الى الجنرالات اللبنانيين المتقاعدين والعسكريين
المُستائين من إنتقاص تعويضاتهم التقاعدية.
المُقدِّمة التي لا بد منها :
عندما أُشير الى حوادث تاريخية قام بها رجالات عُظماء وأضعها مثلاً ليُحتذى به خاصة في موطني لبنان، لا أقصد من ذلك الانتقاص او الانتقاد أو التجريح بل أنشد وأُشير الى النصيحة.
دائماً تتذكَّر الأجيال القادمة أفعال رجالات التاريخ عن طريق ما سجلوه من أفعال أكثر منها من أقوال.
ودائماً في مُدونَّاتي أُشير الى ذلك بكل جرأة حيث ذكرت مثلاً :
- إنَّ رؤساء الولايات المتحدة الاميركية يُخلدون ذِكراهم عن طريق إنشاء مكتبات تحمل إسمهم. وقد سبقهم على ذلك منذ أكثر من الف عام الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله لَمَّا أنشأ دار الحكمة ( مكتبة ) وأعُتبرت في حينه من عجائب الدنيا.
- الجنرال الاميركي شيرمان الذي أنهك تمرُّد الولايات الجنوبية خلال الحرب الأهلية الاميركية ( ١٨٦١ / ١٨٦٥ ) بمسيرتة العسكرية المُظفرَّة في ولاية جورجيا قاطعاً المسافة من العاصمة أتلانتا الى مدينة السافانا الواقعة على المحيط الأطلسي بعد تدميره الجيش الكونفدرالي وقطع خطوط إمداداته. كان قد سبقه في تلك المسيرة العسكرية سيف الله المسلول خالد بن الوليد عندما قطع الصحراء لنجدة جيوش المسلمين في بر الشام.
في هذه المُدونَّة سأعتمد نفس الأسلوب … المقارنة والجرأة.
لأن المقارنة تتضمن العِبَرة والنصيحة ليس الإنتقاد او الإنتقاص.
بالأمس ذكرت حكمةً قالها الرئيس الاميركي هاري ترومان وتصلح للوضع الحالي في لبنان.
اليوم ولطالما أتكلم عن الجنرالات المتقاعدين في لبنان.
سأعطي أمثلة عن بعض الجنرالات والقادة العسكريين في الولايات المتحدة الذين سطروا تاريخاً مجيداً لوطنهم تتداوله الالسن في كل مكان وزمان.
شخصياً درست وتعمقت في التاريخ العسكري الاميركي، وكان إهتمامي ينصَّب على السيرة الذاتية للجنرالات الاميركيين الذين سطَّروا تاريخ بلادهم عن طريق معارك عسكرية خاضوها.
بالرغم من عدم تأييدي للجنرال الاميركي روبرت لي خلال الحرب الأهلية الاميركية إلا أنِّي أقف بكل إحترام لمناقبيته العسكرية ولأخلاقه الرفيعة في وطيس المعارك.
كانت الأوسمة والنياشين تملأ صدر الجنرال ( لي ).
كانت النجوم تُخفي أكتافه.
كان إنساناً قبل وبعد أي شيئ.
مِن أفعال هذا الجنرال أنه لم يطلب أي منفعة شخصية له، بل كان يطالب بحقوق أفراد جيشه مُضحياً ومُتنازلاً عن حقوقه.
سيرة هذا الجنرال أُهديها لجنرالات موطني لبنان.
في المُدونَّة :
لفتني إمتعاض الجنرالات والعسكريين المتقاعدين والمُستائين والمضربين أمام الدوائر الحكومية اللبنانية التي بنظرهم هي مزاريب للهدر وسرقة المال العام.
( لن أعدِّد المزاريب ومغارات علي بابا لأن المواطن اللبناني العادي يصطلي بنارها يومياً )
وأثار إنتباهي أنَّ من بين هؤلاء الجنرالات من هو في السلطة الأن بعد أن تقاعد من خدمته العسكرية لا بل هو من يتربَّع ماسكاً الصولجان أو من رعايا الحاشية الملكية او البطانة الدافئة أو يعتلي كرسياً في برلمان الشعب الخ.
ويُثير إشمئزازي أن المواطن العادي لا يصل الى مكان عمله ورزقه ولقمة عيشه بسبب قطع الطرقات أمام هذه الدوائر الحكومية التي أصبحت الأن مزاريباً لهدر المال العام.
وأتعجَّب هل أُدرك الجنرالات اليوم أنَّ الهدر وسرقة المال العام بدأت بعد تقاعدهم أم كانت أيام سعدهم وهناء عيشهم وكانوا يغضُّون الطرْف في تلك الأيام لغاية في نفس يعقوب ؟.
في هذه الفترة من حياة الجنرالات قبل التقاعد لن أسترسل في وصف الجنائن المعلقة حيث كانوا يقطنون والمرافقات الأمنية حيث كانوا ينعمون والأوسمة والنياشين حيث كانوا يتزينون.
في هذه الفترة من العيش الرغيد لم يقلق بال وضمير الجنرالات وهم يمسكون عصا الجنرالية أو يستشعر البعض منهم وهم في سدُّة قيادة المراكز العسكرية أن السلطة السياسية تملك العدَّة وتعمل على حفر مغارات علي بابا دون كلل أو ملل وأن زبانيتها يمِّدون شبكات مزاريب هدر المال العام دون حسيبٍ أو رقيب وهم يعملون على تكديس الأموال المنهوبة في مصارف خارج الحدود.
أم أنهم تفاجئوا بالسرقة والنهب لَمَّا إستشعروا تخفيضاً في تعويضاتهم ؟.
فليعذرني الجنرالات عندما كان البساط الأحمدي تحت أقدامهم لم تتلوَّث جِزمهِّم العسكرية بوحول السلطة السياسية، ولم يعانوا ما يعانيه المواطن اللبناني البسيط والعادي من وحول طمسَّت أيامه، منهم من آثر الهجرة والباقي صمد يتخبَّط خبط عشواء في حياته كافراً يتحمَّل الإهانة واللبطَّة كل يوم، صابراً صبوراً يئن من وجع وألم عضال صارخاً طالباً النجدة من عسكر الله وملائكته، لأن عسكر بلاده كان غارباً وجهه أو بعيداً عن السمع.
سأقول لكم حادثة وقعت مع الجنرال روبرت لي خريج الأكاديمية العسكرية الاميركية الأشهر عالمياً ويست بوينت، خلال الحرب الأهلية الاميركية.
هذا الجنرال صال وجال في الحرب المكسيكية، دائما النصر كان حليفه وقرينه.
يقول التاريخ أنَّ الرئيس الاميركي آنذاك آبراهام لينكولن أمر وزير الدفاع بأن يستدعي الجنرال روبرت لي ويعرض عليه منصب القائد العام للقوات الاميركية الفيدارالية عند إندلاع الحرب الأهلية.
رفض الجنرال روبرت لي هذا المنصب الرفيع، وآثر الاستقالة من الجيش الاميركي والعودة الى موطنه في ولاية فرجينيا، تاركاً منزله الفخم في ضاحية أرلغنتون في واشنطن العاصمة.
السبب أنه لا يريد محاربة شعبه في هذه الحرب، ولا تُغريه المناصب أن يكون قائداً للجيوش الفيدارالية التي ستحارب الولايات التي أعلنت إنفصالها عن الإتحاد.
جرى وضع اليد على منزله الفخم في واشنطن من قبل الحكومة الفيدارالية.
لما إستقال الجنرال لي من الجيش عاد الى منزله في ولاية فرجينيا مواطناً عادياً، ولكن وبطلب من رئيس الاتحاد الكونفدرالي جفرسون دايفيس جرى تعينه قائداً للجيوش الكونفدرالية.
لما إنهار الاتحاد الكونفدرالي أمام إصرار الرئيس آبراهام لينكولن، إستسلم الجنرال ( لي ) للجنرال ( جرانت ) قائد الجيوش الاميركية الاتحادية في خيمة متواضعة في أرض المعركة العسكرية في فرجينيا بالعام ١٨٦٥.
سأل الجنرال ( جرانت ) الجنرال ( لي ) ماذا يريد بعد توقيعه وثيقة الإستسلام.
أجابه : أُطالب بأن تبقى الأحصنة والبغال وما ملكت أيدي جنودي من مواشي مع الأفراد ولا تُصادر منهم. ( بإعتبارها من أدوات الحرب يجب أن تُصادر )
سأله الجنرال ( جرانت ) ماذا تريد أنت لنفسك جنرال ( لي ) ؟.
أجابه لا شيئ، كل ما أطلبه لأفراد جيشي الجنود لأنهم سيعودون الى ديارهم وموسم الزراعة قد بدأ.
لم يستمهل الجنرال ( جرانت ) موافقة الحكومة الفيدرالية ولا السلطة السياسية في واشنطن.
بل وافق فوراً على إبقاء الأحصنة والبغال وما ملكت أيدي الجنود معهم، بعد تسليم أسلحتهم.
وأمر بإفراغ مخازن الجيش الاميركي الفيدرالي في مواقع القتال من مخزون القمح والحنطة والمواد الغذائية، وتحميل الأحصنة وحتى العربات التي تجرها البغال لافراد الجيش الذي وقَّع لتوِّه وثيقة الاستسلام.
وأمر أيضاً بتقديم ( بذار) القمح والشعير لإفراد الجيش المستسلم.
وأخيراً …
فليعذرني جنرالات موطني إنَّ تاريخهم العسكري لن تُتوِجه مآثر الإضرابات بقدر ما يُوفرون لشعبهم تأمين وسلامة الوصول الى لقمة عيشهم المغمسَّة بالدم والعرق.
مِن صليما :
فيصل المصري
الاول من أيار ٢٠١٩ ( عيد العمال )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق