زنوبيا ....
ملكة تدمر ...
من سوريا ...
وبعد أن تناقلت وسائل الإعلام العالمية، والمحلِّية خبر إستعادة تدمر، من براثن الشعوب الهمجّية، والوحوش البشرّية، يطيب لي ان أُلقي ضوء ً في مدوّنتي هذه، على مملكة عريقة، بأهلها وسكانها السابقين، والحاضرين.
المقدمة :
زنوبيا، أو الزباء ....عاشت بالفترة ما بين : 240 - 274 كانت ملكة تدمر ....
قادّت مع زوجها أذينة، عصيانا ً على الإمبراطورية الرومانية تمكّنا خلاله من السيطرة على معظم سوريا.
بعد وفاة زوجها أُذينة، قادت الإمبراطورة التدمرية، إلى غزو مصر لفترة وجيزة قبل أن يتمكن الإمبراطور أوريليان من هزمها، وأسرها إلى روما حيث سرعان ما توفيت لأسباب غامضة.
اسم زنوبيا الأصلي بالآرامية، بات زباي، أي بنت زباي.
كما عرفت باللاتينية، باسم يوليا أوريليا زنوبيا.
(Julia Aurelia Zenobia)
وباليونانية، سبتيما زنوبيا.
كما عرفها العرب، باسم ألزباء.
كانت زنوبيا فائقة الجمال، تحاول ان تُقلّد كليوباترا عظيمة مصر، حتى في أصلها، وحسبها، ونسبها فقالت عن نفسها أنها من أصل بطلمي، مشبهة نفسها بنِسَب كليوباترا.
ويقال ان زنوبيا، إعتنقت الدين اليهودي في وقت ما من حياتها.
وكما يقال، انها مالت إلى تعاليم، بولس الشميشطي المسيحية.
أما المؤرخ، والرحالة الطبرّي، قال أنها كانت من، عماليق العرب.
ولم يستغرب المؤرخون تعدد الميول الدينية وإلصاقها في شخصيات ملأت أخبارها التاريخ ردحا ً من الزمن، كالملكة التدمرية .. زنوبيا.
عُرف عن مملكة تدمر، في ذلك الزمن الحكم الديموقراطي، تشبُّها بروما لذلك نرى ملك تدمر أُذينة يهتم بإنشاء مجلس للشيوخ في مملكته، تمهيدا للانفصال عن روما.
كان يقوم بهذه الحركة الديموقرطية سرا ً... ولكنه بالوقت نفسه يُظهر الولاء لروما جهارا ً ...
وكان لقيصر روما عيونا ً...
وما لبث ان علم بالأمر، فقرر اغتيال أُذينة عن طريق أمراء آخرين داخل البلاط يكنّون الولاء لروما، ويرغبون بتسلُّم حكم تدمر.
كان على رأس الخونة معن موينوس ابن اخت، الملك أذينه.
وفي إحدى حفلات تدمر، يتم سقي أُذينة الخمر، مع ابنه حران ويدخل الخونة، ويقتلون أُذينة وابنه وذلك بالعام 267 م.
كان يظّن قيصر روما، ان مقتل أُذينة، يُسقط تدمر، وتعود اليه.
ولكنه لم يدرك ان زنوبيا، الزوجة ستقود البلاد، وتنقُذ الْمُلْك.
إستلمّت زنوبيا دفّة الحكم الانتقالي باسم، وهب الات.
قامت فورا ً بإلقاء القبض على معن ومن ساعده من الخونة.
كانت زنوبيا من اول يوم ٍ في حِكمها، صارمة وعادلة، وفرضت هيبتها.
أمرّت بإعدام المُتأمرين ونفذّت الحكم فورا ً.
تولت الْمُلْك، باسم ابنها وهب اللات،
وأصبحت زنوبيا، ملكة الملكات ...
وتولَّت عرش المملكة، وازدهرّت تدمر في عهدها، وإمتد نفوذها على جزء كبير من الشرق.
وقد عدّد ألقابها المؤرخين، وأشتهرت، وخافها الجوار من الممالك.
فكانت بالاضافة الى لقبها ملكة الملكات، لانها جميلة.
كانت ايضا ً الملكة المحاربة، لانها تُقاتل وتخوض المعارك مع جيشها، وتعتمر خوذة أبوللو مع جيشها التدمري، الْمُجهز عدة وتدريبا ً، والذي فرض سيطرته جنوبا ً وشرقا ً وغربا ً .
أما في ديوانها الملكي، كانت زنوبيا تلبس العمامة الكسروية حينما تقابل الوفود.
ونظرا ً لفروسيتها، وعدلها، وشجاعتها، إنقاد لها الجيش وضمنت ولاءه.
ونظرا ً للرخاء، والبحبوحة، التي أرخت بالخير في البلاد، أحبها الشعب
فإهتمت، وإنشغلت، وإنصرفت الى توسيع رقعة مملكتّها.
توسعّت مملكة زنوبيا، حتى شملت باقي مناطق سوريا، وإمتدّت من شواطئ البوسفور حتى النيل، وأطلقت عليها الإمبراطورية الشرقية، مملكة تدمر. وأصبحت، تدمر من أهم الممالك وأقواها في الشرق على الإطلاق.
بعد ان قويًّت المملكة التدمرية، إضطر الإمبراطور الروماني أورليانوس للتفاوض مع الملكة زنوبيا، لتأمين حدود امبراطوريته.
وقد وعد إمبراطور روما زنوبيا، حتى يأمن هجمات جيشها، بان إعترف بألقاب، وإمتيازات ملكية لابنها.
أصدرت الملكة زنوبيا، العملة الخاصة ب تدمر.
وصكّت النقود في إنطاكية، وطبعّت عليها صورة وهب اللات على وجه وعلى الوجه الثاني، صورة الإمبراطور أورليانوس، وبذلك حتى تُميّز العملة التدمرية عن عملة روما، التي تنفرد بصورة الإمبراطور لوحده.
ولكن هذا التوسُّع والنفوذ القوي للملكة زنوبيا، أخاف الإمبراطور الروماني وقد صمّم على التصدي ل المملكة التدمرية.
في سنة 271 أرسل الإمبراطور الروماني جيشا ً قويا ً مجهزا ً إلى أطراف المملكة.
ولم يكتف ِ الإمبراطور أورليانوس بهذا الجيش، بل جهّز جيشا ً آخرا ً بقيادته، وتوجَّه به إلى سوريا، وآسيا الصغرى ليلتقي الجيشان وتدور معركة كبيرة بين مملكة تدمر، والامبراطورية الرومانية،
احتل بروبوس أجزاء من جنوب المملكة في أفريقيا.
وبلغ أورليانوس أنطاكية في سوريا، وتواجه مع زنوبيا بتجهيزات كبيرة وهزمّها هناك في معركة أنطاكية، مما جعلها تنسحب الى تدمر.
وكان أورليانوس قد بلغ مدينة حمص، فدارت بينهما معارك شرسة، قدمت فيها زنوبيا الكثير، ودفع اورليانوس بالمزيد من القوات في مواجهة جيش زنوبيا، تراجع جيشها إلى تدمر، فتقدم أورليانوس إلى تدمر وحاصر أسوارها المنيعة حصاراً محكما.
وكانت زنوبيا قد حصنّت المدينة ووضعت على كل برج من أبراج السور إثنين أو ثلاثة من المنجنيق تقذف بالحجارة المهاجمين، لأسوارها وتمطرهم بقذائف النفط الملتهبة، والتي كانت تعرف بالنار الإغريقية.
وقاومت الغزاة بشجاعة معلنة القتال حتي الموت دفاعا عن مملكتها.
عرض أورليانوس عليها التسليم، وخروجها سالمة من المدينة، التي لن تُمّس.
رفضت زنوبيا الاستسلام، ووضعت خطة، وحاولت إعادة الالتفاف على جيش اورليانس، فتحصنت بالقرب من نهر الفرات.
إلا أنه وبعد معارك ضارية، تفوق جيش الإمبراطورية على جيشها.
وقعت زنوبيا في الأسر، ولاقاها الإمبراطور أورليانوس وهو في ميدان القتال، فأحسن معاملتها.
إستسلمّت الملكة زنوبيا، سنة 272 م،
أُقتيدت زنوبيا الى روما، بأصفاد من الذهب الخالص (وردّت هذه الحادثة، كغيرها من الأخبار، وكأنها من الاساطير ).
اصطحبها الإمبراطور أُورليانوس معه، إلى روما ولم يقتلها، بل أعدم بعض كبار قادتها، ومستشاريها بعد محاكمة أجريت لهم في مدينة حمص.
توفيت زنوبيا في روما سنة 274 في ظروف غامضة.
وقد حيكت الأخبار عنها، وتوسّع البحاثّة في ذِكْر عظمتّها، وتمجيد افعالها، التي خلدّتها بأحرف من ذهب.
إنها ... زنوبيا، الملكة العادلة، المحاربة ...
من سوريا.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
٢٩ آذار ٢٠١٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق