فريد الاطرش ...
والألحان التي جعلته، مُجدّد الموسيقى، العربية.
لكل امرء ٍ من دهرّه ما تعّودا ....
وانا تعّودت في كل مرة أقوم ببحث تاريخي، ان أستأنس برأي بعض المؤرخين العرب، أما الغالبية الباقية من المؤرخين العرب، أطلقت عليهم مٌسمّى ( مؤرخو المصاطب ) لقلة الثقة بهم، ولعدم المصداقية في كتاباتهم.
وبالرغم من أني لست ناقدا ً فنيا ً ...
إلا أني، أحببّت أن أقرأ عن تاريخ فريد الاطرش الفني، وقد هالني وأثار انتباهي، المستوى المتدّني لبعض النُقّاد العرب مقارنة، مع النقّاد الفنيين الغربيين.
لقد لفت نظري، ان النصف الاول من القرن الماضي كان العصر الذهبي للموسيقى، الشرقية العربية، ولكن هذه الفترة لم تُظهر ناقدا ً فنّيا ً يُحسب له حِسَاب في الغرب.
لقد قرأت كثيرا ً، واطلعت على آراء النقاد الفنيين العرب وقارنتها بالآراء الفنية، التي كتبها النقّاد الأجانب الذين عاصروا الفرق الموسيقية التي كانت تعزف ألحانا ً شرقية.
وقد توصلت في حينها الى البون الشاسع في طريقة التقييّم التي اتبّعها الغرب، مقارنة بما كان يعتمده النقّاد العرب.
في بحثي هذا، تبين لي من قراءاتي ان النقّاد العرب الذين عاصروا فريد الاطرش، كانت سمة الغالبية العظمى منهم، أقلامهم مأجورة، بدليل ان شركة أسطوانات فنية مملوكة من الموسيقار محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ كانت تدفع أكراميات شهرية لبعض النقاد حتى يكتبون ما يحلو لهذه الشركة وأصحابها.
والملفت للنظر ان فريد الاطرش، كان صاحب المآدب الغنية الشهية والتي كانت تقام يوميا ً على مدار الأسبوع، يحضرها بعض النقّاد الفنيين الى جانب اصحاب فريد الاطرش، وذلك لطبع الكرم الذي غُلب او إنفطر عليه.
الغريب العجيب ان هؤلاء النقّاد الذين كانوا على مأدبته هم الذين أطلقوا السهام عليه، دون هوادة، وقد نصحه أصحابه ان يتّبع أسلوب غيره بدفع إكراميات شهريه لهؤلاء، لكنه أبّى. لان أفعاله وألحانه، سيقيّمها التاريخ لاحقا ً، وقد صدق حدسه في ذلك.
بناء ً عليه ...
أردت ان أتوخى الدقّة في بحثي هذا، من زاوية تحديد اللحن الذي وضعه هذا الموسيقار العربي ( الأصيل في فنه والمحافظ على تراثه والمثابر على تطويره )، ونقله الى العالمية.
أجمع النقّاد الغربيون على ان فريد الاطرش هو اول من قدّم الأوبرا بعد سيد درويش، وذلك في فيلم انتصار الشباب.
لم تكن السينما المصرية قبل فيلم انتصار الشباب، على علم او دراية بالاوبريت الغنائية ( أُوبريت بساط الريح ) وهذا بحد ذاته سبق فني، يُكتب لفريد الاطرش.
اما الألحان، ( اشدّد على الألحان لانها كثيرة ) التي وضعها فريد الاطرش، والتي نقلته للعالمية هي وفيرة جدا ً قلّما تمتٌع بها احدا ً من أقرانه العرب.
حبيب العمر ...
نجوم الليل ...
زمردة ...
سجّلها قائد الأوركسترا الفرنسي فرانك بورسيل، الذي قاد الفرق الموسيقية لعزفها في عواصم العالم الغربي، تحت اسم ( فسيفساء شرقية ).
اما اللحن الذي وضعه فريد الاطرش لأغنية ( ويّاك ويّاك ) دخل معظم البيوت الأوروبية، وقد عزفه على الاورغن جيرالدشو بالعام ١٩٤٦ في القاهرة.
حاول محمد عبد الوهاب تقليد لحن ( ويّاك ) بعد النجاح الهائل الذي أحرزه فريد الاطرش، بان وضع لحنا ً يشبهه، لأغنية ( أنا والعذاب وهواك ) واستعمل آلات نحاسية مع نفس إيقاع لحن أغنية ويّاك.
لم تنجح أغنية عبد الوهاب جماهيريا، لانها طويلة وَمُملّة، وقال احد النقّاد العرب ان لحن فريد الاطرش كان عفويا ً بموهبة، موسيقية، أما لحن عبد الوهاب جرى لصقه بكلام الاغنية.
أما لحن ( أنا واللي بحبه ) الذي أُعجب به محمد عبد الوهاب، فانه يقال، ان الأخير عرض على فريد الاطرش، ان يعطيه عشرة ألحان مقابل هذا اللحن، وبالطبع رفض فريد الاطرش هذا الطلب، ودفع الثمن غاليا ً من مضايقات محمد عبد الوهاب، التي حفل بها المجتمع الفني، والصحافة المأجورة، حتى قيل ان بعض المراجع الرسمية في مصر تدّخلت لرأب الصدع، ولم تفلح لشدّة الكراهية والحسد، من نجاحات فريد الاطرش العالمية.
اما لحن، يا زهرة في خيالي ...
ولحن، قلبي ومفتاحه ...
عزفتاه فرقة ( تانغو اورينتال ) ايام الاتحاد السوفياتي، نظرا ً لعذوبة اللحن الذي يدخل كل الأفئدة، دون إستئذان او دون تعقيد.
وقد اعتبر هذا اللحن، ( با زهرة في خيالي ) من اهم ١٧ تانغو في العالم.
اما لحن ( حبينا ) عزفته اوركسترا تركية ...
اما لحن ( يا جميل يا جميل ) غنته داليدا في ( البوم الحلم الشرقي )
أما لحن ( عدت يا يوم مولدي )، فانه يقال نال إعجاب الموسيقار رياض السنباطي، لانه لحن جريئ ومتطور.
اما الاغنية الهزلية التي لم يسبقه احدا ً عليها هي أغنية :
( يا سلام على حبي وحبك ) مع شادية، وغيرها.
تناول فريد الاطرش، جميع انواع الطرّب، والغناء العربي والاستعراضات الفنية، الدسمة في أفلام ( ما قدرش، بلبل أفندي، بساط الريح، الشرق والغرب ..الخ )
بناء على كل ما تقٌدم ....
لقد كشفت الوثائق الفنية التي تعكس إنجازات فريد الاطرش الفنية، انه الفنان العربي الوحيد الذي حصل على وسام الخلود الفني الفرنسي، الذي مُنح قبله لاثنين فقط هما، شوبان وبيتهوفن، حيث انه صاحب اول كونشرتو للبيانو في العالم كما أٌعيد توزيع ٨ مقطوعات من مؤلفاته توزيعا ً اوركستراليا ً عالميا. جرى توزيع أسطواناته في مختلف دول العالم.
كما انه اوّل من ادخل قوالب الموسيقى العالمية المعروفة مثل التانغو، والفالس، والرومبا، على النغم الشرقي الأصيل في تناغم تحدثت به كل الأوساط الفنية العالمية.
ويعتبر فريد الاطرش الموسيقي الوحيد الذي بلغت مٌبيعات احدى أسطواناته المليون في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي.
وقد ذكرت الوثائق الرسمية ان الرئيس جمال عبد الناصر زار فريد الاطرش في منزله ليعوده في مرضه ردا ً على تبرع فريد الاطرش بإيراد دخل حفل من حفلاته لمصلحة منكوبي السيول في ( قنا ) في منتصف الخمسينيات.
وتعتبر ميزة الكرّم عند هذا الفنان ميزة فريدة، لم يضاهيه فنان سبقه، او أتى من بعده.
اخيراً ....
تعوّد العرب في ان يظلموا بعض الشخصيات التاريخية، وقد ذكرت الأسباب في عدة بحوث قمت بإعدادها، ولكن لم يقع نظري على إجحاف وقع على شخصية فذّة ومبدعة في الفن والتأليف الموسيقي مثل هذا الفنان الموسيقار الذي نحن بصدده، والذي نقل الموسيقى العربية الى مراكز متقدمة في الفن العالمي وعُزفت وعُرفت موسيقاه على انها من قلب الشرق، ودوّخت القلوب حتى في الغرب.
ولهذا جرى تصنيفه في الغرب، بانه مجدّد الموسيقى العربية دون منازع، شاء من شاء، وأبّى من أبّى ...
فريد الاطرش،
ظُلم، في سوريا مكان ولادته ...
وظُلم، في مصر مكان إقامته ...
وظُلم، في عواصم العالم العربي ...
لانه لم يطلق اسمه، على اي معهد موسيقى يخٌلد اسمه.
ولكن، كُرّم في المعاهد الموسيقية الغربية. وأُعتبر مجّدد الموسيقى العربية.
فيصل المصري
أُورلاندو / فلوريدا
١٥ آذار ٢٠١٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق