Pages

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

إبن خلدون، أَصْدَّق المؤرخين العرب ...

إبن خلدون، أصدق المؤرخين  ...
نفتقده كل يوم. 

التاريخ، والتأريخ
من منظور إبن خلدون.  


يروق لي، أن أستحضر إبن خلدون، حتى يؤرخ ويكتب للاجيال اللاحقة عن أحداث، ومجريات حروب الربيع العربي.
 
 لا يمانع ابن خلدون في القدوم، طالما أنه يحِّب التجوَّل والتجوال، ولانه جاب بلاد العرب كلها، من الأندلس الى حواضر بلاد الشام، وشمال افريقيا، وهو العليم، البصير والقدير في احوال  وتاريخ  هذه الشعوب. 

وإذا قيّٓض له الحلول وبقدرة قادر، فإن عليه ان  يقابل ذوي الشأن في الإعلام العربي الحاضر، ألمتجّٓذرين  والمنحدًّرين من أُصول الكذب، وينابيع،  النفاق، والدجل، والرياء.

إنه من دون شك، سيهرع  جزعا ً خائفا ً ومهروِّلا  الى أقبية المكتبات العريقة، بحثا ً عن كتاب السندباد البحري، علَّه يجد خارطة  تدّٓله  الى جُزُر الواق واق، حتى يدلف هاربا ً مختبئا ً،  تجنبا ً لتأريخ هذا الربيع العربي.  ومحاذرا ً الالتقاء والاجتماع  بالفحول التي تُدوِّن  وتؤرخ  هذه الحقبَّة. 

 - إبن خلدون، الذي عاش في مدينة إشبيلية بالأندلس، وُلد في العام ٧٣٢ هجرية. 
 - وضع إبن خلدون، كتابا ً في التاريخ، وأُصول التأريخ. 
وقد سُمي هذا الكتاب، ( بالمقدمَّة )، أفرغ فيه علمه الغزير والواسع. 

 - إعتمد إبن خلدون في مادة التاريخ على :

-/ الطبَّري. 
-/ المسعودَّي. 
-/ إبن الأثير.  

كان، ابن خلدون يأخذ على المؤرخين، التزَّلف لذوي السلطان، وأخذ الأخبار على عِلاّتها دون التقصي، والتشيّع للمذاهب، يضاف الى الجهل، بطبائع العمران. 

كان إبن خلدون، اذا أراد ان يكتب تاريخا ً عن شعب من الشعوب، كان يدرس طبائع البلد، وأخلاق البشر، ومنحى حياتهم، وعاداتهم، حتى يصل الى موجبات إنحلال، وسقوط، او نجاح، وتقّدم،  هذا الشعب.
 
يضاف الى ذلك، إهتم إبن خلدون بنشأة العلم والتعليم، لانها ظاهرة في العمران البشري، ويندّرج تحت هذا، العلوم الإلهية، لمعرفة الحقائق في ما وراء العالم المحسوس، الذي بنظره، يُفهم  النمط، الذي تسير عليه الشعوب.
كان إبن خلدون صادقا ً، وهذه ميزة نادرة عند المؤرخين العرب، لان مادة التأريخ كانت تُعطى من البلاط، والحاشية للكتبَّة المتزلفين، والمتشيعين لمذهب من المذاهب الاسلامية، لذلك كان الاعتماد الغربي على مادة التاريخ العربي، ينصَّب على ما أتى به إبن خلدون. 
وهناك مثل صارخ  يتعلق بتدوين تاريخ الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، حيث كان إبن خلدون، وهو مسلم سُنِّي  يعترض على القول بأن الحاكم بأمر الله ألغى الصلاة، وغيرها من فرائض الدين الاسلامي إذ قال في كتابه المشهور، المقدمة  : 
إنه زعم ٌ لايقبله ذو عقل، ولو صدر من الحاكم بأمر الله شيئا ً منه لقتل لوقته .. 
في الحقيقة، إن شيخ المؤرخين، إبن خلدون زار القاهرة مرورا ً بأراضي الخلافة الفاطمية في شمال افريقيا. 
يقول في دُرَّة تاج التاريخ (المقدمة )، ما قاله صدقا ً في الحاكم بأمر الله، لا كذبا ً وتلفيقا ً كباقي المؤرخين الآفاقين، والكذابين، المنافقين، والمرتشين.
وبما ان الناس على دين ملوكها ..
فإنني في مادة التاريخ، أدين ولاء ً لإبن خلدون، وأُبحر في كتبه حتى أصل الى شاطئ الصدق، والامانة ..
  

شخصيا ً لست متخصصا ً في التاريخ، ولكن، في دراساتّٓي  عن اليهود، وعلاقاتهم مع الفرس، والعثمانيين، والمنشورتين في غوغل، توخيّٓت الامور الآتية :
 
-/ قرأت التوّراة  مرارا ً، وعن قصص الهروب من مصر الفرعونية، وعن السبّي من فلسطين، والمحارق في ألمانيا الهتلرية. 
 
-/ قرأت عن تاريخ الفرس، والشعب الفارسي، ما يكفي.
 
-/ قرأت عن تاريخ بني عثمان، منذ ان كانوا في سهول اسيا الوسطى، قبل غزوّهم المظَّفر الى القسطنطينية، وما زِلت اقرأ، كيف إستعمروا، وإستعبدوا الشعوب، والبلاد العربية عدّة قرون.

في هاتين الدراستين،  المتعلقتين، بالفرس، وبني عثمان، لم أضع رأيي الشخصي، ضنا ً بالامانة التي تقضي بنقل الحقيقة، ويقتضي الامر مني الاستزادة والاستفاضة قبل إبداء الرأي.

وبنظري، وبكل تواضع، إستنتجت بعض الملاحظات وهي :

 اولا ً : الفرس. 
 
بعد القراءة المتأنية لهذا الشعب، يُدرك الانسان ان، الفرس شعب جدّي، يتوق الى العلم أينما كان مصدره، لان العلم والمعرفة، يوصلانه الى القوة التي يطمح ويحلم بها دائما ً وأبدا ً.

ثلاث محطات علمية تاريخية، خاض غمارها هذا الشعب :

١ / لمّا أرخى صولجان بأسه على ارض بابل، في الازمنة الغابرة، كان غازيا ً  للأرض  والنفوذ، بقدر ما كان غازيا ً وجامعا ً، ومستفيدا ً، ومحافظا ً، ومقدِّسا ً للتراث البابلي العميق، والتاريخ يشهد له بذلك. 

وهذا السِّر في الحفاظ على الحضارات، التي زهّت قبل الحقبَّة  الفارسية، إجتهد في تطبيقه، وتكريسه قبلهم، شعوب سوّمر، وآكاد، وبابل .. الخ. وهذه حقيقة تاريخية قضت بان الغازي يقضي على السلطان، ولا يمحي العلوم، والأفكار النيّرة، بل يستفيد منها.  
 
٢ / لمّا وصل الفرس، الى ارض بابل، كانت جماعة من الشعب اليهودي، تُقيم  هناك منذ نبوخذ نصَّر ، وكانوا من صفوَّة اليهود بالعلم، والمعرفة، في مجالات الطب، والزراعة، والتاريخ، والتأريخ، 

وقد  ُذكر أن ّ اليهود، في عز ٍّ بابل،  كانت كلمتهم مسموعة، ونصائحهم مقبولة، وتدوين قصص أنبيائهم مسموحا ً.

وقد نشأت علاقة جيدة بين اليهود والفرس، ذُكرّت في التوّراة ، أدّت الى إعادتهم الى ديارهم، وأن بقي جزء لا يستهان فيه في بلاد فارس. 

وقد إختلف المؤرخون، في سبب إعادة اليهود الى أورشليم، من قِبل الفرس، منهم من قال عنها أسباب سياسية للدفاع عن أطراف المملكة، ومنهم من خاض غمار التخمين لدواعي أُخرى، وإن كنت أميل الى الرأي الاول. 

٣ / توقّهم لأدراك العلوم الإلهية، يمكن معرفتها وتأكيدها قدوم سلمان الفارسي الى الجزيرة العربية في رحلة الإيمان المعروفة، قبل الوحي، وما تلاه من نشر تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.  

اما الغرب، في علاقته مع ايران اليوم، دائما ً، هناك خيط رفيع يعرفه الغرب، وهو، ألتبّصر وعدم الخفّة يفرضان نفسهما في أي محادثات مع ايران. 

ثانيا ً : الامبراطورية العثمانية. 

مما لا شك فيه ان بني عثمان شعب مقاتل، سبق العرب في الوصول الى القسطنطينية، ومكث هناك الى الأبد. 
هناك فرق مهم جدا ً بينه، وبين الشعب العربي الذي أرخى نير الاستعمار على رقبته، لقرون طويلة، وإن كان الشعبان،  يدينان بالإسلام دينا ً، ولكن يمتاز العثماني على العربي، في انه لا يخاف من بني جلدته، كما هو العربي،

واليكم الدليل :

-/ عندما كان خالد بن الوليد يجتاح بخيله الصحراء العربية وصولا ً، الى أسوار دمشق المُحَصَّنة، ورده كتاب عزله من الخليفة عمر بن الخطاب، ليس بسبب الخيانة، ولكن خشية أن يفتتن به العرب، لان البعض ظن َّ، ان النصر من عند خالد، وليس من عند الله عزَّ وجّل. 

-/ عندما أشار موسى إبن نصير، باحتلال القسطنطينية، من الغرب  بعد ان استتّب له الامر في الأندلس، ورأى ان يجتاح أوروبا من فرنسا باتجاه عاصمة بيزنطية القسطنطينية، رفض الخِّطة، الخليفة الأموي، القابع في دمشق، خوفا ً من ضياع الخلافة الأموية على يد غاز ٍ جديد.

والتاريخ يشهد كيف كانت اخر ايام موسى ابن نصير، وطارق ابن زياد. 
( يراجع دراستي عنهما في الْمُدوّنة  ). 

إن الحوادث، في التاريخ العربي، القديم  والحديث، تجعل أبن خلدون اليوم، يقف حائرا ً محتارا ً امام الفرص الذهبية التي ضاعت امام العرب، وما زالت.  

لا  يمكننا تجاهل ان تاريخ العرب المجيد، إنتهى :

 شرقا ً، بسقوط بغداد، على يد التتّار،   
وغربا ً، بسقوط الأندّلس. 

وأخيرا ً، إن َّ السِمّة التي تغلب الطبع العثماني، منذ الجدّ الاول، هي ركوب التيار المتدفِّق أينما وُجد، في سبيل تحقيق غاياته، واهدافه، لأنك تراه إستفاد من العاطفة الدينية الاسلامية الجارفة، لاحتلال الأمصار، ولمّا رأى ان موجة العلمانية، تُدخله جناّت أوروبا، لم يتوّرع اتاتورك، ان يركبها. 

ومنذ أوائل القرن الماضي، بعد سقوط الخلافة، لا تدري أية موجَّة ستركبها تركيا اليوم. 
والذي نراه في مسرحيات الربيع العربي الماجنة، والمجنونة تجعلنا نُدرك أننا أُمَّة ستعيش حتى تترحَّم على رجالاتها العظام. 
وهذا إبن خلدون منهم.    


فيصل المصري
أورلاندو / فلوريدا
١٩ ايلول ٢٠١٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق