Pages

الجمعة، 30 يناير 2015

قصة إمرأة الوادي المقّدس، وعودة البطل الى ريّعان الشباب !!

إمرأة الوادي المقدَّس، 
وعودة البطّل الى ريّعان الشباب !!
هي روايه، سبق ونشرتها في السنة الماضية في مدونتي، وقد طلب مؤخرا ً مني بعض الأصدقاء إعادة نشرها على الفايس بوك. 
وتلبية لهذا الطلب، أُعيد نشرها. 
      --إمرأة الوادي المقدَّس --

تدور أحداث  هذه القصة  الخرافية، في الحقبة التاريخية المعروفة  بالحضارة  البابلية، وما سبقها من فترات  كانت البشرية تبحث عن وسائل، وطرق، حتى ترتقي الى معرفة سر الكون  والخليقة. 

في احدى البقاع، نشأ شاب وفتاة تعارفا، وتحّابا، وعشّقا بعضهما البعض، وكانا يلتقيان  في السهول، والحقول والهضاب، يساعدان الأهل في الزرع، والحراثة، ويلتقيان في المواسم، والأعياد، وكانت الفرحة تغمر قلوبهما، لا يعّكر صفاء حبهما اي حاجز او مانع.

في جو من المعتقدات والطقوس المختلفة، ترعّرع  حبهّما لانه هو، كان يمارس طقوسا ً دينية تختلف عن طقوسها، ولكنهما، لم يتقاتلان او يتخاصمان، لان الشعوب في تلك الفترة من الزمن كانت، تنعم برقي في ممارسة المعتقدات والنظم،  وإن كانت متعدّدة، بحيث  تحترم، كل  فئة  عادات  ومعتقدات الشعوب الاخرى، لا بل كانت، الشعوب  تترك  ممارسة المعتقدات، للكهنة، والسحّرة  والمنجّمين،  دون  تدّخل  او عبث او خصام  في معتقدات الطرف الاخر. 

كان حُبّهما حديث الأهل، ولكنهما إعتقدا ان هذا الحب قد أخذ مداه واتّفقا، على ان يوقفا هذه القصة، وان يرحل كل منهما في سبيله. 

اعتقد الشاب والفتاة أنهما أدركا أقصى درجات الحب، ولكنهما لم يدركا سر الكون، والخليقة في حياتهما هذه، ولهذا ..... 
تعانقا وافترقا، على أمل ان يلتقيا في جيل اخر. 

كان، قدّر هذا الشاب، وقدّر هذه الفتاة، غير ما كُتب لبقية الناس، لأنهما قد  خُلقا  من  اجل غاية، لا يدركها الا القلّة من البشر.  تختلف عن بقية من عاش حولهما، وهي البحث عن المعرفة والإيمان. 
هو ذهب، غربا ً مكان غروب الشمس. 
وهي ذهبت، شرقا ً مكان شروق الشمس. 

كان الوداع، صاخبا ً ومؤثرا ً وقد كره الأهل ان  يهاجر الابن، وان ترحل الابنة، ولكن الإصرار من الطرفين  كان سيد القرار. 
ما ان حطّ،  رحاله بعد حين  في ارض خصبة، حتى بدأ يقارع الحياة، وهو في عزّ شبابه، بالحراثة، والكّد، والتعب، وكان حنينه  دائما وأبدا ً الى حبيبته، يتذّكرها ويحلم  كل ليلة بان يلتقي بها. 
زاد حنينه، وشوقه، وحبه، وشغفه، بها سنة بعد سنة. 
ولكن، هذا الحب الدفين، لم يمنعه من البحث والتقّصي عن سر الكون، فبقي ينهل من العلوم  بحثا ً عن الحقيقة، حتى وصل الى مشارف المعرفة، فإطمأن قلبه واستراح من هواجسه التي أقلقته، وجعلته يرحل مخّلفا ً حبيبة عمره. 

الى ان خطّرت  له فكرة، 
أن يبدأ جديا ً في البحث عن رفيقة، وحبيبة الصِّبا، بعد ان ادرك من العلم ما كان مخفيا ً عليه. 

كان ينتظر، ويراقب  الطيور المهّاجرة كل سنة، تمُّر من سماء مكان  وجوده، وتعود ادراجها بعد غياب فترة من الزمن. 

سأل نفسه،  لماذا لا يستعين بهذه الطيور في البحث عن حبيبته، خاصة وانه بات قاب قوسين او أدنى، من دنو اجّله، وهو العالم والمدّرك نظرا ً لوصوله الى خواتيم العلم والمعرفة. 

لمّا حان موعد مرور الطيور المهاجرة، أشار اليها بالتوّقف،  وطلب من الطيور التي تقود الأسراب، ان تأخذه  معها في رحلتها السنوية، وأبلغهم قصده في  ان تساعده في البحث عن حبيبته. 

أجابته الطيور،  بالسّمع والطّاعة، واتفقوا على ان تاخذه    في هجرتها، كل سنه، على ان تعود به في رحلة العودة  الى محل إقامته. 

وتعدّدت  سفراته، على مدى سنوات طويلة، دون جدّوى، وأحّس ان العمر بدأ ينهشه، وخارت قواه وغزّا الشيب مفرقه، وسيطر الندم عليه، لان العمر ضاع من دون ان يلتقي  حبيبته ومعشوقته. 

الى ان قرّر ان يهاجر مع الطيور للمرة الاخيرة. 

في هذه المرّة، وبينما كان يأخذ قسطا ً من الراحة بعد عناء نهار طويل، جلس واستراح  على أكمة تطّل على وادٍ،  فيه من الأغصان المتشابكة، والاشجار المتطّاولة والأعشاب داكنة الخضرة، والنباتات دائمة النضرة. 

 شاهد امرأة  عن بُعد،  تعيش وحيدة في  الوادي، لفت نظره انها فائقة الجمال، وأنها تمشي حافية القدمين، يرافقها في حلّها  وترحالها سربٌ من طيور الهدّهد، تصدح الجو بالألحان الجميلة، وتأكد له، من ثاقب نظره، وعلمه العميق، ان هذه الإمرأة  كانت  فيما مضى عظيمة الشأن في أهلها، ودخل الى مكامن عقلها، وبان له كم  من العلم والمعرفة تدركه، لانها تقوم، كل يوم بنشر وكتابة العلم والمعرفة على أوراق الأغصان، بعد ان تمشقها. 

خطر في باله، ان ينزل الى هذا الوادي ليتعّرف على هذه الامرأة. 

كانت كل صباح، وفي وقت محدّد تمر هذه الامرأة وعلى جري عادتها، تمشق من الأوراق وتكتب، وتكتب، وتكتب، الى ان قرّر  في الصباح الباكر ان يسبقها، ليقرأ ما كتبته في الأيام السابقة. 

في اليوم التالي،  وقبل بزوغ  الفجر بقليل، وصل الوادي وبدأ يلتقط الأوراق المتناثرة أرضا ً، يقرأها ويقرأها، ويحتفظ بها، بعد ان تبيّن  له انها تتضمن أكثر  من العلوم التي وصلت اليه، بعد سنوات طويلة  من عمره  قضاها يبحث عنها.
  وتبيّن  له ايضا، انها تحوي  على  علوم جديدة، لم يتوّصل اليها، وها هو يجدها في أوراق مرمية على الارض، وقد إعترته الدهشة، والاستغراب، ان القوافل التي تمّر في الوادي، وفي عِدادها اقوام من البشر، لا تعّر هذه الأوراق أي إهتمام، فإمَّا أن تدوسها الدوّاب، او تستعمل وقودا ً لإضرام النار، بالرغم انها تختزن العلم، والمعرفة وبواطن الأمور. 



في هذا الوادي، كانت القوافل تمّر، وتأخذ ما طاب لها من طعام، وشراب، وكانت إمرأة الوادي المقدَّس تراقب القوافل والبشر، ولم تكّن ترغب في ان يقيم اي إنسان في هذا الوادي، إذا كان جاهلا ً او لا يفقه من العلم والمعرفة. 
لهذا السبب، إهتمت إمرأة الوادي المقدَّس، بتنظيم حقوق وواجبات الحيوانات، والطيور المقيمة، وكان السمّع والطاعة مقياسا ً لإقامة، هذه الحيوانات والطيور، وإلا كان ترك الوادي، والنفي الى جهة مجهولة مصير، من لم يطّع أوامرها. 

كانت امرأة الوادي المقدّس،  تأمل في  ان تلتقي من بين  ركاب القوافل التي تمّر، برجل تاخذه زوجا ً لها، يُؤنسها في وحدتها. 
ولكنها لم تفلح بايجاد رجل، من بني البشر يأسرها او يُعجبها، لان الجهل، والغباء كان يسيطر على ارجاء المعمورة في ذلك الوقت. 

الى ان التّقت بهذا الكهل العجوز، في الوادي يقرأ أوراق الأغصان التي تكتب عليها، ويقوم بجمعها، ويفرغ من جعبته،  وجيوبه كل مأكل، او مشرب، ليحتفظ بأوراق الشجر. 

تعجّبت من هذا العجوز، كيف أدرك  مقاصد علمها وفهم  معاني كلماتها، وكيف إنكّب على جمع الأوراق، وحفظها. 

لم تأبه كونه زاد في العمر عتيا ً، بقدر ما لفت نظرها العلم الواصل اليه، 
فقرّرت ان تعرف من هذا الرجل. 

فاجأت امرأة الوادي المقدَّس الرجل العجوز، وهو يلمّلم  أوراق الأغصان، ويقوم بتوضيبها، ونهرّته  بصوت عالٍ، 
ماذا تفعل هنا ؟
وما هذا الذي تجمعه، من أوراق أغصان ٍ متساقطة  ذابلة وضامرة ؟

لم يقو َ على إجابتها  !!
وإنهارت قواه، بعد ان تجمّعت حوله الوحوش الكاسرة والحيوانات، الضارية تزأر كل بصوتها، واختلطت الأصوات حتى قامت امرأة الوادي المقدَّس، بزجر الحيوانات طالبة السكوت، والخنوع، والخشوع، فأمتثلت لها. 
وراق الجو من الأصوات، وتقدّمت نحو العجوز تسأله،
 من انت ؟ 
ولماذا انت هنا ؟ 
وطلبت اليه ان ينزع  حذائه لانها ارض مقدّسة. 

بدأ الرجل العجوز، بالكلام بعد ان هوّنت عليه الجزع، والخوف، الذي اصابه، 
وقّص عليها قصته حرفيا ً.
إجابته، وقد بدا عليها الارتياح، ان يُكمل  جمع ما شاء من أوراق. 

وبينما العجوز منهمك في عمله، إلتفت حوله حتى يشكرها، ولكنه لم يجدها، فاختفت عن ناظريه، ودبّ الحزن على وجهه، وأكمل جمع ما يراه مفيدا ً من أوراق. 

وقد لفت نظره انه، إلتقط ورقة من الارض، وقد كتبت  له هذه المرأة  على إحداها، أن ينتظر رسالة، يحملها طائر ميمون اسمه الهدّهد تخبره من ... هي.  

عندما رجع العجوز الى دياره، لم يكّن  يعلم ان سحر هذه المرأة قد اخذه بعيدا ً، وبدأ يتحّسر على ايام الشباب، ولاحظ ان عقله وقلبه انتقل فجاة من التي كان يبحث عنها طوال سني عمره  الى هذه المرأة التي إلتقاها بالوادي. 
وبينما هو في غُربته ينتظر الطائر الميمون كعادته كل يوم، يحمل له قصقوصة ورقية تحكي له امرأة الوادي المقّدس  أخبارها، واحوال رعيتها،  إستلم  يوما ً من الأيام،
قصقوصة ً ورقية، حملها له طائر الهدهد تقول له فيها :

إنّ  غيابك عني هذه السنه قد آلمني  !!
والشوق إليك يزيد من أحزاني  !!
والنوم غاب  عن أجفاني  !!
وحُبّك هو كل  أحلامي  !!
عُد إليَّ، 
لأن  وجهك، ما زال في خيالي  !!
وغيرك، لا يفهمني  ولا  يقرأ اوراقي  !!

بعد ان أنهى الرجل العجوز قراءة هذه الرسالة، إعترّته  الدهشة، ولم يصدّق عيناه، ان هذه المرأة، فائقة الجمال، هامت به، وتكتب اليه هذا الكلام المشحون بالحب والعاطفة.  
وبدأ بالتفكير المضني، والقاتل، كيف له ان يذهب اليها، وقد طلب من الطيور المهاجرة عدم التوّقف في هجرتها. 

فضلا عن ذلك، إن  صحته  تدهّورت،  وساءت حاله، وبدأ يعّد أيامه المعدودات، وقد غلبّت حياته  التعاسة، ونهش قلبه الندامة، وسطّرت  احزان الكون في وجهه، شقوقا ً لا تُمحى، منها خسارته حبيبته  الاولى، ومنها الشيخوخة التي لا تخوّله قضاء بقية عمره مع شابة في مقتبل عمرها  !! 
إنتظر الهدّهد جوابا ً من الرجل العجوز. 
وقال له، قُل لها انه لا يمكنني الذهاب للوادي المقّدس مجددا ً، للاسباب التي شرحت. 

اما امرأة الوادي المقدس ، تضايقت لان الهدّهد تأخر في العودة، على جري عادته. 
ولم تعد ترّتل كل شروق  شمس أغنياتها الرقيقة، وصوتها الشجي الذي يملئ الوادي سحراً وخشوعا ً، حيث كانت الطيور تسجد لرقته ، وتتوقف زقرقة العصافير لان صوتها، سيد الأصوات  !!

تأتِي الطيور لتغني معها ... تمنعهم  !!
تحاول الوحوش المفترسة التوّدد اليها ... تزجرهم  !!

الى ان طلبت من الجميع ان يتركها،
 جلست على حافة جرداء، ملساء  تنظر نحو الأفق، حيث بان لها الهدّهد ، فانقشّعت اساريرها، وأرخت ابتسامة على وجهها، تميل الى الانشراح والحبور، وشهّقت شهقة، وكأنها، عودة الروح، وبسطت يدها لاستقبال الهدهد الذي ما كاد يستقر، حتى بدأ بتقبيل يدّها وخدّها وكل ما سمحت له بان يفعل، 
وقالت له توقف، 
اخبرني عنه  !!
لم يكن الهدّهد سعيدا، لانها منعته من إظهار حبّه لها، وطلبت اليه ان يخبرها عنه، فدّبت  الغيرة بالطائر المسكين المتعب من الطيران والتحليق، 
فسجد لها وبدأ ... يخبرها :

لما وصلت اليه، أعطيته القصقوصة، قرأها مرتين ثم تناول صندوقا ً خشبيا ً مرصّعا ً بالجواهر الثمينة من ثلاث جهات ووضع القصقوصة داخل الصندوق  !!

ثمّ سألته، ماذا قال لما قرأها ؟؟

أجابها الهدهد، كان حزينا ً محبطاً، الهمّ ينهشه والكآبة تنخر وجهه، ونزلت من مقلتيه دمعتين روت الارض، وكان الشيب يغرس أنيابه في رأسه، وقد تقوسّ ظهره وبان عليه التعب والضمور  !!
قالت للهدهد ... كفى كفى يا هذا  !!

وانهالت الدموع  مدرارا ً من عينيها، تسقي  الوادي سقياً غير ذي قبل ، فتقدمت الطيور تواسيها، ولم ينقطع بكاؤها وحزنها الا، بعد ان اخبرها الهدّهد  قصة الصندوق المرّصع. 

قال الهدّهد  :
سألته عن الصندوق المرّصع، ولماذا يحتفظ بكل قصاقيص الورق التي ترسليها له  !!
أجابني الرجل العجوز، ان هذه الأوراق تحتوي على كنوز وجواهر، ثمينة، فيها العلم المكنون في صدور الآلهة، وقد التقطّها من الوادي المقدس، وانا أنهل منها ما ينقصني من علوم ما لذّ وطاب من معرفة، أتوق لان ادرك مقاصدها ومعانيها  !!


ولما بدأ الهدهد الكلام عن الصندوق الخشبي المرصع بالجواهر، إنقشعت غيمة سوداء كانت تلف الوادي، وتوّقفت  الرياح العاتية، وساد السكون، وسجّدت  الطيور وعبق الوادي بروائح الزهور، وبانت روائع رسومات الحواري على مداخل الوادي، وعكست أشعة الشمس اقواس من قُزح الألوان البهّية  !!

اما هي إبتسمت، 
وكأن الشمس، والقمر، والنجوم، أُخلي سبيلهم، فتعطّر الجوّ برائحة فمها، وقالت بحنان ما بعده حنان، ومدّت يدها برفق ما بعده رفق، الى وجه الهدهد، وأسقته من ريق عسلها حتى يحلو في تغريداته ويمضي دون ان ينسى  !!

وقالت له تعالى يا حبيبي  !!

وضمّته اليها قائلة، ان حواسي معك، أخبرني ما قصة هذا الصندوق  !!
قال لها :

أمر هذا الصندوق عجيب، غريب، مرصّع من ثلاث جهات لم ارى في حياتي، جواهر، او أحجار ٍ كريمة تضاهيها، 
لم ارى حتى في الوادي، مثيلا ً لها  !!

لمّا سألته، عن هذا الصندوق، وعن الأحجار الكريمة،
 قال لي:

هذا الصندوق، كان هديتي للتي ابحث عنها منذ عقود،  لمّا افترقنا، أبّت ان تأخذه معها، بل أعادته لي. 
 ومنذ ذلك الوقت،
 وفي كل يوم، على فراقنا أضع  حجرة  ثمينة على جهة من هذا الصندوق، حتى أُحصي عدد الأيام التي غابت عني  !!

لمّا سألته أيضاً عن سبب عدم إكمال الجهة الرابعة،

أجابني :
انه توقف عندما التقى بك يا سيدتي، وأصبح بدل الجواهر والأحجار، يحتفظ برسائلك التي ارميها له كل يوم  !!

ضحكت وقالت إذن، أَحبني وانه نسي المرأة التي يبحث عنها. 
وأني اذا ذهبت اليه، يستقبلني، ويُحبني كما أحببته انا منذ ان التقيت به ؟؟
أجابها الهدهد :
كلا يا سيدتي، انه كاد ان يحّبك ويقع صريع غرامك، لولا قصقوصة حملتها اليه من  الوادي ، أخافته، وأرعبته، وأتعبته، ودّب الذعر في كيانه  !!

انتفّضت من مكانها، وصرخت ، 
ما هي القصقوصة ؟ 
ولماذا، خاف منها ؟؟

تغيّر الجو، وتلبّدت الغيوم، وغابت الشمس، وهربت الطيور وجفّلت الوحوش، وأمسكت الهدهد، وزجرته، 
وكادت ان  تقتله  !!

هل  أخدت قصقوصة، غير التي أعطيك إياها كل يوم ؟؟
اجاب وهو يرتجف خوفا ً  !!
نعم يا سيدتي  !!

أطلقت امرأة الوادي المقدَّس  تراتيلا ً ذي مقام حزين، فانسحبت مياه الأنهار الى منابعها  !!
وعادت الطيور الى أعشاشها  !!
وخلد ملك الأسود الى عرينه  !!
وعادت الشمس من حيث  أشرقت  !!
ولم يبق أمامها الا الهدّهد   !!
نظرت اليه واضاءت الوادي  !!
بعين فيها انتقام ، وعين اخرى، فيها آسى وحزن عميقين !!

انه الهدّهد ، حبيب قلبها، ورفيق دربها  !!
وكاتم أسرارها، وكليمها منذ الصغر، بعد ان تركها أهلها  !!
ماذا أعطّيته  ؟؟
أية ُ قصقوصة ؟؟

أجابها الهدهد، والخوف يلف كيانه  !!

أعطّيته القصقوصة، 
التي كتبها والدك لما ترك الوادي وفيها، انه رجل سماوي، تزّوج من امرأة بشرية التي هي أمك.  وفي هذه القصقوصة، وصف دقيق لحالة والدتك بعد رحيل والدك عنها، تاركا ً لها الحزن،  والآسى رفيقين لها، الى ان ماتت وهي ما زالت يافعة في العمر. 

وأعطّيته قصقوصة ثانية،
 التي فيها أن َّ أسراب طيور الهدّهد ، هي التي قدّمت لك الغذاء، والحماية، والرعاية، بعد ان فقدت أُمَك ِ !!

وأعطّيته  قصقوصة ثالثة، 
التي فيها، انك تمقُتين، وتكرهين، الرجال  بسبب ما فعله والدك السماوي، بوالدتك بان هجرها،  وهي في ريعان الشباب  !!

وأعطّيته  قصقوصة رابعة،
 التي فيها اسماء الرجال الذين تقضين وطرّك  منهم، ومن ثم تعدميهم  !!

وسألته امرأة الوادي المقدَّس، 
لماذا ... ؟
 ولماذا ....؟
 ولماذا قمت بهذا ؟؟

استشاطت امرأة الوادي المقّدس غضبا ً، من هذا التَّصرُف الارعن الذي قام به الهدّهد ، واعتبرت ان الخيانه، فعل عظيم  ومن الكبائر، التي لا يمكن السكوت عنها او التسّتر عليها، لان انتظام حكمها، على رعيتها لا يقوم الا على الولاء المطلق  !!

ادركت امرأة الوادي المقّدس، ان الذي كانت تبحث عنه ضاع بفعل خيانة الهدّهد  المقرّب اليها والى قلبها  !!
عاشت لسنوات طويلة في هذا الوادي، تبحث عن :
 رفيق، عن صديق، عن حبيب، عن زوج  !!
ضاعت الأحلام التي بنتّها  !!
خابت الامال التي علقتّها  !!
بدا عليها الغضب والانتقام  !!
وقرّرت محاكمة الهدّهد   !!




إستدعت ملك الأسود من عرينه  !!
ونادت التنين من مغارته  !!
وساقت قطعان الغزلان من مراعيها  !!
وأشارت لسرب من الهدّهد  ان يغّط  !!
وأعادت الشمس، الى قرص السماء  !!
وأمرت الأنهار، ان تعود لتتدفق من ينابيعها  !!
على يمينها، جلس ملك الأسود  !!
وعن يسارها، وقف التنين  !!

وأمرت الأسد، بزئرة بدء محاكمة الهدهد  !!
فارتعّدت الجبال، وتكاثرت بلبلة الأصداء  !!

وزجّرت التنين، بان يقذف حممه !!
فاشتعل الوادي، وأُضرمت النار في كل مكان  !!

وقف الهدهد، يرتجف خوفاً  !!

تقدم سرب من الهدّهد ، والدموع تنهار من عيونهم، 
يطلبون العفو والمعذرة  !!
سألته :

لماذا أعطيته القصقوصة، التي فيها ان ابي رجل سماوي ؟؟

انا أريده ان يعلم، اني من والد بشري وأم بشربة أيضا ً. أنت، جعلته يهاب مني ويخاف من هيئتي  !!

زئر الأسد، وما لبث الهدهد ان أُغشي عليه !!
 مدّت يدها وإعادت اليه توازنه  !!
لماذا قلت له ان اسراباً من الهدهد قدمت لي الغذاء والحماية، والرعاية  !!

هذا شأنكم يا أهل الوادي :
 بان تمدحوا أعمالكم، وتجعلوا مِن ْ مَن ْ قدمتم له خدمة ً، ان يكون عبدا ً لكم طيلة حياته  !!

وصرخت امرأة الوادي بأعلى صوتها :
يا أهل الوادي ...
ليس عندكم نبتة العطاء  !!
فالشمس من عندي، تعطيكم النور طوال النهار  !!
والقمر، والنجوم، ينيران دروبكم بالليل  !!
والأزهار، من حقلي إن اعطتكم، لا تعطوها شيئا ً  !!

كل فعل تأتوه، تطلبون مردودا ً له  !!

في القصقوصة الاولى، والثانية  !!

سأعفي عنك أيها الهدّهد ، 
لان الوفاء يسري في عروقي، والغدر ليس من شيمتي ونكران الجميل لست من أهله  !!

انت أيها الهدّهد  رفيقي منذ الصبا  !!
أفشيت سراً يمكنني، ان اتجاوزه  !!

تعالت تغريدات أسراب الهدهد، فرحة ً وسجدوا لامرأة الوادي المقدّس، 
وقالت لهم ان المحاكمة في القصقوصة الثالثة والرابعة ستبدأ غداً  !!
وطلبت من ملك الأسود ان يزئر اعلاناً لرفع الجلسة  !!

طلبت ان تخلد للراحة، وان تبقى وحيدة  !!
إعتادت، ان يكون الهدّهد معها كل ليلة، يكلمّها، يناجيها يقصّ، عليها قصصا ً حتى تنام  !!
هذه الليلة هي غير كل الليالي  !!

منذ ان التقت ذلك الرجل، الذي وطأ الوادي تعلقّت روحها بروحه، وأقسمت ان تبطل عادتها في الانتقام لوالدتها،
وأعتبرت، أن ّ وزر ما فعله والدها، لا ينسحب على كل الرجال  !!

لم تقض ِ وطّرها، مع اي رجل من الوادي منذ ان، إلتقت  به  !!

ان جذوة الإخلاص له، جعلتها تتوقف عن عادة الانتقام  !!

قلقها، وعدم نومها، حتى انبلاج الفجر، انهك قواها واتعبّها وخارت قواها، لان رياح الحنين للهدهد، قضّت مضجعها، فنادت المنادي ان يأتوها بالهدهد  !!

لما دخل عليها الهدّهد، كان محبطاً مُدركا ً سوء فعلته، والمخاطر التي تنتظره  !!
طلبت اليه ان يستمع اليها جيدا  !!
ويجيب على أسئلتها، من دون خوف او وجّل !!
انت تعرف، اني توقفت عن عادة الانتقام من الرجال  !!
وانت تعلم، اني وقعت في غرام هذا الرجل، وعشقته، 
روحي !!
أجابها الهدّهد : نعم 
لماذا إذن، قمت بهذا العمل الشائن والمؤذي لي  ؟؟
قال :
اني، خائف عليك  !!
وخائف عليه  !!
خائف عليك :
لانه رجل ٌ. كهل ٌ. عجوز ٌ، مسن ٌ. لا يصلح لك  !!
وخائف عليه :
 أن،  يتوقف عن البحث عن حبيبته الاولى  !!
انتفضت، وقالت له :
هل دبّت الغيرة في قلبك يا أيها الهدّهد   ؟؟
هل تصرفك هذا،  يمنعني من الالتقاء به  ؟؟
هل تعتقد، ان العمر يقف حاجزاً بيني، وبينه  ؟؟
ان روحي، تعلقت بروحه  !!
وقد ارجع الى عادة الانتقام  !!
اليك، فرصة وحيدة  !!
حتى لا تكون، انت اول ضحايا إنتقامي الرهيب  !!
ارتعّد الهدّهد ، خوفاً  !!
وقالت له :
حتى غروب هذا النهار، عليك ان تتّدبر لي لقاءً
سرياً معه ....
  وإلا  !!

استأذن الهدّهد  امرأة الوادي المقّدس، بان يصطحب معه رفاقه للاجتماع، بالرجل العجوز  !!
رفضت هذا الطلب، لان الاجتماع الذي تريده سرياً قد تنتشر أخباره بالوادي  !!
وقالت له، ما زلت يا هدّهدّي، كاتم أسراري  !!

وكيف لي الوثوق برفاقك  !!
وبناءً لإصراره،
قبلت،  ان يصطحب معه رفاقه، شرط ان تضع عينها محل احدى عيناه، حتى ترى كيف تسير الامور  !!
 وتراقب رفاقه ايضا ً  !!

لم يكد الهدّهد ان وصل الى قومه، حتى علّت الصّيحات ودبّت الفرحة وأقيمت حفلات الغناء، والرقص، والموسيقى  !! 

توقف الهدّهد ، وقال لقومه :
إرتكبت ُ في حياتي اخطاء عديدة  !!
ولكن هذه أعظمها  !!
في  إشارة الى المحاكمة  !!
كانت امرأة الوادي، تحاول إفهامنا من خلال تصرفاتها وعاداتها، أنّ علينا اتبّاع طقوس جديدة، في حياتنا  !!

كان سبب انتقامها من الرجال، إفهامنا بان لا نترك أولادنا صغاراً، ونتركهم، كما فعل والدها، لمّا رحل تاركاً والدتها مع طفلتها  !!

كان وقف إعدامها للرجال أعلامنا،  بان العفو عند المقدّرة هو الأسمى  !!

كان عشقها لهذا الرجل، دليلا على انه لا عوائق او حواجز أمام الحب، وان الأعمار، إن زادت، لا تقف حجر عثرة ٍ امام جبروت الحُب ّ  !!

وكان إصرارها ان أتدبّر لها لقاءً سرياً مع ذلك الرجل دليلا ً ساطعا ً على نيتها، في بدء حياة، مثل أهل الوادي ألمقدّس  !!

مَن ْ منكم على استعداد لمرافقتي لإقناع ذلك الرجل للقاء امرأة الوادي المقدّس  ؟؟

تطّوع عدد كبير من طيور الهدّهد ، للذهاب معه، في رحلة إقناع الرجل للإلتقاء بامرأة الوادي المقدَّس.
وقال لرفاقه، أن ّ الرجل العجوز، بعد ان قرأ القصاقيص بات يخافها، ولا  يأتمنها  !! 
والامر يحتاج، مني ومنكم  حيلة ذكيه لإقناعه  !!
لحق بركب الهدّهد  سرب ٌ من الحكماء  !!
وكانت عين امرأة الوادي، تحرس وتراقب  !!

بقيت امرأة الوادي المقدَّس، تراقب الهدّهد  ورفاقه، وقد صمّمت، إن أتى باي هفوة، او غلطة، يرتكبها فإن صاعقة قد جهزّتها، حتى تقضي عليه، ورفاقه  !!



لمّا حطَّ سرب الهدّهد امام الرجل العجوز، أخذته الدهشة ولم يتمالك نفسه من إبداء الاستغراب لهذا العدد من الطيور  !!
وبادرهم  السؤال :
من صحبُك ؟
ومن أرسَلك ؟
أجابه الهدهد، 
إنهم وفد من علماء الوادي المقدس أتينا لمقابلتك  !!
وان امرأة الوادي المقّدس هي  التي أرسلتني  !!
وهذه هي القصقوصة ، التي طلبت،  ان أقوم بتسليمها إليك  !!

كانت على غير عادة القصاقيص التي سبقت  !!

بدءُ الاحرُف ِ عطر ٌ، ونهايته ُ سِحر ٌ  !!
فيه من الظاهر، والباطن ما يعجز عن فهمه، إلا هو  !!
احس ّ برائحة العِطْر  !!
 ونال منه السِّحْر   !!
أدرك باطن الكلام، من ظاهره  !!

رفض ان يحتفظ بها بالصندوق الْمُرَّصع،  أسوة بالقصاقيص  التي سبق، واستلمها  !!
نظر الى الهدّهد ورفاقه ،
وقال :
قُل لها، 
لن يكون هناك لقاء ً سريا ً،  بيننا  !! 
بالرغم،  من انها، قد هزّت كياني ووقعت في شباكها ولكني، لست مستعدا للموت على يدها وفقا ، لطقوس تعتمدها وتطبقها، وقد أكل الدهر عليها وشرب  !!

قُل  لها، 
يكفيني انها مكنّتني، من ان أطوي، صفحة الماضي بعد عقود من البحث عن حبيبتي  !!

وَقُل  لها أيضاً، 
باني أقفلت الصندوق الخشبي المرّصع بكل القصاقيص التي استلمتها، ولم يَعُد بإمكاني أستلام اي جديد  !!

وقُل  لها أيضاً، 
طال انتظاري، لان ملاك الموت يحوم حولي  !!
نظر اليه الهدّهد  ، وقد احمّرت احدى عينيه، فخاف عليه الرجل وحاول ان يداويه،
قال الهدهد، دّعك من هذا  !!

معي، وفد العلماء أتينا لنبلغك، انها تبدّلت وتغيّرت  !! 
وقد  تركت هذه العادة، وأنها تطلب ودُّك، وتأمل ان تلتقي معها، لتبث لك مشاعرها، وحبها وتعلقها بك  !!

أجابه الرجل،
أدركت ذلك من باطن النص، لا من ظاهره، وأنها توقّفت  عن قتل الرجال، بعد ان تقضي وطّرها منهم  !!
ولكني لست مستعداً لهذا اللقاء السري  !!
اني رجل عجوز، مُثقل  بهموم  الدهر،
 لا أقوى على السفر !!
أمرت الهدّهد ، من خلال عينها، التي ترى وتراقب، 
ان يسأله، إذا قدمت هي اليه، هل يستقبلها  ؟؟

أجابه، كيف لي ان استقبلها، وانا على باب القبر، وملاك الموت يحوم فوق راسي، إيذانا بالرحيل  !!

قالت للهدّهد :
قل له :
سأقضي على ملاك الموت فوراً  !!

وعاجلت ملاك الموت، بشهب ٍ مضيئ ، وأضرمت به ناراً مشتعلة، وهدر صوته من الألم، وخيّم صراخه، وعويله في المكان، 
ثم ما لبث، ان وقع صريعا في مكان بعيد  !! 
وقالت للهدهد :
قُل  له، اني قادمة  !!
قُل  له، اني مثل ابي امراة سماوية، ولكني وقعت في هواه  !!
قُل له، ان ينظر في عينك، ليرى صورته الجديدة  !!
وما ان تقدّم الرجل، نحو الهدّهد ، 
حتى بدأ شكله يتغّير، الى عمر اقّل ، الى ان اصبح في ريعان الشباب  !!

لم يُصدَّق  الرجل العجوز ماذا حلّ به  !!

رقص، من كثرة فرحه  !!

وما لبثت، ان مرّت غيمة بيضاء كلون الثلج، غمرت المكان  !!
وما لبث، ان أينعت ثمار الأشجار، في غير ميعادها  !!

وما لبث، ان غطّى المكان حشيش احمر، إيذاناً بقدوم  زائر ٍ مهم !!

وما لبث، ان نبتت زهور، ورياحين، متعدّدة الألوان، والأشكال  !!

وما لبث، ان عبق الجو برائحة البخور، والعنبر  !!

وإنفلقت السماء  !!

ونزلت امرأة الوادي المقّدس، من على صهوة  حصان ابيض له  جناحان  !!
يرافقها  نسرٌ  وعقاب ٌ  !!
وأمرت ْ، الجمع بالسجود  !!
تمايلت امرأة الوادي المقّدس، وهي تسير، وتطاير الغنج والدلال منها، وأومأت  بيدها  للهدّهد ، ان يترك المكان هو وصحبه  !!
تقدمت امراة الوادي المقدَّس  نحو حبيبها  !!

وكان بأجمل حلة ٍ،  واذكى رائحة ٍ، وجسم ممتلئ،  وتصافحا، 
وأذنت للشمس بالمغيب،
 وتبادلا القبل على ضوء القمر  !!
واختلت به  !!
وبعد ان قضت وطّرها منه  !!
اصطّحبته معها للوادي المقدَّس  !!
حبيبا، رفيقا، وزوجاً  !! 

إعداد : 

فيصل المصري 
اورلاندو / فلوريدا
كانون الثاني ٢٠١٥
جميع، الحقوق الأدبية، محفوظة، لدى ولاية فلوريدا





الأربعاء، 28 يناير 2015

دراسة تاريخية، عن أصول الغناء والطرب عند العرب !!

أصول الغناء، والطرَّب عند العرب. 
دراسة تاريخية موثّقة. 
 


إختياري لهذا الموضوع اليوم، له أسباب وجيهة، أهمها :
-/ سئم الانسان العربي، أخبار المجد ألتليد، والفخر العنيد، لانه، اليوم يُعاصر ويُعايش الخيبة، وبئس المصير.  
-/ وملَّ أيضاً، تلاوة بُطولات الاجداد، والفتوحات شرقاً وغرباً، لانه بات في عداد المنهزمين، والمتخاذلين، والمقوقعين، في دهاليز التزمّت، والتقليد، والتكفير وما الى ذلك من تعابير جعلته يَكْفُرْ، بكل ما في الكلمة من معنى. 
-/ وكَرِه َ ان نذكّره بان السلف الصالح الذي ضرب وتداً في الرمال وأقام خيمته، وأضرم النار أمامها ليقتفي ضوءها كل عابر سبيل محتاج، لانه يشاهد أُولّي أمره يُمعنون، في القصور فخامةً، ويوصدون أبوابهم امام محتاج او طالب صدقة. 
 
وسأكتب اليوم ما يُسر الخاطر، ويُفرح القلوب، ويُثلج الصدور، في الغناء والطرب عند العرب، على مدى العصور،
في الجاهلية، وما قبلها، وما بعدها في العصرين الأموي والعباسي. 
أعتمدت في بحثي هذا، على عدة ينابيع، أهمها كتابين حملا أعذب الأخبار، وأحلى القصص، وهما :
-/ كتاب، العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي، ٣٢٨ هجرية. 
-/ وكتاب الأغاني، لابي فرج الأصفهاني. 
وقد توّسعت، في وصف وشرح هذين الكتابين، حتى أوفّر على كل طالب، في الاستزادة في تاريخ الغناء والطرب عند العرب، ان يذهب مباشرة الى هذين المصدرين، ولا يُتعب نفسه مشقّات البحث والتقصي. 
كما وإني سأذكر بعض الكتب المهمة التي أتت على ذكر الغناء والطرب. 
اولا : العقد الفريد. 
يشتهر هذا الكتاب، في انه يُعتبر، من أُمهات كتب الأدب العربي، لانه يشتمل على اخبار، وأمثال، وحِكم، ومواعظ، وأشعار، وقد سُمي بالعقد، لان ابن عبد ربه، قسمّه الى أبواب، او كتب، حمل كل منها، حجرا ً كريما ً، كالمرجان، والزبرجد، واللؤلؤ، وغير ذلك من احجار ثمينة تُصلح لان تكون عقدا ً تلبسه اجمل مليحات العرب، في ذاك الزمن.
وقد ورد في فصل الياقوتة الثانية، كلام عن علم الألحان واختلاف الناس فيه، بعض المعلومات التي ركّزت عليها.  
ومع ان ابن عبد ربه، أندلسي الا انه اخبرنا في كتابه الكثير عن أهل الشرق العربي، حتى قيل ان الصاحب ابن عُبَّاد، الوزير والأديب، المشهور، انه لما علم بوجود هذا الكتاب، دفع الغالي والثمين للاستحصال عليه، ولمّا وصله، قال كلمته المشهورة : هذه بضاعتنا رُدَّت ْ إلينا.   
 
وقال أبن خلكان، في كتابه كشف الظنون، عن هذا الكتاب انه ممتع، لانه احتوى على كل نفيس. 
ثانيا ً : كتاب الأغاني، لابي فرج الأصفهاني. 
هو مصدر مهم جدا ً لهذا البحث.
 بقي ابي فرج ٥٠ عاماً حتى أكمل هذا الكتاب، وقد أهداه الى سيف الدولة الحمداني، كان صاحب، فيما تبقى من حلب اليوم ، واعطاه ١٠٠٠ دينار، مكرمة. 
وقد أُنتقد سيف الدولة على قِلة عطائه، لان قيمة هذا الكتاب تفوق ١٠٠٠ دينار، وبالفعل وردت بعض الروايات التي تقول، ان ابي الفرج الأصفهاني، كان يقوم بإضافات على هذا الكتاب، ليخلع عليه بعض الأمراء والحكّام، مبالغ إضافية. 
لماذا سُمي الكتاب بالأغاني ؟؟
كان الخليفة هارون الرشيد، يعشق الغناء والطرب، الى جانب خِصال حميدة إمتاز بها كحبّه للأدب العربي والفروسية، والكرّم، وغيرها من صفات الرجولة، كالفتوحات التي رافقت هذا الخليفة طيلة حياته، والتي في كل حقل كان هارون الرشيد سباقا ً ورائدا ً، وقد امتلأت الكتب اخباره، وهواياته، ومغامراته، وقصصه. 
في صفة عشقه للأغاني، كان في بلاط هارون الرشيد، مغني مشهور اسمه ابراهيم الموصلي، طلب اليه، ان يغني ١٠٠ أغنية جديدة، فضلا عن ألحان وأغان كتبها شعراء بالعصر الجاهلي، والصدر الاول من العصر الأموي. 
وقد ورد في هذا الكتاب، اخبار ممتعة، ومشّوقة، ومسّلية، عن المغنين والشعراء.  
وقد اعتبر ابن خلدون هذا الكتاب، انه أية حب، ابي الفرج لقومه العرب، لانه ذكر اسماء المغنين وأسماء الشعراء، وجميع أبيات شعرهم. 
ويقال ايضا ً، ان الأديب والوزير، الصاحب بن عُبَّاد، لم يكن يفارقه هذا الكتاب، لانه كما استحصل على كتاب العقد الفريد، إستحصل على هذا الكتاب ايضا ً، 
ومن اخبار هذا الوزير،  الذي يُشبه وزراء العالم العربي اليوم،  انه كان يحمل معه في حلّه، وترحاله حِمْل ٣٠ جملا ً من الكتّب، فلما استحصل على كتاب الأغاني، إكتفى به. 
ثالثا ً : المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر. 
هو كتاب في التاريخ، يبدأ بالخليقة، وينتهي بعهد الخليفة العباسي المطيع لله ٩٧٣ م. 
وقد سمّاه المسعودي، مروج الذهب لنفاسة ما حواه، وجعله تحفة الإشراف لما تضمنه من جمل تدعو الحاجة اليه، لانه اختصر كتابان له، في هذا الكتاب، وقد ضمنّه، بعض الأخبار والقصص عن الغناء والطرب. 
رابعا ً : الفهرست، لصاحبه ابي الفرج محمد بن اسحق  النديم. ويطلق عليه ابن النديم اختصارا ً. 
في هذا الكتاب، جمع ابن النديم، كتب الأديان والفقه، والقانون، والشعراء، والمغنين، والعلماء، والمفكرين.   
خامسا ً : في الغناء والطرب عند العرب. 
 
اختلفت ضروب الغناء في الجاهلية،  فمنه الحداء، والإنشاد في الأفراح والمآتم. ويعتبر الحداء أقدم انواع الغناء،  إذ اعتبره المسعودي، انه جاء من أسطورة، بان أعرابي سقط من على جمله فانكسرت يده، فجعل يقول : يا يداه ... يا يداه، وكان صوته جميلا ً فاتخذه العرب حداءً يرجز الشعر وسمّوه، الرجز  وهو اول بحور الشعر وأبسطها.

وقد استعمل عرب الجاهلية، الدف، والقصبه، والزمر او المزمار، وقد ورد ذكر هذه الآلات الموسيقية في الأغاني لابي فرج الأصفهاني، والعقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي. 

 عرف اللخميون، من أهل الحيرة العود الذي استعاره منهم أهل الحجاز، ويقول المسعودي، ان النضر ابن الحارث ابن كلده، الطبيب الشاعر، هو الذي ادخل العود الى مكّه، من الحيره. وقد استعير الناي، وهو اسم فارسي الى الجزيرة العربية.
أما صاحب الأغاني ابو الفرج الأصفهاني، عدّد اسماء النساء المغنيات، في الجاهليه، وأضاف ان اول الرجال الذين احترفوا الغناء،  طويس، وقد حنىّ يديه وقيل انه غنّى بالمدينة بعد ظهور الدين الجديد، وقد عُد َّ،  أبا الغناء في الاسلام.
اما في العصر الاسلامي، فقد عُرف طويس ومن تلامذته ابن سريج، الذي ورد عنه في كتاب الأغاني، انه كان يحمل قضيباً لإرشاد الضاربين على آلات الموسيقية، في الحفلات الرسمية التي يديرها ( المايسترو اليوم ) وقيل انه من أصل تركي، وكان مولى لسكينة بنت الحسين.
وهناك أيضاً سعيد ابن مسجح المكّي، الأسود اللون الذي يعّد اول موسيقي ظهر في مكه، ولعله اعظم من غنّى في العصر الأموي، وقيل انه اقتبس ألحاناً فارسية ورومية ونقلها الى غناء العرب. ويعتبر، اول من نظم الموسيقى العربية في ناحيتها النظرية والعملية،

اما المغني الاخر، فهو ابن محرز، يقال انه صناج العرب، وقد ورد في الأغاني، أيضاً اسم المغني معبد وكان خلاسياً. 

اما المغنية حُبابة،  وهي من القيّان الجميلات وقد تزّعمت الغناء مع المغنية سلامه، محظّيتا، الخليفة الأموي يزيد.
ويقال ان حُبابة، خرجت يوماً الى مكّه، يرافقها حذاق المغنين، والمغنيات، وجماعة من الشعراء، والإشراف، وغيرهم من الرجال، والنساء المعجبين بها، يُشّيعونها، او يحجّون،  معها، وقد ركبوا على الإبل في الهوادج، والقباب، وتخايروا في اتخاذ انواع اللباس العجيب، الظريف، فما إن أشرفت على مكّه، حتى خرج الناس رجالا ً، ونساءً ينظرون الى جمعها، وحسن هيئتهم، حتى قضت حجّها،  فعادت وعاد معها جمع ٌ اكثر من جمعها فتلّقاها أهل المدينة، ودخلت بموكب أحسن مما خرجت به، وتوافد عليها الناس مسلّمين لا يستنكف من ذلك كبير، ولا صغير ( يراجع تفصيلات إضافية عن حبابه، في الأغاني ).

اما حفلات الموسيقى، كانت تقام في منازل سيدّات الطبقات الأرستقراطية، وقد ذكر صاحب الأغاني، ان سُكينة بنت الحُسَيْن، استقبلت يوما، عميد المغنين في العراق، حنين الحيري النصراني، وسمحت للناس دخول دارها في المدينة ولم يُرَ يوم اكثر حشراً، وصعدوا فوق السطوح ليسمعوا صوته فسقط الرواق عليه، ومات حنين.

اما الوصف المثير، الذي أورده صاحب الأغاني، هو ما قاله عن الشاعر عمر أبن ابي ربيعة، في موكبه للحج، إذ خرج عمر في أحسن هيئة، ومعه مغنيه ابن سريج، وجعل يتعرّض، لمن يرى من الحسان، حتى امسوا فرفع ابن سريج صوته، يغني في شعر قاله عمر فسمعه الركبان وجعلوا يصيحون فيه ( يا صاحب الصوت اما تتقي الله قد حبست الناس عن مناسكهم ).  

كانت مكانة الموسيقى في ذلك العصر، قريبة للقلوب وأعظم من ان تقاوم، لا سيما ان أرباب الموسيقى أنفسهم كانوا يستندون الى احاديث نبوية تدعّهم يغنّون. 
وقد ذكر الغزالي في كتابه، احياء علوم الدين الأحاديث النبوية التي استند اليها هؤلاء.

كما وان صاحب العقد الفريد، أشار الى ان الشعر والموسيقى، والغناء، ليس من الضروري ان تحّط من قدر الانسان، بل ان لها قسطاً من التأثير في تهذيب النفس، إذ تبعث على مكارم الأخلاق، والتجاوز عن الذنوب.
ويقول المسعودي، انه ما إن جاء اخر العصر الأموي، حتى كان حب الغناء، قد سرى في نفوس الخاصة والعامة فاتخذ العباسيون، ذلك الامر سلاحاً ضد خصومهم الأمويين وقاموا ينشرون دعوتهم ويتوعدون ( أعداء الله ). 
اما الموسيقى في العصر العباسي، بالرغم من استنكار اصحاب الشرع لها، لم تتأثر دمشق ولا تأثرت بغداد، بل بدأ الفن حيث انتهى خلفاء بنو أمية، وأول الخلفاء العباسيين الذين اهتموا بهذا الفن، هو المهدي الذي احضر المغني سياطاً المكّي، صاحب الصوت الشجي الذي قيل في صوته ( ادفأ للمقرور من حمّام محّمى ). 

ثم أُحضر أيضاً المغني ابراهيم الموصلي، ويقول صاحب العقد الفريد، انه أيضاً استعمل القضيب لتركيز إيقاع الموسيقى، وانه كان لو خرجت اليه ثلاثون جارية يضربن في الأوتار، اذا شذّت إحداهّن، يشير اليها شدّي  مثناك فتشّده، وتستوي الأوتار.

لما جاء هارون الرشيد، كان بلاطه يفوق الوصف في الأبهة والأناقة، وقد أخذ يرعى الموسيقى وقد زها في ظله نفرٌ من أقطاب الموسيقى، حيث أُجريت عليهم الأرزاق، بكثرة.

وتركت هذه الفئة من أهل الفن، اثاراً ادبية خالدة من قصص الغناء في الكتّب كما نرى في الأغاني، والعقد الفريد، والفهرست، ونهاية الأرب، وفوق هذا كله، كتاب الف ليلة وليلة.
وقد روي، انه في عهد هارون الرشيد، أقيم مهرجان ضخم للموسيقى اشترك فيه ألفان، من المغنّين والمغنّيات.
اما المُغَّنين، في ايام هارون الرشيد، غير ابراهيم الموصلي، مخارق، الذي إن غنّى يُبكي الحاضرين. 
كذلك، زها في ايام المأمون، إسحاق ابن ابراهيم الموصلي عميد أهل الموسيقى في عصره، وتمثّلت فيه روح الموسيقى العربية الكلاسيكية، وقد أعتبر ابن خلكان، ان إسحاق هو اعظم من أنجبهم الاسلام في هذا الفن، وقد إدّعى اسحق كما ادعى ابوه من قبل، وكما إدّعى زرياب، من بعدهما، ان الجّن كانت تُلهمهم الألحان.
وقد فاق بنو العباس في بغداد، بنو أمية في دمشق، في مضمار حبهم للغناء والطرب، فقد قيل، انه نبغ ابراهيم ابن المهدي، ( اخو الرشيد ) في هذا الفن، أما الواثق كان يضرب على العود، وقد صنع مئة صوت. 
اما الخليفة الذي برع في الموسيقى، هو المعتمد الذي ألقى في حضرته الجغرافي الشهير ابن خرداذبه خطبة في الموسيقى والرقص، تُعّد ُ من الأصول إلهامة، التي بين أيدينا عن حالة هذين الفنين في ذلك العصر.
اخيراً،
إن كتاب الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني ، يُعّد  من اهم الذخائر، في وصف النواحي الاجتماعية، عند العرب، وهو الى جانب ذلك، تاريخ مفّصل للموسيقى منذ ايام الجاهلية الى ايام الأصفهاني، الذي يعد اعظم مؤرخ للموسيقى، أنجبته العرب قاطبةً.

إعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا 
كانون الثاني ٢٠١٥












Related Posts

دراسة لي، عن اكرم العرب حاتم الطائي...

حاتم الطائي، أَكرَم العرب !!

مارتن لوثر كينغ !!
0 التعليقات:
 

 

الاثنين، 26 يناير 2015

دراسة لي، عن اكرم العرب حاتم الطائي نُشرت في مجلة لوناالين !!

حاتم الطائي /// بقلم الكاتب فيصل المصري

حاتم الطائي /// بقلم الكاتب فيصل المصري

حاتم الطائي.
تعريف :
حاتم الطائي، هو الشخصية العربية التاريخية، الذي إشتهر بالكرم، وباسمه ضُرب المثل.
وقد تضاربت الاراء، حول ما اذا كانت حليمة، هي زوجته كما ورد في الأدب الشعبي.
 إشتهرت، حليمة بالبخل، والشّح، والتقتير وبسببها، ما زلنا نردد المثل العربي الشائع ( عادت حليمة لعادتها القديمة ).
ورد في الأخبار المتوارثة،  ان حاتم الطائي، حاول طيلة حياته تقويم البخل، لدى زوجته، وإصلاح ذات البين بين الكرم، المتأصل فيه، والبخل المتمّكن من زوجته،
عبثا ً، حاول حاتم الطائي، إصلاحها، وبقيت حليمة على عادتها في البخل، والتقتير.
وسنعود لاحقا ً، لبحث مقولة ( عادت حليمة الى عادتها القديمة )، ولكن قبل ذلك،
 من هو حاتم الطائي ؟؟
اولا : حاتم الطائي.
هو شاعر جاهلي، توفي بالعام ٦٠٥ م.
هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن آل فاضل …….
بن الغوث بن طيئ الطائي. توفي قبل، الاسلام، وكان مسيحيا ً، اما إبنه عدّي وابنته سفّانه، أدركا الاسلام وأسلما.
يعود كرمه الى والدته، التي اشتهرت بالتبذير، ولكن ابنها حاتم، يعتبر أشهر العرب بالكرم، والشهامة، ويضرب به المثل، بالجود وحسن الضيافة. وانتقلت صفة الكرم الى ابنته ايضا ً ( سفّانة )، حيث كان والدها يعطيها بعضاً من ابله، فتهبها كلها وتجود بها على الناس، كما ذكره ابن الكلبي في كتابه.
كان يسكن حاتم الطائي، في  حائل اليوم،  منطقة من المملكة العربية السعودية، وتوجد لغاية تاريخه، بقايا اطلال قصره، وموقدته الشهيرة، وقبره في بلدة توارن في حائل.
قال ابن كثير عن حاتم الطائي، في كتابه ( البداية والنهاية )
ان ابنه عدّي، قال عنه انه كان يصل القرابة ويطعم الطعام ويُسدي من المكارم والاحسان ما لم يفعله غيره.
كان حاتم الطائي، من شعراء العرب في الجاهلية، يشبه شعره، جوده في الكرم :
-/ كان اذا سُئل وهب.
وهناك كلام قالته ابنته سفّانه للنبي محمد ( صلعم ) عندما أُسِرت في غزوة لبلادها،  اذ قالت للرسول :
يا محمد، إن رأيت ان تخلي عني، فلا تُشمّت بي احياء العرب، فاني ابنة سيد قومه، وان ابي كان يفك ُّ العاني ويحمي الذمار ويقري ( يٌطعم ) الضيف ويُشبع الجائع ويفرّج المكروب، ويُفشي السلام، ويُطعم الطعام، ولم يرّد طالب حاجة قط …
 انا …. ابنة حاتم الطائي !!
قال لها النبي ( صلعم ) هذه صفة المؤمن حقا ً، لو كان ابوك مسلما ً لترحّمنا عليه.
 خلوّا عنها، فان أباها كان يُحِب  مكارم الأخلاق …. والله … يُحِب المكارم.
-/ كان ينحر كل يوم عشرا ً من الإبل.
 ويقال انه مر َّ عليه في احد الأيام، ثلاثة أشخاص، لا يعرفهم، طلبوا اليه الطعام الذي يقدّم عادة للضيف، فما كان من حاتم الطائي، إلا ان نحر ثلاثة من الإبل  تكريما ً لهم، ولمّا سأله ابوه لماذا فعل ذلك، كان يكفي ان تذبح  واحدة، اجاب والده، ان لهجات الأشخاص تختلف عن بعضها، وربما هم من قبائل مختلفة، دعهم يتكلمون عن كرمنا.
وبالفعل، كان بين الثلاثة،  الشاعر الفّذ النابغة الذبياني، الذي، ما لبثت أشعاره، وأقوال صحبه في الكرم الذي لاقوه من حاتم الطائي، ان انتشرت كالنار في الهشيم في قبائل العرب.
-/ كان يوقد النار ليلا ً لينظر اليها من ضَل ّ الطريق.
قلمّا فعل احد ذلك، في سالف الازمان مثلما فعله حاتم الطائي، التي نار موقدته لا، تخبو ليلا او نهارا ً.
ان جدب الصحراء، والأرض القاحلة، كانت لا تجلب خيرا ً وفيرا ً، ومع ذلك كان حاتم الطائي، لا يتأخر عن نحر الذبائح، وإطعام ضيوفه، حتى ولو كان في ذلك الوقت معسرا ً او في ضيق. وقد ذكر التاريخ اخبارا ً عنه، انه لم يكن يتردد في نحر راحلته الوحيدة، تكريما ً لضيف لجأ اليه ليلا ً.
وإذا رجعنا الى يومنا هذا، نرى ان وضع منارة على الشاطئ لتدّل البواخر على الميناء، ما هو إلا تقليدا ً لما كان يقوم به أكرم العرب.
ثانيا ً : زوجته، ماوية ابنة عفرز.
كانت زوجة مُحبة، وقد حاولت ان تمنعه عن الكرم المسرف، ولكنه، لم يقتنع فقامت بطلاقه.
وقد آورد ابو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، قصة قيلت، امام الخليفة الأموي معاوية ابن ابي سفيان، عن حاتم الطائي وزجته ماوية بنت عفرز.
( يا أمير المؤمنين ….
ماوية بنت عفرز كانت من عائلة ثرية، وكان لها الحق ان تختار زوجها، وفي ذات يوم، أرسلت الى كل من الشاعر، النبيني، والنابغة الذبياني، وحاتم الطائي، وكان الثلاثة شعراء يطمعون في الزواج منها.
فقالت لهم :
ليقّل كل واحد منكم شعرا ً يذكر فيه خصاله، وافعاله، وافضاله، وانا أُقرر بعد ذلك، وأتزّوج اكرّمكم، واشعّركم.
أنشد الثلاثة أمامها …
فاز حاتم الطائي، فكان الأشعر، والأكرم.
وَمِمَّا قاله :
أَماوي َّ، قد طال التجنب ُ والهجر ُ
وقد عَذرتني في طِلابكم العُذر ُ
أَماوي َّ، إن المال غاد ٍ ورائح ُ
ويبقى من المال الأحاديث ُ وَالذّكْر ُ
…….
ثالثا ً : قصة حليمة في التراث الشعبي.
لا تجد في التراث الشعبي العربي  شخصية نسائية، فريدة، تصلح لإلصاق صفة البخل المدقع عليها،  اكثر من حليمة، ( زوجة ) الشخصية، الأكثر كرما ً في التاريخ الا وهو، حاتم الطائي.
والاشّد غرابة، انه كيف تمكّن حاتم الطائي ان يتعايش مع زوجة بخيلة ؟؟
وإذا نظرنا الى المراجع الموثوقة، يتبين ان حاتم الطائي، تزّوج من ماوية الغسانية، ولديه منها، أولاده  عدي، سفانة، وعبدالله.
وقد ذكر التاريخ انها، تزوّجته لكرمه، وطلّقته لذات السبب، كما ورد في كتاب الأغاني ل ابو فرج الأصبهاني.
اما قصة حليمة التي وردت في الأدب الشعبي، فإنها على الشكل الآتي، أُوردها،  فقط من اجل الإلمام بشخصية حاتم الطائي، من كل جوانبها، حتى قصص الحكواتي، الذي تكلّم عنه، واترك للقارئ ان يتحّقق في مدى صحتها في سيرة حاتم الطائي، الحقيقية.
تقول الرواية التي كان الحكواتي يقصّها :
ان حليمة زوجة حاتم الطائي، كانت اذا أرادت أن تضع سمناً في الطبخ  ..أخذت الملعقة ترتجف في يدها.
فأراد حاتم أن يعلمّها الكرم فقال لها :
إن الأقدمين،  كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن زيادة، في  قدر الطبخ، زاد الله بعمرها يوماً، فأخذت حليمة، تزيد ملاعق السمن في الطبخ حتى صار طعامها طيباً وتعوّدت يدها على السخاء.
وشاء الله،  أن يُفجعها بإبنها الوحيد الذي كانت تحبه أكثر من نفسها، فجزعت حتى تمّنت الموت.
وأخذت لذلك، تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت.
فقال الناس :
 عادت حليمة الى عادتها القديمة.
أعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
كانون الثاني ٢٠١٥
8 المشاهدة الاجمالية 8 شوهد اليوم

الأربعاء، 21 يناير 2015

حاتم الطائي، أَكرَم العرب !!

حاتم الطائي.
 

تعريف :

حاتم الطائي، هو الشخصية العربية التاريخية، الذي إشتهر بالكرم، وباسمه ضُرب المثل.
وقد تضاربت الاراء، حول ما اذا كانت حليمة، هي زوجته كما ورد في الأدب الشعبي. 
 إشتهرت، حليمة بالبخل، والشّح، والتقتير وبسببها، ما زلنا نردد المثل العربي الشائع ( عادت حليمة لعادتها القديمة ). 
ورد في الأخبار المتوارثة،  ان حاتم الطائي، حاول طيلة حياته تقويم البخل، لدى زوجته، وإصلاح ذات البين بين الكرم، المتأصل فيه، والبخل المتمّكن من زوجته، 
عبثا ً، حاول حاتم الطائي، إصلاحها، وبقيت حليمة على عادتها في البخل، والتقتير. 
وسنعود لاحقا ً، لبحث مقولة ( عادت حليمة الى عادتها القديمة )، ولكن قبل ذلك،
 من هو حاتم الطائي ؟؟
اولا : حاتم الطائي. 
هو شاعر جاهلي، توفي بالعام ٦٠٥ م.   

هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن آل فاضل .......
بن الغوث بن طيئ الطائي. توفي قبل، الاسلام، وكان مسيحيا ً، اما إبنه عدّي وابنته سفّانه، أدركا الاسلام وأسلما. 
يعود كرمه الى والدته، التي اشتهرت بالتبذير، ولكن ابنها حاتم، يعتبر أشهر العرب بالكرم، والشهامة، ويضرب به المثل، بالجود وحسن الضيافة. وانتقلت صفة الكرم الى ابنته ايضا ً ( سفّانة )، حيث كان والدها يعطيها بعضاً من ابله، فتهبها كلها وتجود بها على الناس، كما ذكره ابن الكلبي في كتابه.  

كان يسكن حاتم الطائي، في  حائل اليوم،  منطقة من المملكة العربية السعودية، وتوجد لغاية تاريخه، بقايا اطلال قصره، وموقدته الشهيرة، وقبره في بلدة توارن في حائل. 
قال ابن كثير عن حاتم الطائي، في كتابه ( البداية والنهاية ) 
ان ابنه عدّي، قال عنه انه كان يصل القرابة ويطعم الطعام ويُسدي من المكارم والاحسان ما لم يفعله غيره. 
كان حاتم الطائي، من شعراء العرب في الجاهلية، يشبه شعره، جوده في الكرم :
-/ كان اذا سُئل وهب.
وهناك كلام قالته ابنته سفّانه للنبي محمد ( صلعم ) عندما أُسِرت في غزوة لبلادها،  اذ قالت للرسول :
يا محمد، إن رأيت ان تخلي عني، فلا تُشمّت بي احياء العرب، فاني ابنة سيد قومه، وان ابي كان يفك ُّ العاني ويحمي الذمار ويقري ( يٌطعم ) الضيف ويُشبع الجائع ويفرّج المكروب، ويُفشي السلام، ويُطعم الطعام، ولم يرّد طالب حاجة قط ...
 انا .... ابنة حاتم الطائي !!
قال لها النبي ( صلعم ) هذه صفة المؤمن حقا ً، لو كان ابوك مسلما ً لترحّمنا عليه.
 خلوّا عنها، فان أباها كان يُحِب  مكارم الأخلاق .... والله ... يُحِب المكارم. 
-/ كان ينحر كل يوم عشرا ً من الإبل.
 ويقال انه مر َّ عليه في احد الأيام، ثلاثة أشخاص، لا يعرفهم، طلبوا اليه الطعام الذي يقدّم عادة للضيف، فما كان من حاتم الطائي، إلا ان نحر ثلاثة من الإبل  تكريما ً لهم، ولمّا سأله ابوه لماذا فعل ذلك، كان يكفي ان تذبح  واحدة، اجاب والده، ان لهجات الأشخاص تختلف عن بعضها، وربما هم من قبائل مختلفة، دعهم يتكلمون عن كرمنا. 
وبالفعل، كان بين الثلاثة،  الشاعر الفّذ النابغة الذبياني، الذي، ما لبثت أشعاره، وأقوال صحبه في الكرم الذي لاقوه من حاتم الطائي، ان انتشرت كالنار في الهشيم في قبائل العرب.  
-/ كان يوقد النار ليلا ً لينظر اليها من ضَل ّ الطريق. 
قلمّا فعل احد ذلك، في سالف الازمان مثلما فعله حاتم الطائي، التي نار موقدته لا، تخبو ليلا او نهارا ً.
ان جدب الصحراء، والأرض القاحلة، كانت لا تجلب خيرا ً وفيرا ً، ومع ذلك كان حاتم الطائي، لا يتأخر عن نحر الذبائح، وإطعام ضيوفه، حتى ولو كان في ذلك الوقت معسرا ً او في ضيق. وقد ذكر التاريخ اخبارا ً عنه، انه لم يكن يتردد في نحر راحلته الوحيدة، تكريما ً لضيف لجأ اليه ليلا ً.
وإذا رجعنا الى يومنا هذا، نرى ان وضع منارة على الشاطئ لتدّل البواخر على الميناء، ما هو إلا تقليدا ً لما كان يقوم به أكرم العرب. 
ثانيا ً : زوجته، ماوية ابنة عفرز. 
كانت زوجة مُحبة، وقد حاولت ان تمنعه عن الكرم المسرف، ولكنه، لم يقتنع فقامت بطلاقه.
وقد آورد ابو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، قصة قيلت، امام الخليفة الأموي معاوية ابن ابي سفيان، عن حاتم الطائي وزجته ماوية بنت عفرز. 
( يا أمير المؤمنين .... 
ماوية بنت عفرز كانت من عائلة ثرية، وكان لها الحق ان تختار زوجها، وفي ذات يوم، أرسلت الى كل من الشاعر، النبيني، والنابغة الذبياني، وحاتم الطائي، وكان الثلاثة شعراء يطمعون في الزواج منها. 
فقالت لهم :
ليقّل كل واحد منكم شعرا ً يذكر فيه خصاله، وافعاله، وافضاله، وانا أُقرر بعد ذلك، وأتزّوج اكرّمكم، واشعّركم. 
أنشد الثلاثة أمامها ...
فاز حاتم الطائي، فكان الأشعر، والأكرم. 
وَمِمَّا قاله :
أَماوي َّ، قد طال التجنب ُ والهجر ُ
وقد عَذرتني في طِلابكم العُذر ُ
أَماوي َّ، إن المال غاد ٍ ورائح ُ
ويبقى من المال الأحاديث ُ وَالذّكْر ُ
.......
ثالثا ً : قصة حليمة في التراث الشعبي. 
لا تجد في التراث الشعبي العربي  شخصية نسائية، فريدة، تصلح لإلصاق صفة البخل المدقع عليها،  اكثر من حليمة، ( زوجة ) الشخصية، الأكثر كرما ً في التاريخ الا وهو، حاتم الطائي.
والاشّد غرابة، انه كيف تمكّن حاتم الطائي ان يتعايش مع زوجة بخيلة ؟؟ 
وإذا نظرنا الى المراجع الموثوقة، يتبين ان حاتم الطائي، تزّوج من ماوية الغسانية، ولديه منها، أولاده  عدي، سفانة، وعبدالله. 
وقد ذكر التاريخ انها، تزوّجته لكرمه، وطلّقته لذات السبب، كما ورد في كتاب الأغاني ل ابو فرج الأصبهاني.  
اما قصة حليمة التي وردت في الأدب الشعبي، فإنها على الشكل الآتي، أُوردها،  فقط من اجل الإلمام بشخصية حاتم الطائي، من كل جوانبها، حتى قصص الحكواتي، الذي تكلّم عنه، واترك للقارئ ان يتحّقق في مدى صحتها في سيرة حاتم الطائي، الحقيقية. 
تقول الرواية التي كان الحكواتي يقصّها :
ان حليمة زوجة حاتم الطائي، كانت اذا أرادت أن تضع سمناً في الطبخ  ..أخذت الملعقة ترتجف في يدها. 
فأراد حاتم أن يعلمّها الكرم فقال لها :
 
إن الأقدمين،  كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن زيادة، في  قدر الطبخ، زاد الله بعمرها يوماً، فأخذت حليمة، تزيد ملاعق السمن في الطبخ حتى صار طعامها طيباً وتعوّدت يدها على السخاء. 
 
وشاء الله،  أن يُفجعها بإبنها الوحيد الذي كانت تحبه أكثر من نفسها، فجزعت حتى تمّنت الموت. 
 
وأخذت لذلك، تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت. 
فقال الناس :
 
 عادت حليمة الى عادتها القديمة. 

أعداد 
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
كانون الثاني ٢٠١٥
 
 
  
 

الاثنين، 19 يناير 2015

مارتن لوثر كينغ !!

I have a Dream, M. L. King, 1963

نشر من قبل faissal el masri  |  in دراسة  7:21 م

I Have a Dream
Martin Luther King
1963
On August 28, 1963, nearly 250,000 people gathered in Washington, DC, as a part of the March on Washington for Jobs and Freedom.
From the Washington Monument to the Lincoln Memorial where individuals from all segments of the society called for civil rights and equal protection for all citizens, regardless of color or back ground.
The last speaker of the day was Dr. Martin Luther King, Jr.
Whose .... ( I Have A Dream )
Speech encompassed the ideals set forth in the Declaration of Independence that All Men Are Created Equal.
King's message of Freedom and Democracy for all people, of all races and background, is remembered as the landmark statement of the civil rights movement in the United States of America.
The following year, Congress passed the the Civil Rights Act of 1964, which :
Prohibited segregation in public places.
Provided for the the integration of public schools and facilities.
Made employment on the bases of Race or Ethnicity illegal.
This act was the most comprehensive civil rights legislation since the reconstruction era following the American Civil War.
Faissal Elmasri 
Orlando / Florida 
July 2014




ابراهام لنكولن !!

Emancipation Proclamation USA, 1863

نشر من قبل faissal el masri  |  in دراسة  10:55 ص

Emancipation Proclamation 
President Abraham Lincoln 
1863
As the fierce fighting of the American Civil War entered its third year, President Abraham Lincoln acted to give a new war aim to the soldiers of the Union Army.
On January 1, 1863, Lincoln signed the ( Emancipation Proclamation ) which :
Effectively freed the slaves in the states openly rebelling against the United States.
The Civil War quickly became not only a fight to preserve the Union, but also a cause for the spread of freedom to all Americans.
Many of the recently freed slaves joined the Union Army or Navy, and fought bravely for the freedom of others.
The Proclamation was greeted with celebration in Boston, New York, Washington, DC, and else where.
In order for these words to become reality, however, much more fighting was still to come.
By the end if the American Civil War in 1856, almost 200,000 African Americans fought for the Union.
In December of that year, the 
US. Constitution was amended to free all slaves living in any part of the USA.
The 13 Amendment completed the work that the Emancipation Proclamation had begun, ending all Slavery in the United States of America !!!
Faissal Elmasri 
Orlando / Florida 
July 2014 






الأحد، 18 يناير 2015

خاطرة، في طائر الفينيق ( لبنان ) !!

خاطرة، من نسج الخيال
عن طائر الفينيق ( لبنان )


كان،  قد تعرّف عليها من خلال التواصل الاجتماعي، وقد عرف عنها، انها سيده لبنانيه ما زالت تقيم في لبنان بالرغم من الأحداث الأليمة.  وهو في المهجر يقيم. 
 أحبّت، هذه السيدة وتحب وطنها كثيراً ، ولم ولن تألوا جهداً في بعث الأمل،  بان لبنانها سيعود من بعد الخراب والدّمار، والتفجير، الذي عصف، ويعصف به. 
وكانت دوما ً تدعوه لزيارتها، وتحاول إقناعه ان البلد يتعافى
والأخبار التي تصّله في المهجر، مُضَّخمة، وأنها تعيش بأمان دون خوف او رهبة، 
حتى في احد الأيام، قرّر السفر الى لبنان فقط من اجل ان يتعّرف عليها، لانه، تخّيلها تطير فوق السحاب وحيدةً ، منفردةً ، وبعيدة عن الأسراب الاخرى التي تعيث فساداً واجراماً بوطنها ، والأشد غرابة من ذلك، أيقنّ انها امراة تؤمن بالأساطير، ويتلاقى تفكيره مع اعتقاداتها. 
وكانت تردّد على مسمعه، أن عيناها ثاقبتان، ومن الأعالي ترى أنّه، في تحت الرماد ( طائر الفينيق ) يَحْبو محاولا ان يطير، وانه سيعود، من بين الأنقاض، حتى يعيد الامجاد لوطنها لبنان. 
إحتار في أمره، 
وأبدى خشيته من السفر، لان حياة الجاهلية أخّف وطأة عليه، من الحياة التي تعيشها هذه السيدة !!
وأعتذر منها، 
لانه قرر البقاء في المهجّر !!
وأنشدّها شعرا ً، قال فيه ::


ما زلت ِ فوق السحاب تُنادين
على وطن، من وجعٍ لا يستكين 

حرقت بالبكاء قلوب الغيارى
ولم ينفع في ردع المجرمين 

ما نفع الدعاء المستجاب 
في بلدٍ يرتع به ألمُنجّمين 

بالجاهلية، شعر ٌ ونثر ٌ وعلم ٌ
والقوم ُ على الأوثان  مُألهين  

في سوق عكاظ ٍ بنّوا مجداً
وباسواقنا صال وجال الناسفين 

بأيام،  الحُرُّم ِ أوقفّوا القتل َ
وكانوا على دينهم  كافرين 

في حربنا ليس بها حرام ٌ
لأنهم باسم الدين  مَأذونين 

هم صانوا اللاَّت  والعُزَّى 
ونحن لبيوت  الله مُفجّرين

لله درَّك يا  جاهلية 
هل  قتلت ِ غير أَلموؤُدين

هُنَّا قُتِلنا بغير  ذنب ٍ
وهل بقتلنا نحن مُذنبين

بكّوا على الأطلال  وأبكونا 
ورجعوا الى ديارهم  إسفين 
وَأَمَّا نحن ُ ما زلنا تائهين ..........

أعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
كانون الثاني ٢٠١٥

السبت، 17 يناير 2015

الفرس العربي، ذات عيون ... أل .... مها !!!

الفرس العربي !!
وعيون المها، الكحلاوين !!
 تاريخه
المقدمة :
وفقا ً للمعاجم العربية، 
فرس ( مفرد ) وأفراس ٌ، وفروس ٌ ( جمع )، وهو حيوان، اهلي،  وحشي، سلالاته، عديدة  أشهرها  الفرس العربي !!
ويقال، للفرس الذكر، حصان، 
وإن َّ اوَّل َ، من إستئنسها، بعد ان كانت وحشية، اسماعيل ابن ابراهيم الخليل. 
وعن النبي داوود،  انه،  كان لديه الف  فرس، وقد ورثها عنه سليمان،  وقال ان أحب َّ اليه ما ورثه،  هذه الخيل.
 -/الفرس العربي :
يعتبر الفرس العربي، من اقدم السلالات في العالم، وقد اعتنى العرب بها، وكان الهّم عند العربي في الجاهلية والإسلام،  المحافظة على النسل،  ومن مظاهر الاعتزاز العربي بالخيل، انه أعطاها اسماء ً وانسابا ً، فسجّل للخيل ( شجرة ) حتى لا تشوب أصالتها زغل في دمها، لتبقى، نقيَّة ً صافية، حتى انه، منع على الفرس الذكر الأصيل، من التزاوج، مع أفراس مجهولة، حتى لا يضيع النسب !!
قال ابن رشيق القيرواني،
 في تكريم الخيل عند العرب :
 انهم كانوا لا يهنئون إلا بثلاث : 
- غلام يولد، 
- او شاعر، ينبغ، 
- او فرس، تنتج.  
وقد بلغ العرب،  في تعظيمهم للخيول،  ما لم تبلغه أمة من الامم، في التباهي، والتفاخر، والتنافس، والتكريم، والإكرام، وفي حسن تربيتها.
اما صاحب الأغاني ابو الفرج الاصبهاني قال :
 إن َّ العرب،  
اضافوا لفظة الخيل، الى بعض الأسماء مثل الشاعر الجاهلي زيد الخيل، وذلك لشغفهم بها.
ولشدة تعلقهم بالخيل،  كان الإشراف يخدمونها بأنفسهم ويسقونها الماء الدافئ بالشتاء، ويفتخرون بذلك، واعتبروا ذلك من مآثرهم حتى انهم يلبسونها غطاء ً في الرأس لعزتّها.
اما المؤرخ، جليل القدر ابن الكلبي صاحب كتاب ( انساب الخيل )
انه يقول، 
ان أصل الخيول العربية، وفحولها، يعود الى البقية الباقية من خيول، النبي سليمان، التي كانت تسابق الريح، وتقطع شرق، وغرب، الارض دون كَلَّل او ملّل.  
وقد ذكر التاريخ العربي القديم، داحس والغبراء، اللتان تسببّتا،  بالحرب الضروس بين قبيلتي عبس وذبيان والتي دامت ما يقارب ٤٠ عاما ً ( يراجع مدونتي عن ليلى العفيفة، وابن عمها البرّاق )
وقد بلغ بالعربي، أن تغنّي بجمال الفرس،  حتى
 قال :
 ان عيونه، واسعتين، صافيتين، براقّتين، كحلاوين، شاخصتين مملوءتين، كعيون ( المها ) لان لديها اجمل العيون، بين المخلوقات، لرقة الجفنين ووفرة الرموش !!
وان اذنيه، صغيرتين، ولكن السمع، عند الخيل خارق ومرهف، وانه يستشعر الخطر !!
وان حاسة الشم لدي الحصان، تلعب دورا ً في التعرف على صاحبه، وعلى الخيول الاخرى !!
وكذلك الحواس الأخرى، كالتذوّق، والنظر، لهما تأثير في رفع شأن نسب الفرس الأصيل !!


وان صدره، كبير، ومتسّع، تؤهله لسباق المسافات الطويلة، والصبر على المشّقات !!
خلاصة الوصف، في الفرس العربي الأصيل :

انه، معقود بنواصيه الخير، الى يوم القيامة !!
وظهور الخيل عز ٌ، وبطونها،  كنز ٌ  !!
وقد أضاف ابن الكلبي في كتابه المذكور أعلاه :
  

 ان العرب كانت تربط الخيل في الجاهلية والإسلام معرفة بفضلها وما جعل الله تعالى فيها من العز وتشرفاً بها وتخصّها، وتكرمها، وتؤثرها، على الآهلين، وتفتخر بذلك في أشعارها وتعتّد لها .....الخ 
ويقول البلاذري، في كتابه فتوح البلدان،
 ان بعضاً من المجوس عبدوا الخيل.
 وفي حفريات الشعوب الوثنية كانت تماثيل الخيل تقدّس، تقرباً من الآلهة.
اما العربي، فانه أحب َّ الخيل، لانها انيسته ورفيقته في حلّه وترحاله، وكانت المآساة الكبرى للعربي اذا نالت سيوف الأعداء ورماحهم فرسه، فيقع في احساس عميق وحزن لا يوصف.
وهذا أمرؤ القيس، وعنترة ابن شداد، وغيرهما، نظروا الى خيولهم، نظرة المحب العاشق الولهان.
 ويقال ان امرؤ القيس، هو فريد عصره والعصور التي تلّت، كون فرسه اكثر الافراس شهرة في الشعر العربي، لا بل، لا يمكن العثور عليه في مملكة الحيوان لانه غريب ٌ عجيب ٌ وكأنه أسطورة.
كان امرؤ القيس، ينصرف عن امر رحلة الصيد حتى يقوم بوصف فرسه معتزاً به معجباً به مفتخراً بكماله وسرعته لا يكل او يمل مهما عدا .....
وإذا أردنا التوسع في الثقافات غير العربية في مسالة الخيول :
نرى في معجم الأساطير اليونانية، الرومانية، حصان طروادة، لدى الإغريق وقصته مشهورة في التاريخ .
كذلك أشار، ابن الكلبي، في كتابه انساب الخيل،
 الى حصان الملك سليمان ابن داوود.
اما صورة الفرس فلا تجد أفضل من بيت شعر امرؤ القيس.
مِكرٍ مِفرٍ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً
كجلمود ِ صخرٍ حطَّه ُ السيل ُ من علِ
الى ان قال :
ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه
متى ما ترق العين فيه تسفل ِ
أعداد 
فيصل المصري
أورلاندو / فلوريدا
كانون الثاني ٢٠١٥