عيد الشُكر الأميركي وجذوره التاريخيَّة.
تهنئة خاصة للأصدقاء اللبنانيين المُقيمين في أميركا.
المُقدِّمة التي لا بُد منها …
لَمَّا قام المُكتشف كريستوفر كولومبس في سبر غور ذلك المحيط وصولاً إلى ( العالم الجديد ) ظننت كما أعتقد غيري أنَّ الإسم سيبقى على المُسمَّى لهذه القارة، إلى أن ضرب العالم القديم فيروس الكورونا، أمَّا العالم الجديد وخاصة الولايات المتحدة الأميركية فإنَّ هيستيريا الكورونا اجتاحت في موجات مِن تضليل إعلامي مبرمج، وإخفاء طُبِّي مُتعمَّد لم يسبق له مثيل في بلدٍ احتَّل الفضاء الخارجي وعجز عن اكتشاف لقاح يُعالج هذا الطاعون الذي دمَّر العالم.
هذه السنة المطلوب علانية تغيير في نمط حياة الأميركيين وهو الاجتماع العائلي في عيد الشُكر الذي يُعتبر أهَّم مناسبة مُنذ عِدَّة قرون، وهذا ما يجعلني أقول في قادم الأيام أنَّ هذا العالم كان جديداً وبات كأوروبا القارة العجوز.
تمهيد :
لم تجتمِّع البشريَّة على أمرٍ واحد كما إجتمعت على تقدير الأرض وتكريمها حيث حِيكت القصص وأُنشدت الأغاني وصِيغت الملاحم وأُلصقت أجمل وأنبل العبارات في وصف الارض :
بأنها آلهة الخصب.
وآلهة الخلق.
وينبوع الحياة الابدية.
كان المعبَّد أو الهيكل الذي اعتصموا فيه هو الشكر والعرفان والوفاء، لما تقدِّمه الأرض لبني الانسان والبشريَّة عامة ً.
وهذا لا يعني أن الوفاء والشكر شيمَّة من شيَّم الانسان التي يعمل عليها ويزيدها، بل تراه على الأرجح يجنح منذ ( هابيل وقابيل ) أن يأخذ من :
الغدْر طقساً.
والغزو طريقةً.
وقلة الوفاء وسيلةً.
والقتل منهجاً.
والسبي رجولةً.
وقد طغَّت هذه الصفات على منحى حياته كما نشاهده اليوم في العالم وخاصةً العالم العربي.
ولحسن الحظ …
ترك لنا هذا الانسان حيزاً نتكلم عنه اليوم وهو :
عِرفانه وشكره للأرض وذلك باحتفالات سنويَّة.
في المُدونَّة :
بادئ ذي بدء، ليست الولايات المتحدة الأميركية من أوجد هذه المناسبة بل سبقتها أُمَمْ وشعوب قبلها. وقد تعددَّت أسماء هذا العيد المخصَّصْ لشكر الارض وخيراتها.
أولاً : عيد الشُّكر في الولايات المتحّدة الأميركية :
يقع هذا العيد في الخميس الرابع من شهر تشرين الثاني من كل عام ويُصادف هذه السنة نهار الخميس الواقع فيه ٢٦ تشرين الثاني.
يعود بدء الاحتفال بهذا العيد إلى العام ١٦٢٠م. عندما وصل المهاجرون الأوروبيون إلى مدينة بليموث في ولاية ماساتشوستس ( اليوم ).
لم يكن لدى المهاجرين أية خبرة في الزراعة.
جرى تعليمهم من قبل أعضاء قبيلة هندية عن كيفية وطرق الزراعة والصيد.
وكان أوَّل موسم حصاد أقامه المهاجرون استغرق ثلاثة أيام دعّوا فيه الهنود الحُمْر ( السكان الأصليين ) ليشكرونهم على المساعدة والصلاة لأنَّ الله قد منَّ عليهم بزرعٍ وحصادٍ وفيرين.
وبقي الشعب الأميركي على عادته في نهاية موسم الحصاد بإقامة الصلاة والشكر لله، وتقديم أشهى المأكولات والتفنن في طهي وإعداد الديك الرومي.
اتخذ المهاجرون الأوائل ومن بعدهم الاميركيين الحاليين هذه المناسبة لمّ شمل العائلة وتقويَّة أواصر القُربى في هذه الارض الجديدة والموعودة.
وقد ابتدع الأولون طرقاً في تكريم ديك رومي واحد كل سنة وانتقل التكريم الى يومنا هذا، حيث يقام في البيت الابيض الاميركي سنوياً احتفال يحضره إلى جانب رئيس الولايات المتحدة الاميركية وعائلته بعض الشخصيات حتى يشهدوا حدثاً تاريخياً يصدر فيه الرئيس أمراً رئاسياً يتضمن إعفاء ديك رومي واحد من الذبح.
هذه المراسم الاحتفالية التي دأب الشعب الأميركي على إقامتها سنوياً أثارت همَّة الحكومة الفيدرالية في إعلاء شأن هذه المناسبة حيث أقرَّ الكونغرس تعديلاً دستورياً بالعام ١٩٤١ تكريماً لهذه المناسبة.
ثانياً : الجّذور التاريخية :
إنَّ الانسانية كان يختلج عقولها وقلوبها مشاعر تتراوح ما بين إظهار الفرح والحزن، كما كان ينتابها ويهيّمن عليها الشُكر لما تقدِّمه الارض :
١ / في العصر البابلي :
المقصود بالعصر البابلي هو حضارات سومر أكاد أشور كلدان وبابل. في هذا العصر وفي هذه البقعة الجغرافية وفي الخصوبة التي تمتاز بها تربة بلاد ما بين النهرين كان للزراعة شأن عظيم وقد رُصِّعت الملاحم بأوصاف الخير والشكر للآلهة على الحصاد والنعمة التي توّفرها الأرض.
كان لديهم :
عيد حصاد الشعير.
عيد قطف التمور.
وذلك في الأول من نيسان أي عند حلول فصل الربيع.
كان القصد من هذين العيدين إبراز ولادة الحياة.
ويعود تاريخ إحياء هذه الفكرة الى الألف الرابع أو الخامس قبل الميلاد لذلك هو يُعَّد أقدم احتفال أُقيم في التاريخ.
إنَّ بذور هذا العيد قد لقحَّت وخصبَّت أغلب الأعياد التي تُوفي وتُعطي الأرض حقها وذلك عند أغلب الحضارات اللاحقة.
٢ - / عيد الربيع، أكيتو الاشوري.
يُعَّد هذا العيد رمزاً لخصوبة الارض وحبلِّها بكل ما هو أخضر وهو لون الحياة والترحيب والاحتفال بالطبيعة والابتهاج بقدومها وبخيراتها الموسميَّة.
٣ - / عيد النيّروز الفارسي.
يقع في ٢١ آذار من كل عام، وهو يوم الاعتدال الربيعي ورأس السنة الفارسية في ايران. خصائص هذا العيد نسيان الاحقاد إطعام الفقراء، لأنَّه بنظرهم عيد الإنسانية والفرح والرحمة.
٤ - / الخلافة العباسية.
في العراق لا يمكن إلا ان يكون أهل بلاد الرافدين ملتصقين بالتراث الشعبي المستمَّد من حضارة عريقة كالبابلية وقد جرت تسمية العيد بالربيع الشامي.
٥ - / في مصر الأقباط.
جرّت التسميَّة ب النيروز القبطي.
٦ - / عند الأكراد جرَّت تسميته ب النيروز الكردي.
٧ - / في سوريا إنتقل الميراث السومري وجرَّت تسميته بعيد الربيع الشامي.
٨ - / اليزيديون كانت تسمية العيد عندهم سري صال.
٩ - / السريان، احتفلوا بهذا العيد كذلك الصابئة المندائيون.
١٠ - / اليونانيون احتفلو بعيد الربيع.
١١ - / عيد شم النسيم المصري
وما زال يعود الى الفراعنة لأنَّه بَعْث الحياة وهو أول الزمان وبداية خلق العالم.
١٢ - / العيد عند اليهود.
مذكور في سفري اللاويين والتثنية ويعتبر يوم ١٥ شباط عيد الأشجار والفاكهة.
الخاتمة :
يتضِّح من أعلاه أنَّ الجنس البشري إتفق وبالإجماع على تقديم شعائر الشُكر والعرفان والجميل للأرض وما تقدمه من خيرٍ ومحاصيلٍ وزرْعٍ ونبْتٍ وفواكهةٍ وخضارٍ وثمارٍ وماءٍ زُلال.
وأنَّهم بذات الوقت إختلفوا على كل شيئ بما في ذلك الأديان السماويَّة التي هبطَّت من الأعالي من أجل شيئ، يسمو ولا يُسمى عليه، ويعّلو ولا يُعلى عليه، ولكنهم أمعنَّوا في الفرقَّة فيما بينهم، وقد أطلقت على ذلك في مدونتي،
( مِحنَّة الأديان السماويَّة ).
وما يحصل الان، هو خير دليل وبرهان.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٠م.
0 comments: