الخمسة الكبار …
وفِي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ …
فذهب عجز البيت الأخير مثلاً بين العرب.
أمَّا أنا فأقول :
وفِي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ الخَّمْسة الكِبارْ …
المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها :
آليت على نفسي بعد أن نشرتُ مُدونَّتي عن الموحِّدين الدروز في لبنان والغيوم المُلبدَّة، أن أفسح في المجال لنفسي، وأقول :
( من باب الإنتماء لهذه الطائفة الكريمة، والحرص عليها من أي فتنة.
( وأعرف مُسبقاً …
( لا من يسمع، ولا من يريد أن يسمع من أصحاب الحلِّ والربطِ…
( ومن مقولَّة أخرى أُرددها …
( قُل كلمتك، وإمشي …
قررت أن أتوقَّف عن الكتابة في هذا الخلاف الناشب بين الزعامتين الدرزيتين في لبنان، حتى لا يظُننَّ أحد مِن ضعاف النفوس أنِّي مع هذه الغرضية ضد تلك الحزبيَّة.
ولكن :
بعد أن وصلني تقرير غوغل عن عدد قُرَّاء هذه المُدونَّة، وأنها الأكثر قراءة في الأونة الاخيرة.
وبعد أن قرأت تعليقات القرَّاء.
وبعد أن سمعت ما تروجه وسائل الإعلام، وما يُنشر مِن الإثارات ما يُشغل ويُقلق بال الناس وإذا اجتمعوا في مجالسهم لا حديث لهم، إلا موضوع الخلاف.
قررت أن أكتب هذه المُدونَّة ومِن عنوانها يُعرف القصد …
"والله من وراء القصد"
لأن الله سبحانه هو الذي يعلم مقاصدي، بأني لست مُتحزباً أو صاحب غرضيَّة، كل همي وقصدي وجودنا ( نحن ) في هذا المشرق العربي مُعززين مُكرمين بعد حوالي الف عام على الدعوة التوحيدية.
وفِي ذلك أستشهد بالقرآن الكريم :
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235].
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28].
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29].
بناء على ما تقدَّم، أقول :
على الموحِّدين الدروز ( عامة ) أن يكِفُوا ألسنتهم عن الكلام في الشر والخلاف الناشب.
وأن يقتصروا على الكلام الذي فيه الخير وما فيه المصلحة للطائفة.
والكف عن الكلام الذي لا فائدة منه إلا ذر الشقاق.
وفِي ذلك أُضيف :
إذا حصل بين الناسِ سوء تفاهم، او حصل بينهم نزعات ونزاعات، على الانسان أن يتكلم بالإصلاح لا بما يزيد الشر ويؤجج الفتنة، أو ينحاز مع فئة يمدحها ويذِّم الثانية لأن في ذلك عداوة وتباغُض ونحن بغنى عنه الأن وفِي هذا الظرف بالذات.
وفِي ذلك أستشهد بالقرآن الكريم أيضاً :
( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ).
وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً).
ولماذا الإستشهاد بالقرآن الكريم دون كُتُّبنا المُقدَّس ذكرها، وأنا القادر والمُتمكِّن على سبر منابعها …
أقول بصراحة، حتى لا ينبري كائن من كان ويعلن بأنِّي تخطيت أسوار التقيَّة المُحصنَّة وأفشيت الأسرار المكنونة.
بعد هذه المُقدِّمة التي لا بُدَّ منها.
إليكم مُدونَّتي :
( وفِي الليلةِ الظَّلماءِ يُفتقَدُ الخَّمسة الكبار )
وهم شخصيات :
دينيَّة :
الشيخ أمين طريف من فلسطين. ( شيخ عقل ).
الشيخ محمد أبو شقرا من لبنان. ( شيخ عقل ).
زمنيَّة :
سلطان باشا الاطرش من سوريا. ( بطل عربي ).
كمال جنبلاط من لبنان ( مُفكِّر وفيلسوف ومُعلِّم ).
مجيد أرسلان من لبنان ( بطل إستقلال لبنان ).
تمهيد :
” يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ” .
( الحكمة هي هبة من الله يهبها لمن يشاء من عباده ، ومن يحصل عليها فقد حصل على الخير الكثير من الله، فهي شئ عظيم، وهي من أعظم ما يمكن أن يتحلى به الإنسان، وهي من أسمي و أجل المراتب التي يمكن الوصول إليها ).
( والحكمة هي العقل والمنطق في إدراك الأمور ووضع الأمور في مواضعها الصحيحة، فالحكيم هو من يدرك الأمور ويعقلها ويضع كل أمر في موضعه الذي يلائمه، الحكمة فضل من عند الله فهي تكتسب نتيجة خبرات الحياة التي يمر بها الإنسان في حياته وتجاربه، ويجب على الإنسان أن يتعامل بالعقل والحكمة قدر المستطاع مع كل ما يواجهه من الأمور في حياته الدنيا ).
لم أعثر باللغة العربية على تعريف ( الحكمة ) أجمل من هذا حتى ألصقه ب ( الخمسة الكبار ).
سبق نشرت في كتابي ( الموحِّدون الدروز في لبنان ) مُدونَّات عن :
- الموحِّدون الدروز وفضيلة الشيخ أمين طريف، ص ١٥٧.
- سلطان باشا الاطرش يقف جنباً إلى جنب مع عُظماء العالم، ص ٢٥٣.
- كمال جنبلاط المّوَحَّد والفقيه المُفوَّه، ص ١٨١.
وقد أتيت على ذكر التوافق والتشاور والحكمة التي إكتنزها الثلاثة الكبار في مسائل عِدَّة داهمَّت الموحِّدين الدروز في بلاد الشام، أهمها إخلاء القرى الدرزية والنزوح الى سوريا خلال نكبة فلسطين بالعام ١٩٤٨م.
وقد ذكرت أيضاً أن كمال جنبلاط في كتابه ( هذه وصيتي ) قال :
للأسف فإننا لم نعد نتَّصل بالثلاثين ألف درزي في إسرائيل منذ زمن بعيد، أمَّا في الماضي أي عندما كانت فلسطين، فإنهم كثيراً ما كانوا يقدمون الى المختارة، إنهم بعيدون عنَّا الآن، ولكن لديهم رئيس روحي رفيع ( الشيخ أمين طريف ) يقودهم، وهو لا يزال على الرغم من سنه ( أُمثولة في الحكمة والتعقُّل ).
وتأكيداً للعلاقة الأخوية والصادقة، ترأس فضيلة الشيخ أمين طريف سنة ١٩٧٧م. حفل تأبيني للشهيد كمال جنبلاط في مقام النبي شعيب عليه السلام، شارك فيه أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين.
هكذا كان حال الخمسة الكبار في المُلمَّات والأزمات التي تعصف بالطائفة الكريمة.
أمَّا ما كان مِن حكمة وتعقُّل بين الكبار الثلاثة :
الشيخ محمد أبو شقرا.
والمير مجيد أرسلان.
والمعلم كمال جنبلاط.
يجب الإحتذاء به الآن.
كان الأمير مجيد أرسلان أحد قادة دروز ثلاثة هم، الشيخ محمد أبو شقرا شيخ العقل، والمفكر كمال جنبلاط، وقد برز الأمير مجيد بمواقفه الوطنية، وقد إتصف بالاعتدال في الحرب الأهلية، التي بدأت عام 1975 في لبنان. وحاول بقدر الإمكان أن يمنع الاقتتال والصراع. وظل أغلب الوقت رسمياً، لكن وعندما وقفت الطائفة الدرزية أمام تحدٍ كبير، وأمام مصير شديد، تعالى وتكبّر وتسامى عن الأمور الشخصية، وإنضم إلى معسكر وليد جنبلاط، وقد كانت المنافسة شديدة بين المعسكرين التي تعود جذورها إلى الغرضية اللبنانية، فدعا جميع مؤيديه إلى الوقوف صفاً واحداً، بإسم الطائفة الدرزيَّة، والتصدي لمؤامرات العدو ومحاربتها والقضاء عليها.
في كتابه ( الامير مجيد ارسلان ) لعاطف ابو عماد، والصادر عن مؤسسة التراث الدرزي، يتضمن هذا الكتاب سيرة الأمير مجيد أرسلان الوطني والعروبي والمعتدل وسيرة رجل الدولة الذي يؤمن بالقيم الأخلاقية في السياسة، حيث يقول ما حرفيته :
( في أحلك أوقات الزعل بين الزعيمين كميل شمعون وكمال جنبلاط أراد كميل شمعون أن يتحدى جنبلاط بزيارة تحد إلى عين زحلتا، حاول أرسلان وقفها غير مرة وكان شمعون ورجله آنذاك مغبغب يزورا عين زحلتا بحجة موسم التين فكان رد أرسلان وبظرفه البسيط :
«بسيطه، رح أُقطع شجرة تين من عين زحلتا وآتيك بها الى هنا في خلدة».
لكن الموقف الأكثر وضوحاً وصلابةً هو الذي واجه به إرادة الرئيس السوري حافظ الأسد بالتخلي عن الزعيم الوطني ( الدرزي ) كمال جنبلاط وإتخذ موقفاً شريفاً وعالياً، متمسكاً بإرث البيوتات السياسية الكبيرة وقيمها الأخلاقية والحفاظ على البيوتات السياسية وعدم إغلاقها ).
يقول السيد سليم خير الدين عن مؤسسة التراث الدرزي ناشر الكتاب :
«الأمير مجيد ارسلان رجل من تاريخ هذا الوطن ومنارة للرجال، هاجسه المحافظة على سلامة الوطن وسلامة بنيه وأهليه، رجلاً قوياً صارماً وفارساً في زمن الفروسية.
أمَّا المحامي والكاتب سليمان تقي الدين في مقدمة كتاب ( الامير مجيد أرسلان ) يقول :
( وربما كان الغزو الإسرائيلي للبنان هو الحدث الذي هدَّ قوته وسرَّع في تدهور صحته لما رأى فيه من أخطار على المصير الوطني، ففي تلك الايام السود لم يَعُّد يقوى على النهوض بأعباء أي مهمة وطنية، فإكتفى بتوجيه النصائح والإرشادات والدعوة الى الإبتعاد عن السقوط في شرك مآرب العدو الاسرائيلي.
فشدَّ أزر مقاومة الدروز لمشروع إقتلاعهم من جبل لبنان ودعم صمودهم وشدَّ على أيدي وليد جنبلاط حينها وساهم في إرساء الوحدة الدرزيَّة آنذاك لمواجهة المخاطر.
أمَّا مِسكُ الختام، الشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل الدروز في لبنان …
(من سنة 1949 إلى حين وفاته سنة 1991).
قيل بالشيخ محمد أبو شقرا ما حرفيته :
( مِن خِصال الشيخ محمد أبو شقرا المسؤولية الروحية كان لا يعمل إلا بوحيها ولا يسير إلا بهديها، فإذا أظلمت سماء الوطن باليأس، أضاء فيها أقباس الرجاء، وإذا مال الدين إلى شهوة السياسة، أعاده من نفسه إلى حضن ربه، وإذا قيل "مَنْ فتى؟" خلته فارساً من فرسان الحق، وسيفاً من سيوف الله. فهل من غرابة أن ينال من رضا ربه ما تقر به عينه في قميصه الجديد؟ وأن يحصد من قلوب الناس ما زرع فيها من صالحات؟ وأن يسطع ذكره في القلوب فتستقيم، ثم تجري أعماله على الألسن، في كل مؤسسة أقامها ، فتنطلق أسلاتها عليه بالرحمة والثناء ).
كان الشيخ محمد أبو شقرا رجلا كفوءاً حكيماً.
عاش حياة الجماعة وخالطها وعرف مكانها وأسرارها وقضاياها.
إهتم بشؤون الطائفة الدرزية التوحيدية بكثير من العناية والرعاية والاهتمام والعطف والجدية.
هؤلاء هم الخمسة الكبار.
هؤلاء هم الحكمة.
هؤلاء هم التعقُّل.
وهؤلاء يفتقدهم كل مُوحِّد درزي هذه الأيام.
يرحمهم الله ويُسكنهم فسيح الجِنان.
أخيراً …
تحياتي للأهل في فلسطين.
والأهل في الاردن.
والأهل في سوريا.
والأهل في لبنان.
وأقول، في الإتحاد قوة وفي التفرقة ضعف.
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا.
٢ شباط ٢٠١٩م.
مُلحق :
أخترت بعض ما جاء في وصية الشيخ محمد أبو شقرا، تناسب ما جاء في المُدونَّة :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
اخواني وأبنائي :
لم أشأ أن أُغادر هذه الدار الفانية لملاقاة وجه ربي دون أن أُبلغكم بعض هواجسي التي لم تغب عن تفكيري وتوجهاتي طوال حياتي وقد رأيت ان أّوجز تلك الهواجس في هذه الرسالة التي وددت أن تحمل معنى ( الوصيه ) لما أُعلقه على إستيعابها والأخذ بها من أهمية قصوى في الحاضر والمستقبل بالنسبة لطائفتنا الموحِّدة الكريمه عامة ولكل فرد من افرادها بصورة خاصة.
وعليه فاني أُناشدكم بحق ما عرفتم به من أباء وشمم ووعي ومروءة.
1- أن يتذكر كل فرد منكم دائما أصله وتراث الطائفة الموحِّدة وتاريخها وأمجادها وأن يروي لاحفادة واولاده ويزرع في افكارهم ونفوسهم فضيلة التمسك بالقواعد المسلكية والأخلاقية التي كانت وراء تلك الأمجاد الباهرة والتاريخ المضيء وأن تحافظوا على تماسككم ووحدة صفكم في السراء والضراء على حد سواء
2- أن تعملوا دائما على بقاء ( قيادتكم واحده موحدَّة ) في جميع الظروف لأن التجارب الكثيرة التي مرت بها الأمم والشعوب قد أكدت ان لا منعة لاية أّمة ولا رفعة ولا تقدم ولا طمأنينة ولا إستقرار ولا كرامة اذا إبتليت بالتخاصم والتفرق.
3- أحثكم على الاهتمام بإقامة المؤسسات على إختلاف وجوهها ومواضيعها ونشاطاتها من صحية واجتماعية وتقافية وانسانية لأن المؤسسات السليمة تحصن وجودكم وتحفظ كرامتكم وتؤكد عزتكم وتساعدكم على تلبية حاجاتكم وتدفع بكم الى الامام في مجالات التقدم والتحرر والأزدهار.
هذه هي رسالتي بل وصيتي لكم ايها الأخوان والأبناء الموحِّدون واني لآمل أن تتأملوا مضامينها وتدققوا ابعادها وتعلموا افرادا وجماعات لأني مؤمن بأن في الإلتزام بها صونا لوجودكم الكريم وتحصينا لهذا الوجود في الوطن وخارج حدود الوطن على مدى الأيام والدهور والله المستعان على ما فيه خيركم وعزتكم وسعادتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق