Pages

الجمعة، 29 ديسمبر 2017

المُوَحِّدون الدروز، و صلاح الدين الأيوبي ..


المُوحِدُّون الدروز، وصلاح الدين الأيوبي ..


تمهيد :

قررَّت أن أنشر هذه الْمُدوّنة  ..
بعد أن ..

بدأت تظهر في جمهورية مصر العربية الدراسات الجريئة عن الحقبَّة التي حكم، وساد فيها صلاح الدين الأيوبي، والتي أعدَّها أساتذة، ومُفكّرين، ومؤرخين لهم وزنهم العلمي، والأكاديمي ..  

وكما حصل في فترات سابقة، ظهرت أيضا ً الأبحاث، والدراسات، لتصحيح الحقبة التاريخية للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ..
 
وقد أشرت الى ذلك في مطلع العام ٢٠١٧م.  عندما بدأت شركة غوغل في نشر مُدوِّناتي عن الحاكم بأمر الله، والموحدُّون الدروز، وقد قاربت العشرات من أجل إعادة تصحيح المغالطات التاريخية، والإفتراءات بحق أهم شخصية إصلاحية ظهرت منذ الف عام تقريبا ً ..

هذه الْمُدوّنة، كما يتضِّح من عنوانها تبحث في العلاقة ما بين صلاح الدين الأيوبي والموحدُّون الدروز، لما إستتَّب له حكم مصر، وبعد أن أنهى قتلا ً، وسبيا ً، وإقصاء ً، وتنكيلا ً، وتهجيرا ً لكل من خالفه في العقيدة، او ناصبه العداء ..

وكما هو معروف تاريخيا ً أن مصر، وخاصة القاهرة لما دخلها صلاح الدين الأيوبي، كانت منارات، ومآذن الجوامع فيها، خاصة جامع الحاكم بأمر الله، تصدَّح  بعقيدة الموحدِّين  الدروز، وتتلألأ من رُدهات وخزائن دار الحكمة أشعة توحيدية، روحية، دينية تُضاهي أشعة الشمس، في ظلام ليل ٍ ديني طويل، وفي وقت كان الفقه الاسلامي السني في مصر، يتحتَّم عليه أن يقوم بإصلاحات جذرية، حتى يواكب ما كانت تنفُثه من خيرات، براكين الأندلس، الفكرية،  والفلسفية، والإصلاحية في الدين والعقيدة ..

بمعنى أخر ..

 هذه الْمُدوّنة لن تتناول شخصية صلاح الدين الأيوبي، ومعاركه، وحروبه، وما نسج عنه من أخبار وصلت الى درجة الاساطير، وقد برعَّت السينما المصرية وأبلت بلاء ً مُنقطِّع النظير في تصوير صلاح الدين الأيوبي، وفقا ً لتعليمات الإستبلاشمانت الفقهية السنيَّة التي كانت وما زالت تُسيِّس التاريخ وفقا ً لأهوائها، وغاياتها ..
 
 - أصبح الان معلوما ً أن إبن الأثير في كتابه الْقَيِّم،  ( الكامل في التاريخ )، بقي مخفياً عن أنظار كل باحث عن فترة صلاح الدين الأيوبي، لغاية في نفس يعقوب ..

 - وقد تأخر تداول هذا المجلد الضخم، حتى تاريخ لاحق عندما طبع في، تورنبورغ tornberg في ليدن في 120 مجلدا ً ..

عاش ابن الأثير في الفترة (555- 630هـ/1160- 1234م)،   أي في أيام صلاح الأيوبي ..

كان إبن ألاثير حافظا ً للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرا ً بأنساب العرب وأيامهم ووقائعهم، ولذا كان أكثر ما إشتهر به دارسة التاريخ ..

ويعتبر كتاب ( الكامل في التاريخ ) أهم مؤلفات إبن الأثير في هذا المجال، إذ تناول فيه دراسة التاريخ العام للعالم الإسلامي ..

يُعتبر كتاب إبن الأثير ذو أهمية قصوى نظرا ً لأنه يؤرِّخ لأحداث ما بعد العام ٤٥٠ هجرية
 وما وقع من صدامات، وحروب ما بين الغرب المسيحي، والعالم العربي الاسلامي، فيما يُعرف بإسم الحروب الصليبية.

أما روايات إبن الأثير عن صلاح الدين الأيوبي، كانت حقيقية لانها عن قرب، ومرافق له في كل معاركه، حيث قال عنه :

 - سخَّر صلاح الدين الأيوبي  كل مواهبه العسكرية، لإشباع أطماع أسرته وإقامة إمبراطورية له، مُستغلا ً الاسلام دينا ً، فضلا ً عن ما سأُورده في سياق هذه الْمُدوّنة ..



 - يُعتبر كتاب إبن الأثير من المصادر الأصلية للحروب الصليبية، وقد قام المستشرق دي سلان de shane بنشر كل ما أورده إبن الأثير مع ترجمة فرنسية في مجموعة الحروب الصليبية ..


المُقَدِّمة :


 - يقول الكاتب المصري الكبير محمود السعدني، في كتابه التاريخي ..
( مصر من تاني )

  - تاريخ العالم هو تاريخ السلطة، لأن التاريخ  مع الأسف الشديد، لا يهتم بالشعوب ولا يحترم الضعفاء، ولا يتعقَّب المغمورين، ولهذا السبب، فإنّ التاريخ أكثره مزيَّف ومزوَّر وغالبيته أكاذيب، لأن الذي يكتب التاريخ هو السلطة ..

 - ولذلك تجد أعداء السلطة دائما ً على خطأ .. والحق دائما إلى جانب السلطان .. 
والويل دائما للمهزوم .. 
لأن التاريخ من أتباع المنتصر ..

ويضيف الكاتب محمود السعدني ..

مما لاشك فيه ..
أنّ التاريخ ممتلىء بالكثير من القصَّص، والحكايات، التي يحتوي بعضها على مغالطات تاريخية، ويخضع في كثير من الأحيان إلى أهواء شخصية لكُتَّابه ومؤرخيه ..

واحدة من تلك القصص والحكايات لـ يوسف بن نجم الدين أيوب الشهير بـ صلاح الدين الأيوبي، أحد أبرز القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي  حيث تحمل سيرته، بحسب العديد من المؤرخين مغالطات، ترسخَّت تعليميا ً، وسينمائيا ً، بسبب عدد من غُلاة المؤرخين، جعلت البعض يضعه فى مرتبة ليست قابلة للنقد والإتهام ..
 ( غلاة  الموُرخين، تعني الإستبلاشمانت السنيَّة )

من ضمن هذه الإتهامات التي  لحقت بصلاح الدين الأيوبي، ولم يتحدَّث عنها بعض المؤرخين، أنه عقب الإطاحة بالدولة الفاطمية، قام صلاح الدين بهدم عدد من الأهرام الفرعونية لإستخدام حجارتها في بناء  قلعته الشهيرة والمعروفة حاليا ً بقلعة محمد علي، وإحراقه لكتب الفاطميين  الموجودة في مكتبة، دار الحكمة، التي كانت تحتوي على وثائق ومخطوطات مهمة، تؤرخ بشكل أفضل لتاريخ، وفترة حكم الدولة الفاطمية ..

 - أما المؤرخ تقي الدين المقريزي، من مُؤرخي الخلافة الفاطمية ..
يقول في كتابه  ( خطط المقريزي )

 - أن هناك عددا ً كبيرا ً من الأهرام في منطقة الجيزة، هدمها صلاح الدين الأيوبي بأكملها، وأخذ حجارتها ليبني بها قلعته المعروفة بإسمه، تحت سفح جبل المقطم، والسور المحيط بالقاهرة، مشيرا ً إلى أنه لم يتبق من هذه الأهرام إلا أعظَمها، والمعروفة حاليا ً باسم هرم خوفو، وهرم خفرع، وهرم منقرع، وهي التي لم يقو الزمن ولا صلاح الدين الأيوبي على تدميرها ..

 - أما الكاتب عبد اللطيف بن يوسف البغدادي في كتابه :

 ( الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة بأرض مصر ) ..

  - أنه قد حدث في عهد صلاح الدين الأيوبي
ما وصفه بـ” الحدث التاريخي ”، والمقصود بذلك،  من أبشع محاولات هدم الآثار، قائلا ً : 

 - هدم قاراقوش وكان وزيرا ً لصلاح الدين الأيوبي عددا ً من الأهرام الصغيرة، وبنى بحجارتها قلعة القاهرة، وأسوار عكا والقناطر الخيرية ..
 ( العرب اليوم، إنصَّب ذكاؤهم، على ذِكْر إسم قراقوش لكل جائر، ظالم، ومهتوه، وحقود ولم يجرؤ أحدهم على قول أنه وزير صلاح الدين الأيوبي، خوفا ً من الإستبلاشمانت السنيَّة )

وبالرغم من كل هذه الاخبار الموثقَّة عن موبقات صلاح الدين الأيوبي، بقيَّت الإستبلاشمانت الاسلامية السنيَّة تطمس الحقيقة وتُخفيها، لانها كانت بحاجة الى رجل مسلم سِني تُلصق به الانتصارات لما كان القحل، والتصحُّر يعشعش عند العرب المسلمين السنة، فإستجاروا بشخصية من مسلمي الأمصار، حتى وإن إحتقر العرب، بل يكفي أنه مسلم، وما زالت هذه العجينة تُخبز حتى وصل الاسلام العربي اليوم، الى أن تُمحُق كيان بلدانه، حُثالة من مُسلمي الأمصار من غير العرب الاقحاح ..

  - إحراق دار الحكمة، العار الذي يلحق ب صلاح الدين الأيوبي مدى الدهر ..


 - عندما ذكرت في مُدوِّناتي أن الامبراطورية الفارسية لها الفضل على البشريَّة، لانها أبقَّت وحافظت على حضارات بابل التي سبقتها، لم أكُن مجوسيا ً، بقدر ما كنت باحثا ً عن الحقيقة ..

 - وعندما أوضحت في مُدوِّناتي أن الخطيئة الكبرى في صدر الاسلام، أنها محَّت من الذاكرة الحضارة العربية التي سبقَّت الاسلام، لم أكُن مُرتدا ً، بقدر ما كنت أرنو الى أن أعرف عن حضارة الاجداد ..

 - وعندما قلت أن الشعر الذي سبق الاسلام، حفظته الأفئدة، والقلوب في الصدور ولا فضل لمن أتى بعدهم في إيصاله إلينا، لم أكُن إلا من قال الحقيقة ..

 - وعندما قلت أن فاتح مصر، عمر إبن العاص لما حرق مكتبة الإسكندرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، لم أكُن مُفتريا ً، بل كنت باكيا ً يعصرني الحزن ..

وعندما سأقول الان، من أمر بإحراق مكتبة دار الحكمة في القاهرة، التي أنشأها الحاكم بأمر الله، وجعل صرحها الثقافي، والحضاري، منارة للعالم ..
أقل ما يقال فيه .. 

شُلَّت يداه، لانه لم يـكُن إلا حقيرا ً، أرعنا ً..
كائنا ً من كان ..
حتى ولو كان صلاح الدين الأيوبي ..

 - أجمع عدد كبير من أساتذة التاريخ والآثار، أنه عقب الإطاحة بالدولة الفاطمية،  قام صلاح الدين الأيوبي بإحراق كتب الفاطميين، وتحديدا ً مكتبة “دار الحكمة” التي كانت تحوي عشرات الوثائق والمخطوطات المهمة، التي كان من شأنها أن تؤرخ بشكل أفضل لتاريخهم ..

 - نجح صلاح الدين الأيوبي، في محو هذا التاريخ تماما ً من أذهان المصريين  ..


 - يقول الدكتور أيمن فؤاد السيد، في كتابه :

 “ التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن ”  

 - بعد أن إستولى صلاح الدين الأيوبي، على مقاليد الأمور في مصر، وبعد ذلك بنحو قرن من الزمان، نقل القاهرة عما كانت عليه من الصيانة وجعلها مبتذلة لسكن العامة والجمهور، وحطَّ من مقدار قصور الخلافة الفاطمية، وأسكن ذويه وأمراءه في بعضها ..
 -  ونقلا ً عن الْمُؤرخ المقريزي، يُضيف الدكتور أيمن فؤاد السيِّد، جرى هدم بعض معالم القاهرة، وأزيلت، وتغيرَّت معاهدها، فصارت خططا ً وحارات، وشوارع، ومسالك، وأزقَّة بعد ان كانت القاهرة، أعظم المُدن في عصرها ..

 - ويضيف الدكتور أيمن فؤاد السيِّد، نقلا ً عن الْمُؤرخ المقريزي ..
  
لم يكتف صلاح الدين الأيوبي بذلك فحسب، بل إستولى على ما في القصور من خزائن، ودواوين وأموال، ونفائس، وأباح بيع كل ما وجد في القصور، حتى أنه باع كل ما خرج منها لمدة عشر سنين، كما إقتطع أمراءه وخواصه ما كان للفاطميين من دور وقصور .. 

ويتابع، نقلا ً عن المقريزي الذي دوَّن تاريخ الفاطميين بدقة متناهية ..

 - فقدت القاهرة مكانتها كمركز للحكم، وأخذت الأنشطة التجارية، والحرفية تتسرب إليها وتنتشر في موضع القصور الفاطمية حول الشارع الأعظم أو قصبة القاهرة، وتحوَّل مركز المدينة القريب من الجامع الأزهر إلى منطقة تجارية ..

ويستكمل الكاتب أيمن فؤاد السيٍّد روايته قائلاً : 

 - أدت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها القاهرة في العصر الأيوبي إلى إعادة تشكيل النسيج العمراني للمدينة، حتى أصبح موضع بين القصرين سوقا ً مبتذلا ً بعد أن كان ملاذا ً مبجَّلا ً أيام الحاكم بأمر الله ..


 - وما قاله الْمُؤرخ المقريزي في كتابه خطط المقريزي، تقشعر له الابدان، حيث قال : 

إنّ صلاح الدين الأيوبي، إستولى على ما في الجامع الأزهر، من فضة قدر ثمنها بخمسة آلاف درهم، ثم إستولى على كل ما وقعَّت عليه يداه من فضة في بقية المساجد، وبقي المسجد الأزهر معطلا ً لا تقام فيه صلاة الجمعة مائة عام، ولا تلقى فيه دروس العلم من باب أولى، حتى أعادها الملك الظاهر بيبرس  ..

 - أما الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة عين شمس، يقول   ويؤكد في ندوة عقدتها لجنة التاريخ في المجلس الأعلى للثقافة المصري في شهر كانون الأول من العام 2010  ..

 - إن صلاح الدين الأيوبي أكثر من إضطهد جماعة الحاكم بأمر الله، عندما قضى على دولة الفاطميين من أجل دولته، مضيفا ً أنه أحرق أعظم مكتبة أنشأها الحاكم بأمر، وهي دار الحكمة، التي كانت تضم الكثير من المخطوطات الدالة على فترة هذه الخلافة، وكان من شأن هذه المخطوطات أن تعرفنا أكثر بعصرهم ..


هذا هو صلاح الدين الأيوبي ..
يُطلقون عليه اليوم، أنه أحقر خلق الله ..
أما حروبه الصليبية ..
عند إبن الأثير الخبر اليقين ..

فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
اخر كانون الاول من العام ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق