Pages

السبت، 7 أكتوبر 2017

كراون دايسي، في كل مكان




كراون دايسي، وكريسْتِّل ..
من :
قِصَّة فيصل المصري. 



( كريستل ) لست ِ أُسطورة، ولكنك أصبحَّت أُسطورة، وعلى كل شَفَة ٍ ولسان. 
(كراون دايسي ) لست ِ زهرة، بل ملكة جمال الزهور. 
هذه هي قِصتِّي مع هذه الزهرة.  


كراون دايسي، هي زهرة برّية، تنمو في جبال، وهضاب، وسهول لبنان، ويُطلّق عليها باللغة العربية، أُقحوان إكليلي. 

أما ( كريستل ) فهو إسم، ألغنج، والدلال،  لبطلَّة هذه الرواية. 

واسم الدلَّع ( كريستل ) مُشتَّق من حجرة الكريستال، المشهور بصناعتها معمل ( شواروفسكي ) العالمي.     


أحداث هذه القصة، دارَّت في حَرَّم إحدى جامعات لبنان، في  سبعينيات القرن الماضي، حيث كانت أروقة، وقاعات، احدى الكليات مسرحا ً
ومكانا ً لهذه الرواية. 

كانت الجامعات اللبنانية، في ذلك الوقت  من الزمن أرضا ً وحقلا ً 
خصبة للأفكار التحرريَّة، في عالم عربي مُدلهِّم، ومُكْفهِّر، ومُدجَّج بعقلية حُكاّم تعود الى أزمنة تخّلف، وتقهقُر فكري، ومعنوي. 

كانت عقلية شباب ذلك الزمن، مُبرمجّة، الى تطّلعات مستقبلية زاخرة بالاحلام، وزاهية بطُموحات تصِّل  الى سقف السماء، بعد ان ظنّوا واهمين ان الاستقلال، من رقبَّة الاستعمار الفرنسي هو طريق الخلاص، والبدء بالسير في درب تكافؤ الفرّص، وتطبيق مبدأ سيادة القانون.  

من بين شباب وشابات الجامعة، إلتقى شاب بإحدى الشابات :

هو، يرجع في أصله، الى عائلة معروفة بين الأهل، وقد جار الزمن على هذه العائلة، بأن رزحَّت تحت وطأة نكبَّة الحرير، والمادة الجديدة النايلون، حيث تمّ إغراق الاسواق العالمية، بالنايلون، وإغلاق معامل الحرير في طول البلاد وعرضها، فبيعت الاراضي، وحُجزَّت الاملاك، تسديدا ً للديون. 

أما هي، فإنها تنحدِّر من أُسرة  ثريّة،  يرافقها ويُصاحبها نُفوذ واسع، ونُبْل ٌ في التعاطي، وعفو ٌ عند المقدرة. 

كانت هي، إن دخلّت الجامعة، لا يُدرك اي شاب او شابة من رفاقها، مدى ألثراء الذي تتمتَّع به، ووفرة النعيم الذي تعيش فبه، لان تواضعها ينسحب الى ملبسها، ودماثة خُلقها، وكانت إن خرجت تسير سيرا ً الى محطة توقف حافلة الركاب، وتختفي. 


تشابكت، وتقاطعت النظّرات ما بين هذا الشاب، وتلك الفتاة، فكان يُلفتها 
جدّيته، وإجتهاده، وإنكبابه على الدرس والمطالعة في مكتبة الجامعة. 

أما هو، فقد أذهله إنكبابها على تدوير زوايا الخلاف في ما بين زملاء الدورة، فإن إختلفوا على الجلوس في الصفوف الأمامية، كانت تُعطي مكانها، فينفَّض النزاع خجلا ً منها. 


وذات يوم ٍ، لم تاتِ الى الجامعة كعادتها، وتكرَّر الغياب لأكثر من أسبوع، إفتقدها الطلاب والأساتذة، حتى أن ّ احد الأساتذة، سأل ..
هل يعلم أحدكم عن سبب غياب زميلتكم ؟

ساد الوجوم، والصمت، قاعة المحاضرات، وقال المُحاضر، عجيب أمركم، تحلمون ببناء شركات  في مخيلاتكم، وتتراكضون نحو سراب المستقبل، ولا تفكُّرون حتى برفاق الدرب الدراسي، ولا تعلمون، ولا تعرفون، من أنتم. 

إنتهت المحاضرة، وتدافع الطلاب للخروج، إلا هو ... بقي على كرسيه يُفكِّر بملاحظة المُحاضر، وبدأت الأفكار تأخذه، كيف السبيل للوصول الى عنوان سكنها، او حتى رقم هاتفها. 

وبينما هو شارد الفكر، إذا سمع صوت احد زملائه يناديه قائلا :

في الباب، هناك شخص يسأل عنك. 

نظر الى هذا الشخص، وإستغرّب انه لا يعرفه،  

تقدم الشاب اليه وقال له، انا شقيق زميلتك، وهي مريضة طريحة الفراش وهي ترجو منك ان ترسل لها المحاضرات التي أُلقيَّت في غيابها ..

بعد ايام، تعافَّت وعادَّت  زميلته الى الجامعة، وكانت ضعيفة، مُنهكّة شاحبة الوجه، ومُتعبَّة. 

تقدَّمت منه وشكرته على المحاضرات ..
وسألته إن كان لديه بعض الوقت حتى يوضِّح لها ما عجزّت عن فهمه. 

دخل معها مكتبَّة الجامعة ..
وسألها، لماذا أتيت ِ ؟  
يبدو انك ما زلت مريضة ..
وعرض عليها ان يستمِّر في إرسال المحاضرات كل يوم.

ومن فرط شفقتِّه الممزوجة بالاهتمام على صحتِّها ..
عرض عليها ان يزورها طبيب عائلته القادم لتوِّه من اميركا، من دون اي  أجر. 

إستغرّبت هذا الاهتمام، الممزوج بعاطفة قل َّ نظيرها، وأدركت في تلك اللحظة، انه لا يعرف مدى الغنّى، والترَّف الذين تنعم فيهما. 

أبدّّت جزيل شُكرّها، وقالت له، قد أستعين بك في حال لم تتحّسن ظروفي الصحيّة. 
في المكتبَّة ..
وضعت أمامها احد الكتب، وكانت عندما تُشير، وتُقلِّب صفحاته تقوم بسحب زهرة من كل صفحة، تُرِيد إستفسارا ً او توضيحا ً، وتكرَّر ذلك في الكتاب الثاني، والثالث، وكانت تنزع الزهور ثم تُعيدها الى ذات الصفحة.

وبعد ان شرح، وفسّر لها، تبين له انها أجهدت نفسها كثيرا ً، وقال لها يكفي اليوم، وغدا ً سأُكمل لك إن إحتجت تفسيرا ً.

وعندما همّٓت بالانصراف، إستمهلها، وسألها، هل تستعملين هذا النوع من الزهور وكأنه ( ماركر، Marker ). 

أجابت  ب نعم. 

وقالت، اني أُحِّب هذه الزهرة، انها زهرة بريَّة، تعشق الشمس، وتُحب الربيع، ومُتمردَّة، لا تهاب الشوك من حولها، فيها اللون الأصفر هو قلبها،
وفيها اللون الأبيض علامة نقاؤها، وتقول الأساطير انها كانت تُستعمَّل أكليلا ً وتاجا ً لأجمل النساء. 

وأضافت، انت من الساحل، لا تعرف هذه الزهرة، وان إسمها  :
زهرة، أُقحوان إكليلي، وانا أفضل إسمها باللغة الانكليزية، كراون دايسي. 

أجابها فورا ً :
للتوضيح، انا موطني الجبل، وأعرف هذه الزهرة تماما ً ولكن لم أُعرّها يوما اي إهتمام، ولكن أعدُّك من الان وصاعدا ً كُلَّمَا أراها، أنظر اليها، وسأتذكرُك. 

علّت وجها إبتسامة، ناعمة ...
 وَرُسمَّت خيوطا ً حمراء على مُحَيّٓاها خجلا ً... 
فبادرها قائلا :
لقد أشرقت شمس ُ وجهك ...

وتواعدا الى غد ٍ أخر. 
من قصة حُب، ستطول. 

فيصل المصري

أُورلاندو / فلوريدا
٨ تشرين اول ٢٠١٧





 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق