Pages

الأحد، 23 نوفمبر 2014

أثر الامبراطورية العثمانية، والانتداب الفرنسي على لبنان !

أثر الإمبراطورية العثمانية، والانتداب الفرنسي، على الكيان اللبناني !!


قد يتعّجب القارئ الكريم، كيف انتقلت من أثر الحضارة البابلية على كافة شعوب الارض، وعلى مختلف مللّهم ومعتقداتهم، الى امبراطورية، والى استعمارٍ، لم يخّلفا الا الفساد والقهر والعنصرية والإذلال، على لبنان،  بدّل العلم والكرامة والعزّة والعنفوان، الذي تركته الحضارة البابلية. 

إن مرّد الانتقال، من الأعلى الى الهاوية، يعود الى أسباب، سأذكرها تباعا ً.

اولا ً : الفرق بين الكيان، والدولة. 

عرّف،  فقهاء العلم الدستوري في  الغرب، بأنّ الدوّلة،  يُشترط لقيامها ان يكون لها ( الدستور ) الذي ينّظم اعمال  وسير السلطات الثلاث ( التنفيذية، الاشتراعية، والقضائية )، وقد ابتدّعوا أساليبا ً  وطرقا ً حتى لا تطغى سلطة على اخري مثلا ( نظام فصل السلطات، او ما يُعرف في أميركا  checks and balances ) وهذا خارج بحثي الان، مع انه مهم جدا ً.

أمّا الكيان، هو عكس ذلك تماما ً، انّه خلطة سحرية فيها تشابك هذه السلطات، وإدخالها بعضها في بعض، في متاهات التفسير، وإستجلاب ارواح واضعي النصوص، لتفسير المقاصد والمعاني،  بدل الألفاظ والمباني، فيتّم إلغاء  سلطة، واستحداث مغارة محلها، يكون القصد منه السرقة  وسلب  خيرات الوطن، 

وهذه الخلطة، وُضعّت من أجل ان لا  تسّوى المشاكل، الا على قاعدة لا غالب او مغلوب او  اختلاط الحابل بالنابل، الذي يُصبح الحل الانسب والأسهل، والأمثل في نهاية المطاف. 

 هذه الخلطة، الدستورية السحرية، تُسَّمى ( الكيان اللبناني ) اليوم، منذ ان قامت قائمته في أواسط القرن الماضي، عندما نال استقلاله.  

وللدلالة على أنّ،  هذا الوطن هو ( الكيان ) بعينه :
تُلاحظ، ويتحقق لك :

-/  انه،  اذا تعّطلت سلطة، كالسلطة التنفيذية ( رئيس جمهورية )، لا أهمية. 
-/ انه،  اذا توقّفت السلطة التشريعية عن العمل، لا أهمية. 
/ انه،  اذا توقفت السلطة القضائية عن بسط العدل، لا أهمية. 
وهذا الامر، لا يحدث في ( الدولة ). بل يحدث في ( الكيان ). 

ثانيا ً : المواطنية في الدولة، والمواطنية في الكيان :

في الدولة، كما ينّظم الدستور مهام السلطات الثلاث، انه بالوقت عينه يحفظ حقوق المواطن، ويحّدد واجباته على اكمل وجه. 

في الكيان، لا يقوم الدستور باي دور، يثير الهمّة والحمّية للمواطن، بل يتركه مسلوب الحقوق، ويُكثر في فرض الجزية لانه لا من حسيب او رقيب. لان الغرض من وضع دستور ( الكيان ) ان يبقى فضفاضا ً من اجل توضيب الفوضى وتنظيمها وفق روادع لا تطال الا الشعب المعّذب. 

المواطنية،  في (  الدولة )، هناك مبدأ مقدّس يُطلق عليه،  rule of law  يعني سيادة القانون على الحاكم والمواطن، على حدٍ سواء،  وإن كان أشدّ فتكا ً بالحاكم اكثر منه على المواطن،

اما المواطنية،  في ( الكيان )، فإنها بعيدة كل البعد، عن مبدأ سيادة القانون،  بالرغم ان شعارات  الكذّب التي تعلو المباني، والجداريات  القائلة ان  القانون يعلى ولا يُعلى عليه، او العدل أساس الْمُلْك، هما مزحة، او طقس ممّل.  


ثالثا ً : لماذا الانتقال من حضارة حيّة، الى امبراطورية بائدة، واستعمار تعّفن في العقول. 

لقد سمع المغترب اللبناني، بصراخ الشعب  المقيم، وقد آثرت إغفال وعدم استعمال التعبير الصحيح،  وهو ( الحراك المدني ) لان الصراخ،  والانتقاد علا  في الصحون اللاقطة لمحطات التلفزة وفي الشوارع  والأزقة، وفي التواصل الاجتماعي،  وقطع الطرقات على الشعب ضد الشعب، ومن  موجات  مُسَّخرة  ومصفّفة  ومشّفرة من قبل زعيم كل طائفة او مذهب، الامر الذي يجعل هذا الصراخ غير مسموع،  لانه  تنفيسا ً لاحتقان ليس الا.
 
عندما، ارتأت سلطة الانتداب، ان تضّع دستورا ً، وكان لديها أساطين في الفقه الدستوري، إختارت  دستورا ً  للبنان كان وُضع ايام الجمهورية الثالثة  لفرنسا، وقد غيّرت فرنسا هذا الدستور عدّة مرّات،  لانها اليوم على مشارف نهاية الجمهورية الخامسة. 

كانت فرنسا، وهي الدولة العريقة في وضع الدساتير،  تُدرك تمام الإدراك، انها ستُنشئ ( كيانا ً )  لا دولة، في لبنان، بدليل انها رسخّت مفاهيم دستورية بالية لا تتناسب مع العصر، وذلك لغاية في نفس يعقوب، من اجل ان  تؤول أمور هذا الكيان الى ما هو عليه اليوم. 

 وقد وافقها الرأي، الدول المؤثرة في ذلك الزمن، حيث جرى توليد زعامات يكون ولائها لتلك الدول، لا للدولة الفتية الجديدة. وقد برهنّت الأيام صدق حدس هذه الدول.   

وتعتريك الخيبة،  ان الدستور اللبناني، الذي وضعته فرنسا كما أسلفنا، قد أُعتبر في غفلة من الزمن الرديئ انه قُدس الأقداس بالرغم، انه في فرنسا لم يحظ بهالة قدسية، ولو مصطّنعة، لانه  أُنتهك  وعدّل  وأُستبدل اخيراً .

اما الإمبراطورية العثمانية، لم تترك لهذا ( الكيان ) الا نواميس بالية،  في الألقاب، كالفخامة  والعطوفة  والدولة، اسمٌ  مسمّى  على إنسان. 

رابعا ً : في تسميّات هذا الكيان. 

قال البعض، وهذه اقوالهم المأثورة والمسجّلة. 

 انه،  حانة على الشاطئ.
انه،  ساحة حرب للآخرين. 
انه،  مزرعة لأولاد البكاوات. 
انه،  حديقة خلفية لدول الجوار.  

وللدلالة على ان (  الكيان اللبناني ) يعيش هذه المحنه :

- / لا يؤجد رئيس جمهورية. لأن الدستور المقّدس  لم يلحظ هذه الهُوّة، بالرغم انه في ولاية اول رئيس جمهورية لهذا ( الكيان ) ظهرت،  اول  فتنة  وتكرَّرت الفتّن كل ٦ سنوات، وجرى خرق الدستور إما بتمديد الولاية كاملة، او ما الى ذلك من بِدّع. 

وبما،  ان الحميع موافق ضمنا ً ان يبقى (  الكيان كيانا ً ) ظهرت،  مؤخرا ً معضلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وما زال الكيان يُسّير أمور الدولة، وكأنّ شيئا ً لم يكن،  ويكون  عجب العجاب ان يتم تلافي هذه الثغرة، مستقبلا ً،  وهذا ما استبعده. 





- / لا يوجد نوّاب، منتخبون  بل  مُمّد لهم. وهذا امر مشروع في أي ( كيان )، وفي لبنان بالذات، لانه لا توجد ضوابط دستورية تحول دون ذلك، او محكمة دستورية تُبطل هذا، بالرغم ان ألاسباب  الموجبة  للتمديد باطلة  وغير شرعية. 

الخلاصة :
 
اذا تسّنى للقارئ، ان يقّف على نظرة الدول الإقليمية او الدولية المؤثرة، يرى،  ان هذه الدوّل  لا ترضى بديلا ً عن استمرار ( الكيان ) للبنان،  ولا تقبل ان تجعله ( دولة )،
 وذلك للاسباب التالية :

لقد اثبتت إبقاء نظرية ( الكيان ) على حالها، نجاحها على مرّ الزمن، لان الدوّل، اتبعّت في التعاطي مع هذا الكيان إساليب وأنماط مختلفة، مثلا :

/ لم يكن التعاطي مع لبنان من خلال المؤسسات الدستورية. لان الدول المؤثرة ترى صعوبة في فرض ارادتها.  


/  بل كان التعاطي يتّم، عن طريق خلق زعامات، يسهُل فرض إرادتهم عليهم. وإذا لم يتم التجاوب معهم، او قصرّوا في تلبية المطالب. 
/ كانوا يفوّضون  وليا ً على هذا الكيان، كما حصل ايام الرئيس حافظ الأسد ومن بعده الأسد الابن، حيث كانت تسير دفّة  أمور هذا ( الكيان ) إما من البوريفاج  او عنجر وفي  الأمور الصعبة،  من قصر المهاجرين. 

الخاتمة : 
بناء ً على ما تقدم، 
- / لا ارى في المستقبل القريب،  الا الصراخ، اما الحراك المدني فانه، مضبوط.
 
- / لا ارى تعديلا ً في الدستور. 
/ ولكن ارى، ان استمرار التعاطي المتَّبَع  حاليا ً بالزيارات التي يقوم  بها السفراء على المراجع السياسية  والدينية، سيستّمر  طالما،  ان المطالب تنّفذها هذه المرجعيات. 
/ لا اؤيّد القول، ان هناك مرجعية، أقوى من مرجعيات اخرى، في هذا الكيان، إلا بقدر ما تُنّفذ،  هذه المرجعية مطالب الدول المؤثرة، اكثر من غيرها. 
/  وإذا لم تنفّذ المرجعيات المطالب،  تعود هذه الدول الى طريقة  الوصاية  او التفويض  كما حصل  بالسابق. وهي سهلة التطبيق، وتُلاقي قبولا ً لأنّ التجربة كانت اكبر برهان، إذ، كان يُطلب من المفّوض له، أمرا ً، فيطيع، ويسوق المرجعيات، طوعا ً او جبرا ً، وهذا الأسلوب لم يلق يوما ً استهجانا ً من الدول المؤثرة، ولطالما المفّوض له يُلّبي ويُنّفذ، وأجره يناله غبّ الطلب من  ( الكيان ). 

ولنا عودٌ على بدء، واللبناني يعيش في زوايا هذا الكون وبطاحه وقمّم  جباله، فانه لا يرى في محال إقاماته،  زيارات السفراء لأي مخلوق مهما علا شانه إلا رئيس الدولة  فقط لا غير، وان إلتقى مع غيره من المسؤولين،  يكون في حفل عشاء راقص يقيمه رئيس الدولة. 

أعداد
فيصل المصري
اورلاندو / فلوريدا
تشرين الثاني ٢٠١٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق