Pages

الجمعة، 27 مارس 2015

الحوثيون، من هم ؟؟

الحوثيون   !!
من هم ؟
نظرة تاريخية. 

في هذا البحث، سأُلقي الضوء على هذه الفرقة الاسلامية، التي تعيش في اليمن. 
في الآونة الاخيرة، إحتلّت أخبار هذه الجماعة الإذاعات والصحف العالمية، بعد الحدَّث العسكري المتمّثل، بالهجوم الجوي عليهم، والذي قامت به المملكة العربية السعودية، تشاركها، وتؤيدها منظومة من الدول. 


شعار الحوثيون  :
 -/الله أكبر، 
 -/الموت لأمريكا، 
 -/الموت لإسرائيل، 
 -/اللعنة على اليهود، 
 -/النصر للإسلام
تنظيمهم :
حركة أنصار الله. 
عقيدتهم :
عقيدة زيدية.
قادتهم :
حسين بدر الدين الحوثي.  
عبد الملك الحوثي. 
مقراتهم :
صعدة، في اليمن. 
حركة أنصار الله، هي حركة سياسية، دينية، مُسلَّحة تتَّخذ من صعدة في اليمن، مركزا رئيسيا ً لها.
 عرفت هذه الحركة، باسم "الحوثيين" نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي، الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004. ويُعَّد الأب الروحي لهذه الجماعة.
 تأسست الحركة، عام 1992 نتيجة بما يشعرون أنه تهميش، وتمييز، ضدهم من الحكومة اليمنية، وتنتمي قيادة وأعضاء الحركة، إلى المذهب الزيدي وهو، فرقة من الإسلام.
بدأ الصراع بين الحوثيين، والحكومة اليمنية اثناء حكم الرئيس علي عبد الله صالح ( رئيس سابق لليمن ) وأركان نظامه. 
بادئ ذي بدء، لم يكن الصراع نتيجة قبائل متناحرة او مختلفة، بقدر ما كان تنامي عدم الرضا المحلي من سياسات النظام الداخلية، والخارجية، وإلتقى هذا الشعور، باستهداف متعمّد او غير متعمّد، للمذهب الزيدي ورموزه، وتاريخه الضارب في اليمن، وباتّت الحركة الحوثية، رأس حربة المعارضة، الأكثر تهديدا ً للرئيس علي عبد الله صالح.

تحوّلت المواجهات المتقطعة، إلى صراع مستمر بينهم، وبين علي عبد الله صالح، وعلي محسن الأحمر من العام 2004  وحتى العام 2011، واشتبكوا مع قوات سعودية، عام  2009، في ما عرف بنزاع صعدة. معظم القتال كان  في صعدة، ولكنه انتقل إلى مناطق أخرى في محافظة عمران، ومحافظة الجوف، ومحافظة صنعاء.
 فشلت الحكومة اليمنية في قمعهم عسكريا ً، لأسباب عديدة منها، طبيعة النظام، وعدم معالجة الأسباب الرئيسية التي أدت لظهورهم. 
 -/ اتهمتّهم الحكومة اليمنية، بتلّقي الدعم من جمهورية إيران الإسلامية.
 -/  ينفي، أعضاء وقيادات الحركة، ارتباطهم بإيران، ويصفون الإتهامات بالباطلة، ومحاولة للتغطية على الدور السعودي في اليمن، وينفون انهم  منظمة إرهابية عابرة للقارات، أو مرتبطة بدول ومنظمات من هذا القبيل.
 -/ وفي العام 2009. قال جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى :
العديد من أصدقائنا وشركاؤنا حدثونا عن تدخل خارجي لدعم الحوثيين، وسمعنا عن نظريات عن دعم إيراني لهم ... حتى أكون صادقا معكم، نحن لا نملك معلومات من مصادر مستقلة عن أي من هذا.
 -/  وحسب دراسة، لمعهد الدراسات الاستراتيجية في واشنطن صدرت عام 2011، لم تقدِّم الحكومة اليمنية بقيادة علي عبد الله صالح دليلا قاطعاً بشأن التدّخل الإيراني، ولكن حسب الدراسة، إن الحوثيين، يحتاجون للدعم المالي،  والمساعدات المالية يصعب إثبات حصولها. . .
  -/ أشارت برقية ويكيليكس، إلى إمداد الجيش اليمني للحوثيين بالسلاح.(بالأعوام السابقة )
-/  وفقا لتقرير مجموعة الأزمات الدولية، فإن رئيس جهاز الأمن القومي  الأميركي تحدّث قائلاً :

إيران لا تسّلح الحوثيين، فأسلحتهم يمنية معظمها قادم من المقاتلين، الذين حاربوا الإشتراكيين عام 1994 ومن ثم بيعت للحوثيين. ( بالأعوام السابقة )

ولكن، هذا لا يعني تجاهل مزاعم التدّخل الإيراني، فالدوافع الإيرانية موجودة، بالسابق وبالوقت الحاضر :
-/  وفقا لنيويورك تايمز، فإن بعض المسؤولين الأميركيين الذين وصفوا مزاعم التدخل الإيراني غير موّثقة، انهم اليوم  يؤمنون، ويؤكدون، أن هناك دعما إيرانيا ً ماديا ً، وفيرا ً.
 -/  من المفارقات، يرفع الحوثيون شعارا ً مستفزا ًً، يدعو بالموت لأميركا، ولكن الولايات المتحدة بالماضي مهتمة بالتنظيمات الجهادية السلفية  في اليمن، وما زالت أكثر من أي شيء آخر.
 الأميركيون، يدركون أن الحوثيين، ليسوا منظمة إرهابية  (عابرة للقارات والقوميات )، ولا يسعون لاستثارة أقليات المنطقة الدينية، وعلاقاتهم بدول إقليمية.
 ونتيجة لهذه المفارقة، الحوثيون، لم يستهدفوا مصالح أميركية، وُيدرك الأميركيون أنهم يشاركونهم العداء للمتطرفين السنة، المتوسعين في المنطقة، لذلك يحرص الأميركيون على إيقاف الصراع، وحثّ الحكومة اليمنية، وشركاؤهم السعوديون، على تقبّل الحوثيون كممثلين، سياسيين شرط ان لا تتعدى طموحاتهم اكثر من ذلك، ولهذا نرى التَّدخل الأميركي اليوم، لان منحى أهداف الحوثيين بالنسبة لمستقبل اليمن، تغيّر كلية ً.  
تهتم أميركا، وتنصّب جهودها لتطهير البلاد من تنظيم القاعدة، في جزيرة العرب، ولهذا يصعُب فهم وإدراك السياسة الأميركية في معظم الأحيان، وما تشهده الحروب العربية اليوم خير دليل على ذلك.    
   -/ الحوثيون ليسوا، كحزب الله، ولا حزب العمال الكردستاني، ولكن يطمحون الى ذلك.
 -/  يُشار إليهم  من قبل الكثيرين بتسمية :      الحوثيين، أو الحركة الحوثية، أو العناصر الحوثية، أو الشباب المؤمن، وأخيرا ً، أطلقوا على أنفسهم :
 -/أنصار الله.  
ولكن، قبل أن يتخذوا لهم  اسم أنصار الله، كانوا يشيرون لأنفسهم :
 بـ أنصار الحق و الحسينيين و المجاهدين و جند الله، 
كل هذه التسميات، ساهمت في إعتبار الحوثيين منظمة تتمتّع بجهاز قيادة، مسيطر، وتنظيم عسكري متماسك، وقد ساهم ذلك قتالهم منذ عدة سنوات في صعدة.   

-/  أسماء القادة الميدانيين والمقاتلين :
هذه الأسماء، تساعد إلى فهم طبيعة الحركة الحوثية، بعضهم، يستخدم كنى مثل، أبو نصر، وأبو علي، وبعضهم يستخدم ألقابا مثل، الشيخ.
 الحوثيون، شديدوا الإخلاص  لرؤسائهم، وينشدون الزوامل (لون من الإنشاد ينتشر بين القبائل) المرددّة لنثريات الحركة، ولولا هذه الأناشيد، لما وجدت الحركة ولما صمّدت حتى اليوم.
 -/ مصادر أسلحتهم :
هناك  مصادر رئيسية لأسلحة الحوثيين :

 - تجار السلاح.
 - الحلفاء القبليون.
 - الجيش اليمني نفسه.
 - ايران. وقد تكون الان المصدر الرئيسي. 
 -/ العقيدة الحوثية :
 أن الحوثيين زيدية، ويختلفون عقائديا ً عن الإثنا عشرية.   -/ بما أن الحوثيين مجاهدين، فلا بد أن يكون قتلاهم شهداء، وحسين بدر الدين الحوثي، هو أكثر شهدائهم إحتفائا وإحتفالا ً.
 -/ يحتفل الحوثيون، بأسبوع الشهيد في كل سنة، حيث تُذكر مآثر القتلى، وتخليد ذكراهم. 
 -/ من الأمور التي يكرهها الحوثيون، ان يقال انهم شيعة إثنا عشرية، او روافض، او مجوس، او صفوية.
اخيرا ً، 
وبعد ان كان يُحكى وراء الكواليس، عن تسميات عدة للقتال والحرب التي تدور رُحاها بالعالم العربي الاسلامي، كالقول انه الربيع العربي، وغيرها من تسميات، آن الاوان للقول جهارا ً وعلانية انها حرب بين السنة والشيعة. 
ولا يغُرَّنك ان تسمع وتصدّق تسميات اخرى.   

إعداد

فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
آذار ٢٠١٥م. 

الخميس، 26 مارس 2015

ذِكرى وفاة سلطان باشا الاطرش، ٢٦ آذار يُفتقد البدر في ليالي سوريا ألمُكفهّرة !


سلطان باشا الاطرش :
 ٥ آذار ١٨٩١ / ٢٦ آذار ١٩٨٢م. 
قائد جيوش الثورة الوطنية السورية،
الدين لله، والوطن للجميع.  

بمناسبة ذكرى وفاته ٢٦ آذار ١٩٨٢م. 
أُعيد نشر ما كتبته في مدوّنتي عن هذا البطل. 
 سلطان باشا الاطرش، شخصية عربية فذَّة، لم يُنصفها التاريخ العربي الحديث، بل بقيث صفحة مظلمة، من مجلد عربي ضخم، يتضَّمن قصص عدم الوفاء، وما أكثرها.  
في ليالي سوريا المكفهرَّة هذه الأيام، حيث  يخيّم الظلام الديني، والدنيوي، تشهد مدنها، وقراها، ودساكرها، جماعات  مسلحة تسرح، وتمرح بطول البلاد وعرضها، تارة باسم الدين، وطوْرا ً باسم الحريات،  فأُستبيحت الحرمات الاسلامية، والمسيحية على حد سواء، فطالت دور العبادة والمقامات الدينية، وأشتعّلت الحروب الطائفية والمذهبية دون وازع من ضمير، او اخلاق إن بقيت.
في هذه الظروف المؤلمة، نتذكر سلطان باشا الأطرّش قائد جيوش الثورة الوطنية السورية. الذي لو جرى تطبيق جزء من اعلان الثورة التي نادى بها والقائلة ( الى السلاح... الى السلاح ) بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، والمتضمنه مبدأ ( الدين لله والوطن، للجميع ) في الدساتير التي تلت الاستقلال، كانت سوريا، وغيرها من البلاد العربية، تجنّبت هذه الحروب الأهلية الطاحنة.
هذا الإعلان، الذي نادى به سلطان الاطرش، يماثل في عنفوانه، اعلان الاستقلال الأميركي الذي كتّبه : 
Thomas Jefferson  في وثيقة الاستقلال ، Declaration of Independence، في ٤ تموز ١٧٧٦م.
هذا الإعلان، طبقّته الولايات المتحدة الأميركية في دستورها الصادر بالعام ١٧٨٧م، حفاظاً وتكريماً لشهداء استقلال اميركا.
حتى أكون صادقاً، استأنست في دراستي عن سلطان باشا الاطرش بالمراجع العربية، ولم أجد ما يفي البحث، ولكني اعتمدت على المؤرخين الفرنسيين، والانكليز اكثر من زملائهم العرب، نظراً للمصداقية المبنّية على حقائق تاريخية، أغفل عن تدوينها مؤرخو تلك الحقبة من العرب، بإعتبارهم مؤجورين لطمس الحقائق عن هذه الثورة.
 في الغرب، لكل ثورة بطل واحد، يُساعده رجالات عظام، فهذا جورج واشنطن، بطل الاستقلال وأب الولايات المتحدة الأميركية دون منازع، ومنذ وفاته تعْمَدْ حكومات الولايات المتحدة على تعظيمه، دون إشراك احد في زعامته المطلقة.
وحتى لا تضيع مبادئ الثورة، يجري تقنينها بمواد مضيئة بالدستور الذي يُعتمدْ، حتى يجري تطبيقها بعد الثورة، لان الأرواح التي زُهقت والشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية، يجب تكريم أرواحهم وتضحياتهم بمواد تحفظ استمرارية وزخم الثورة.
اما عند المؤرخين العرب، فان بطل الاستقلال لكل دولة يعتمد، على معايير تناسب الحاكم، الذي إستولى على  الحِكٓمْ  بعد الاستقلال.  
من المعايير التي طُبقت في تأريخ وتدوين الاستقلال عند بعض الدول العربية، الآتي :
 -/ إعتماد التوازن الطائفي لتحديد ابطال إلاستقلال. 
 -/  إعتماد المكان الجغرافي لإنتقاء ابطال الاستقلال.  
وبسبب هذه المعيار، الفضفاضة في تحديد بطل الاستقلال دون سواه، تضيع المبادئ الحقيقية للثورة، التي أعلنها في وقتها، القائد او البطل، كما ضاع هذا المبدأ ( الدين لله والوطن للجميع )الذي أعلنه سلطان باشا الاطرش، في الدساتير المتلاحقة والمتعدّدة، في سوريا وحتى في غير بلد عربي.
دائماً في دراساتي التاريخية، لا أعتمد على سرد السيرة الذاتية، للشخصية التي أتناولها، بقدر ما اهتم الى ايام معدودات، من حياة هذه الشخصية، كان لها تأثير على مجرى التاريخ، كالايام القليلة من حياة خالد بن الوليد، لمّا اجتاز الصحراء ما بين العراق وسوريا، في خمسة ايام لنجدة جيوش المسلمين في فتح الشام.  
كذلك، مسيرة  General  Sherman  التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية الأميركية. 
كذلك، قيادة  General  Patton لأسرع جيش في العالم في الحرب العالمية الثانية.
من هذا المنطلق، يدور بحثي عن بطل الاستقلال، في سوريا ؟
انه من دون شك، سلطان باشا الاطرش، 
في إعلانه الى السلاح ، الى السلاح بتاريخ ٢٣ أب ١٩٢٥، حيث حدّد الآتي :
- وحدة البلاد السورية. 
- قيام حكومة شعبية. 
- جلاء الجيوش الأجنبية.  
- تأييده مبادئ الثورة الفرنسية.  
- الدين لله والوطن للجميع.  
يهمني، من اعلان سلطان باشا الاطرش هذا المبدأ : الدين لله، والوطن للجميع.
هذا المبدأ، لو جرى إعتماده، في الدساتير التي تلّت الثورة، والتي تغيرّت وتبدّلت على مرّ الزمن، كانت سوريا بالذات أنقذتها هذه المادة،  وكان حتماً هذا المبدأ، سيّغير مجرى التاريخ.
 -/ بتاريخ ٢٥ أيلول ١٩١٨، لبّى سلطان الاطرش نداء الثورة العربية الكبرى بقيادة، الشريف حسين، وقام مع اخوانه المجاهدين باحتلال قلعة بُصرى الشام، ( يُلاحظ في هذه الحرب اليوم، أهمية موقعها ). 
 -/ وفي نفس السنة من العام ١٩١٨، إشتبك مع الأتراك والالمان، في تلال المانع على مشارف دمشق.
 -/ دخل دمشق في ٣٠ أيلول من العام ١٩١٨م. 
ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة. وهو اول علم عربي يرفّرف في سماء دمشق، بعد احتلال دام ٤٠٠ سنة، ويعتبر مؤرخو الغرب ان سلطان الاطرش هو اول إنسان رفع العلم العربي، بعد قرون من الاستعمار، ولم يحظ هذا اليوم اي قيمة حتى في سوريا. 
 -/ في ٢ تشرين الاول ١٩١٨، دخل الامير فيصل دمشق، ومنح سلطان الاطرش رتبة عسكرية ( باشا ).
 -/ هبَّ لمساعدة ونجدة الزعيم يوسف العظمة في معركة ميسلون، ولكنه لم يفلح باعتبار ان المعركة حُسمت قبل وصوله.
 -/ لم يتمكن من إقناع الملك فيصل بإقامة دولة عربية في السويداء، لمقاومة فرنسا، لان حسابات الملك فيصل تختلف عن حسابات سلطان باشا الاطرش، وقد غادر الملك  حيفا، على متن طرّاد إنكليزي. 
 -/ بعد إنكسار ثورة شمال سوريا، بقيادة ابراهيم هنانو، لجأ هنانو الى سلطان باشا الاطرش، الذي أوصله الى عمّان.
 -/ قصة المجاهد أدهم جنجر :
ثار سلطان باشا الاطرش على فرنسا بنطاق واسع، عندما ألقَّت القوات الفرنسية، القبض على ادهم خنجر، ( ألمتّهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو )، عندما كان بضيافته، في بلدته القرّيا، وهو كان خارجها.
طالب سلطان باشا الاطرش، بإطلاق سراح أدهم خنجر، لم يُستجب طلبه.
 -/ هاجم وإخوانه المجاهدين القوة الفرنسية، 
ومن هنا بدأت الثورة الاولى بالعام ١٩٢٢.
قاد الثورة الكبرى بالعام ١٩٢٥م. 
أصدر بيانه الشهير، الدين لله والوطن للجميع، وتمّ اختياره قائداً عاماً لجيوش الثورة الوطنية.
عمّت الثورة ارجاء الوطن السوري، وأمتدت الى البقاع اللبناني، واستولى الثوّار على قلعة راشيّا وأحرقوها. 
أرسل قائد الثورة السورية، رسلا ً الى الملك عبد العزيز آلِ سعود، والى الملك فيصل الاول، والى مصر، وفلسطين للتأكيد على وحدة الكفاح العربي، ووحدة الهدف لمتابعة الثورة. 
لم يلق الرسل، التجاوب لان الحسابات الإقليمية، والشخصية تختلف عن حسابات هذا القائد، كما أشار اليها في إعلانه المحددة أهدافه ومراميه ( الوحدة ... الخ. ) 
كانت نظرته للأمور الوطنية تختلف، عن ما هو سيخّطط لهذه البلاد العربية من تقسيم وتفتيت، وللأسف لم تتوّقف المخططّات الموضوعة، والتي ساعد على تنفيذها دون شك بعض من أهل الوطن.
بعد المنفى،  رجع سلطان باشا الاطرش الى سوريا، استقبلته دمشق في ١٨ أيار ١٩٣٧ إستقبال الأبطال.
 -/ إذا، قيس التكريم بالحفلات، والاستقبالات نال سلطان باشا الاطرش حقّه.
وقد أقامت له الحكومة السورية، في مسقط رأسه القرّيا مكتبة، ونصَّب تذكاري.  
أما غير ذلك، لم تنل مبادئ الثورة أي تدوين في الدستور، او الدساتير اللاحقة، وبذلك ضاعت دعائم بناء الوطن وفق تصّور قائد الثورة، في غياهب الزمن. 
لو طبقت مبادئ ثورته في الدساتير اللاحقة، ودونّت نظرته الشمولية، للأوضاع التي كانت تهدِّد  الكيان بعد هزيمة السلطنة العثمانية، وسلطة الانتداب الفرنسية، كانت الامور، حتما خلاف ما هو عليه الان.
إن الفرص التاريخية لا تتكرر، 
كانت البلاد العربية قبل الثورة السورية، بقيادة سلطان باشا الاطرش ترزح تحت نير العثمانيين، الذين وئدوا الحريات طيلة أربعة قرون متتالية، وكانت الذهنية العربية في ذلك الوقت تطمح الى الحريات ولا تعنيها الخلافة بالمعنى الديني الضيق، الذي كانت تمارسه السلطنة العثمانية، والتي أرخت ظلالا من الفساد على جميع المستويات الدينية، والدنيوية.
لم تؤخذ مبادئ ثورة سلطان باشا الاطرش. 
ولم تطبق شعاراته، التي أطلقها منذ حوالي ١٠٠ سنة. على اي دستور من الدساتير التي فرضت على سوريا وغير سوريا من البلاد العربية.
اليوم وبعد حوالي ١٠٠ عام، ما زلنا  نرزح تحت ثقل المؤامرات، والتي كانت تُحاك سرا ً، لإخفاء  ألصبغة  المذهبية في الدين الواحد، وأصبحت الحرب اليوم، علنا ً
وجِهارا ً بين السنة والشيعة العرب، وأستفاقت بعد ١٤ قرنا ً على حرب ضروس، تدور رُحاها في العراق، وسوريا والآن جاء دور فصل ٍ جديد، فُتح على حدود اليمن والسعودية. 
أعداد 
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
آذار ٢٠١٥م. 







 

 

الاثنين، 23 مارس 2015

ماذا يدور وراء الكواليس ؟

ماذا يدور وراء الكواليس ؟

منذ سقوط الخلافة العباسية في بغداد، وقبلها الخلافة الأموية في دمشق، جرى تفتيت وتشتيت الدول والشعوب العربية، عن طريق تهجين دوّل ودوّيلات، وقد زهَّت، وخابت بعد أقلَّ من حين، الى ان تمكَّنت السلطّنة العثمانية، من إحكام سيطرتها على الرقاب والعباد من العرب الممّزقين، طيلة قرون عديدة. 
ومنذ ان أصّدرت الدول الغربية، وبمن فيهم روسيا القيصرية، قرارا ً بإعلان موت الرجل المريض الامبراطورية العثمانية، في أوائل القرن الماضي، إشرأبت أعناق العرب الأحرار، بانه لا بد من أن ينزعوا النير العثماني، حتى يدخلون جنة الاستقلال. 
لن استفيض شرحا ً بهذه الفترة التي لم تدّم قرنا ً واحداً  من الزمن، لان التاريخ العربي الحديث، والمؤرخين ألجُدّد، أدخلوا في منظومتهم، قوانين للكذب، وتشريعات في النفاق، ونصوص في الاستزلام. ما يكفي لان يصل هذا التأريخ، الى ان العرب، عاشوا خلال هذا القرن من الزمان، في بحبوحة من البترول، وفي خير من الزاد الوفير، وفي ظلال وارفة من العدل، والقسطاس، وفي رَغَد ْ من العيش الوفير. وقد اثبتّت ايام هذا القرن، ان العكس هو الصحيح. 
كانت الدول العربية، بعد الانسلاخ عن الامبراطورية العثمانية، تغفو في سبات من الأحلام، من دون عين ساهرة، إلا عين شاخصة في الشرق، وهي ايران سليلة الإمبراطورية الفارسية، وعين لا تغفو في الغرب، وهي تركيا وريثة الامبراطورية العثمانية البائدة. 
أمّا العيون الاخرى الغربية، والشرقية الحديثة، كانت تراقب ايران، وتركيا، خلسة ً وعلنا ً، وتستعمل معهما الجزّرة تارة، والعصّا تارة اخرى. 
أما الهمس، والعتاب إثر كل جزرة، او عصا، كان يتمحوّر على الشكل الآتي :

العرب، إسألونا عنهم، 
العرَّب، أعيدوهم إلينا،
العرَّب، حكّمونا رقابهم،
وخذوّا مِنَّا  ما شئتم. 
لم تنفك تركيا، طيلة قرن من الزمن، ان تهمس بالأذن الغربية، في انهم أدرى بحكم العرب، وإنهم لقرون عدة كانوا أسيادا ً عليهم. 
ولم يترك شاه إيران بابا ً الا وطرّقه، ومن بعده الحكم الحالي، في ان  يبسط الغرب لهم اليد الطولى في اجزاء واسعة من بلاد العرب. 
وأخيرا ً نجحت العين الشرقية، والغربية على البلاد العربية، ان :
-/ تؤجج خلاف لم يندلّع منذ ١٤ قرنا ً، على الساحة العربية، بهذه الشراسة، والفظاعة، والتدمير، والتخريب، ألا وهو الخلاف السني، الشيعي، وكأنه بركان ينفث الحّمّمْ، ويحرق الأخضر واليابس.  
-/ لم يذكر التاريخ حتى ايام هولاكو، والتتّار، والمغول والانكشارية، والنازّية، ان تجرؤا على هدم المساجد، والكنائس، والعبث بالمقامات الدينية، للسنه، والشيعة، والأيزيدية، والآشورية، والمسيحية، كما يحصل اليوم. 
-/ العيون الغربية، والشرقية، تنظر وتشاهد بام العين، ما كان يعجز، جيش جراّر من كل دولّهم، ان يفتك ويفعل ويخّرب ما فعله المسلم العربي، بأخيه المسلم العربي.

ويدور اليوم في الكواليس، ومن تسريبات إجتماعات تركيا وإيران، مع الغرب، وخاصة أميركا، ان بمقدورهما حِكْم العرب، عن طريق الدين لأنهما الاقوى، في المذهبين، ولا يغرّنّك الإشارة الى ان دولا ً عربية تقود المحوّر السني، او الشيعي، في هذه المعمّعة، لانه من قبيل التمويه، والتعليب بإطار عربي، لا أكثر، ولا أقل ّ.
ولا يرى الغرب، والشرق أية غضاضة في ان تطول الحرب وتمتّد لسنوات وسنوات، طالما ان إستنزاف الموارد الطبيعة، يتّم على قدم وساق، ويتحدثون اليوم عن أسعار البترول، التي لم تشهد لها مثيلا ً، ويسخرون لمّا كان سلاح البترول يتحرّك ضد أوروبا واميركا، من قبل العرب، ويهزؤون كيف يتم لوي ذراع ايران بأسعار البترول المنخفضة، ومن يؤول بالمسلك الشرقي مثل فنزويلا. 
فرصة العمر، وصلت الى الغرب، والشرق معا ًً في الاقتتال المرير الذي يحصد العرب والمسلمين، ولا ضرورة بعد الان للتحّدث، والتبّصر، عن المؤامرة، وأدواتها، ومن يخطّط لها، ومن يؤججّها، لان الفعاليات على الارض، تقوم بالواجب وأكثر منه. 
سبق منذ أشهر، نشرت في مدونتي عن هجوم برّي سيُشّن في كل من سوريا والعراق، وكان تعليقي يومها، ( ماذا تحتاج الجيوش العربية الجرَّارة )، ولغاية تاريخه لم يحصد هذين الهجومين أية نتيجة، كما توّقعت.  
والشيئ بالشيئ يذكر، عن هجوم بري محتمل في سلسلة جبال لبنان الشرقية، ان يقاس عليه ذات المنوال عليه، لان خارطة الطريق ما زالت هي هي، حرب الكّر والفّر،  والمطلوب الغربي، والشرقي هو الأنهاك، ومن بعده الهوان، لقرون ستلي.
 
إعداد

فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
آذار ٢٠١٥م.  

الجمعة، 20 مارس 2015

حِكاية، أُم ْ !!

حِكاية أُم ّْ  !!

حدثت هذه الحِكاية بأواخر القرن الماضي. 
هي، كانت تقول للشمس، في وضح النهار أن تغيب. 
هي، كانت تطلب من القمر، في الليالي الحالكة ان يستريح. 
هو، رآها عوضا ً عن الشمس، والقمر. 
تزوّجها، ورحلا في دنيا الإغتراب، وحط َّ الرحال بهما في أميركا، بعد طول ترحال. 
كانت لهما، عائلة وأحفاد. 
هي، أحبّت أن تبقى. 
هو، يرغب في العودة. 
لم تكتمل الحكاية، بعد. 
هي زوجتي، سمر. 
وانا، الذي أقول لها :
كل عام وانت بخير. 

إعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا. 
٢١ آذار ٢٠١٥. 

قِصَّة .... أُم !!!

قِصَّة أُم .....

حدثت هذه القصة، بأوائل القرن الماضي. 
كانت فتاة يافعة، تملئ كيانها البراءة، وتضٌّج مخيلتها بِقصصَّ وروايات، وكانت أمالها تدٌّق السماء. 
كان هو، شابا ً حطَّه الموج، في مقلب الارض الاخرى، إلتقَّت أماله، بأمالها في كبد السماء. 
أراد ان يتزَّوجها، ولكن التقاليد البالية مانعت، كون والده ووالدها، يديران مصلحة تنافسية. 
أبّت نفسه ألابية، إلا هي ...
كان له ما أراد. 
أَبحرّت الباخرة، وكانت جيوبه خاوية حتى يدفع ثمن سِمّة دخول تلك الجزيرة النائية، من ذلك العالم المجهول.
دب َّ الهّم ُ في ارجاء أوصالها، لان هاجس العودّة على ذات الباخرة، باتت قاب قوسين او أدنى. 
من على شرفة الباخرة، أطل َّّ هو، ينظر الى المستقبلين، علّه يرى خاله من بين الجموع، حتى يستلّف منه المال. 
كان خاله، أقصر الناس طولا ً، ولكنه كان اعلى الناس مقاما ً، أشار اليه، ولوَّح له، فإرتاحت اساريرها لان المال قد توَّفر. 
عاشت معظم حياتها، في هذه الجزيرة. 
أخذها بالعام ١٩٤٩، في سياحة الى نيويورك، وأسكنها في فندق مع اولادها، تغيب الشمس عنه طوال النهار، بسبب عمارة وصلت الى السماء،  ما زالت ماثلة الى يومنا هذا،  Empire State Building
قال لها، 
أتريدين السكنى هنا مع اولادك ؟
أجابت، اريد العودة الى وطني لبنان. 
ما زالت تعيش في موطنها لبنان. 
أما هو،  رحّل الى مكان لم تطأه الا الملائكة. 

هي، أُمي. 
هو، ابي. 
أولادهما، انا وأخوتي وأخواتي. 
أقول لأُمي، كل عام وانت بخير. 

إعداد

فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
٢١ آذار ٢٠١٥.    

الخميس، 19 مارس 2015

رواية امراة الوادي المقدَّس !!

الى القرّاء الأعزاء،

بناء لطلب الصديق، 
المؤلف الموسيقي، المايسترو الدكتور عبدالله  المصري، بإعادة  نشر روايتي ( أمرأة الوادي المقدَّس ) على  الفايس  بوك. 

أُعيد نشرها، 

وأرجو  تنال  إعجابه  كمشروع،  يُجسِّد  عملا ً موسيقيا ً بقالب باليه، باعتبار ان  العمل  الأدبي،  بالإمكان  الاستفادة  منه  لبِنَاء مادة  موسيقية  تصَّوره. 

الدكتور عبدالله المصري  من  مواليد العام ١٩٦٢  صليما المتن، ( لبنان )،  له  العديد من المؤلفات الموسيقية، وصولا ً الى السيمفونيات، وتُعزف  أعماله  من  قبل  الفرق الموسيقية  العالمية. 

المايسترو عبدالله، له  مجموعة  من  الكتب  والمناهج  الموسيقية  والابحاث  العلمية، وكلها  منشورة. 

يقول،  الدكتور عبدالله، ان الحرب الأهلية اللبنانية، خلّفت في  نفسه  تفاعلات  نغمَّية  في  عمله ( السمفونية الاولى )، وذلك عن  طريق  التحريك  اللحني  التصاعدي، وصولا ً الى  عمل  درامي  تراجيدي  يُصِّور مآساة  الحرب. 

من  اخر نشاطاته، أن  حل ّ  ضيفا ً على  الأوركسترا  اللبنانية للموسيقى ( الشرق - عربية )  واختار  توزيع  بعض  من مقطوعات الأخوين  رحباني  وفق  رؤيته  الموسيقية. 

تحياتي الى المايسترو  د. عبدالله المصري. 
وبالتوفيق. 

أعداد

فيصل المصري 

اورلاندو / فلوريدا

آذار ٢٠١٥.  

رواية امراة الوادي المقدَّس !!

أمرأة الوادي المقّدس

نشر من قبل faissal el masri  |  in دراسة  6:52 م
امرأة الوادي المقدَّس 

تدور أحداث  هذه القصة  الخرافية في الحقبة التاريخية المعروفة بالحضارة البابلية وما سبقها من فترات كانت البشرية تبحث عن وسائل وطرق حتى ترتقي الى معرفة سر الكون والخليقة !!

في احدى البقاع نشأ شاب وفتاة، تعارفا وتحابا وعشقا بعضهما البعض، وكان يلتقيان في السهول والحقول والهضاب، يساعدان الأهل في الزرع والحراثة ويلتقيان في المواسم والأعياد وكانت الفرحة تغمر قلوبهما، لا يعّكر صفاء حبهما اي حاجز او مانع.

في جو من المعتقدات والطقوس المختلفة، ترعّرع  حبهّما لانه هو كان يمارس طقوسا ً دينية تختلف عن طقوسها، ولم يتقاتلان او يتخاصمان لان الشعوب في تلك الفترة من الزمن كانت تنعم برقي في المعتقدات والنظم   بحيث  تحترم عادات ومعتقدات الشعوب الاخرى، لا بل كانت الشعوب  تترك ممارسة المعتقدات للكهنة والسحّرة  والمنجمين،  دون تدخل او عبث او خصام في معتقدات الطرف الاخر !!

كان حبهما حديث الأهل، ولكنهما اعتقدا ان هذا الحب قد أخذ مداه واتفقا على ان يوقفا هذا القصة وان يرحل كل منهما في سبيله !!

اعتقد الشاب والفتاة أنهما أدركا أقصى درجات الحب، ولكنهما لم يدركا سر الكون والخليقة في حياتهما هذه، ولهذا ..... 
تعانقا وافترقا، على أمل ان يلتقيا في جيل اخر !!

كان هذا الشاب وهذه الفتاة قد خُلقا  من اجل غاية تختلف عن بقية من عاش حولهما !!
هو ذهب غربا ً مكان غروب الشمس !!
وهي ذهبت شرقا ًمكان شروق الشمس !!

كان الوداع صاخبا ًوقد كره الأهل ان يهاجر الابن،  وان ترحل الابنة، ولكن الإصرار من الطرفين كان سيد القرار !!
ما ان حطّ رحاله بعد حين  في ارض خصبة، حتى بدأ يقارع الحياة وهو في عزّ شبابه، بالحراثة والكّد والتعب، وكان حنينه دائما وأبدا ً الى حبيبته يتذّكرها ويحلم كل ليلة بان يلتقي بها!!
زاد حنينه وشوقه وحبه وشغفه بها سنة بعد سنة !!
ولكن هذا الحب الدفين لم يمنعه من البحث والتقصي عن سر الكون، فبقي ينهل من العلوم بحثا ً عن الحقيقة !!

الى ان خطّرت  له فكرة ان يبدأ جديا ً في البحث عن رفيقة وحبيبة الصبا، بعد ان ادرك من العلم ما كان مخفيا ً عليه !!

كان ينتظر ويراقب  الطيور المهاجرة كل سنة، تمّر من سماء مكان وجوده، وتعود ادراجها بعد غياب فترة من الزمن !!

سأل نفسه،  لماذا لا يستعين بهذه الطيور في البحث عن حبيبته، خاصة وانه بات قاب قوسين او أدنى من دنو اجّله، وهو العالم والمدرك نظرا ً لوصوله الى خواتيم العلم والمعرف !!

لمّا حان موعد مرور الطيور المهاجرة، أشار اليها بالتوّقف  وطلب من الطيور التي تقود الأسراب ان تاخذه  معها في رحلتها السنوية، وأبلغهم قصده في  ان تساعده في البحث عن حبيبته !!

إجابته الطيور،  بالسمع والطاعة، واتفقوا على ان تاخذه هذه   في هجرتها، كل سنه، على ان تعود به في رحلة العودة  الى محل إقامته !!

وتعدّدت  سفراته على مدى سنوات طويلة، دون جدوى، وأحّس ان العمر بدأ ينهشه وخارت قواه وغزا الشيب مفرقه وسيطر الندم عليه، لان العمر ضاع من دون ان يلتقي  حبيبته ومعشوقته !!

الى ان قرّر ان يهاجر مع الطيور للمرة الاخيرة !!

في هذه المرّة  وبينما كان يأخذ قسطا ً من الراحة بعد عناء نهار طويل، جلس واستراح  على أكمة تطل على وادٍ، فيه من الأغصان المتشابكة والاشجار المتطاولة والأعشاب داكنة الخضرة، والنباتات دائمة النضرة !!!

 شاهد امرأة  عن بُعد  تعيش وحيدة في  الوادي، لفت نظره انها فائقة الجمال وأنها تمشي حافية القدمين، يرافقها في حلّها  وترحالها سربٌ من طيور الهدهد، تصدح الجو بالألحان الجميلة، وتأكد له من ثاقب نظره ان هذه الامرأة  كانت  فيما مضى عظيمة الشأن في اَهلها، ودخل الى مكامن عقلها وبان له كم  من العلم والمعرفة تدركه، لانها تقوم بنشر العلم والمعرفة على أوراق الأغصان، بعد ان تمشقها !!

خطر في باله ان ينزل الى هذا الوادي ليتعّرف على هذه الامرأة !!

كانت كل صباح وفي وقت محدّد تمر هذه الامرأة وعلى جري عادتها تمشق من الأوراق وتكتب، وتكتب وتكتب، الى ان قرر في الصباح الباكر  ان يسبقها ليقرأ ما كتبته في الأيام السابقة !!

في اليوم التالي،  وقبل بزوغ  الفجر بقليل وصل الوادي وبدأ يلتقط الأوراق المتناثرة أرضا ً يقرأها ويقرأها ويحتفظ بها لانها تتضمن  من العلوم التي وصلت اليه بعد سنوات طويلة  من عمره قضاها يبحث عنها، وتبين له ايضا انها تحوي  على  علوم جديدة لم يتوصل اليها، وها  هو يجدها في أوراق مرمية على الارض وقد اعتّرته الدهشة والاستغراب ان القوافل التي في عدادها اقوام من البشر تمّر في هذا الوادي وتدوس هي والدوّاب  على هذه الأوراق التي تختزن العلم والمعرفة وبواطن الأمور، دون ان تدرك مضامينها !!



في هذا الوادي كانت القوافل تمر، وتاخذ ما طاب لها من طعام وشراب ولم تكن امرأة الوادي ترغب في  ان يقيم اي إنسان من بني البشر بالوادي، اذا كان جاهلا لا يفقه من العلم والمعرفة، لهذا السبب اهتمّت   بتنظيم حقوق وواجبات الحيوانات والطيور المقيمة، وكان السمع والطاعة أساس بقاء هذه الحيوانات والطيور، وإلا كان ترك الوادي والنفي الى جهة مجهولة مصير من لم يطّع اوامرها !!

كانت امرأة الوادي  المقدّس  تأمل في  ان تلتقي من بين  ركاب القوافل برجل تاخذه زوجا ً لها يؤنسها في وحدتها، ولكنها لم تفلح بايجاد رجل من بني البشر يأسرها اويعجبها، لان الجهل والغباء كان يسيطر على ارجاء المعمورة في ذلك الوقت !!

الى ان التقت بهذا الكهل العجوز في الوادي يقرأ أوراق الأغصان التي تكتب عليها، ويقوم بجمعها، ويفرغ من جعبته وجيوبه كل مأكل او مشرب ليحتفظ بأوراق الشجر !!

تعجّبت  من هذا العجوز كيف أدرك  مقاصد علمها وفهم  معاني كلماتها !!

لم تأبه كونه عتيا ً في العمر، بقدر ما لفت نظرها العلم الواصل اليه !!

فاجأت امرأة الوادي المقدَّس الرجل العجوز وهو يلمّلم  أوراق الأغصان ويقوم بتوضيبها، ونهرّته  بصوت عالٍ، ماذا تفعل هنا ؟؟ وما هذا الذي تجمعه من أوراق أغصان ٍ متساقطة ذابلة وضامرة !!

لم يقوى على إجابتها، وانهارت قواه بعد ان تجمّعت حوله الوحوش الكاسرة والحيوانات الضارية تزأر كل بصوتها، واختلطت الأصوات حتى قامت امرأة الوادي بزجر الحيوانات طالبة السكوت والخنوع والخشوع لها، فأمتثلت لها
وراق الجو من الأصوات، وتقدمت نحو العجوز، تسأله من انت ؟ ولماذا انت هنا ؟ وطلبت اليه ان ينزع  حذائه لانها ارض مقدّسة !!

بدأ الرجل العجوز، بالكلام بعد ان هوّنت عليه الجزع والخوف الذي اصابه، وقّص عليها قصته حرفيا ً !!
إجابته، ان يُكمل  جمع ما شاء من أوراق !!

وبينما العجوز منهمك في عمله، التفت حوله حتى يشكرها، ولكنه لم يجدها، فاختفت عن ناظريه، ودبّ الحزن على وجهه وأكمل جمع ما يراه مفيدا ً !!

وقد لفت نظره انه التقط ورقة من الارض وقد كتبت  له هذه المرأة  على احداها ان ينتظر رسالة تخبره من هي !!

عندما رجع العجوز الى دياره، لم يكن يعلم ان سحر هذه المرأة قد اخذه بعيدا ً
وبدأ يتحّسر على ايام الشباب، ولاحظ ان عقله وقلبه انتقل فجاة من التي كان يبحث عنها طوال سني عمره  الى هذه المرأة !!
وبينما هو في غربته ينتظر الطائر الميمون كعادته كل يوم، يحمل له قصقوصة ورقية تحكي له امرأة الوادي المقدس أخبارها واحوال رعيتها،  إستلم  يوما ً
قصقوصة ً  حملها له طائر الهدهد تقول له فيها :

إنّ  غيابك عني هذه السنه قد آلمني !!
والشوق إليك يزيد من أحزاني  !!
والنوم غاب  عن اجفاني !!
وحبك هو كل  أحلامي !!
عُد إليَّ، لان وجهك ما زال في خيالي !!
وغيرك لا يفهمني ولا يقرأ اوراقي !!

بعد ان قام الرجل العجوز بقراءة هذه الرسالة، اعتّرته  الدهشة، ولم يصدّق عيناه ان هذه المرأة فائقة الجمال تكتب اليه هذا الكلام، وبدأ بالتفكير المضني والقاتل كيف له ان يذهب اليها، وقد طلب من الطيور المهاجرة عدم التوٌقف في هجرتها !!

فضلا عن ذلك ان صحته تدهّورت،  وساء حاله وبدأ يعّد أيامه المعدودات وقد غلبت حياته  التعاسة، ونهش قلبه الندامة، وسطّرت  احزان الكون في وجهه شقوقا ً لا تمحى، منها الندم على حبيبته الاولى، ومنها الشيخوخة التي لا تخوّله قضاء بقية عمره مع شابة في مقتبل عمرها !! 

اما امرأة الوادي المقدس ، تضايقت لان الهدهد تأخر في العودة، ولم تعد ترتل كل شروق شمس أغنياتها الرقيقة، وصوتها الشجي الذي يملئ الوادي سحراً وخشوعا ً حيث كانت الطيور تسجد لرقته ، وتتوقف زقرقة العصافير لانه سيد الأصوات !!

تاتِي الطيور لتغني معها، تمنعهم ، تحاول الوحوش المفترسة التودد اليها تزجرهم !!

الى ان طلبت من الجميع ان يتركها، جلست على حافة جرداء ملساء تنظر نحو الأفق، حيث بان لها الهدهد فانقشعت اساريرها وأرخت ابتسامة تميل الى الانشراح والحبور، وشهقت شهقة عودة الروح، وبسطت يدها لاستقبال الهدهد الذي ما كاد يستقر حتى بدأ بتقبيل يدها وخدّها وكل ما سمحت له بان يفعل، وقالت توقف، اخبرني عنه !!!
لم يكن الهدهد سعيدا، لانها منعته من إظهار حبه وطلبت اليه ان يخبرها عنه، فدّبت  الغيرة بالطائر المسكين المتعب من الطيران والتحليق، فسجد لها وبدأ.. يخبرها !!

لما وصلت اليه، أعطيته القصقوصة، قرأها مرتين ثم تناول صندوقا ً خشبيا ً مرصّعا ً بالجواهر الثمينة من ثلاث جهات ووضع القصقوصة داخل الصندوق !!

ثمّ سألته، ماذا قال لما قرأها ؟؟

أجابها الهدهد، كان حزينا ً محبطاً الهمّ ينهشه والكآبة تنخر وجهه ونزلت من مقلتيه دمعتين روت الارض وكان الشيب يغرس أنيابه في رأسه وقد تقوسّ ظهره وبان عليه التعب والضمور !!
قالت للهدهد ... كفى كفى يا هذا !!

وانهالت الدموع مدرارا ً من عينيها تسقي  الوادي سقياً غير ذي قبل ، فقدمت الطيور تواسيها ولم ينقطع بكاؤها وحزنها الا بعد ان اخبرها الهدهد قصة الصندوق المرّصع !!

قال الهدهد، سألته عن الصندوق المرّصع ولماذا يحتفظ بكل قصاقيص الورق التي ترسليها له !!!
أجابني، الرجل العجوز ان هذه الأوراق تحتوي على كنوز وجواهر، فيها العلم المكنون في صدور الآلهة وقد التقطها من الوادي المقدس وانا أنهل منها ما لذّ وطاب لي من معرفة أتوق لان ادرك مقاصدها ومعانيها !!


ولما بدأ الهدهد الكلام عن الصندوق الخشبي المرصع بالجواهر، انقشعت غيمة سوداء كانت تلف الوادي، وتوّقفت  الرياح العاتية، وساد السكون وسجّدت  الطيور وعبق الوادي بروائح الزهور وبانت روائع رسومات الحواري على مداخل الوادي وعكست أشعة الشمس اقواس من قُزح الألوان !!

اما هي ابتسمت، وكأن الشمس والقمر والنجوم أُخلي سبيلهم فتعطّر الجوّ برائحة فمها وقالت بحنان ما بعده حنان، ومدّت يدها برفق ما بعده رفق الى وجه الهدهد، واسقته من ريق عسلها حتى يحلو في تغريداته ويمضي دون ان ينسى !!

وقالت له تعالى يا حبيبي !!

وضمته اليها قائلة ان حواسي معك، أخبرني ما قصة هذا الصندوق !!
قال لها :

أمر هذا الصندوق عجيب، مرصّع من ثلاث جهات لم ارى في حياتي جواهر او احجارٍ كريمة تضاهيها، لا ارى حتى في الوادي مثيلا ً لها !!

لمّا سألته قال لي:

هذا الصندوق كان هديتي للتي ابحث عنها منذ عقود،  لما افترقنا أبّت ان تأخذه معها ومنذ ذلك الوقت وفي كل يوم على فراقنا أضع حجرة ثمينة حتى أُحصي الأيام التي غابت عني !!

لمّا سألته أيضاً عن سبب عدم إكمال الجهة الرابعة :

أجابني، انه توقف عندما التقى بك يا سيدتي وأصبح بدل الجواهر والأحجار يحتفظ برسائلك التي ارميها له كل يوم !!

ضحكت وقالت إذن، احبني وانه نسي التي يبحث عنها، وأني اذا ذهبت اليه يستقبلني ويحبني كما أحببته انا منذ ان التقيت به هنا ؟؟
أجابها الهدهد :
كلا يا سيدتي انه كاد ان يحّبك ويقع صريع غرامك، لولا قصقوصة حملتها اليه من  الوادي ، اخافته وارعبته ودّب الذعر في كيانه !!

انتفضت من مكانها وصرخت ، ما هي القصقوصة ؟ التي خاف منها ؟؟

تغيّر الجو وتلبّدت الغيوم وغابت الشمس وهربت الطيور وجفلت الوحوش وأمسكت الهدهد وزجرته وكادت ان تقتله !!

هل  أخدت قصقوصة غير التي أعطيك إياها كل يوم ؟؟
اجاب وهو يرتجف خوفا ً !!
نعم يا سيدتي !!

أطلقت امرأة الوادي المقدَّس  تراتيلا ً ذي مقام حزين، فانسحبت مياه الأنهار الى منابعها !
وعادت الطيور الى أعشاشها !
وخلد ملك الأسود الى عرينه !
وعادت الشمس من حيث  أشرقت !!
ولم يبق أمامها الا الهدهد !!
نظرت اليه واضاءت الوادي !!
بعين فيها انتقام ، وعين اخرى، فيها آسى وحزن عميقين !!

انه الهدهد، حبيب قلبها، ورفيق دربها !!
وكاتم أسرارها، وكليمها منذ الصغر بعد ان تركها أهلها !!
ماذا أعطّيته  ؟؟
أيةٌ قصقوصة ؟

أجابها الهدهد، والخوف يلف كيانه !!

أعطّيته القصقوصة التي كتبها والدك لما ترك الوادي وفيها انه رجل سماوي تزّوج من امرأة بشرية التي هي أمك وقد هلكت من الحزن بعد رحيله الى السماء فور ولادتك !!!

وأعطّيته قصقوصة ثانية التي فيها ان أسراب طيور الهدهد، هي التي قدّمت لك الغذاء والحماية والرعاية !!!

وأعطّيته  قصقوصة ثالثة التي فيها انك تمقتين وتكرهين الرجال بسبب ما فعله والدك السماوي بان هجر والدتك وهي في ريعان الشباب !!

وأعطّيته  قصقوصة رابعة التي فيها اسماء الرجال الذين تقضين وطرّك  منهم ومن ثم تعدميهم !!

وسألته امرأة الوادي المقدَّس ، لماذا ولماذا .... ولماذا قمت بهذا !!

استشاطت امرأة الوادي المقّدس غضبا ً من هذا التصرف الارعن الذي قام به الهدهد، واعتبرت ان الخيانه فعل عظيم ومن الكبائر التي لا يمكن السكوت عنها او التستر عليها، لان انتظام حكمها على رعيتها لا يقوم الا على الولاء المطلق !!

ادركت امرأة الوادي المقّدس ان الذي كانت تبحث عنه ضاع بفعل خيانة الهدهد المقرّب اليها والى قلبها !!
عاشت لسنوات طويلة في هذا الوادي تبحث عن رفيق عن صديق عن حبيب عن زوج !!
ضاعت الأحلام التي بنتها !!
خابت الامال التي علقتها !!
بدا عليها الغضب والانتقام !!
وقرّرت محاكمة الهدهد !!




إستدعت ملك الأسود من عرينه !!
ونادت التنين من مغارته !!
وساقت قطعان الغزلان من مراعيها !!
وأشارت لسرب من الهدهد ان يغّط !!
وأعادت الشمس الى قرص السماء !!
وأمرت الأنهار ان تعود لتتدفق من ينابيعها !!
على يمينها جلس ملك الأسود !!
وعن يسارها وقف التنين !!

وأمرت الأسد بزئرة بدء محاكمة الهدهد !!
فارتعدت الجبال وتكاثرت بلبلة الأصداء !!

وزجرت التنين بان يقذف حممه، فاشتعل الوادي، وأُضرمت النار في كل مكان !!

وقف الهدهد، يرتجف خوفاً !!

تقدم سرب من الهدهد والدموع تنهار من عيونهم، يطلبون العفو والمعذرة !!
سألته :

لماذا أعطيته القصقوصة التي فيها ان ابي رجل سماوي ؟؟

انا أريده ان يعلم اني من والد بشري وأم بشربة أيضاً ً، انت جعلته يهاب مني ويخاف من هيئتي !!

زئِر الأسد وما لبث الهدهد ان أُغشي عليه مدّت يدها وإعادت اليه توازنه !!
لماذا قلت له ان اسراباً من الهدهد قدمت لي الغذاء والحماية والرعاية !!

هذا شأنكم يا أهل الوادي بان تمدحوا أعمالكم وتجعلوا من قدمتم له خدمةً ان يكون عبدا ً لكم طيلة حياته !!

وصرخت امرأة الوادي بأعلى صوتها،
يا أهل الوادي ...
ليس عندكم نبتة العطاء !!!
فالشمس من عندي تعطيكم النور طوال النهار !!
والقمر والنجوم ينيران دروبكم بالليل !!!
والأزهار من حقلي ان اعطتكم، لا تعطوها شيئا ً !!

كل فعل تأتوه تطلبون مردودا ً!!!

في القصقوصة الاولى والثانية !!

سأعفي عنك أيها الهدهد، لان الوفاء يسري في عروقي، والغدر ليس من شيمتي ونكران الجميل لست من أهله !!

انت أيها الهدهد رفيقي منذ الصبا !!
أفشيت سراً يمكنني ان اتجاوزه !!

تعالت تغريدات أسراب الهدهد فرحة ً وسجدوا لامرأة الوادي المقدّس، وقالت لهم ان المحاكمة في القصقوصة الثالثة والرابعة ستبدأ غداً !!
وطلبت من ملك الأسود ان يزئر اعلاناً لرفع الجلسة !!

طلبت ان تخلد للراحة، وان تبقى وحيدة !!
إعتادت ان يكون الهدهد معها كل ليلة يكلمّها يناجيها يقصّ عليها قصصا ً حتى تنام !!
هذه الليلة هي غير كل الليالي !!

منذ ان التقت ذلك الرجل الذي وطأ الوادي تعلقّت روحها بروحه وأقسمت ان تبطل عادتها في الانتقام لوالدتها بعد ان هجرها والدها الى السماء !!!

لم تقض ِ وطّرها مع اي رجل من الوادي منذ ان التقت به !!

ان جذوة الإخلاص له جعلتها تتوقف عن عادة الانتقام !!

قلقها وعدم نومها حتى انبلاج الفجر، انهك قواها واتعبها وخارت قواها لان رياح الحنين للهدهد قضّت مضجعها، فنادت المنادي ان يأتوها بالهدهد !!

لما دخل عليها كان محبطاً مدركا المخاطر التي تنتظره !!
طلبت اليه ان يستمع اليها جيدا !!
ويجيب على أسئلتها !!
انت تعرف اني توقفت عن عادة الانتقام !!
وانت تعلم اني وقعت في غرامه وعشقه !!
أجابها،. نعم 
لماذا إذن ؟؟
قال، اني 
خائف عليك !!
وخائف عليه !!
خائف عليك، لانه رجلٌ. كهلٌ. مسنٌ. لا. يصلح لك !!
وخائف عليه ان يتوقف عن البحث عن حبيبته الاولى !!
انتفضت، وقالت له
هل دبّت الغيرة في قلبك يا أيها الهدهد ؟؟
هل تصرفك هذا يمنعني من الالتقاء به ؟
هل تعتقد ان العمر يقف حاجزاً بيني وبينه ؟؟
ان روحي تعلقت بروحه !!
وقد ارجع الى عادة الانتقام !!
اليك فرصة وحيدة !!
حتى لا تكون اول ضحايا الانتقام الرهيب !!
ارتعد الهدهد خوفاً !!
وقالت له :
حتى غروب النهار، عليك ان تتدبر لي لقاءً
سرياً معه .... وإلا !!

استأذن الهدهد امرأة الوادي المقّدس بان يصطحب معه رفاقه للاجتماع بالرجل !!
رفضت هذا الطلب، لان الاجتماع الذي تريده سرياً قد تنتشر أخباره بالوادي،
وقالت له ما زلت يا هدهدي كاتم أسراري !!

وكيف لي الوثوق برفاقك !!
وبناءً لإصراره،
قبلت ان يصطحب معه رفاقه شرط ان تضع عينها محل احدى عيناه حتى ترى كيف تسير الامور !!
 وتراقب رفاقه !!

لم يكد الهدهد ان وصل الى قومه حتى علّت الصّيحات ودبّت الفرحة وأقيمت حفلات الغناء والرقص والموسيقى !! 

توقف الهدهد وقال لقومه :
ارتكبت في حياتي اخطاء عديدة !!
ولكن هذه أعظمها !!
في  إشارة الى المحاكمة !!
كانت امرأة الوادي تحاول افهامنا من خلال تصرفاتها وعاداتها أنّ علينا اتبّاع طقوس جديدة في حياتنا !!

كان سبب انتقامها من الرجال، افهامنا بان لا نترك أولادنا صغاراً 
كما فعل والدها، لمّا رحل تاركاً والدتها مع طفلتها !!

كان وقف إعدامها للرجال أعلامنا،  بان العفو عند المقدرة هو الأسمى !!

كان عشقها لهذا الرجل دليلا على انه لا عوائق او حواجز أمام الحب، وان الأعمار أن زادت لا تقف حجر عثرةٍ امام جبروت الحب !!!

وكان إصرارها ان أتدبّر لها لقاءً سرياً مع ذلك الرجل دليلا ً ساطعا ً على نيتها في بدء حياة مثل أهل الوادي ألمقدّس !!

من منكم على استعداد لمرافقتي لإقناع ذلك الرجل للقاء امرأة الوادي المقدّس !!

تطّوع عدد كبير من طيور الهدهد للذهاب معه، لان الرجل بعد ان قرأ القصاقيص بات يخافها ولا يأتمنها !! 
والامر يحتاج حيلة ذكيه لإقناعه !!
لحق بركب الهدهد سرب ٌ من الحكماء !!
وكانت عين امرأة الوادي تحرس وتراقب !!

بقيت امرأة الوادي المقدَّس تراقب الهدهد ورفاقه، وقد صممت ان أتى باي هفوة او غلطة يرتكبها فإن صاعقة قد جهزّتها للقضاء عليه ورفاقه !!



لمّا حطَّ سرب الهدهد امام الرجل العجوز، أخذته الدهشة ولم يتمالك نفسه من إبداء الاستغراب لهذا العدد من الطيور !!
وبادره  السؤال 
من صحبُك ؟
ومن أرسَلك ؟
أجابه الهدهد ، انهم وفد من علماء الوادي المقدس أتينا لمقابلتك !!
وان امرأة الوادي المقّدس هي  التي أرسلتني !!
وهذه هي القصقوصة ، التي طلبت ان أقوم بتسليمها لك !!

كانت على غير عادة القصاقيص التي سبقت !!

بدءُ الاحرُفِ عطرٌ، ونهايتهُ سِحرٌ !!
فيه من الظاهر والباطن ما يعجز عن فهمه إلا هو !!
احس برائحة العطر !!
 ونال منه السحر !!
أدرك باطن الكلام من ظاهره !!

رفض ان يحتفظ بها بالصندوق المرٌصع أسوة بالتي سبق واستلمها !!
نظر الى الهدهد ورفاقه ،
وقال،
قُل  لها لن يكون هناك لقاءً سرياً !! 
بالرغم،  من انها قد هزّت كياني ووقعت في شباكها ولكني لست مستعدا للموت على يدها وفقا ، لطقوس أكل الدهر عليها وشرب !!

قُل  لها، يكفيني انها تمكّنت  من ان أطوي صفحة الماضي بعد عقود من البحث عن حبيبتي !!

وَقُل  لها أيضاً، باني أقفلت الصندوق الخشبي المرّصع بكل القصاقيص التي استلمت !!

وقُل  لها أيضاً، طال انتظاري لان ملاك الموت يحوم حولي !!
نظر اليه الهدهد ، وقد احمّرت احدى عينيه فخاف عليه الرجل وحاول ان يداويه،
قال الهدهد، دّعك من هذا !!

معي وفد العلماء أتينا لنبلغك انها تبدّلت وتغيرت !!! 
وقد  تركت هذه العادة، وأنها تطلب ودُّك وتأمل ان تلتقي معها، لتبث لك مشاعرها وحبها وتعلقها بك !!

أجابه الرجل،
أدركت ذلك من باطن النص لا من ظاهره، وأنها توقّفت  عن قتل الرجال بعد ان تقضي وطّرها منهم !!
ولكني لست مستعداً لهذا اللقاء السري !!
اني رجل عجوز مثقل بهموم الدهر لا أقوى على السفر !!
أمرت الهدهد، من خلال عينها التي ترى وتراقب، ان يسأله اذا قدمت هي اليه هل يستقبلها ؟؟؟

أجابه، كيف لي ان استقبلها وانا على باب القبر وملاك الموت يحوم فوق راسي إيذانا بالرحيل !!

قالت للهدهد
قل له :
سأقضي على ملاك الموت فوراً !!

وعاجلته بشهب مضيئ ، وأضرمت به ناراً مشتعلة، وهدر صوته من الألم وخيّم صراخه وعويله في المكان ، ثم ما لبث ان وقع صريعا في مكان بعيد !! 
وقالت للهدهد
قُل  له اني قادمة !!
قُل  له اني مثل ابي امراة سماوية !!
قُل له ان ينظر في عينك ليرى صورته الجديدة !!
وما ان تقدم الرجل نحو الهدهد، حتى بدأ شكله يتغير الى عمر اقل، الى ان اصبح في ريعان الشباب !!

لم يُصدَّق  الرجل ماذا حلّ به !!

رقص من كثرة فرحه !!!

وما لبثت ان مرّت غيمة بيضاء كلون الثلج، غمرت المكان !!
وما لبث ان أينعت ثمار الأشجار في غير ميعادها !!

وما لبث ان غطّى المكان حشيش احمر !! إيذاناً بقدوم زائر ٍ !!

وما لبث ان نبتت زهور ورياحين متعددة الألوان والأشكال !!

وما لبث ان عبق الجو برائحة البخور والعنبر !!

وانفلقت السماء !!

ونزلت امرأة الوادي المقدس من على صهوة حصان ابيض له جناحان  !!
يرافقها  نسرٌ وعقاب !!
وأمرا الجمع بالسجود !!
تمايلت امرأة الوادي المقدس وهي تسير، وتطاير الغنج والدلال منها، وأومأت بيدها للهدهد، ان يترك المكان وصحبه !!

تقدمت امراة الوادي المقدس نحو حبيبها !!

وكان بأجمل حلةٍ  واذكى رائحةٍ،  وجسم ممتلئ،  وتصافحا، وأذنت للشمس بالمغيب، وتبادلا القبل على ضوء القمر !!
واختلت به !!
وبعد ان قضت وطّرها منه !!
اصطحبته معها للوادي المقدس 
حبيبا، رفيقا وزوجاً !! 

أعداد 

فيصل المصري 
اورلاندو / فلوريدا
تموز ٢٠١٤
الحقوق الأدبية محفوظة لدى ولاية فلوريدا 








الأربعاء، 18 مارس 2015

أصول الغناء والطرب عند العرب !!

دراسة تاريخية، عن أصول الغناء والطرب عند العرب !!

نشر من قبل faissal el masri  |  in دراسة  6:12 م

أصول الغناء، والطرَّب عند العرب. 
دراسة تاريخية موثّقة. 
 


إختياري لهذا الموضوع اليوم، له أسباب وجيهة، أهمها :
-/ سئم الانسان العربي، أخبار المجد ألتليد، والفخر العنيد، لانه، اليوم يُعاصر ويُعايش الخيبة، وبئس المصير.  
-/ وملَّ أيضاً، تلاوة بُطولات الاجداد، والفتوحات شرقاً وغرباً، لانه بات في عداد المنهزمين، والمتخاذلين، والمقوقعين، في دهاليز التزمّت، والتقليد، والتكفير وما الى ذلك من تعابير جعلته يَكْفُرْ، بكل ما في الكلمة من معنى. 
-/ وكَرِه َ ان نذكّره بان السلف الصالح الذي ضرب وتداً في الرمال وأقام خيمته، وأضرم النار أمامها ليقتفي ضوءها كل عابر سبيل محتاج، لانه يشاهد أُولّي أمره يُمعنون، في القصور فخامةً، ويوصدون أبوابهم امام محتاج او طالب صدقة. 
 
وسأكتب اليوم ما يُسر الخاطر، ويُفرح القلوب، ويُثلج الصدور، في الغناء والطرب عند العرب، على مدى العصور،
في الجاهلية، وما قبلها، وما بعدها في العصرين الأموي والعباسي. 
أعتمدت في بحثي هذا، على عدة ينابيع، أهمها كتابين حملا أعذب الأخبار، وأحلى القصص، وهما :
-/ كتاب، العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي، ٣٢٨ هجرية. 
-/ وكتاب الأغاني، لابي فرج الأصفهاني. 
وقد توّسعت، في وصف وشرح هذين الكتابين، حتى أوفّر على كل طالب، في الاستزادة في تاريخ الغناء والطرب عند العرب، ان يذهب مباشرة الى هذين المصدرين، ولا يُتعب نفسه مشقّات البحث والتقصي. 
كما وإني سأذكر بعض الكتب المهمة التي أتت على ذكر الغناء والطرب. 
اولا : العقد الفريد. 
يشتهر هذا الكتاب، في انه يُعتبر، من أُمهات كتب الأدب العربي، لانه يشتمل على اخبار، وأمثال، وحِكم، ومواعظ، وأشعار، وقد سُمي بالعقد، لان ابن عبد ربه، قسمّه الى أبواب، او كتب، حمل كل منها، حجرا ً كريما ً، كالمرجان، والزبرجد، واللؤلؤ، وغير ذلك من احجار ثمينة تُصلح لان تكون عقدا ً تلبسه اجمل مليحات العرب، في ذاك الزمن.
وقد ورد في فصل الياقوتة الثانية، كلام عن علم الألحان واختلاف الناس فيه، بعض المعلومات التي ركّزت عليها.  
ومع ان ابن عبد ربه، أندلسي الا انه اخبرنا في كتابه الكثير عن أهل الشرق العربي، حتى قيل ان الصاحب ابن عُبَّاد، الوزير والأديب، المشهور، انه لما علم بوجود هذا الكتاب، دفع الغالي والثمين للاستحصال عليه، ولمّا وصله، قال كلمته المشهورة : هذه بضاعتنا رُدَّت ْ إلينا.   
 
وقال أبن خلكان، في كتابه كشف الظنون، عن هذا الكتاب انه ممتع، لانه احتوى على كل نفيس. 
ثانيا ً : كتاب الأغاني، لابي فرج الأصفهاني. 
هو مصدر مهم جدا ً لهذا البحث.
 بقي ابي فرج ٥٠ عاماً حتى أكمل هذا الكتاب، وقد أهداه الى سيف الدولة الحمداني، كان صاحب، فيما تبقى من حلب اليوم ، واعطاه ١٠٠٠ دينار، مكرمة. 
وقد أُنتقد سيف الدولة على قِلة عطائه، لان قيمة هذا الكتاب تفوق ١٠٠٠ دينار، وبالفعل وردت بعض الروايات التي تقول، ان ابي الفرج الأصفهاني، كان يقوم بإضافات على هذا الكتاب، ليخلع عليه بعض الأمراء والحكّام، مبالغ إضافية. 
لماذا سُمي الكتاب بالأغاني ؟؟
كان الخليفة هارون الرشيد، يعشق الغناء والطرب، الى جانب خِصال حميدة إمتاز بها كحبّه للأدب العربي والفروسية، والكرّم، وغيرها من صفات الرجولة، كالفتوحات التي رافقت هذا الخليفة طيلة حياته، والتي في كل حقل كان هارون الرشيد سباقا ً ورائدا ً، وقد امتلأت الكتب اخباره، وهواياته، ومغامراته، وقصصه. 
في صفة عشقه للأغاني، كان في بلاط هارون الرشيد، مغني مشهور اسمه ابراهيم الموصلي، طلب اليه، ان يغني ١٠٠ أغنية جديدة، فضلا عن ألحان وأغان كتبها شعراء بالعصر الجاهلي، والصدر الاول من العصر الأموي. 
وقد ورد في هذا الكتاب، اخبار ممتعة، ومشّوقة، ومسّلية، عن المغنين والشعراء.  
وقد اعتبر ابن خلدون هذا الكتاب، انه أية حب، ابي الفرج لقومه العرب، لانه ذكر اسماء المغنين وأسماء الشعراء، وجميع أبيات شعرهم. 
ويقال ايضا ً، ان الأديب والوزير، الصاحب بن عُبَّاد، لم يكن يفارقه هذا الكتاب، لانه كما استحصل على كتاب العقد الفريد، إستحصل على هذا الكتاب ايضا ً، 
ومن اخبار هذا الوزير،  الذي يُشبه وزراء العالم العربي اليوم،  انه كان يحمل معه في حلّه، وترحاله حِمْل ٣٠ جملا ً من الكتّب، فلما استحصل على كتاب الأغاني، إكتفى به. 
ثالثا ً : المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر. 
هو كتاب في التاريخ، يبدأ بالخليقة، وينتهي بعهد الخليفة العباسي المطيع لله ٩٧٣ م. 
وقد سمّاه المسعودي، مروج الذهب لنفاسة ما حواه، وجعله تحفة الإشراف لما تضمنه من جمل تدعو الحاجة اليه، لانه اختصر كتابان له، في هذا الكتاب، وقد ضمنّه، بعض الأخبار والقصص عن الغناء والطرب. 
رابعا ً : الفهرست، لصاحبه ابي الفرج محمد بن اسحق  النديم. ويطلق عليه ابن النديم اختصارا ً. 
في هذا الكتاب، جمع ابن النديم، كتب الأديان والفقه، والقانون، والشعراء، والمغنين، والعلماء، والمفكرين.   
خامسا ً : في الغناء والطرب عند العرب. 
 
اختلفت ضروب الغناء في الجاهلية،  فمنه الحداء، والإنشاد في الأفراح والمآتم. ويعتبر الحداء أقدم انواع الغناء،  إذ اعتبره المسعودي، انه جاء من أسطورة، بان أعرابي سقط من على جمله فانكسرت يده، فجعل يقول : يا يداه ... يا يداه، وكان صوته جميلا ً فاتخذه العرب حداءً يرجز الشعر وسمّوه، الرجز  وهو اول بحور الشعر وأبسطها.

وقد استعمل عرب الجاهلية، الدف، والقصبه، والزمر او المزمار، وقد ورد ذكر هذه الآلات الموسيقية في الأغاني لابي فرج الأصفهاني، والعقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي. 

 عرف اللخميون، من أهل الحيرة العود الذي استعاره منهم أهل الحجاز، ويقول المسعودي، ان النضر ابن الحارث ابن كلده، الطبيب الشاعر، هو الذي ادخل العود الى مكّه، من الحيره. وقد استعير الناي، وهو اسم فارسي الى الجزيرة العربية.
أما صاحب الأغاني ابو الفرج الأصفهاني، عدّد اسماء النساء المغنيات، في الجاهليه، وأضاف ان اول الرجال الذين احترفوا الغناء،  طويس، وقد حنىّ يديه وقيل انه غنّى بالمدينة بعد ظهور الدين الجديد، وقد عُد َّ،  أبا الغناء في الاسلام.
اما في العصر الاسلامي، فقد عُرف طويس ومن تلامذته ابن سريج، الذي ورد عنه في كتاب الأغاني، انه كان يحمل قضيباً لإرشاد الضاربين على آلات الموسيقية، في الحفلات الرسمية التي يديرها ( المايسترو اليوم ) وقيل انه من أصل تركي، وكان مولى لسكينة بنت الحسين.
وهناك أيضاً سعيد ابن مسجح المكّي، الأسود اللون الذي يعّد اول موسيقي ظهر في مكه، ولعله اعظم من غنّى في العصر الأموي، وقيل انه اقتبس ألحاناً فارسية ورومية ونقلها الى غناء العرب. ويعتبر، اول من نظم الموسيقى العربية في ناحيتها النظرية والعملية،

اما المغني الاخر، فهو ابن محرز، يقال انه صناج العرب، وقد ورد في الأغاني، أيضاً اسم المغني معبد وكان خلاسياً. 

اما المغنية حُبابة،  وهي من القيّان الجميلات وقد تزّعمت الغناء مع المغنية سلامه، محظّيتا، الخليفة الأموي يزيد.
ويقال ان حُبابة، خرجت يوماً الى مكّه، يرافقها حذاق المغنين، والمغنيات، وجماعة من الشعراء، والإشراف، وغيرهم من الرجال، والنساء المعجبين بها، يُشّيعونها، او يحجّون،  معها، وقد ركبوا على الإبل في الهوادج، والقباب، وتخايروا في اتخاذ انواع اللباس العجيب، الظريف، فما إن أشرفت على مكّه، حتى خرج الناس رجالا ً، ونساءً ينظرون الى جمعها، وحسن هيئتهم، حتى قضت حجّها،  فعادت وعاد معها جمع ٌ اكثر من جمعها فتلّقاها أهل المدينة، ودخلت بموكب أحسن مما خرجت به، وتوافد عليها الناس مسلّمين لا يستنكف من ذلك كبير، ولا صغير ( يراجع تفصيلات إضافية عن حبابه، في الأغاني ).

اما حفلات الموسيقى، كانت تقام في منازل سيدّات الطبقات الأرستقراطية، وقد ذكر صاحب الأغاني، ان سُكينة بنت الحُسَيْن، استقبلت يوما، عميد المغنين في العراق، حنين الحيري النصراني، وسمحت للناس دخول دارها في المدينة ولم يُرَ يوم اكثر حشراً، وصعدوا فوق السطوح ليسمعوا صوته فسقط الرواق عليه، ومات حنين.

اما الوصف المثير، الذي أورده صاحب الأغاني، هو ما قاله عن الشاعر عمر أبن ابي ربيعة، في موكبه للحج، إذ خرج عمر في أحسن هيئة، ومعه مغنيه ابن سريج، وجعل يتعرّض، لمن يرى من الحسان، حتى امسوا فرفع ابن سريج صوته، يغني في شعر قاله عمر فسمعه الركبان وجعلوا يصيحون فيه ( يا صاحب الصوت اما تتقي الله قد حبست الناس عن مناسكهم ).  

كانت مكانة الموسيقى في ذلك العصر، قريبة للقلوب وأعظم من ان تقاوم، لا سيما ان أرباب الموسيقى أنفسهم كانوا يستندون الى احاديث نبوية تدعّهم يغنّون. 
وقد ذكر الغزالي في كتابه، احياء علوم الدين الأحاديث النبوية التي استند اليها هؤلاء.

كما وان صاحب العقد الفريد، أشار الى ان الشعر والموسيقى، والغناء، ليس من الضروري ان تحّط من قدر الانسان، بل ان لها قسطاً من التأثير في تهذيب النفس، إذ تبعث على مكارم الأخلاق، والتجاوز عن الذنوب.
ويقول المسعودي، انه ما إن جاء اخر العصر الأموي، حتى كان حب الغناء، قد سرى في نفوس الخاصة والعامة فاتخذ العباسيون، ذلك الامر سلاحاً ضد خصومهم الأمويين وقاموا ينشرون دعوتهم ويتوعدون ( أعداء الله ). 
اما الموسيقى في العصر العباسي، بالرغم من استنكار اصحاب الشرع لها، لم تتأثر دمشق ولا تأثرت بغداد، بل بدأ الفن حيث انتهى خلفاء بنو أمية، وأول الخلفاء العباسيين الذين اهتموا بهذا الفن، هو المهدي الذي احضر المغني سياطاً المكّي، صاحب الصوت الشجي الذي قيل في صوته ( ادفأ للمقرور من حمّام محّمى ). 

ثم أُحضر أيضاً المغني ابراهيم الموصلي، ويقول صاحب العقد الفريد، انه أيضاً استعمل القضيب لتركيز إيقاع الموسيقى، وانه كان لو خرجت اليه ثلاثون جارية يضربن في الأوتار، اذا شذّت إحداهّن، يشير اليها شدّي  مثناك فتشّده، وتستوي الأوتار.

لما جاء هارون الرشيد، كان بلاطه يفوق الوصف في الأبهة والأناقة، وقد أخذ يرعى الموسيقى وقد زها في ظله نفرٌ من أقطاب الموسيقى، حيث أُجريت عليهم الأرزاق، بكثرة.

وتركت هذه الفئة من أهل الفن، اثاراً ادبية خالدة من قصص الغناء في الكتّب كما نرى في الأغاني، والعقد الفريد، والفهرست، ونهاية الأرب، وفوق هذا كله، كتاب الف ليلة وليلة.
وقد روي، انه في عهد هارون الرشيد، أقيم مهرجان ضخم للموسيقى اشترك فيه ألفان، من المغنّين والمغنّيات.
اما المُغَّنين، في ايام هارون الرشيد، غير ابراهيم الموصلي، مخارق، الذي إن غنّى يُبكي الحاضرين. 
كذلك، زها في ايام المأمون، إسحاق ابن ابراهيم الموصلي عميد أهل الموسيقى في عصره، وتمثّلت فيه روح الموسيقى العربية الكلاسيكية، وقد أعتبر ابن خلكان، ان إسحاق هو اعظم من أنجبهم الاسلام في هذا الفن، وقد إدّعى اسحق كما ادعى ابوه من قبل، وكما إدّعى زرياب، من بعدهما، ان الجّن كانت تُلهمهم الألحان.
وقد فاق بنو العباس في بغداد، بنو أمية في دمشق، في مضمار حبهم للغناء والطرب، فقد قيل، انه نبغ ابراهيم ابن المهدي، ( اخو الرشيد ) في هذا الفن، أما الواثق كان يضرب على العود، وقد صنع مئة صوت. 
اما الخليفة الذي برع في الموسيقى، هو المعتمد الذي ألقى في حضرته الجغرافي الشهير ابن خرداذبه خطبة في الموسيقى والرقص، تُعّد ُ من الأصول إلهامة، التي بين أيدينا عن حالة هذين الفنين في ذلك العصر.
اخيراً،
إن كتاب الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني ، يُعّد  من اهم الذخائر، في وصف النواحي الاجتماعية، عند العرب، وهو الى جانب ذلك، تاريخ مفّصل للموسيقى منذ ايام الجاهلية الى ايام الأصفهاني، الذي يعد اعظم مؤرخ للموسيقى، أنجبته العرب قاطبةً.

إعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا 
كانون الثاني ٢٠١٥












Related Posts

دراسة لي، عن اكرم العرب حاتم الطائي...

حاتم الطائي، أَكرَم العرب !!

مارتن لوثر كينغ !!
0 التعليقات:
 

 

0 التعليقات:

حاتم الطائي !!

حاتم الطائي، أَكرَم العرب !!

نشر من قبل faissal el masri  |  in دراسة  5:48 ص

حاتم الطائي.
 

تعريف :

حاتم الطائي، هو الشخصية العربية التاريخية، الذي إشتهر بالكرم، وباسمه ضُرب المثل.
وقد تضاربت الاراء، حول ما اذا كانت حليمة، هي زوجته كما ورد في الأدب الشعبي. 
 إشتهرت، حليمة بالبخل، والشّح، والتقتير وبسببها، ما زلنا نردد المثل العربي الشائع ( عادت حليمة لعادتها القديمة ). 
ورد في الأخبار المتوارثة،  ان حاتم الطائي، حاول طيلة حياته تقويم البخل، لدى زوجته، وإصلاح ذات البين بين الكرم، المتأصل فيه، والبخل المتمّكن من زوجته، 
عبثا ً، حاول حاتم الطائي، إصلاحها، وبقيت حليمة على عادتها في البخل، والتقتير. 
وسنعود لاحقا ً، لبحث مقولة ( عادت حليمة الى عادتها القديمة )، ولكن قبل ذلك،
 من هو حاتم الطائي ؟؟
اولا : حاتم الطائي. 
هو شاعر جاهلي، توفي بالعام ٦٠٥ م.   

هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن آل فاضل .......
بن الغوث بن طيئ الطائي. توفي قبل، الاسلام، وكان مسيحيا ً، اما إبنه عدّي وابنته سفّانه، أدركا الاسلام وأسلما. 
يعود كرمه الى والدته، التي اشتهرت بالتبذير، ولكن ابنها حاتم، يعتبر أشهر العرب بالكرم، والشهامة، ويضرب به المثل، بالجود وحسن الضيافة. وانتقلت صفة الكرم الى ابنته ايضا ً ( سفّانة )، حيث كان والدها يعطيها بعضاً من ابله، فتهبها كلها وتجود بها على الناس، كما ذكره ابن الكلبي في كتابه.  

كان يسكن حاتم الطائي، في  حائل اليوم،  منطقة من المملكة العربية السعودية، وتوجد لغاية تاريخه، بقايا اطلال قصره، وموقدته الشهيرة، وقبره في بلدة توارن في حائل. 
قال ابن كثير عن حاتم الطائي، في كتابه ( البداية والنهاية ) 
ان ابنه عدّي، قال عنه انه كان يصل القرابة ويطعم الطعام ويُسدي من المكارم والاحسان ما لم يفعله غيره. 
كان حاتم الطائي، من شعراء العرب في الجاهلية، يشبه شعره، جوده في الكرم :
-/ كان اذا سُئل وهب.
وهناك كلام قالته ابنته سفّانه للنبي محمد ( صلعم ) عندما أُسِرت في غزوة لبلادها،  اذ قالت للرسول :
يا محمد، إن رأيت ان تخلي عني، فلا تُشمّت بي احياء العرب، فاني ابنة سيد قومه، وان ابي كان يفك ُّ العاني ويحمي الذمار ويقري ( يٌطعم ) الضيف ويُشبع الجائع ويفرّج المكروب، ويُفشي السلام، ويُطعم الطعام، ولم يرّد طالب حاجة قط ...
 انا .... ابنة حاتم الطائي !!
قال لها النبي ( صلعم ) هذه صفة المؤمن حقا ً، لو كان ابوك مسلما ً لترحّمنا عليه.
 خلوّا عنها، فان أباها كان يُحِب  مكارم الأخلاق .... والله ... يُحِب المكارم. 
-/ كان ينحر كل يوم عشرا ً من الإبل.
 ويقال انه مر َّ عليه في احد الأيام، ثلاثة أشخاص، لا يعرفهم، طلبوا اليه الطعام الذي يقدّم عادة للضيف، فما كان من حاتم الطائي، إلا ان نحر ثلاثة من الإبل  تكريما ً لهم، ولمّا سأله ابوه لماذا فعل ذلك، كان يكفي ان تذبح  واحدة، اجاب والده، ان لهجات الأشخاص تختلف عن بعضها، وربما هم من قبائل مختلفة، دعهم يتكلمون عن كرمنا. 
وبالفعل، كان بين الثلاثة،  الشاعر الفّذ النابغة الذبياني، الذي، ما لبثت أشعاره، وأقوال صحبه في الكرم الذي لاقوه من حاتم الطائي، ان انتشرت كالنار في الهشيم في قبائل العرب.  
-/ كان يوقد النار ليلا ً لينظر اليها من ضَل ّ الطريق. 
قلمّا فعل احد ذلك، في سالف الازمان مثلما فعله حاتم الطائي، التي نار موقدته لا، تخبو ليلا او نهارا ً.
ان جدب الصحراء، والأرض القاحلة، كانت لا تجلب خيرا ً وفيرا ً، ومع ذلك كان حاتم الطائي، لا يتأخر عن نحر الذبائح، وإطعام ضيوفه، حتى ولو كان في ذلك الوقت معسرا ً او في ضيق. وقد ذكر التاريخ اخبارا ً عنه، انه لم يكن يتردد في نحر راحلته الوحيدة، تكريما ً لضيف لجأ اليه ليلا ً.
وإذا رجعنا الى يومنا هذا، نرى ان وضع منارة على الشاطئ لتدّل البواخر على الميناء، ما هو إلا تقليدا ً لما كان يقوم به أكرم العرب. 
ثانيا ً : زوجته، ماوية ابنة عفرز. 
كانت زوجة مُحبة، وقد حاولت ان تمنعه عن الكرم المسرف، ولكنه، لم يقتنع فقامت بطلاقه.
وقد آورد ابو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، قصة قيلت، امام الخليفة الأموي معاوية ابن ابي سفيان، عن حاتم الطائي وزجته ماوية بنت عفرز. 
( يا أمير المؤمنين .... 
ماوية بنت عفرز كانت من عائلة ثرية، وكان لها الحق ان تختار زوجها، وفي ذات يوم، أرسلت الى كل من الشاعر، النبيني، والنابغة الذبياني، وحاتم الطائي، وكان الثلاثة شعراء يطمعون في الزواج منها. 
فقالت لهم :
ليقّل كل واحد منكم شعرا ً يذكر فيه خصاله، وافعاله، وافضاله، وانا أُقرر بعد ذلك، وأتزّوج اكرّمكم، واشعّركم. 
أنشد الثلاثة أمامها ...
فاز حاتم الطائي، فكان الأشعر، والأكرم. 
وَمِمَّا قاله :
أَماوي َّ، قد طال التجنب ُ والهجر ُ
وقد عَذرتني في طِلابكم العُذر ُ
أَماوي َّ، إن المال غاد ٍ ورائح ُ
ويبقى من المال الأحاديث ُ وَالذّكْر ُ
.......
ثالثا ً : قصة حليمة في التراث الشعبي. 
لا تجد في التراث الشعبي العربي  شخصية نسائية، فريدة، تصلح لإلصاق صفة البخل المدقع عليها،  اكثر من حليمة، ( زوجة ) الشخصية، الأكثر كرما ً في التاريخ الا وهو، حاتم الطائي.
والاشّد غرابة، انه كيف تمكّن حاتم الطائي ان يتعايش مع زوجة بخيلة ؟؟ 
وإذا نظرنا الى المراجع الموثوقة، يتبين ان حاتم الطائي، تزّوج من ماوية الغسانية، ولديه منها، أولاده  عدي، سفانة، وعبدالله. 
وقد ذكر التاريخ انها، تزوّجته لكرمه، وطلّقته لذات السبب، كما ورد في كتاب الأغاني ل ابو فرج الأصبهاني.  
اما قصة حليمة التي وردت في الأدب الشعبي، فإنها على الشكل الآتي، أُوردها،  فقط من اجل الإلمام بشخصية حاتم الطائي، من كل جوانبها، حتى قصص الحكواتي، الذي تكلّم عنه، واترك للقارئ ان يتحّقق في مدى صحتها في سيرة حاتم الطائي، الحقيقية. 
تقول الرواية التي كان الحكواتي يقصّها :
ان حليمة زوجة حاتم الطائي، كانت اذا أرادت أن تضع سمناً في الطبخ  ..أخذت الملعقة ترتجف في يدها. 
فأراد حاتم أن يعلمّها الكرم فقال لها :
 
إن الأقدمين،  كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن زيادة، في  قدر الطبخ، زاد الله بعمرها يوماً، فأخذت حليمة، تزيد ملاعق السمن في الطبخ حتى صار طعامها طيباً وتعوّدت يدها على السخاء. 
 
وشاء الله،  أن يُفجعها بإبنها الوحيد الذي كانت تحبه أكثر من نفسها، فجزعت حتى تمّنت الموت. 
 
وأخذت لذلك، تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت. 
فقال الناس :
 
 عادت حليمة الى عادتها القديمة. 

أعداد 
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
كانون الثاني ٢٠١٥
 
 
  
 

0 التعليقات: