مريم نور
و
كرمى الخّياط
أيقونتان، في تليفزيون الجديد.
فليطمئن القارئ العزيز، اني لست مدمنا ً على مشاهدة تليفزيون الجديد، بقدر ما أني احببّت أن اعرف ماذا يدور في كواليس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
هذه المحطة، دأبت منذ ان حطَّ بي الرحال في لبنان، في حقن المشاهد اللبناني والعربي، باخبار هذه المحكمة، وعلى طريقتها، وخاصة في المقدمة التي تنتهجها هذه المحطة قبل سرد الأخبار.
في مقدمة النشرة، هناك مغالاة وتطرّف في التصّنع اللغوي الممّل، وإستطرادا ً سخيفا ً ومطوّلا ً، يجعلك تضيع اذا أردت سماع اخبار زلزال كتماندو، لان المذيعة تُبقيك على السمع ولا تدري هي ان إرتدادات الزلزال تضرب الهملايا، مجددا ً لانها، وما زالت تحشر أُذنيك بالمقدمة.
وهذا بنظري سُخف ٌ ورتابة لغوية.
وبما اني أصحو باكرا ً، وبإنتظار نشرة الأخبار الصباحية، تطّل مريم نور من دون إستئذان، من على الشاشة، فتشاركني رشف قهوة الصباح، وبعد ان تودّعني ينتابني مغص فظيع، يقطّع أوصالي.
ومن بعد اطلالة مريم نور، تدفع المحطة ب صوّٓر كرمى خيّاط، في صولاتها وجولاتها في أروقة المحطة، وسأعود لاحقا ً، لمريم وكرمى !
أمّا السؤال، لماذا عليّٓ ان اتحمّل المعاناة الصباحية ؟
لسبب بسيط جدا ً:
إنه يحلو لي مشاهدة مذيعتي أخبار الطقس ( دارين و مذبوح ).
هاتين المذيعتين:
من أجمل ما خلق الله.
ومن اعذب الأصوات لحنا ً.
ومن أطرف الأخبار سمعا ً.
ومن أذوّق الازياء ملبسا ً.
بنظري، سبب وجيه جدا ً ان أتلقى القرص، والألم، بسببهن.
اولا ً : مريم نور
لو قيّض لهذه الإمرأة ان تعيش في عصور ما قبل التاريخ، اي قبل العصر الحجّري، او الجليدي، او البرونزي، او الديناصوري، ل كانت تُعّد ألهة.
لدى هذه السيدة، خلطات سحرية في مزج الأديان السماوية الحالية، من
( يهودية، مسيحية واسلامية ) لانها تجعلك تؤمن بأنها عاصرت الأنبياء الثلاثة، وعاشت أيامهم، وسمعت الوحي الهابط عليهم من السماء، وتُقنعك، انها تتلّمذت مع سدّنة اليهود،
ونهّلت، مع تلاميذ المسيح كل بشّاراته،
وتفقّهت، بالشريعة الاسلامية، من كل مصادرها.
ولهذا، وبما ان الطوّطم ما زال سائدا ً
في مجاهل افريقيا، فليبتعثها تليفزيون ( الجديد ) الى هناك، ويقيم لها تمثالا ً ، على برزخ ٍ يطّل على القارة السوداء، علّها بإرشاداتها، وتعاليمها، ومواعظها، تحوّلها الى قارة بيضاء.
ثانيا ً : كرمى الخياط.
وما أدراك من هي كرمى الخياط ؟
وبمجرد انك تسمعها وهي تلّقن قضاة المحكمة الدولية، عن الحريات وخاصة حرية الصحافة، تقشّعر أطرافك، وتنادي بأعلى صوتك :
يا لهوّل المصيبة، التي نالت مقتلا ً.
يا نكبة ً ألمّت بالصحافة اللبنانية والعربية، والعالمية ايضا ً .
كانت في خُطبها، شمولية.
كانت في محاضراتها، عميقة.
قد احسنت الرمي بالسهام والنصال على قضاة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لأنهم مُعيّنين على طريقة العرب والعروبة.
ولكنها تعجز في الرمي على قضاة الغرب، والعالم المتمدّن، لأنهم أكفاء.
قد اجهشت بالبكاء على حرية الصحافة في موطنها، وفي العالم العربي، وأذرفت دمع المتعاطفين معها.
ولكن كان، عليها أن تحبس دموعها عن صحافة الغرب، في العالم المتمّدن
لأن صحافة الغرب ليست بحاجة الى بكاؤها.
كان عليها، التواضع حينا ً، وكما ان المحكمة خاصة، عليها ان تخصخص خُطبها، ومحاضراتها، لان ما تشكو منه لا يسرى على بلاد غير بلادها او موطنها.
وحتى أكون صريحا ً،
لمّا انتهت كرمى الخيّاط من نشر تعاليمها عن الحريات، وخاصة حرية الصحافة، شعرت بنشوة الفرح والانتصار التي رافقت المحطة، والوفد المرافق، وكان ينقصهم المطالبة، بإقامة تمثال لها على باب مضيق جبل طارق، او باب المندب، يطّل على بلاد العرب، بدء ً من الأندلس، وإنتهاء باليمن السعيد، يُماثل ويُشابه، تمثال الحرية، المُقام على باب نيويورك.
المشكلة التي قد تواجههم، في رسم معالم، وخيوط هذا التمثال، ان القيّمين، عليهم إستحضار روح النّحات الفرنسي، الذي نحت تمثال الحرية على صورة والدته، ولن يتردد النحّات الفرنسي، ان يكون التمثال الجديد على شاكلة كرمى.
من الحواضر اللبنانية
فيصل المصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق