Pages

السبت، 25 مارس 2017

٢٦ اذار، ذِكْرَى وفاة الباشا .. سلطان الاطرش.

سلطان باشا الأطرش. 
يقف جنبا ً الى جنب، مع عُظماء العالم. 

في ذِكْرَى وفاته، ٢٦ آذار ..
أُعيد نشر هذه الْمُدوّنة، التي ما زالت لغاية تاريخه من الأكثر قراءة حسب تقارير غوغل المُبلَّغة لي ..
ولا عجبا ً في ذلك، لان الشعب السوري خاصة، والشعب العربي عامة، في مِحنة، وقحط في الرجال الذين لم تلدهم أُم،  تشبه والدة سلطان الاطرش. 
سلطان الاطرش :
تاريخ ولادته : ٥ آذار ١٨٩١ 
تاريخ وفاته : ٢٦  آذار ١٩٨٢م. 
قائد جيوش، الثوّرة الوطنية السورية،
كاتب أهم وثيقة، في التاريخ العربي الحديث، تتألف من ٤ كلمات ..
الدين لله، والوطن للجميع.  

  سلطان باشا الاطرش، شخصية عربية فذَّة، لم يُنصِّفُها التاريخ العربي الحديث، بل بقيث صفحة غير مكتوبة، من مجلّد عربي ضخم، يتضَّمن قصص عدم الوفاء، وما أكثرها.  
في ليالي سوريا المكفهرَّة هذه الأيام، حيث  يخيِّم الظلام الديني، والدنيوّي، على ارضها التي تشهد، وتسرح، وتمرح، في مُدنها، وقُراها، ودساكرها، جماعات  مسلَّحة، تعيث بطول البلاد وعرضها، تخريبا ً، ونهبا ً، وتدميرا ً ..
تارة باسم الدين ..
وطوْرا ً باسم الحرّيات ..
فأُستبيحت الحرمَّات الاسلامية، والمسيحية على حد سواء، فطالَّت دور العبادة، والمقامات الدينية، وأشتعّلت الحروب الطائفية، والمذهبية دون وازع من ضمير، او أخلاق ...
في هذه الظروف المؤلمة، 
حيث تغطي سماء سوريا، طائرات من دول الكون، ترمي الحمَّم، والاحقاد، وتُغذي النعّرات دون هوادة ..
أتذكَّر سلطان باشا الأطرّش ..
كما يتذّكر أهالي جبل العرب السوري، ( جبل الدروز ) اليوم قائد جيوش الثورة الوطنية السورية. الذي لو جرى تطبيق جزء، من اعلان الثوّرة التي نادى بها والقائلة :
 ( الى السلاح... الى السلاح )
بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، والمتضمنه مبدأ :
 ( الدين لله والوطن، للجميع ) 
في الدساتير التي تلَّت الاستقلال، كانت سوريا، وغيرها من البلاد العربية، تجنبَّت هذه الحروب الأهلّية الطاحنة.
هذا الإعلان، الذي نادى به سلطان الاطرش، يماثل في عنفوانه، إعلان الاستقلال الأميركي الذي كتّبه : 
Thomas Jefferson  
في وثيقة الاستقلال
 ، Declaration of Independence،  
في ٤ تموز ١٧٧٦م.
هذا الإعلان، طبقّته الولايات المتحدة الأميركية، في دستورها الصادر بالعام ١٧٨٧م، حفاظا ً وتكريما ً لشهداء استقلال اميركا.
حتى أكون صادقا ً، أستأنست في دراستي عن سلطان باشا الاطرش بالمراجع العربية، ولم أجد ما يُشبع نهمي، لأن بعض المؤرخين العرب الذين كتبوا سيرة هذا البطل، كانوا من المرتزقة، المأجورين ..
وحتى أصل الى خواتيم بحثي، إعتمدت على المؤرخين الفرنسيين، والانكليز اكثر من أقرانهم العرب، نظراً للمصدّاقية المبنّية على حقائق تاريخية، أغفل عن تدوينها مؤرخوا تلك الحقبة من العرب، بإعتبارهم مؤجورين لطمس الحقائق عن هذه الثورة، ومبادئها. 
 في الغرب ..
لكل ثورة بطل واحد، يُساعده رجالات عظام، فهذا جورج واشنطن، بطل الاستقلال، وأب الولايات المتحدة الأميركية دون منازع، ومنذ وفاته تعْمَدْ حكومات الولايات المتحدة على تعظيمه، دون إشراك احد في زعامته المطلقة.
وحتى لا تضيع مبادئ الثورة، يجري تقنينها بمواد مضيئة بالدستور الذي يُعتمدْ، حتى يجري تطبيقها بعد الثورة، لان الأرواح التي زُهقَّت والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية، يجب تكريم أرواحهم، وتضحياتهم بمواد تحفظ استمرارية وزخم الثورة.
اما عند المؤرخين العرب، فان بطل الاستقلال، لكل دولة يعتمد، على معايير تناسب الحاكم، الذي إستولى على  الحِكٓمْ  بعد الاستقلال.  
من المعايير التي طُبقت في تأريخ وتدوين الاستقلال عند بعض الدول العربية، الآتي :
 -/ إعتماد التوازن الطائفي لتحديد، ابطال إلاستقلال. 
 -/  إعتماد المكان الجغرافي، لإنتقاء ابطال الاستقلال.  
وبسبب هذه المعيار، الفضفاض في تحديد بطل الاستقلال دون سواه، تضيع المبادئ الحقيقية للثورة، التي أعلنها في وقتها، القائد او البطل، كما ضاع هذا المبدأ ( الدين لله والوطن للجميع )الذي أعلنه سلطان باشا الاطرش، في الدساتير المتلاحقة والمتعدّدة، في سوريا وحتى في غير بلد عربي.
دائما ً في دراساتي التاريخية، لا أعتمد على سرد السيرة الذاتية، للشخصية التي أتناولها، بقدر ما اهتم الى أيام معدودات، من حياة هذه الشخصية، كان لها تأثير على مجرى التاريخ، كالايام القليلة من حياة خالد بن الوليد، لمّا اجتاز الصحراء ما بين العراق وسوريا، في خمسة ايام لنجدة جيوش المسلمين في فتح الشام.  
كذلك، مسيرة  General  Sherman  التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية الأميركية. 
كذلك، قيادة  General  Patton لأسرع جيش في العالم في الحرب العالمية الثانية.
من هذا المنطلق، يدور بحثي عن بطل الاستقلال، في سوريا ..
إنه من دون شك، سلطان باشا الاطرش، 
في إعلانه الى السلاح ، الى السلاح بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، حيث حدّد الآتي :
- وحدة البلاد السورية. 
- قيام حكومة شعبية. 
- جلاء الجيوش الأجنبية.  
- تأييده مبادئ الثورة الفرنسية.  
- الدين لله، والوطن للجميع.  
يهمني، من اعلان سلطان باشا الاطرش هذا المبدأ : 
الدين لله، والوطن للجميع ..
يُشبه الى حد كبير، ما تضّمنه الدستور الأميركي عن الدين، والذي ما زال من يُثيره، او يفاخر به، الى يومنا هذا على حساب الاديان الاخرى، هو جريمة إتحادية،
 ( Federal  crime  )
هذا المبدأ، لو جرى إعتماده، في الدساتير التي تلّت الثورة، والتي تغيرّت وتبدّلت على مرّ الزمن، كانت سوريا بالذات أنقذّتها هذه المادة،  وكان حتماً هذا المبدأ، سيّغير مجرى التاريخ.
 -/ بتاريخ ٢٥ أيلول ١٩١٨، لبّى سلطان الاطرش نداء الثورة العربية الكبرى بقيادة، الشريف حسين، وقام مع إخوانه المجاهدين باحتلال قلعة بُصرى الشام.  
 -/ وفي نفس السنة من العام ١٩١٨، إشتبك مع الأتراك والالمان، في تلال المانع، على مشارف دمشق.
 -/ دخل دمشق في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨م. 
ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وهو اول علم عربي يرفّرف في سماء دمشق، بعد احتلال دام ٤٠٠ سنة، من قبل العثمانيين. 
ويعتبر مؤرخو الغرب ان سلطان الاطرش هو، اول إنسان رفع العلم العربي، بعد قرون من الاستعمار، ولم يحظ هذا اليوم، اي قيمة تاريخية، حتى في سوريا. 
 -/ في ٢ تشرين الاول ١٩١٨، دخل الامير فيصل دمشق، ومنح سلطان الاطرش رتبة عسكرية ( باشا ).
 -/ هبَّ لمساعدة ونجدة الزعيم يوسف العظمة في معركة ميسلون، ولكنه لم يفلح، باعتبار ان المعركة قد حُسمت قبل وصوله.
 -/ لم يتمكن من إقناع الملك فيصل بإقامة دولة عربية في سوريا، لمقاومة فرنسا، لان حسابات الملك فيصل، تختلف عن حسابات سلطان باشا الاطرش، وقد غادر الملك  حيفا، على متن طرّاد إنكليزي. 
 -/ بعد إنكسار ثورة شمال سوريا، بقيادة ابراهيم هنانو، لجأ هنانو الى سلطان باشا الاطرش، الذي أوصله الى عمّان.
 -/ قصة المجاهد أدهم جنجر :
ثار سلطان باشا الاطرش على فرنسا بنطاق واسع، عندما ألقَّت القوات الفرنسية، القبض على ادهم خنجر، ( ألمتّهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو )، عندما كان بضيافته، في بلدته القرّيا. 
كان سلطان الاطرش وقت إلقاء القبض على أدهم خنجر خارج بلدته، لانه لو كان في بلدته القرّيا لما تجرأت ألقوات الفرنسية على هذا التصرف. 
طالب سلطان باشا الاطرش، بإطلاق سراح أدهم خنجر، لم يُستجب طلبه.
 -/ هاجم وإخوانه المجاهدين القوة الفرنسية، 
ومن هنا بدأت الثورة الاولى بالعام ١٩٢٢.
قاد الثورة الكبرى بالعام ١٩٢٥م. 
أصدر بيانه الشهير، الدين لله والوطن للجميع، وتمّ اختياره قائدا ً عاما ً لجيوش الثورة الوطنية.
عمّت الثورة ارجاء الوطن السوري، وأمتدت الى البقاع اللبناني، واستولى الثوّار على قلعة راشيّا. 
أرسل قائد الثورة السورية، رسلا ً الى الملك عبد العزيز آلِ سعود، والى الملك فيصل الاول، والى مصر، وفلسطين للتأكيد على وحدة الكفاح العربي، ووحّدة الهدف لمتابعة الثورة. 
لم يلق الرسل، التجاوب لان الحسابات الإقليمية، والشخصية تختلف عن حسابات هذا القائد، كما أشار اليها في إعلانه، المحددة أهدافه ومراميه ( الوحدة ... الخ. ) 
كانت نظرته للأمور الوطنية تختلف، عن ما هو سيخّطط لهذه البلاد العربية من تقسيم، وتفتيت، وللأسف لم تتوّقف المخططّات الموضوعة، والتي ساعد على تنفيذها دون شك بعض من أهل الوطن.
بعد المنفى،  رجع سلطان باشا الاطرش الى سوريا، استقبلته دمشق في ١٨ أيار ١٩٣٧ إستقبال الأبطال.
 -/ إذا، قيس التكريم بالحفلات، والاستقبالات نال سلطان باشا الاطرش حقّه.
وقد أقامت له الحكومة السورية، في مسقط رأسه القرّيا مكتبة، ونصَّب تذكاري.  
أما غير ذلك ....
لم تنل مبادئ الثورة أي تدوين في الدستور، او الدساتير اللاحقة، وبذلك ضاعت دعائم بناء الوطن وفق تصّور قائد الثورة، في غياهب الزمن. 
لو طبقَّت مبادئ ثورته في الدساتير اللاحقة، ودونّت نظرته الشمولية، للأوضاع التي كانت تهدِّد  الكيان بعد هزيمة السلطنة العثمانية البائدة، وسلطة الانتداب الفرنسية، كانت الامور، حتما خلاف ما هو عليه الان.
إن الفرص التاريخية لا تتكرّر، 
كانت البلاد العربية قبل الثورة السورية، بقيادة سلطان باشا الاطرش ترزح تحت نير العثمانيين البغيض، الذين وئدوا الحريات طيلة أربعة قرون متتالية، وكانت الذهنية العربية في ذلك الوقت تطمح الى الحريات ولا تعنيها الخلافة بالمعنى الديني الضيق، الذي كانت تمارسه السلطنة العثمانية، والتي أرخت ظلالا ً من الفساد على جميع المستويات الدينية، والدنيوية.
والملاحظ، ان مؤرخي العرب زوَّروا التاريخ، بعد أنهيار السلطنة العثمانية، بأن قالوا ان العرب حينذاك، كانوا تواّقين الى خلافة إسلامية، وهذا كذب وهراء تاريخي، لان المؤرخين الأجانب قالوا عكس ذلك، كما أوضحت بإعلاه. 
لم تؤخذ مبادئ ثورة سلطان باشا الاطرش. 
ولم تطبق شعاراته، التي أطلقها منذ حوالي ١٠٠ سنة. على اي دستور من الدساتير التي فرضّت على سوريا وغير سوريا من البلاد العربية.
اليوم وبعد حوالي ١٠٠ عام، ما زلنا  نرزح تحت ثقل المؤامرات، والتي كانت تُحاك سرا ً، لإخفاء  ألصبغة  المذهبية في الدين الواحد، وأصبحت الحرب اليوم، علنا ً، وجِهارا ً بين السنة والشيعة العرب، وأستفاقت بعد ١٤ قرنا ً على حرب ضروس، تدور رُحاها في العراق، وسوريا. 
وأنهي بحثي بالقول، 
توماس جفرسون، مات ... ولكن وثيقته لم تمّت. 
سلطان الاطرش مات ..
وللاسف، وثيقته ضاعت، وهذا ما تشهده سوريا من فصول الضياع، التي لم، ولن تنتهي.    


فيصل المصري
أُورلاندو  / فلوريدا
٢٦ أذار ٢٠١٧ 







 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق