صالح نقيباً في الجيش السوري.
رابعا ً : فارس الخوري.
فليكن عبرة إلى مسيحيي لبنان وسوريا الحاليين، وبوصلة لهم بعد حروب هاجوج وماجوج ( الربيع العربي ).
فارس الخوري مفكِّر عربي أصيل مُخيف للأعداء.
ولد في العام ١٨٧٣ في قرية الكفير في قضاء حاصبيا جنوب لبنان. ينتمي إلى الديانة المسيحية وتولَّى عِدَّة وزارات في سوريا حتى أنَّه :
في العام ١٩٣٦ كان رئيساً للمجلس النيابي.
وفِي عام ١٩٤٤ كان رئيساً لوزراء سوريا ووزيراً للأوقاف الإسلامية.
بعد معركة ميسلون بالعام ١٩٢٠ قال للجنرال غورو :
نعم يا عطوفة الجنرال، هذا بالفعل كان القصر الملكي أيَّام الملك فيصل، لقد بناه الوالي العثماني ناظم باشا، وسكنه فيما بعد جمال باشا، ثمَّ الجنرال اللنبي، ثمَّ فيصل، والآن أنتم.
إنَّه لأمر مُثير للتفكير، لقد جلسنا في هذه القاعة مع كل هؤلاء الرجال وشاهدناهم واحداً تلو الآخر يغادرون دمشق، ولكن بقينا نحن، وبقي القصر.
وغير ذلك من مواقف مُشرِّفة قام بها فارس الخوري أهمُّها لمَّا جلس على الكرسي المخصَّص لمندوب فرنسا في الأُمم المتحدة وبقي جالساً حتى بدأ صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ واستخدم عبارات لاذعة إلى أن تدخَّل سفراء الأُمم الأُخرى، وعند الدقيقة الخامسة والعشرين تنحنح فارس بيك ووقف وقال للمندوب الفرنسي :
جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة، كدت تقتلني غضباً وحنقاً، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها أن تستقِّل.
وآن لكم يا حُكَّام بلادنا أن ترحلوا.
إن كان لديكم ضمير.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
٢٦ كانون الثاني
المراجع : المُدونَّات الفيصليَّة.
كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ.
كتاب أعلام وحوادث وشخصيَّات تاريخيَّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق