المُوَحِّدون الدروز و نوّاف غزالي ..
تمهيد :
باتَّت دول العالم، على قاب قوسين أو أدني من إعتماد سياسة الوطن أولا ً وأخيرا ً وغير ذلك، أصبح وِجهة نظر ..
ومنذ أجيال مضَّت، سلكَّت الاديان السماويَّة ذات المسلك وصولا ً إلى التعصُّب المذهبي، أحيانا ً ..
ولا أرى ضررا ً، ولا ضرار أن يعتمد الموحدُّون الدروز ذلك الطريق، وبدل التعصُّب إيثار العقل منهجا ً، والتقيَّة المتطورَّة وفقا ً لمقولَّة لا يُنكر تغيُّر الأحكام، بتغيُّر الازمان ..
شخصيا ً، ومع أني مُّقِيم خارج موطني، أكثر سِني عمري، إلا ان همي كان دائما ً البحث والتنقيب عن شخصية مِن الموحدِّين الدروز لأكتب عنها مُدوِّنة للتذكير، بمناقب أفراد هذه الجماعة، والجمع دون التفريق، تماشيا ً مع ما يجري في العالم السياسي، والديني ..
وعلى جري عادتي، إن كتبت عن مُوحِّد درزي يكون تركيزي على عمق عقيدته وإيمانه، وماذا فعل لإخوانه الموحدِّين ..
وكنت، وسأبقى حريصا ً على عدم الخوض في العقيدة الدرزيَّة، لان لها أربابها، كذلك عدم ذِكْر الميول السياسية للشخصية التي أنا بصددها ..
في هذه الْمُدوّنة ..
المُوَحِّدون الدروز، و نوّاف غزالي ..
سأتطرَّق الى هذا البطل المُوَحِّد الدرزي، ماذا فعل، وماذا قام به من إعلاء كرامة هذه الطائفة ..
المُقَدِّمة :
أجمع المفكرون، والفلاسفة أن الشعوب عامة ً، تتمسَّك بأهداب الدين، في الملّمات الخطيرة التي تحيق بهم، سواء كانت أمنيّة، او صحيّة حيث تراهم يزورن الكنائس، ويدخلون المساجد، ويكثرون من زيارات الأضرحة الشريفة، ويميلون الى التقوّى والخوف من الله، والصلاة والدعاء حتى يُجنِبّهم البلاء، ويُضفي على حياتهم الأمن والاستقرار، والعافية في أجسامهم ..
أما أهلنا في سوريا، فإنهم بالاضافة الى الميل الزائد فيما ذُكِر، إنهم يستذكرّون في الليالي الظُّلُمَاء، الحالكة، والظالمة عُظمائهم، ويستفيضون في ذِكْر مآثرهم، ويُمنّون النفس أن تلِّد نساءهم مثل سلطان باشا الاطرش، ورفاقه الشرفاء الذين أوصلوا سوريا، قلب العروبة النابض الى الاستقلال في بدايات القرن الماضي، وإلى رفع أول علم عربي بعد ان بادت الى غير رجعة الإمبراطورية العثمانية البغيضة، وغاب عن العالم نِظام الانتداب الفرنسي ..
اليوم ..
أستذْكِر معكم يا أهل سوريا الحبيبة، بطل من أبطالكم الذي غابت سيرته العطرَّة عن الكُتُّب، في تاريخ العرب القديم، والحديث لان التصنيف، والتأريخ عند عرب اليوم، يعتمد على مقاييس، لا يقبلها الغرب في تسميَّة أبطال الأُمَّة، والعُظماء فيها ..
ولكن من الأمور، والثوابت التاريخية الواضحة والشريفة، أن نوّاف غزالي ذلك السوري العربي، من محافظة السويداء، هو بطل من الأبطال الذي أجهز، وكتم أنفاس أديب الشيشكلي، الى الأبد ذلك الطاغية الصغير، إذ لحق به الى زاوية من زوايا العالم، وهو مُختبِأ ٌ كالفأر، فأدخله حشرا ً في مزبلة التاريخ، بعد أن واجهه وجها ً لوجه كالفارس المِغوار الذي لا يرضى ألا المواجهة عن قوة، بدل الإجهاز خِلسة، او غدرا ً من الخلف ..
أما ما هو من غير الواضح، والذي فيه لُبْس ٌ وتعتيم ٌ تاريخي هو، دور هيئة أركان الجيش السوري إبان تَوَلَّي أديب الشيشكلي رئاسة الجمهورية في سوريا، ومن بعده، حيث سيتبين في سِياق هذه المُدّونة الهجوم السافر لهذا الجيش على منطقة السويداء ..
من هو نوّاف غزالي :
- هو بكل فخر، قاتل أديب الشيشكلي الذي حكم سوريا في الفترة ما بين ( 1949 م حتى شباط 1954 م).
- هو قاتل الطاغية الصغير، إنتقاما ً من ممارساته العسكرية ضد أهله في منطقة جبل العرب ( محافظة السويداء ).
- أديب الشيشكلي، كان ضابطا ً في الفترة التي سمّاها الغرب، فترة الانقلابات، لان الضابط السوري في تلك الأيام إذا كان ليله طويلا ً بسبب القلق الذي ينتابه، كان يتسلَّى فجرا ً بان يقوم بإنقلاب على ضابط زميل له في السلطة ..
- أديب الشيشكلي، هو الضابط الذي إنسلخ عن سربه، كغيره من الضباط، وقام بإنقلاب عسكري أطاح بسامي الحناوي، وكان يتميّز بعقلية ديكتاتور جاهل، ومتعطّش الى قتل كل من يعارضه الحكم ..
- توّجس أديب الشيشكلي خِفية بأن جبل العرب، ( محافطة السويداء ) بدأ يُخزِّن السلاح عن طريق الأردن، وأخر عن طريق العراق، وذلك تهيئة ً للقيام بانقلاب ضده، يشترك فيه أهل جبل العرب مع آلِ الأطرش بتنسيق مع المملكة الاردنية الهاشمية ..
إتخذ قرارا ً مُتسرِّعا ً، فيه جهل ٌ مُطبَّق بتوقيعه على أمر بإعتقال رمز من رموز الموحدون الدروز، لا بل العرب الشُرفاء، سلطان باشا الاطرش، القائد العام للثورة العربية السورية ..
- وإتخذ أديب الشيشكلي قرارا ً همجيا ً بدخول مدينة السويداء، بالدبابات والمدفعية والطائرات صانعا بذلك أبشع المجازر ..
- كان الطاغية الصغير أديب الشيشكلي يقول قبل الهجوم الدنيئ على السويداء :
أعدائي يشبهون الأفعى ..
رأسها في جبل الدروز ..
ومعدتها في حمص ..
وذنبها في حلب ..
- دخل أديب الشيشكلي مدينة السويداء في 31 كانون الثاني 1954 ..
كانت الخِطَّة العسكرية تقضي، بأصدار الأوامر إلى اللواء السادس، المرابط في منطقة إزرع في حوران، والطلب اليه بأن يزحف على السويداء ويطوّقها، ويعتقل سلطان باشا الاطرش ..
- قام اللواء السادس بمحاصرة السويداء في ليلة، 26 و 27 .. من كانون الثاني، وفي صبيحة ذلك اليوم توجهَّت قوة عسكرية إلى قرية سلطان باشا الاطرش ألقرّيا بقصد إعتقاله ..
- لم تتمكَّن هذه القوة، ولم تفلح من إكمال المهمة ..
- بعد هذه الخيبات المتكررَّة، والغموض، في الأوامر العسكرية، وتبادل الإتهامات بعد العنف، والمجازر التي أُرتكبت أثناء هذه الحملة، جعلت زُمرَّة الضباط يتنصلُّون كل ٌ من مسؤوليته عن هذه الجرائم التي أُرتكبت في حق ألاهالي من الموحدون الدروز ..
- أيقن أديب الشيشكلي أن زمام الأمور قد تنفلِّت من يده ..
إتصّل سرا ً بالحكومة اللبنانية لقبوله لاجئا ً سياسيا ً..
- غادر الشيشكلي دمشق إلى بيروت، في 25 شباط 1954 بعد أن قام بتسليم كتاب إستقالته إلى رئيس الاركان الزعيم (زعيم رتبة عسكرية ) شوكت شقير، وهو ضابط أصله من لبنان، من قرية أرصون بالمتن الجنوبي، قضاء بعبدا، إنخرط بالجيش السوري مع رِفاق له لبنانيون في تسمية أُطلق عليها جيش الإنقاذ ..
- كانت ترتيبات تسوية أستقالة أديب الشيشكلي، لجوئه الى لبنان، ثم المغادرة إلى السعودية، ثم فرنسا، ومن ثم الى مكان أخر غير معلوم ..
- بقي الوضع السياسي في سوريا، ممسوكا ً من العام ١٩٥٤ حتى العام ١٩٥٧ بعهدة هيئة أركان الجيش بقيادة الزعيم شوكت شقير ..
- وفي العام 1957 تسلّم السلطة في سوريا شكري القوتلي، وحُوكم الشيشكلي غيابيا ً بتهمة الخيانة العظمى، وما على القارئ العربي ألا أن يتصوَّر هذه المحاكمة الصوريَّة، الغيابيَّة بحق مجرم، إما موجود في لبنان، او السعودية او فرنسا، وذلك قبل هروبه الى البرازيل ..
لذلك ....
أقول، إن تدوين التاريخ العربي الحديث، في تلك الفترة، دائما ً تفوح منه الروائح الكريهة، وطمس الوقائع، وإن إخفاء الحقيقة هي، ديانة فيها طُقوس ٌ وطُرق يُعرْبِّد فيها، صِغَار الكُتَّاب، وأن المعرفة لا يمكن التوصُّل اليها، بالرغم من قرب حدوثها، إلا عن طريق التنجيم، والبحث المُضني ..
وبسبب هذا تبقى الأحداث التاريخية المهمة هائمة، غائبة، مطموس ذكرها ..
مِن المعلومات التي توصَّلُت اليها ..
- غادر أديب الشيشكلي في العام 1960 إلى البرازيل حيث أقام في مزرعة، مُختبأ ً ..
- بعد عشر سنوات تمّكن البطل نوّاف غزالي من اللحّاق به الى مكان مخبئه، وقتله أخذا ً بثأر أهله من الموحدين الدروز ..
- أما الغموض، فاسبابه عديدة، ومُتشعبَّة، وواضحة، ولم يُعلن عنها إلا تلميحا ً، حيث تقول إبنة الشيشكلي حول هذه المجازر، في تصريح لها بالعام 2012 حيث كانت تُقيم بالخليج العربي :
أنقل تصريحها حرفيا ً، دون تعليق شخصي :
- ( إن مسؤولية ما حدث في جبل الدروز ألقيت على عاتق أديب الشيشكلي وحده، كرئيس للدولة، فدفع ثمنها غاليا ً وهو بريئ منها، لأن قائد حامية السويداء وقتها، طالب بتعزيز حاميته العسكرية بعد التظاهرات والاشتباكات التي حصلت في الجبل حيث هوجمت مخافر الشرطة وقُتل وأُسر العديد من عناصرها ..
وتضيف إبنة أديب الشيشكلي :
- قام رئيس الأركان العامة للجيش السوري في حينها، الزعيم شوكت شقير وهو المسؤول عن ذلك الأمر، بإرسال حملة عسكرية بقيادة رسمي القدسي، لتدمير القوى الثائرة ..
وتقول ..
وللأسف فإن ملابسات الأحداث في ذلك الوقت ألقَّت التبعّات على عاتق الشيشكلي ).
ملاحظة :
نص الحديث لإبنة الشيشكلي نقلته حرفيا ً .... وفيه أيضا ً غيوم مُلبدَّة، كالتنصُّل من مسؤولية الموافقة او التوقيع على أوامر قيادة اركان الجيش، بالزحف والهجوم على السويداء، ولهذا السبب ذكرت في بداية هذه الدراسة الغموض في دور قيادة اركان الجيش السوري ..
كيف إغتال نواف غزالة، الشيشكلي ؟
يقول حسن سليمان غزالة أحد أقارب البطل نوّاف غزالة :
توجه نوّاف غزالي إلى المزرعة التي يُقيم فيها أديب الشيشكلي ..
وقال له :
إذا صدر عفو رئاسي عنك، هل ستعود إلى سوريا ؟
فأجابه الشيشكلي :
طبعا ً ... سأعود ..
فقال له نوّاف غزالي :
أهلي شهداء ..
ولن تستطيع العودة، وأنا حي ..
فأطلق عليه خمس رصاصات من مسدسه ..
قائلا له :
هذه الرصاصات، من سلطان باشا الأطرش ..
- أخيرا ً ..
- حيكَّت عدة روايات شعبية عن هذا البطل، ولم أجد في السجلات الحكومية السورية، أي رواية رسمية قامت بها الدوائر الرسمية لتكريم هذا العمل البطولي ..
لذا تقرأ من هنا أو هناك ..
- أن الضابط المُقَدَّم السوري سليم حاطوم، قام بإعطاء نوّاف غزالي الضوء الاخضر بملاحقة الشيشكلي ..
- بعد أن أجهز نوّاف غزالة على أديب الشيشكلي، يقول قريب نوّاف غزالي المذكور أسمه أعلاه :
- أن نوّاف غزالي، سلَّم نفسه للسلطات البرازيلية، بعد 18 يوما ً من حادثة القتل ..
- حُوكم نوّاف غزالي ونفِّذ بحقه حكما ً لمدة ٥ سنوات ..
- وفي سِياق المحاكمة، سأل القاضي البرازيلي، نواف غزالي :
- هل انت نادم على مافعلت ؟
فأجاب نوّاف :
- كلاّّّّ يا سيدي، لست نادما ً، فإن مثل هذا المجرم لا يستحِّق الحياة، ووجوده عبء ثقيل على كاهل البشرية، والانسانية، بأجمعها ولا يجب إعتباره انسانا ً مطلقا لأنه لا ينتمي الى طبيعة البشر ، وهو خارج عن كل ما يمُّت للانسان، والانسانية بصلة ..
وتأكد يا حضرة القاضي انه لو قام عشرين مرة من الموت، فإني سأقتله، لانه مجرم، وسفاح، وعميل، وسافك لدماء الأطفال، ومُحلّل إبادتهم ..
- كما انه ذلّل الشعب العربي السوري وشوَّه صورة العرب، أمام العالم، وإنه طعن العروبة في قلبها وهو يدّّّّّعي حمايتها والتكلّم بإسمها ..
- توفي نواف غزالي في 20/11/2005 عن عمر ناهز فيه الثمانين عاما ً، وأُعيد جثمانه الطاهر من البرازيل ليدفن في مسقط رأسه ..
- وصل جثمان هذا البطل إلى السويداء، يوم الأربعاء في 30/11/2005 ..
- ودفن يوم السبت 3/12/2005، في مسقط رأسه في مَلح ..
وقام الاوفياء من عشيرته، وأهله بأن حملوا جثمانه في طريقه الى مثواه الأخير بزيارة الى شهداء الكفَّر، ومن ثم الوقوف أمام ألنصب التذكاري لـسلطان باشا الأطرش ..
- يعتبر الموحدون الدروز نوّاف غزالي، بطلا ً ورمزا ً للشهامة، والشجاعة وما زالوا يغنّون له في الأعراس، والأفراح، والمواقف الوطنية، لأنه ثأر لهم ويقولون فيه ما يسمى في جبل العرب .. " الجوبيات ".
هذا بطل ٌ ..
هذا مُدافع عن كرامة أهله، وعشيرته ..
هذا نوّاف غزالي ..
أشهر مِن أن يُعرَّف ...
فيصل المصري
أُورلاندوا / فلوريدا
١٥ كانون الثاني ٢٠١٨
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق