Pages

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

وعادَّت المياه إلى مجاريها ...

مُدوِّنة  فيصل المصري
وعاد النهر ... يتدفّق. 
وعادت المياه الى مجاريها. 

المُقَدِّمة :
تعريف لُغوِّي لهذا القول، وغيره من الاقوال والامثال المُشابهة. 

كثيرا ً ما يجري إستعمال هذه العبارة ( وعادت المياه الى مجاريها )
في الحقيقة ...
إن بعض التعابير والمصطلحات والامثال في اللغة العربية، هي  ضرب من ضروب الإعجاز اللغوي الذي لم يسبق اللغة العربية، أي لغة أُخرى من لغات الارض في هذا التصوير الرائع. 
إعتبر أساطين اللغة العربية في القديم ان هذه التعابير والامثال هي المجاز في اللغة، او التجاوز والتعدِّي. 
في الاصطلاح اللغوي، هذه التعابير التي نحن في صددها الان، هي صرف اللفظ عن معناه الظاهر، إلى معنى مُرجَّح  بقرينة. 
أي أن اللفظ يُقصد به غير معناه الحرفي، بل معنى له علاقة غير مباشرة بالمعنى الحرفي، ويُسَمَّى ( بالمجاز ). 
والمجاز من الوسائل البلاغية التي تكثر في كلام الناس، حتى العاميَّة منها كالأمثال الشعبية، في القرى والدساكر. 
وهذه الفخامة، والاستزادة في المعاني والمباني اللفظية، ليست من الكَذِب  في شيء  كما يتوهّم او يعتقد البعض، وليست غُلوا ً حتى  وإن زاد عن المألوف، بل هو البيان اللغوي المجازي الذي إنفردَّت به اللغة العربية. 
إذن هذا التعبير، وعادت المياه الى مجاريها، يقال :
بعد خلاف مُفاجئ ما بين حبيبين. 
بعد عقد راية صُلح ما بين عائلتين. 
وقِس على ذات المنوال. 
شخصيا ً ..
سأعطيكم المثل الصارخ كيف إستعملت هذا التعبير في روايتي الجِسْر وحوريَّة النهر. 
تخيلت أن الحوريّة تُمثِّل الحُّب الضائع في الأنهر، والبحور السبعَّة. 
وبما ان الخيال هو ملك صاحبه، لا يشاركه فيه إلا الحوريّة. 
وبما ان المجاز لا يُعتبر كذبا ً بل رفاهية ً مُطلقة في الوصف. 
هكذا كانت قصتي مع الحوريّة، لمَّا إختلفت معها ... 
وهذا الخلاف المُفاجيء والصاعق، وغير المتوقَّع أدى الى ...

إنحباس مياه النهر  ...
فإنقطعت، عن زيارة النهر ...
بسبب إنحباس مياهه ..
 والأرق الذي إنتَّابني بسبب هذا الخلاف ...
فأصبح ليلي يطول، ويطول ...
ونهاري يقصر، ويقصر ...
شعرَّت مع أحزاني وفقداني للحوريَّة ...
أسراب الطيور ...
وُقِطعان الغزلان ...
والبِّط والأرانب ..
حتى لم  أعُد أرى ... 
أي، طير ٍ ... طائر ٍ ...
أو، حشرة ٍ ... زاحفة ٍ ...
ولم، أعُد أسمع  ... 
نقيق،  الضفادع ...
ولا، ضغيب ألارانب ...
ولا، سليل الغزلان ...
ولا، مأمأة الخرفان ...
ولا، ثُغاء الماعز ...
ولا، فحيح الأفاعي ...
ولا، صهيل الأحصنة ...
ولا، نِباح  الكلاب ...
ولا، خفوق الطيور ...
ولا، زقزقة العصافير ...
ولا، دندنة البعوض ...
ولا، وغي النحل ... 
ولا، نق العقارب ...
ولا، صرير الجُندُب ...
كلها ... إختفّت شفقة ً، وحزنا ً ومشاركة ً لي، ومعي ... 
إلى أن سمعت يوما ً ...
عن بُعْد .... 
أصواتا ً ... 
تَصدُر من النهر ...

صوت، أغصان  الشجر ...
وهي تصدر صفيقا ً ...
صوت، أوراق الشجر ...
وهي تصدر حفيفا ً ...
صوت، العشب ... 
وهي تصدر هزيزا ً ....
صوت، القصب ...
وهي تصدر غِناء ً  ... 
وصوت، الصباح ...  
وهو ينشد ألحانا ً مُفرحة ...
هروَّلت، وإستعجّلت القدوم  للنهر ...
وصعقني، ما  شاهدت ُ...
وبهرّني، ما رأت عيناي ...
إنه، ماء النهر ... 
يتدفَّق خريرا ً ...
وتتدحرَّج الصخور ٌ من عل ٍ ...
ولمّا بانَّت الحوريّة ...
وهي بأبهى جمال مرسوم  ...
وأنقى كلام مرصوف ...
وأعذب لحن ٍ منشود ...
قلت لها ...
هل عادت المياه الى مجاريها ؟
قالت لي ...
نعم.  
عادت المياه الى مجاريها ...

فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٣١ تشرين اول / ٢٠١٧ 




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق