Pages

الجمعة، 25 أغسطس 2017

آن الرحيل ...

آن الرحيل ...

وقبل أن اترك لبنان، بعد ان أمضيت إجازتي ...
إنطبعَّت في ذاكرتي بعض المشاهد، وهذه بعضها ...
علَّها تزول، وتُمحى، أثناء حياتي على هذه الفانية ...
هذه الْمُدوّنة لا تتعرَّض للسياسة اللبنانية، لان الشعب اللبناني أدرى بِشعابها، وزواريبها، وأزِّقتها، بل تُشير الى أفلام تُعرض منذ سنوات فاقَّت المسلسلات التركية، والمكسيكية بطولها، ومآسي ضاهت ملاحم بابل، واليونان، والرومان في عصور ما قبل التاريخ. 
للأسف الشديد أستبعد، وأستغرب أن يرحل الربيع العربي في المنطقة، دون أن يُعيد لبنان الى زوايا التاريخ المظلمة، بعد ان كان في ستينيات القرن الماضي لؤلؤة حوض البحر الابيض المتوسط ... 
ومع ذلك، سيبقى شعب لبنان ...
الشعب العنيد على وقع أُهزوجة الهوَّارة ... 
وستبقى أرزة علمه، مِن زرع الرَّب ...
وستبقى أرضه، قطعة سما ... 
وغير أوصاف، تعلو الجبين ولا تُندِّيه ... 

وهذا غيض ٌ، من فيض ٌ ...
وَمِنْ كَرَم الأرباب ...

   - الكهرباء، وإنقطاعها المُنقطِّع النظير في اليابسة، والدعاء والإستجابة لجرِّها من البواخر العائمة على رصيف البحر، وكأن قصر الامير بشير الشهابي ( أبو طبيخ ) في بيت الدين، الذي إستقبل في أروقته، أركان الدولة داخل الجدران، المبنية من عرق جبين أجدادنا، ولكنها طُلِيَّت من الداخل بألوان ٍ من  عُهر وظُلم هذا الامير الظالم، القبيح الخِلقَّة والخُلُق، فإستجابت غُرفه المظلمة، والداكنة على جري العادة في  السير قُدما ً على ديمومة الظلم في إنقطاع الكهرباء، بالقرن الواحد والعشرين عن طريق التلزيم، بعد ان بات على قاب قوسين او أدنى، من الموافقات الرضائية، وفقا ً للقوانين المرعية الإجراء في تقسيم (المغانم ) ...
هذا هو الدخان الابيض السَّام، والضَّار، والملوَّث الذي نفخته مداخن قصر الامير أبو طبيخ في بيت الدين ...

   - المياه، وإنحباسها عن البيوت، نظرا ً لإنشغال السكان عن صلاة  الإستسقاء، التي برع وإستفاد من ممارستها أصحاب النفوذ، والمسابح، والجنائن المُعلقَّة، فإستجاب آلامر الناهي على الارض لدعائهم، فأمطرَّت عندهم دون غيرهم، وأغدقَّت بالمقابل للآمر، المال الحرام  ...

   - الطُّرق، وغطاريسها لإبراز مفاتن الطبيعة في  المطبَّات، وكأنها جِبَال وهِضاب، على الطرقات، وإني أراها الى إزدياد لأن الناس على دين ملوكها، حيث المكبَّات، وجبال النفايات في شاطئ  بيروت درَّت الأموال بالماضي، ولا عجبا ً ان المطبَّات على الطرقات تَخَلَّق  موردا ً للفاعل والمُحرِّض على وضعها ( اي المتعهد، والمسؤول  ) ...

   - المولدِّات الكهربائية، والكيل بميزان الذهب في قوة ما يصلك من طاقة، والمكابح المعلقَّة على الأعمدة، تجعل زيارة مقام العامود، يوميا ً للتبريك، والصلاة، والتبجيل، والإعتذار منه، إن زِدت في حمولة المُولِّد  ...
   - الزحام، وإختناقاته وأخلاق القيادة في كل مدينة، او قرية او حتى اي دسكرَّة نائية ...
وتطبيقا ً لمبدأ المُساواة ...
إن أخلاق القيادة في لبنان، وبكل فخر تستوي بين الاديان والمذاهب، والنِّحَل، والمعتقدات التي ناهزت، او قاربَّت  السبعَّة عشر، ما عدا  السهو او الغلَّط غير المُتعمَّد او المقصود، فالوحدة الوطنية غالبة، ساحقة، ماحقة وملتحمة الأواصر  ...
لذلك، وبناء عليه ...
لا يمكنك التفريق بين  (أخلاق )  من يقود السيارة في اي منطقة من مناطق لبنان ...
لأنهم سواسية ...
فإن كنت في بيروت او صيدا، او طرابلس ...
او جونية، او كسروان ومنتجعاتهما ...
او الجنوب وكل بلداته ...
والجبل وكل قراه ...
او البقاع وكل سهوله وبطاحه ...
أخلاق القيادة، هي هي ...
ألا في أمر واحد الإختلاف واضح والى إزدياد، هو ( جنس ) من يقود السيارة ...
فإن كان من يقود السيارة إمرأة، شابة، او في مقتبل العمر او عجوز شمطاء ...
يختلف كُلية ً فيما لو كان يقود السيارة، رجل، او شاب نزِّق او مُتهوِّر ...
المرأة في لبنان، إن كانت تقود سيارتها ...
الويل والثبور، وعظائم الامور، ستنهال عليك من شدة ثورتها، وغضبها إن حاولت ان تُمارس حقك في أفضلية المرور، لانها ترى هذا،  ليس من حقك ...
الغضب آت ٍ لا مُحالة، وسيظهر على تقاسيم وجهها، إن تجرأت وأقدمت على لمسة منبه سيارتك، او تجاوزتها لبطء في قيادتها، بسبب هاتفها الذي لا يُزعجها إن طرق باب أُذنها، وردَّت عليه مُبتسمة ً ...
وعليك أن تكون صبورا ً إن نظرَّت الى مرآة سيارتها، لتعاتب خِصلة شعر تدلَّت هربا ً من تسريحتها ...
في لبنان، كل لبنان، مُدنِه او قُراه، وبأي لون طائفي كان ...
لا يمكنك ركن سيارتك، على رصيف اي شارع، فإما هو مِلْك لصاحب البيت او المتجر المقابل  ...
وإن حالفك الحظ، وركنت سيارتك لتدخل الى صيدلية، او بائع خُضار، او مطعم، او أي متجر رصيفي، فإن عقوبتك تدفعها غِب الطلب، وهي كيف تخرج من مكانك على الرصيف، لتذهب وتغادر بسلام  ...
لأن معظم من يقود السيارات في الشارع، لن يسمحوا لك ...
 هم ...
في عجلَّة من أمرهم ...
كقطيع البراري الهائج، المائج في سهول أفريقيا أثناء هجرتهم الموسميَّة، او أن خروجك من جانب الرصيف، يُصيبهم جفلة، او خوف ٍ داهم من خطر مُحدِّق، تراهم يتسارعون، ويتخابطون، ويتجاوزون، ويولون الأدبار تاركينك، ومخلفينك حائرا ً محتارا ً، كيف الخروج  ...

الصبر، حيلتك أن خف َّ السير، ومفتاح الفرج تنتظره إن سمح لك سائق سيارة قد يكون من كوكب، غير كوكب لبنان على الأرجح. 
او تطلب من أحد المرافقين لك، مثل زوجتك او إبنك ان يدلف الى وسط الشارع، ليقطع السير في كِلا الاتجاهين حتى تسهل عليك عملية الخروج من المأزق الذي أنت فيه ... 

   - المهرجانات، وتمجيداتها لزوجات ملوك وأُمراء المناطق، مع وِفرة المآدب السخيَّة، وأشهى المأكولات عشية دنو أجل الانتخابات النيابية، وقديما ً  قيل  .......
  
   - البرامج التليفزيونية، والمُعدِّين، والمُذيعين، والمُذيعات، والمراسلين الى ساحات الوغى في جرود عرسال، وقرى البقاع وخراجاتها، وعلى رؤوس التلال والهضاب، والجبال وما أكثرها، وعلى طول الحدود السورية المُتاخمة، حيث يأخذونك في نشرة الصباح، ومن فرط تردادهم لذات الخبر، ورغوهِّم، وتكرار ما يقولونه حتى الثمالة،  تؤثر البقاء في الجرود تحت صليل الشمس، ووابل الرصاص، والمدفعية بدلا ً من زخَّات قصصهم، وحذلقة وصفهم، وحذاقة علومهم في قتال الجرود، ونصائحهم العسكرية المُستهجنة للجيش اللبناني في كيفية محاربة الارهاب، وكأنك امام خبراء في العلوم العسكرية، من خريجي أكاديمية الويست بوينت في اميركا، وغيرها في روسيا، وبريطانيا التي كانت عُظْمَى. 
وتعتريك الدهشة عندما يحددّون ساعة الصفر، وبدء المعارك ونهايتها  ...  
أما وصفهم لإنسحاب الإرهابيين، وأُسرهم، وسلاحهم، والطريق التي سيسلكون، وفق الاتفاقات، حدِّث ولا حرَّج. 

ومع ذلك، وبالرغم من هذا الشطَّط الإعلامي المُمِّل، والسخيف ...
فإن المواطن اللبناني العادي وانا مثلهم، تعجَّبت كيف سيطرت التنظيمات الإرهابية على المساحات الشاسعة والمقتطعَّة من قمم جبال، وهضاب، وحتى سهول لبنان لفترات زمنية وصلت للخمس سنوات، وكيف بكبسة زر بدأت تظهر الفلول، والانهزامات، والإنسحابات لهذه الجماعات الإرهابية في كل من العراق، وسوريا، ولبنان ...
أني وبكل فخر وإعتزاز أشّد على أي يد ٍ كان لها الباع، واليد الطولى في إلحاق الهزيمة بالارهاب، كان من كان ...
ولكن ...
لم أسمع تعليقا ً خلال إنسحاب الجماعات الإرهابية، وتسارُعِها في الآونة الاخيرة، عن التفاهم الأميركي، الروسي الجديد، بعد أن تغيَّرت الادارة الأميركية الجديدة بوصول دونالد ترامب المُظفَّر، وهزيمة هيلاري/أوباما الْمُدوّي، والنكراء وإنعكاساته على المنطقة العربية، وكأنهم في ذلك يُشاطرون او يأتمرون للإستبلاشمانت، والميديا الأميركية الخبيثة ...
وأخيرا ً، وفي هذا الانسحاب الإرهابي الذي تم َّ بكبسة زر، لا أُغالي بالقول، إن أفصحت، وقلت ان المُضايقات، والمُناكفات، والافتراءات التي يتعرَّض لها الرئيس ترامب من الميديا، واللوبي الإعلامي في اميركا، وعلى رأسها  CNN و NBC، هي بسبب السياسة الأميركية الجديدة بالمنطقة العربية، المناقضة والمخالفة لسياسة أوباما و هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة خارجية اميركا، وفي عهدهما أينع الربيع العربي القاتل والمُدمِّر. 

اخيرا ً إن أنسى، ولن أنسى الارهاب العمراني، في حضور التنظيم المُدني، حيث الباطون المُسلَّح قد إجتاح لبنان، مُقتلعا ً أخضر القرى، ويابس الْمُدُن، مُزيلا ً تُراث الآباء والاجداد ...
كم رخصة بناء في القرى التي أصبحت مُدنا ً، فُرِض عليها تخصيص مواقف لسيارات البيت او الشقق، للأسف لا شيئ الامر الذي جعل  الطرقات الداخلية، والباحات العامة  مرتعا ً لرَّص السيارات الواحدة، تلو الاخرى ...
لله درَّك يا لبنان ...
ستبقى العنيد، مدى العمر ...
وستبقى للمجد، تليدا ً بما تَبَقَّى من العمر ...
طالما الأرزة، هي أرزَّة الرَّب ...

فيصل المصري
اخر شهر اب من العام ٢٠١٧ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق