أدركوا اللغة العربيَّة قبل أن تضيع !
عرب اليوم واللغة العربيَّة.
المُقَدِّمة التي لا بُدَّ منها :
عندما قال أحد فلاسفة الأندلس وهو من أصل أسباني lane pool Moors أنَّ للعرب مآثر جمَّة وعظيمة في الأندلس، وكان ضياعها حدث تاريخي لا يُصدَّق.
وعندما قال أيضاً أينما حلَّ العرب حلَّت الحضارة وازدهر العلم ونَمَت الثقافة وازدادت المعرفة.
ما قاله هذا الفيلسوف الأسباني عن العرب، كان يقصد به عرب الأمس فهؤلاء فتحوا مشارق الأرض ومغاربها وأثروا الحضارة الإنسانية بكل ما هو نفيس في العلوم وفِي الآداب وفِي الشعر والموسيقي والطب والفلك وعلم الحساب وغيرها الكثير الكثير.
ما قصده هذا الفيلسوف هو عرب الأمس، لأنَّ عرب اليوم صحيح أنَّهم اجتاحوا أصقاع الأرض، لكنَّهم اجتاحوها لجوءاً سياسياً وملاذاً دينياً.
اجتاحوها منبوذين مضطهدين تائهين في بقاع الأرض المترامية، ومن بقي منهم في أوطانهم بقي يتوسَّل الرزق الحلال في بلاده من ذوي الأمر والسلطان.
وتسألون بعد هذا عن مصير اللغة العربيَّة لهذا الجيل العربي الجديد وهو في بلاد الإغتراب سعياً لطلب العلم باللغات الأجنبيَّة أو الرزق الحلال ؟
لعمري أين أنت يا إبن خلدون والمُقدِّمة الشهيرة التي أخذت فيها على المؤرِّخين والفقهاء العرب مآخذ التزلُّف والكذب والافتراء وإخفاء الحقيقة.
لعمري أين أنت يا المُثنَّى إبن حارثة الشيباني ويا خالد إبن الوليد لَمَّا نزع كلاً منكما نجوم أكتافه من بلاط كسرى عُنوةً، كُنتما حُماة الديار بدَّل النجوم التي يلتقطها عسكر اليوم من الصالونات تزلُّفاً والديار والأمصار سائبةً لأنَّ
النواطير نامت عن ثعالبها وهي تتسلل شرقاً وغرباً.
في المُدونَّة :
هذه المُدونَّة وضعتها قبل أن تضيع اللغة العربيَّة المكتوبة، أو المحكيَّة وتصبح لهجات ولكْنات تتفرَّع من الأصل.
ولطالما قال أحد فقهاء المسلمين ( أدركوا الفتوى قبل أن تضيع ).
وقال أحدهم أيضاً ( أدركوا لغة القرآن ) في اليوم العالمي للغة العربيَّة.
وأنا أقول ( يا عرب أدركوا اللغة العربيَّة قبل أن تضيع مِن سوء أفعالكم ).
لن أغوص في تاريخ اللغة العربيَّة إلى أعماق التاريخ، بل سأبدأ من العصر الذي سبق الإسلام، وسيلاحظ القارئ الكريم أنَّي أتجنَّب في مُدوِّناتي من ذكر مُصطلح العصر الجاهلي، لأنَّه إذا كانت الجاهليَّة تعني الجهل من الناحيَّة الدينيَّة، أو الجهل والجهالة بوجود الله فأنَّه لا يجوز ويتنافى مع وجود الديانتين السماويتين اليهوديَّة والمسيحيَّة وجماعة الصابئة والأحناف الذين وحَّدوا الله في أرض العرب عشيَّة ظهور الإسلام، أمَّا إذا كان المقصود فئة من العرب كانت على الوثنية وفِي هذه أيضاً جدليَّة. ( تُراجع مُدونَّتي عن الوثنيَّة والأحناف ).
اللغة العربية كانت أرَقُّ وأجمل ما وصلنا إلينا من العصر الذي سبق الإسلام.
في هذا العصر، كان المفكرون والشعراء والخطباء يخطبون ودَّ اللغة العربية ويلتمسون دررها ويغرفون من نبعها.
ومن حسن الحظ أنَّ التاريخ حفظ لنا القصائد الطويلة التي سُميَّت بالمعلقات، وقد ذهب بعض الروَاة إلى أنها قصائد، كُتبَّت بماء الذهب وعُلِّقت على أستار الكعبة.
وبرغم وفرة ما وصل إلينا من أدب وشعر العصر الذي سبق الإسلام، إلَّا أنَّ الضياع قد أتى على الكثير من أخبارهم، وخاصَّة القديمة منها.
يقول أبو عمرو بن العلاء :
" ما إنتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقلَّه، ولو جاءكم وافراً، لجاءكم علمٌ وشعرٌ كثير " ..
ويقدِّر الباحثون عمر الأدب المدوَّن الذي وصل إلينا من ذلك العصر، بقرنين من الزمان قبل الإسلام.
وبسبب رفعة شأن اللغة العربيَّة، أقام العرب لها أسواقاً للشعر يتفاخرون، ويتبارون فيها ويتبادلون فيها الخبرات وكل ما هو جديد من شعر أو نثر أو خطابة.
كان للعرب، حُكَّام يفصلون بين المتنافسين، من أشهرهم النابغة الذبياني، الذي كانت تضرب له قُبَّة حمراء يجلس تحتها فيحكم بين الشعراء ..
ومن الحُكَّام أيضاً أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظَّرِب وعبد المطلب وأبو طالب وصفوان بن أمية وغيرهم.
ومن أشهر أسواق العرب حتى ظهور الإسلام سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز وسوق مَجنَّة والمربد.
إعتَاد العرب وتباهوا وتفاخروا بين جميع الأُمم على تسمية أنفسهم بأنهم أُمَّة تنطق بالضاد.
والحق يقال أن القُدرة على نطق الضاد هي الميزة الوحيدة التي يستطيع فيها العرب التميُّز عن بقية الأمم التي لها لُغَات مختلفة.
ولكن إذا كان حرف الضاد يجمع العرب، فإن حرف القاف يُفَرِّقُهم. وفي ذلك يقول أحد البحَّاثة العرب في علم اللغات :
( حسب معرفتي لم أجد أحداً ينطُق القاف بالصوت الكلاسيكي واللغوي وفقاً للقُرآن الكريم غير الموحِّدين الدروز ).
هذه الميزَة اللغويَّة التي إعتاد الموحِّدون الدروز أن يطبقوها في التخاطب الشفهي فيما بينهم أصبحت مضرباً للمثل، وباتّت تدُّل فوراً على الهويَّة الدينيَّة أو المذهبيَّة لكل من ينطق ب حرف القاف، فضلا عن ذلك أصبحت جزءً من تراثهم الذي يحافظون عليه، لا بل يجب أن تُصان كما لؤلؤة العين.
وللدلالة على ذلك …
المصريون وأهل بلاد الشام لا ينطقون القاف مطلقاً ويحلون الهمزة محلها.
في السودان وجنوب العراق يحلون حرف الغين محلها.
وفي منطقة الخليج ووسط العراق وصعيد مصر ينطقون القاف بالكاف المعجمَّة.
وقد إعتبر البعض أنَّ التركيز على لفظ القاف في التخاطب لدى الموحِّدين الدروز يعطي الدلالة على لغتهم العربية الصحيحة، لأنَّ هذه اللهجة الموزونة تكون بأنَّهم يلفظون مخارج الحروف جميعها، مثل ال الظاد أو الضاد أو القاف أو الذال، وهم الأقرب إلى اللغة العربية الفصحى في العصر الحديث.
وَمِمَّا لا شك فيه أنَّ الموحدُّون الدروز حفظوا وحافظوا على اللغة العربية، وصانوها، لأنها لغة يقارب عمرها 4000 سنة.
والجدير ذكره، أن اللغة العربيَّة لغة مقدسَّة نطق بها وتعلَّمها النبي اسماعيل عليه السلام، ويقال أنَّه أول من نطق بالعربية الفصحى.
والاهم من ذلك، أُنزِل القرآن الكريم باللغة العربية.
وجاء في القرآن الكريم ..
قال تعالى (( وهذا لسان عربي مبين ) ..
وكذلك قال : (( وهذا كتابٌ مُصَدِّقٌ لساناً عربياً لينذر ))
وأخيراً …
إنَّ الموحِّدين الدروز حافظوا بشكل عام على هذا الإرث العريق وهذه الحضارة القديمة.
والذي يُلفت النظر أنَّ الموحِّدين الدروز القاطنين في جبال بلاد الشام وخاصة لبنان وسوريا والأردن وفلسطين مازالوا يلفظون مخارج اللغة العربية بالشكل الصحيح، ويتكلمون بها بفنون مفاتنها وبصلابة نحوها وبلاغة ترتيب جملها.
وفي هذا .. تأكيد على نسلهم العربي الأصيل.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
٢٩ كانون الأول ٢٠٢٠م.
المرجع : المُدونَّات الفيصليَّة
كتاب الموحِّدون الدروز عبر التاريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق