الفصل الثالث :
من قصة كراون دايسي و كريستل.
كان هذا اليوم، عاصفا ً ماطرا ً، وكانت الشوارع المحيطة بالجامعة تُزمجّر انهارا ً وزادت سرعة الرياح عن المألوف.
لم يطّق ان يمُرّ هذا اليوم دون ان يراها، لان سُحُب الحب بدات تحوم في قلبه، والشوق اليها ما لبث ان تعلّق على أسوار عقله، فدلف الى قاعة المُحاضرات يائسا ً من طول الانتظار.
دخّلت القاعة على عجَلة من أمرها، لم تجوّل نظرها كثيرا ً لانه كان على عتبة الباب مُطأطأ ً رأسه.
طبطبت على كتفه، وقالت :
ما بك ؟
أجابها، ما بك انت ؟
لماذا تأخرت ؟
قالت، أخذني وقت كبير حتى أصل من محطة الحافلة الى الجامعة، وأشعر الان بالبرد القارس، والمطر الغزير، بلّل ثيابي، والشوارع باتت جداولا ً ...
تركها تُكمل وصفها، وأشفق عليها، ومد َٓ يده وكانه يُصافحها، علّه يعطيها دِفئا ً، فَذُهِل عندما شعر بان الدفء في يدها، وأطبق يده الثانية على يدها، وقامت هي الاخرى، بوضع يدها فوق يدّه، ونظر الى وجهها وقد غطّاه الخجّل.
فقالت له ما بك ؟
قال، خِفت عليك، وقلقت لان موقف الحافلة بعيد عن الجامعة.
ثم أسقط عمدا ً، قلما ً وإنحنى ليلتقطه، فإذ به يُصاب بالذُهول ثانية لان حذائها الكُحلي اللون، والمخملي النوع لم يتلطّخ بنقطة ماء واحدة.
كذلك ألقى نظرة على ثيابها، فإنها كانت غير مبّللة بالمطر.
عادت وسألته،
ما بك ؟
لم يُجِب ْ ....
ساد صمت رهيب، لم يقطّعه إلا خياله الذي أخذه ورماه في نعومة يديها، وطراوة ملمسه.
فضرب إخماسا ً بأسداس، كيف تأتي من موقف الحافلة، ولم تتبلّل ؟
كيف تقول ان البرد أخذ منها، ويدها دافئة.
لحظات لمعت في مُخيلته، وكأنها سنوات.
تألمّ كثيرا، لانه وقع طريح سهم من حب قاتل، أطلقته إمرأة يجهل من هي، ولكنه يعرفها.
من امراة إحتّلت قلبه، دون قتال.
من امرأة تشغُل حياته، وهي ليست من هذه الحياة.
توقفت هواجسه ومخاوفه، عندما، همست في أذنه، وقالت سأترك القاعة الان، لان الأرصاد الجوية أعلنت بالامس ان العاصفة ستصبح أشد ضراوّة بعد ساعات، وانا مضطرة للعودة الى المنزل، وأتيت فقط لألتقي بك بالرغم من هذا الطقس الماطر.
زاده الذهول، ذهولا ً ...
أعطّته يدها، وانحنى يُقبِّلها، بكفيه.
وقالت، أخبرني لاحقا ً عن المحاضرة، إن شئت.
تركها تُهروّل مسرعة، الا انه تسلّل خلسة من قاعة المحاضرات دون ان تراه.
سار مُسرعا ً ووقف امام نافذة الدرج التي تُشرف على مدخل الجامعة وعلى الطريق العام.
لم يتمالك ذلك المشهد الذي رَآه بأُم العين.
سيارة أميركية فارهة المنظر، متوقّفة على باب الجامعة، سائقها يلبس بدلة كحلية اللون، ويعتمر على رأسه قُبّعة وكانه، جنرال من جنرالات الوغى، يُسرع في فتح باب السيارة الخلفي لتدخل هي التي كانت معه منذ لحظات.
أقفل السائق الباب، وتراجع هو الى الوراء، ولمحها من ثاقب نظره، وهي تُسرح نظرها، للأعلى ومن حولها، فإطمأنت، انه لم يشاهدها أحد.
وكان ذهوله هذه المرّة، أشد مرارة من وقع الصاعقة عليه.
لم يدخل قاعة المُحاضرات، وإنهارت عليه ذكرياته معها :
ظنّ انها أقل ّ منه يُسْرًا.
ظنّ انها أكثر ُ منه صُدِّقا ً.
ظنّ انها تُحبّه.
وعادت ظُنونه، وشُكوكّه بانه لا بد من سبب لهذا الكذب المُتمادي، والتكّتم الشديد عن وضعها المادي.
عاد الى منزل عائلته، والسماء تقصف اكوابا ً من المطر، تنهمر عليه دون هوادة.
لم تبرح من مُخيلته ....
انتهى الفصل الثالث
صليما / اب / ٢٠١٥
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق